الشيخ الصفار محذراً من الشحن الطائفي:
الوحدة مبدأ ثابت وليس تكتيكاً يتأثر بالظروف السياسية
حذّر فضيلة الشيخ حسن موسى الصفار من تصاعد لغة الشحن الطائفي في المنطقة الخليجية،ودعا للوحدة والتقارب بين أبناء الأمة، باعتبارها قيمة إسلامية عُليا لا ينبغي المِساس بها مهما اختلفت الظروف وتغيّرت الأوضاع إيجاباً أو سلباً. مذكّراً أؤلائك المتذبذبين في الإيمان بهذه القيمة وتطبيقها عملياً بقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.
وبيّن أن تعامل الناس مع القيم على نوعين: نوعٌ يؤمن بالقيم حقّ الإيمان، ويتمسّكون بها في كلّ الأوضاع والأحوال، حتى لو أصابهم الضرر والأذى بسبب تمسّكهم بهذه القيم والمبادئ. والنوع الآخر يرفعون القيم كشعارات، وقد يدّعون الإيمان بها في الظروف التي تخدم مصالحهم، أما إذا اختلف الظرف اضطرب إيمانهم بهذه القيم والمبادئ، وهذا الصنف من الناس هو ما تعنيه الآية الكريمة.
واستنكر الشيخ الصفّار على البعض من علماء الأمة والنخبة من المثقّفين، وخصوصاً في منطقة الخليج، الذين يتعاملون مع قيمة الحوار والتقارب بين أبناء الأمة على أساس التذبذب، فبمجرّد أن تحصل مشكلة ما في أي مكانٍ في العالم، تنقلب المعادلة ويتحوّل الحديث عن الوحدة والتقارب والحوار الوطني إلى شحنٍ طائفي. مؤكداً أن هذا من مصاديق قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾.
وأشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تحوّلات فالواقع المعاش ليس مؤهلاً للاستمرار لأنه ضدّ حركة التاريخ، وضد القيم والمبادئ الصحيحة، مضيفاً: من الطبيعي أن تحصل مشاكل ونزاعات، في مرحلة المخاض، وسنوات التحوّل، لمختلف الأسباب الداخلية والخارجية. مؤكداً أن الالتزام بقيمة الوحدة والتقارب بين أبناء الأمة، وخصوصاً في هذه المرحلة، يجب أن يكون إيماناً ثابتاً لا تُزلزله رياح الحوادث والمشاكل.
وعن التعامل القائم مع المرحلة، أشار الشيخ الصفّار إلى منهجين، ثانيهما أخطر من الأول:
ففي الحالة الأولى يحصل تخندّقٌ طائفي، بحيث يكون للشيعة موقفهم وخندقهم، وللسنّة خندق وموقف مضاد وقد حصل مثل ذلك في بلدان أخرى كلبنان والعراق. مؤكداً على ضرورة اتخاذ المواقف على أساس القيم والمبادئ وليس في اطار تخندق الانتماءات.
وفي الحالة الثانية، وهي الأسوأ، يُعاد الشحن الطائفي العقَدي، وهذا لم نلحظه في لبنان والعراق مثلاً بهذه الدرجة, هذه الحالة تسود في منطقتنا الخليجية غالباً, ويقف خلفها تيار متشدد، بمجرّد أن يحصل خلاف سياسي، في أي مكان في العالم بين سنة وشيعة، تُفتح جميع الملفات القديمة ذات الطابع الطائفي، وتتعالى أصوات التكفير، والتبديع، والتشكيك، والإساءة، والإهانة، والتعبئة. مؤكداً أن هذه الأحداث سياسية، فينبغي تأطيرها في إطارها السياسي، لا أن تُصبغ بصبغة دينية، أو أن يُعبأ الناس ضدّ بعضهم البعض على أساس مذهبي, فهذا مؤشّرٌ لانعدام الوعي، والتأثّر بالتحريك السياسي، مؤكداً أن هذا دورٌ شيطاني إجرامي، لا يتناسب ودور العلماء ونخبة الأمة.
وختم حديثه بالتأكيد على أن الوحدة والتقارب بين أبناء الأمة قيمةٌ إسلامية عُليا، ومبدأٌ ثابت، لا يصح أن تتغير بتغير الظروف والأوضاع.
وأكد أن بلادنا لجميع مواطنيها، يعيشون فيها على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم، فينبغي تجنب هذا الأسلوب البغيض من الشحن الطائفي، والتمسك بالوحدة الوطنية والتقارب بين أبناء الأمة مهما كانت الظروف والأوضاع.
وفي سياقٍ آخر من خطبة الجمعة 3 جمادى الثانية 1432هـ أوضح الشيخ الصفار أن الأصل في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان هي المحبة والتعاون، مشيراً لما يراه بعض اللغويين من أن أصل اشتقاق اسم الإنسان من الأنس. مضيفاً: ومن مصاديق هذه الحالة: الطفولة، والتعاطف عند الكوارث، والوحشة من الوحدة. ويُصادق على ذلك قول الرسول الأكرم : «لا خير فيمن لا يُؤلف، ولا يَألف». وتابع يقول: أما العداوة فهي حالة طارئة وتحصل إما بسبب خللٍ في النفس أو السلوك، ملفتاً الانتباه إلى أن الكثير من الناس يغيب عنهم أن العداوة حالة طارئة فيتعاملون مع المشاكل التي تحصل بينهم وآخرين وكأن التاريخ سيقف عند تلك المشكلة. يقول الإمام علي : «رأس الجهل معاداة الناس». وقال الإمام زين العابدين : «لا تُعادي أحداً وإن ظننت أنه لا يضرّك، ولا تزهدنّ صداقة أحدٍ وإن ظننت أنه لا ينفعك، فإنك لا تدري متى ترجو صديقك، ولا تدري متى تخاف عدوّك».
وختم حديثه بقوله:على الإنسان أن يتعامل مع أي عداوة بينه وبين آخرين على أساس أنها عداوة طارئة، وأن عليه أن يعمل من أجل إزالتها.