روادع المعاصي لطف إلهي (2)
قد تشاء حكمة الله تعالى أن يكون هناك رادع للمعاصي بمثابة جرس إنذار يدقه لبعض العباد، وهذا من توفيق الله عز وجل. ومع أن هذا الإنذار هو لطف إلهي، لكن البعض من الناس ينزعج من هذا الرادع. ألا ترى كيف تزود بعض السيارات بجهاز إنذار للتنبيه عند تجاوز السرعة، لكن بعض الناس يزعجه هذا الصوت فيعمد إلى إخماده.
ومن لطف الله تعالى بعباده، فإن طرق الإنذار منه عز وجل متعددة، ومن تلك الطرق:
ـ الرؤية المحذرة: بأن يهيئ الله تعالى حلمًا مخيفًا يحمل إشارات معينة للشخص العاصي أو الذي ينوي المعصية حتى يتعظ وينزجر. ورد عن الإمام الصادق : «إذا كان العبد على معصية الله عز وجل وأراد الله به خيرًا أراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر بها عن تلك العصية». أخبرني أحد الأشخاص أنه كان ذات مرة في سفر مع بعض الشباب وكانوا ينوون ارتكاب أعمال سيئة لكنه رأى في المنام وكأنه أمام حريق رهيب, والنار تقترب منه، فاعتبر ذلك إنذاراً وقرر التراجع عما كان ينوي فعله من عمل حرام.
ـ العقوبة الدنيوية: ومن أجراس الإنذار الإلهية، مواجهة العقوبة الدنيوية جزاء المعصية. حيث إن من يعصي ويرى أنه ليس هناك ما يردعه، ولا يشعر بمن يراقبه فإنه يستمر في عمل المعصية، ولكن من يتعرض للعقوبة فإنه يعيد النظر في توجهاته وسلوكه. وهذه هي فلسفة الحدود والتعزيرات وأنظمة العقوبات. ولهذا حينما تنتفي العقوبات أو تخف في مجتمع فإن الأمن ينعدم وهذا ما نلحظه فعلاً من كثرة الجرائم بسبب ضعف الرقابة والردع, حيث تسمع عن القبض على مجموعة من المجرمين وثبوت التهمة عليهم، ولكن سرعان ما تسمع أنه تم إطلاق سراحهم بالكفالة، أو بالواسطة، وهذا أمر يشجع على الإجرام، فينعدم الأمن في المجتمع.
ـ المصائب الدنيوية: كذلك مما ينذر الله تعالى به عباده وقوع الإنسان في مشكلة ما حيث يصاب الإنسان بخسارة مالية، أو مرض، أو فشل، أو أي شيء يعكر صفو حياته ويعترض طريقه، فإن ذلك ربما يكون عقوبة لمعصية، عجّلها الله في الدنيا. وهذه من نعم الله عز وجل كما جاء عن الإمام الصادق : «إذا أراد الله بعبد خيرًا عجّل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد سوءًا أملى عليه ذنوبه حتى يوافى بها يوم القيامة». كما نقرأ في دعاء كميل: «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم, اللهم اغفر الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء».
وقوع الإنسان في مشكلة قد تكون جرس إنذار وهذه نعمة من الله وعليه أن يتنبه لها. صحيح أن أي مشكلة تسبب إزعاجاً، ولكن إذا انتبه الإنسان الى أن هذا جرس إنذار، وابتعد عن المعصية وتاب منها فإنه سيعلم أن ذلك كان خيرًا له. ورد عن الإمام أمير المؤمنين : (واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا. فكم من منقوص رابح، ومزيد خاسر). على الإنسان ألا يغتر لعدم نزول العقوبة فكما يقول الإمام علي : «كم من مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن القول فيه، وما ابتلى الله سبحانه أحدًا بمثل الإملاء له».
نسأل الله أن ينبهنا من نومة الغافلين، وأن يجعلنا من التائبين إنه سميع الدعاء قريب مجيب.