الشيخ الصفار يؤبن الفقيد الشيخ حسن آل نتيف
شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في مجلس التأبين الذي اقامته اسرة آل نتيف في حسينية الخويلدية ليلة الخميس 2/6/1432هـ الموافق 5/5/2011م بمناسبة رحيل الخطيب الأديب الشيخ حسن بن الملا محمد علي آل نتيف رحمه الله (1940م-2011م)، الذي توفي في البحرين عن عمر ناهز السبعين عاماً.
بسم الهل الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
ورد في حديث عن رسول الله : «زينة العلم الإحسان»، وورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: «العلماء اطهر الناس أخلاقاً».
ونحن نحتفي برحيل شخصية علمية أدبية كان لها دور كبير في مختلف مجالات العطاء العلمي والاجتماعي تلك هي شخصية فقيدنا الغالي الخطيب الأديب الشيخ حسن آل نتيف رحمة الله عليه ذلك الرجل الذي عرفناه بسعة الأفق وعمق الثقافة والمعرفة وحسن الأخلاق والاهتمام بخدمة الآخرين وكنا نتمنى أننا نجتمع هذه الليلة لنحتفي بحضوره بيننا كما كان في كل عام يطل علينا في هذه المنطقة فتكون بحضوره مجالس نرتاح إليها ونستفيد منها كانت جلساته جلسات انس وسرور وإفادة أدبية ومعرفية ولكننا فقدناه والأمر لله وكما ورد في الشعر المنسوب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب انه قال:
لكل اجتماع من خليلين فرقة |
وكل الذي دون الفراق قليل |
لكن الإنسان مذكور بعمله علينا أن نتذكر تلك الصفات الطيبة الجميلة في سيرة فقيدنا الراحل حتى نستفيد منها ونقتدي بها وبودي أن أشير إلى بعض الجوانب في سيرته وحياته, تعرفت عليه عن قرب في السنوات الأخيرة قبل حوالي 15 عاما وكنت اسمع عنه واعرف عن سلفه الصالح حيث تتلمذت على الشعر الولائي لأبيه الراحل الملا محمد علي آل نتيف رحمه الله, كنت أحفظ بعض المقاطع من شعره في ديوانه الجميل الرائع (عبرة المؤمنين) ثم بدأت اسمع عن نجله فقيدنا الغالي, ولكن لم تتح لي فرصة لقاءه إلا في السنوات الأخيرة, وفي الواقع كان من الأشخاص الذين احتلوا في نفسي مكانة واحتراما, لما رأيت من أخلاقه وشيمه وحسن أسلوبه, التقيت معه في هذه القرية الطيبة (الخويلدية) أكثر من مرة, ثم صرت التقي معه في صيف بعض الأعوام في سوريا بجوار السيدة زينب ، حيث اخذ له مكانا هناك وصار يأتي كل عام للاصطياف, فكانت الفرصة متاحة لكي نتلاقى ونتحادث أكثر, ونحضر بعض المجالس الأدبية والدينية, ثم دعاني مرة إلى البحرين وكنت في ضيافته وحرص على تعريفي ببعض الشخصيات الرسمية والدينية من اخواننا أهل السنة لدعم جهود التقارب والوحدة.
استذكر هنا بعض صفاته الطيبة:
حينما نقرا عن دراسته نرى انه كانت دراسة أكاديمية درس الثانوية العامة التجارية في البحرين, ثم انتقل للنجف الأشرف للدراسة الدينية, وكما يعلم المطلعون على نمط الدراسة العلمية, كان هناك نمطان في الحوزة العلمية, نمط الدراسة الحوزوية المفتوحة, ونمط الدراسة الأكاديمية المقننة.
