تقديم سماحة الشيخ حسن الصفار لكتاب (الأنبياء ومسارات المحن) للسيد زهير العلوي
الكتاب: الأنبياء ومسارات المحن
المؤلف: السيد زهير العلوي
الناشر: دار المحجة البيضاء, بيروت , الطبعة الأولى 1432ﻫ ـ 2011م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين.
كلما تقدمت البشرية ماديًا اشتدت حاجتها إلى القيم الروحية والأخلاقية، ذلك أن المكاسب المادية تفرز وتنتج مضاعفات نفسية وسلوكية، والعلاج ليس بإيقاف مسيرة التقدم المادي، وإنما مواكبته بتقدم روحي وأخلاقي مناسب.
وأزمة البشرية اليوم تكمن في تجاهل هذه الحقيقة، فأصبحت المجتمعات المادية تعاني من فقر وخواء روحي وأخلاقي، تفاقمت بسببه الأزمات النفسية والاجتماعية والسلوكية، فازدادت نسبة الأمراض العصبية، وتصاعدت أرقام الجريمة والعدوان واتسعت رقعة الشقاء والتعاسة لإنسان الأرض.
وما انتشار طاعون العصر الذي هو مرض المناعة المعروف بالإيدز إلا مظهر من مظاهر شقاء الإنسان في ظل حضارة المادة الفارغة من القيم والالتزام الخلقي ومن أواخر أخبار هذا الطاعون ما تناقلته الصحف من أن مدينة (سان فرانسيسكو) في الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت الحداد يوم 8/1/1993م ونكست الأعلام بعد وفاة الضحية رقم عشرة آلاف لمرض نقص المناعة المكتسبة (إيدز) في المدينة! وأصبحت بذلك المدينة الثالثة في عدد ضحايا (الإيدز) بعد نيويورك التي أعلنت وفاة 30772 ضحية! ولوس أنجلس فقدت 12213 ضحية![1]
أما الإحصائيات والأرقام التي تتحدث عن آلام الفقر والجوع في هذا العالم فمحزنة ومخزية جداً للحضارة السائدة التي تحتكر فيها الثروات والقدرات والإمكانات فئة محدودة من أبناء البشر بينما يعيش الأغلبية حالة مزرية من الحرمان والفقر.
يقول أحد التقارير الواردة في هذا المجال:
لقد أنتج العالم من الأغذية خلال السنوات العشرين الماضية أكثر مما استهلك ومع ذلك فهناك نحو 780 مليون إنسان محرومين من الحصول على غذاء كاف.
هذا الواقع أكده المؤتمر الدولي المعني بالتغذية الذي بدأ أعماله أمس في روما في حضور ممثلي 182 دولة.
إن هناك 190 مليون طفل يعانون نقص العناصر الغذائية المهمة في الطعام مما يسبب العمى والتخلف العقلي والوفاة.
إلى ذلك تتسع ظاهرة الإفراط في استهلاك الطعام التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض السمنة والقلب والأوعية الدموية والسكري[2] .
هذا فضلاً عن الحروب والنزاعات الدموية المرعبة التي تعم الكثير من أرجاء العالم، وتغذيها مصانع الأسلحة بوسائل الفتك والدمار...
ولسنا الآن بصدد استعراض مشاكل الإنسانية وأزماتها وآلامها فهناك بحوث متخصصة تقدم الكثير من الحقائق والإحصائيات والأرقام في هذا المجال، لكنّا نريد التأكيد على أن العلاج والحل يكمن في توجه البشرية واهتمامها بالجانب الروحي والأخلاقي، وإلا فالاعتماد على التكنولوجيا والعلم فقط لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشاكل والأزمات.
وأكبر دليل على ذلك أن الكثير من رواد العلوم وكبار المخترعين والمكتشفين الماديين، لم يكونوا في حالة نفسية وسلوكية جيدة رغم تفوقهم العلمي.
ونستشهد هنا بـ (ألبرت اينشتاين) الرجل الذي وضع النظرية النسبية، فقد صدر عن حياته أخيراً كتاب جديد ألفه الكاتبان البريطانيان (روجر هايفيلد/ بول كارتر) ويؤكد هذا الكتاب على أن (اينشتاين) كان فاشلاً في حياته الخاصة، وكان زير نساء شرساً قاسياً مع أطفاله، وأباً لابنة غير شرعية لم يرها ولا اعترف بها تدعى (ليزريل).
وتكشف وثائق ومستندات بينها رسائل شخصية ضمن العائلة: أن زواج اينشتاين الأول من (ميليفا مريك) أدى إلى الطلاق بسبب علاقة سرية ربطته بقريبته (إلسا).
وتشير الرسائل إلى شراسة اينشتاين حيال زوجته (ميليفا) أثناء فراقهما، مما أصابها بانهيار عصبي لم تشف منه حتى وفاتها.
وتنسحب تلك الشراسة على معاملته مع ولديه (هاز ألبرت) الولد البكر وكان في الخامسة عشر من عمره عندما غادر والده المنزل العائلي، و(ادوارد الأصغر) الذي أصيب بالخبال بعد طلاق أبويه، وأمضى حياته في عيادة سويسرية للأمراض العصبية، فلم يزره والده مرة[3] .
فالعلم وحده لا يكفي لترشيد حياة الإنسان وإسعادها، بل لا بد من نبع روحي يرتوي منه ليطمئن قلبه بذكر ويستقيم سلوكه بتعاليم الدين.
وهنا يأتي دور الأنبياء والرسل الذين يمثلون ينابيع الهداية والإرشاد المتدفقة بإذن الله تعالى في حياة البشر، لتروي ظمأهم الروحي، وتسقي نوازع الخير في نفوسهم.
لكن إنسان اليوم ـ غالباً ـ لا يعرف قدر أنبياء الله العظام، ولا يدرك خطورة الدور الذي جاءوا ليؤدونه في حياة الناس وكما قال الله تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾[سورة يس، الآية 30].
إن دراسة حياة الأنبياء والرسل عليهم سلام الله يعني الالتفات إلى جانب القيم والمثل، والاهتمام بمصادر الثروة الروحية للبشر، كما يعتبر دعوة ودفعاً للتأسي بحياتهم والالتزام بتوجيهاتهم وتعاليمهم الخيرة.
وهذا الكتاب الجميل الماثل بين يدي القارئ هو لقطات مشرقة من حياة أنبياء الله العظام تناولها المؤلف بشيء من التفصيل والتحليل واستنتاج الدروس والرؤى والعبر.
والمؤلف شاب نشأ في طاعة الله، وهو سليل عائلة هاشمية كريمة، وقد وفقه الله تعالى لسلوك طريق طلب العلم الديني، نسأل الله تعالى له دوام التوفيق والنجاح.
وقد أعجبني من كتابه حسن اختياره لهذا الموضوع، واجتهاده في الرجوع إلى العديد من المصادر والمراجع، إضافة إلى سلاسة أسلوبه، وجميل التفاتاته التوجيهية.
أرجو أن يستمر السيد المؤلف حفظه الله في متابعة بحوثه حول بقية الأنبياء، ليقدم للجيل الناشئ سلسلة أو موسوعة متكاملة عن تاريخ الأنبياء والرسل.
شكر الله سعيه ونفع القراء بكتابه ووفقه إلى المزيد من التقدم والعطاء في مختلف الميادين فالله ولي التوفيق والحمد.
حسن الصفار
9/6/1414ﻫ
22/11/1993م