عن مؤتمرات «سؤال التنوع» العربية والإسلامية؟!
جميل أن تكتب أو أن تحاضر عن مفاهيم تتعلق بالتنوع مثل: المواطنة، التسامح، الحوار، التعايش والتعاون والوحدة، كما أنه رائع أن تتحمل عناء السفر من بيتك لتصل إلى قاعة مؤتمرات وتشارك في جلسة حوارية حول التنوع المذهبي أو الديني أو السياسي وما هنالك من تنوعات في جغرافيتنا العربية والإسلامية، لكن الأجمل أن تؤمن بكل تلك المفاهيم والمشاريع والقيم التي تحدثت عنها وقدمت وجهة نظرك لتحقيقها، بل ربما من الأجدر بك ألا تنافق بين ما تقول وما تمارسه في جلساتك الخاصة جدا في سراديب الأنا الطائفية (المذهبية والسياسية والعرقية والوطنية)... عفوا، لكن هذا هو الواقع وإلا: فلماذا واقعنا العربي والإسلامي لا يزال مليئا بالعنصريات والأحقاد والكراهية والعصبيات الجاهلية والتآمر على بعضنا البعض؟ آسف، لعل السؤال محرج جدا، ومعكر لصفو من شارك ويشارك في المؤتمرات الحوارية الخاصة بموضوع التنوع، فقط من أجل اتقاء شر الآخر أو تثبيط لوجهة البرنامج النظري نحو التطبيق، وإلا تحصيل لبعض الامتيازات كشهادات ومقامات وعلاقات رسمية، وهذا يتضح لما تسائل هذا العراب للنفاق الثقافي: أين شهامتك الثقافية في ممارساتك السياسية وعلاقاتك الاجتماعية ومعاملاتك الاقتصادية؟
بصراحة: النداء لإيجاد «وثيقة المواطنة» في فضاءاتنا العربية والإسلامية، عنصر مهم وأساسي في بناء توازنات سياسية واجتماعية في مجتمعاتنا، إلا أن الأمر يتوقف إلى حد كبير على موضوعات هذه الوثيقة، لأننا منذ سايس بيكو مرورا بسقوط شاه إيران وصولا إلى الحرب على العراق وسقوط النظام البعثي سنة 2003، شهدنا كثيرا من المؤتمرات والندوات والجلسات الحوارية حول تعزيز مفهوم المواطنة، والتي يلتقي فيها غالبا المفكرون والعلماء والسياسيون والمثقفون والباحثون أنفسهم في أماكن مختلفة على طول خط طنجة-جاكرتا، حيث يناقشون في الغالب الأعم المسائل نفسها: ماهي أسباب التوتر بين التنوعات في مجالنا العربي والإسلامي؟ وكيف نتعامل مع أوجه الاختلاف -أو الخلاف كما يحبذ البعض- فيما بيننا؟
ببساطة: عدة مناسبات حوارية كنت مشاركا إلى جانب بعض الأصدقاء والمعارف من أهل الأدب والفكر والسياسة والدين، لكن هذا الشكل من اللقاءات في حاجة لمراجعة دقيقة من قبل المؤمنين صدقا وعدلا بضرورة النهوض بالوعي الاجتماعي للتنوع واستثماره في بناء استقرارات سياسية واجتماعية سليمة ومستدامة أمام تسونامي الاستراتيجيات الغربية الباحثة عن مجالات لاستقبال فضلاتها الأزماتية السياسية والأمنية والاقتصادية.
بكلمة: آن الأوان للانتقال إلى مستوى حل مشاكلنا وإدارة أزماتنا بشكل جدي في ممارساتنا التطبيقية، معتمدين منهجا رصينا للتقليل من النقاشات النظرية المجردة عن المعتقدات والتاريخ والمذاهب وفتح المجال أمام أهل الاختصاص في ذلك، كي ننظف مجتمعاتنا وإعلامنا من المتعالمين والمتاجرين بمستقبل هذه الأمة والقابعين في كهوف التاريخ والمانعين للنور الإسلامي أن يصل إلى إنساننا، عبر التأزيم الطائفي لأنه السلعة المثلى في أسواق الصراعات الدينية والمذهبية والسياسية والعرقية، لتأجيج الفتن وكسب الأرباح الطائلة...لا بد من التركيز على ترتيب واقعنا بأسلوب علمي قائم على الأخلاق المتفق عليها إسلاميا وأساسا الصدق ومن مصاديقه الشفافية، وذلك يبدأ بتطهير مجالي السياسة والإعلام العربيين والإسلاميين من المواد المسمومة والمليئة بالمتناقضات التي يعلبها أشخاص يخلطون العسل بسموم (الحقد والحسد والعصبية والتكفير والتفسيق والتضليل...) أما بعد: المسؤولية تقع على كل من يظن أنه مثقف في هذا المجال العربي والإسلامي، لأن الثقافة هي جوهر شبكة العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما هنالك، في الحاضر والمستقبل، ولعل كل ما تراكم عبر قرون ليؤخر نهضة هذه الأمة من جديد، يتحدد في الثقافة المعلبة المؤسسة على قيم مادية وتصورات جاهلية، والتي حكمت أمتنا لقرون من الزمن ولا تزال مورثاتها سارية المفعول في النسيج الاجتماعي والفعل السياسي، وفي ذات السياق، على حد قول سماحة الشيخ حسن الصفار: حان الوقت للإسلاميين أن يبرزوا مهاراتهم في بناء الدولة المدنية العادلة القائمة على مواطنة حقيقية والمنمية لحقوق الإنسان...وعليه الذي يجب طرحه دوما وأبدا على أنفسنا كمفكرين وكمجتمعات هو السؤال التالي: هل لدينا سياسة ثقافية ذاتية قادرة على صياغة وثيقة مواطنة واقعية والمحافظة عليها؟
عودا لذي بدء، أيها الباحث والمثقف والسياسي وعالم الدين والإعلامي والمفكر في الخليج وعبر العالمين العربي والإسلامي ككل، أن نتحاور بصراحة عن موضوعات التنوع، يعني أن يفكر كل منا كشريك فعلي في خلق جو حواري منتج للمواطنة الحية لا الرسمية فقط... والله من وراء القصد.