الفقيد الراحل حينما ذهب إلى النجف ورغم أن الأجواء كانت تدفع الكثيرين نحو الدراسة الحوزوية الحرة, لكن الفقيد الراحل هو من بين أفراد قلائل من المنطقة الخليجية اختاروا الدراسة الدينية الأكاديمية, انضم إلى كلية الفقه ونال منها درجة البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية سنة 1967م, وفي كلية الفقه تدرس المناهج التي تدرس في الحوزة من لغة عربية, وفقه, وأصول, ومنطق, وعقائد, ولكن فيها مواد إضافية حديثة لا تدرس في الحوزة العلمية, والدراسة فيها منهجية ضمن إطار الدراسة الأكاديمية, من كانوا يختارون الدراسة الأكاديمية عادة ما كانوا من ذوي الاهتمامات المعاصرة المجتمع وممن يطمحون إلى التطوير في الحالة الدينية والاجتماعية, كانوا يتجاوزون الحالة التقليدية, رغم أنها حالة ضاغطة, من ينتمي ويدرس في كلية الفقه يواجه الكثير من اللوم والعتاب في الجو الحوزوي.
اختار الفقيد الراحل هذا الطريق لأنه كان يرى أن الدراسة الأكاديمية هي التي تؤهل طالب العلم من اجل أداء دور أفضل في المجتمع المعاصر, طبعا هذا لا يعني التقليل من قيمة المنهج الحوزوي العام, ولا يعني الغض من شان العلماء الذين يسيرون ضمن البرامج الحوزوية العامة, ولكن هناك اتجاه يتطلع إلى شي من التطوير والتغيير في مناهج الدراسة, وفي كسب المعرفة الإسلامية والإنسانية الحديثة, اختياره لهذا المنهج يدل على توجه فكري.
كما أتيحت للراحل الفرصة فيما بعد ليدرس في جامعة عين شمس بالقاهرة حيث حصل منها على دبلوم عالي في التربية سنة 1979م, وهذا يعني انه احتك بأجواء دينية أخرى غير الجو المذهبي الديني الخاص الذي عاش فيه في النجف الأشرف, ومن الطبيعي أن احتكاك الإنسان بأجواء أخرى يثريه ويفيده ونحن نقرا في سير علمائنا السابقين أن البعض منهم درس عند علماء من أهل السنة الشيخ المفيد رحمة الله عليه كان من مدرسيه علماء من أهل السنة, وكذلك الشهيد الأول والشهيد الثاني وكثير من علمائنا السابقين ما كانوا يعيشون حالة الانطواء والعزلة عن الآخر, بل كانوا ينفتحون على الآخر.
المرجع الأعلى في النجف الأشرف السيد السيستاني حفظه الله قال في خطاب أمام علماء من أهل السنة: أنا درست عند عالم من علماء أهل السنة وهو الشيخ عبد الغني الراوي, هذا يدلك على أن مدرسة أهل البيت هي مدرسة الانفتاح, وليست مدرسة الانغلاق, ونحن نفخر بان أي زائر يزور مكتبة أي عالم من علمائنا يجد كتب التفسير والفقه لكل المذاهب الإسلامية, وكما ورد اعلم الناس من جمع علوم الناس إلى علمه.
الفقيد الراحل حينما درس في جامعة عين شمس لا بد وان هذه الدراسة قد أفادته وفتحت أمامه أفقا, وأثرت معرفته الدينية, وشاء الله تعالى له أن تتاح له فرصة أخرى على المستوى العالمي حيث انضم إلى جامعة أكسفورد في بريطانيا سنة 1981م, ودرس فيها دراسة مقارنة بين القانون الغربي والنظام الإسلامي, وطبعا حينما يذهب عالم دين إلى هناك, ويحتك بهذه الثقافة الغربية ومجتمعها, لا شك أنها تثري معارفه, وتجعله قادرا على أن يوصل رسالة الإسلام بلسان العصر, ولغة العلم والمعرفة.
