الشيخ الصفار يُسجل مفارقة بين الدول المتقدمة والنامية في مستوى تحقيق العدل لشعوبها
سجّل فضيلة الشيخ حسن موسى الصفار مفارقة بين الدول المتقدّمة والنامية في مستوى تحقيق العدل لشعوبها، ملفتاً النظر إلى الفرق الشّاسع بين ما تعيشه تلك الدول من تداولٍ سلمي للسلطة، واحترامٍ لحقوق الإنسان، والفرص المتكافئة، في حين تعيش معظم دول العالم الثالث فيما دون الحد الأدنى من هذه الأمور. مؤكداً أن حكومات تلك الدول استطاعت أن تُقدّم لشعوبها نظاماً قائماً على العدل في معظم جوانبه.
وأشار إلى أن كل إنسانٍ في هذه الحياة يندفع لتحقيق رغباته وخدمة مصالحه، مما يُحدث تضارباً في المصالح، وهذا الأمر يخلق حاجة ماسّة إلى وجود نظامٍ وقانونٍ تطبّقه جهة لتنظيم تدافع الناس فيما بينهم. مؤكداً ضرورة أن يكون هذا النظام قائماً على أساس العدل ليضمن رضا الناس والتزامهم، لأن ما سواه يعني النزاع والتصادم.
وتابع يقول: من هنا انبثقت فكرة الدولة في حياة المجتمع البشري لإدارة حياة الناس على أساس حفظ النظام وتحقيق العدل، وبمقدار ما تلتزم بذلك تستقيم حياة الناس، أما في حال انحرفت الدولة عن العدل فإنها تؤسس للمشاكل والاضطّرابات.
مضيفاً: إن العدل يعني تساوي الناس في الحقوق والواجبات وفي الاستفادة من الثروات وفي تكافؤ الفرص.
وعن العلاقة بين الحاكم والنظام أوضح الشيخ الصفار أنه لا يكفي وجود الحاكم العادل ضمن نظام جائر، كما أن النظام العادل لا يتحقق في ظل وجود حاكم جائر. فقد ورد أن الملك يدوم بالعدل مع الكفر، ولا يدوم بالظلم مع الإسلام.
واستعرض عدداً من الروايات التي تؤكد ضرورة إقامة العدل في الأرض، وأنه السبيل الوحيد لحياةٍ آمنةٍ مستقّرة. يقول الإمام علي : ((العدل جُنّة الدول))، ويقول : ((العدل يُصلح الرعيّة))، وعنه : ((بالعدل تتضاعف البركات))، وقال : ((ما عُمّرت البلاد بمثل العدل))، وعنه : ((العدل حياة)).
وأشار الشيخ الصفار إلى أن الشرق الأوسط اليوم يعيش ما يُشبه المخاض لولادة عصرٍ جديد يؤمل أن يتحقق فيه العدل في مختلف جوانب الحياة، لينعم الناس جميعاً بالحياة التي أرادها الله تعالى لهم، يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ "الحديد، 25".
وفي سياقٍ آخر من خطبة الجمعة 25 جمادى الأولى 1432هـ، أكد الشيخ الصفار أن مشوار الإنسان في طريق الرقي والكمال طويل، فإذا اعتقد أنه قد بلغ الغاية وتربّع على القمّة فذلك يعني التوقف والانحدار. مشيراً إلى أن النصوص الدينية تُطلق على هذه الحالة التي قد يُصاب بها الإنسان: العجب، وهو داءٌ خطير ينبغي أن يحذر الإنسان منه، وأن يبقى دائماً مراقباً نفسه ليقيها من هذا الداء، فقد ورد عن الإمام علي أنه قال: ((الإعجاب يمنع الازدياد))، وقال ((ما أضر المحاسن كالعجب))، وعنه : ((شر الأمور الرضا عن النفس))، وقال : ((من كان عند نفسه عظيماً، كان عند الله حقيراً)).
وأضاف الشيخ الصفار: لا يخلو الإنسان من نواقص ونقاط ضعف، ووقوعٍ في الخطأ، فيجب ألا يُعجب بنفسه، ويبقى دائم النقد لذاته. كما أن عند الآخرين ميزات ونقاط قوّة وتفوّق، وعلى الإنسان أن يعترف بها ويسعى للاستفادة منها ويتعايش معها، وفي هذا السياق يقول الإمام الصادق : ((من لا يعرف لأحد الفضل فهو المعجب برأيه))، وقال : ((من أعجب بنفسه هلك، ومن أعجب برأيه هلك. وأن عيسى بن مريم قال: داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه. فقيل: يا روح الله وما الأحمق؟ قال: المعجب برأيه ونفسه الذي يرى الفضل كلّه له لا عليه، ويُوجب الحقّ كلّه لنفسه، ولا يُوجب عليها حقّاً، فذلك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته)). وفي وصف المتّقين قال الإمام علي : ((لاَ يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلاَ يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ. فَهُمْ لأنفسهم مُتَّهِمُونَ، إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهْمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِن غَيْرِي، وَرَبِّي أَعْلَمُ مِنِّي بِنَفْسي! اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُونَ.)).
وختم الشيخ الصفار حديثه بالتأكيد أن داء العجب لا يقتصر على الأفراد، وإنما قد تُصاب به الجماعات والأمم أيضاً، وقد روي عن الإمام الباقر أن قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾، ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى﴾.