هكذا نرى في تكوينه المعرفي العلمي انه لم يقتصر على بيئة معينة, إضافة إلى جانب اهتمامه بالتثقيف الذاتي, حينما استضافني في منزله رأيت أن مكتبته فيها تنوع معرفي, كتب لمختلف المفكرين الغربيين, لمختلف الفلاسفة, في مختلف المجالات, كان يتابع الجرايد والصحف, وهذا انعكس على فكره وثقافته تجلس إليه تجلس إلى عالم معاصر, يعرف الثقافة الدينية الإسلامية, ويستطيع المقارنة بينها وبين الثقافات الأخرى, وهذه ميزة مهمة.
نرى انه قد استفاد من تجارب مختلفة في مجال العمل والوظيفة, بدأ عمله في دائرة الهجرة والجوازات عام 1963م, قبل أن يذهب للدراسة الدينية وبعد أن ذهب للدراسة الدينية وعاد إلى البحرين صار مدرسا للغة العربية والثقافة الإسلامية في المدارس الرسمية, ويتحدثون عنه في البحرين بأنه كان أول مدرس يدخل إلى المدارس الرسمية بالزي الديني بعمامته وبجبته, طبعا كان وجوده في المدرسة مع الطلاب يؤثر في نفوسهم ويقربهم إلى الدين, يعطيهم صورة أخرى لعالم الدين, وعملية التعليم والتدريس تجربة تربوية واجتماعية أعطته الفرصة للتخاطب مع أبناء الجيل الناشئ.
بعد ذلك أصبح قاضيا في المحكمة الشرعية سنة 1979م لمدة عشرة سنوات , وطبعا تصديه للقضاء جعله منفتحا أكثر على مشاكل المجتمع وقضاياه واعطاه معرفة أعمق وأكثر بمجتمعه, وبعد ذلك أصبح مديرا لدائرة الأوقاف الجعفرية سنة 1989م.
هذا التقلب في الوظائف العملية إلى أن أصبح مستشارا في وزارة العدل جعله أكثر خبرة وأكثر تجربة, ولا شك أن عالم الدين حينما يحتك بقضايا المجتمع يصقل تجربته, ويزيد نضجه الاجتماعي, ويكون اقدر على خدمة دينه ومجتمعه من خلال معرفة دقيقة وواسعة بأوضاع المجتمع الذي يعيش فيه, وقد ورد عن إمامنا الباقر : «العارف بأهل زمانه لا تهجم عليه اللوابس» المعرفة من وسائلها الاحتكاك ومباشرة التعاطي والتعامل مع شرائح مختلفة من المجتمع, وهذا ما رأيناه في سيرة الفقيد الراحل.
كما هو معروف لديكم كان خطيبا حسينياً والخطيب يخاطب الجمهور, وهذا يعني أن يمتلك لغة الجمهور وان يستطيع الولوج إلى مشاعر الناس, وان يتخاطب مع عقولهم, كان خطيبا وكان مصلحا غالبا ما يكون له دور في الإصلاح بين الناس, ومن خلال لقاءاتي معه والحديث عن أوضاع المجتمع في البحرين رايته رزينا حينما يتحدث عن التوجهات المتعددة والمختلفة, ولاشك أن له رأيه و اتجاهه, لكني رايته يتقي الله في الحديث عن الآخرين لم اسمع منه إساءة لمن يختلف معهم أو يخالفهم في التوجه والرأي.
كان يتحدث عن الآخرين مع ملاحظة ضوابط الورع والتقوى هذا هو الأمر المهم, والمحك والامتحان. كان من الناجحين في هذا الامتحان لم يتورط في نزاعات وخلافات, ما كان يأخذ منحى التعبئة ضد هذا وذاك, بل كان يأخذ منحى الدعوى إلى الوئام والانسجام وإلى عذر الطرف الآخر وتفهم مبررات الآخر في رأيه وموقفه.
نسأل الله تعالى للفقيد الغالي الرحمة والمغفرة وان يحشره الله في زمرة محمد وآله الطاهرين, وان يلهم أسرته وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
والحمد لله رب العالمين.