تقديم كتاب «أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع» - المجلد السادس
آذر شب: الشيخ الصفار يطالب بصيانة كرامة الإنسان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
عناوين هذا الكتاب رغم اختلافها تنتظم جميعها تحت عنوان واحد هو (الإحياء) وهذا العنوان هو الهدف النهائي من الإسلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِِينَ آمَنُوا اسْتَجِِيبُوا لِِلَّهِِ وَلِِلرَّسُولِِ إِِذَا دَعَاكُمْ لِِمَا يُحْيِِيكُمْ....﴾ (الأنفال: 24).
أبرز مظاهر الحياة (حركة) الكائن الحي على طريق كماله المرسوم، (والترابط العضوي) بين أجزاء جسم ذلك الكائن.
في دائرة (الحركة) ثمة دعوة في الكتاب إلى صيانة (كرامة) الإنسان، والتأكيد عليها واضح في كل الكلمات والمقابلات، فكرامة الإنسان فيها (أصل) و(قاعدة)، وهذا توجّه على غاية من الأهميّة، لأن الكرامة أو العزّة هي (الحياة) والذلّ هو الموت.
من هنا كانت الدعوة إلى صيانة كرامة الإنسان محوراً هاماً في دعوة الإحيايين. والواقع أن حركة الحضارة الإسلامية بدأت من نقطة استشعار الإنسان المسلم بعزّته وكرامته وخلافته في الأرض. والنصوص الإسلامية تملأ وجدان المسلم بهذا الإحساس حين تقصّ عليه أنباء سجود الملائكة لآدم ممثل البشرية.. وتعليمه الأسماء، وتصوّر له خالق السموات والأرض بأنه أقرب إليه من حبل الوريد، وتقول له:«ما من شيء أكرم على الله من ابن آدم». وهذا التكريم أعزّ الإنسانَ وأخرجه من ذلّ الانغماس في الذاتية الفردية والقبليّة، وجعله ينشدّ بالمثل الأعلى المطلق ويتحرك نحوه.
دعوة صاحب الكتاب إلى تفعيل المشاركة الجماهيرية في مجتمعاتنا ضمن إطار مجالس الشورى والانتخابات تأتي في هذا السياق، إذ إنها تصبّ في احترام الإنسان ورأيه ومشورته.
واهتمامه المتكرر بقدسية الحياة ورفض الاستهانة بحرمة الدماء والأعراض والأموال للإنسان.. أي إنسان، إنهما هو جزء من اهتمام عام بأصل ديني كبير وقاعدة هامة من قواعد التفكير والتشريع، وهي (كرامة الإنسان).
وكما ذكرنا: الكرامة تعني الحياة.. والحياة فيما تعني (الحركة).. والحضارة من نتائج هذه الحركة.
ويعود الكاتب إلى الواقع المؤلم لحياة المسلمين فيرى أن «قدسية الحياة ثقافة غابت مفرداتها عن عقلية الكثير من المسلمين المعاصرين».
ويرى أن «من أبرز مظاهر العجز والخلل في واقع مجتمعاتنا تدنّي موقعيّة الإنسان وانخفاض مستوى الاهتمام بقيمته وحقوقه وحماية كرامته».
وحقاً إن هذه الحالة من أبرز مظاهر العجز والخلل، فإليها يعود السبب في ركودنا وتخلفنا الحضاري.
كيف يمكن أن نتوقع حركة مستقبلية من مجموعة بشريّة لا تشعر بالعزّة والكرامة..؟! الذل والتهميش يجعلها تعيش ذاتياتها وشهواتها الهابطة ويسلبها أيّ تطلع مستقبلي.
وفي صفحات الكتاب نظرات واقتراحات بشأن إنقاذ إنسان المنطقة الإسلامية من الهزيمة النفسية التي مُني بها نتيجة تراكم عوامل تاريخية، ليستعيد عزّته الحقيقية وحركته الحياتية.
ومن مظاهر الحياة كما ذكرنا: الترابط العضوي. فالجسد الحيّ خلاياه وأعضاؤه مترابطة:«إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى».
وهكذا كانت أمتنا في عصور (حياتها).. تهبّ بأجمعها إذا تعرّضت ثغورها لعدوان.. ويرتبط أقصاها بأقصاها في مجالات العلوم والفنون والأدب، ويلتئم أصحاب الاتجاهات الفكرية المختلفة في مجالس حوار ونقاش علمي هادئ معطاء.
والترابط العضوي ظاهرة طبيعيّة في الجسم الذي تتجه جميع أعضائه نحو هدف واحد.. أو نحو مثل أعلى واحد.. أما حين يفقد هذا الجسم المثل الأعلى الواحد، فإن كلَّ واحد من أعضائه يعيش ذاتيته، والذاتيات تتصارع بطبيعتها، ولذلك كان في العصر الجاهلي ـ كما يذكر الكاتب ـ صراع دائب بين القبائل والعشائر أحصيت في (أيام العرب).
وبهبوط ظاهرة الحياة في الأمة عادت الحالة العشائرية لتتخذ طابعاً قبلياً أو إقليمياً أو قومياً أو طائفياً.
ودعوة صاحب الكتاب إلى نبذ الصراع الطائفي من أولويات اهتمامه، فهو لا يترك مجالاً يُتاح له في الإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي، ولا تفوته فرصة من فرص الحديث إلا ودعا إلى وحدة الأمة الإسلامية وفق منطق إسلامي إنساني متعقل أصيل ومعاصر.
يعود إلى سيرة السلف الصالح وإلى سيرة التقريبيين المعاصرين وإلى مقاصد الشريعة وإلى تحديات الواقع الراهن ليؤكد ضرورة تجاوز الخلافات التاريخية لنرسم المستقبل الإسلامي المشرّف لهذه الأمة.
يطالب بالحوار العلمي البناء والتركيز على المشتركات والابتعاد عن الانفعال والاستفزاز.
وكلّ محاور هذه الدعوة تنطوي أيضاً تحت عنوان: (الأحياء). لأنها دعوة إلى ترك الذاتيات التي تتمترس وراء الطائفية، وإلى الاتجاه نحو مثل أعلى واحد.
فضيلة العلامة الشيخ حسن موسى الصفار عالم الدين الذي تحتاجه أمتنا في ظروفها الراهنة حيث تشرف بإذن الله على استعادة الحياة، ومن ثم استئناف حركتها الحضارية.
فضيلته يتحلى بما يجب أن يتحلّى به الإحيائيون، وفي طليعة ذلك أنه لا يعيش لذاتيته، بل يعيش للمثل الأعلى الإسلامي، ويريد أن يقدّم هذا المثل الأعلى لأمته ويدعوها لأن تتحرك نحوه، لم يفكّر في إرضاء العامة، ولا إرضاء صاحب القدرة والسلطان، لكنه سعى لأن يرفع المستوى الثقافي العام، وفي كسب كل قوة في المجتمع نحو تحقيق وحدة الأمة وعزّتها.
أرجو أن تكون هذه الأحاديث (الإحيائية) منطلقاً لخطاب إسلامي يسود كل أوساطنا العلمية الدينيّة فتلك مقدمة لابدّ منها لعودتنا إلى (الحياة) الطيبة الإسلامية.
والحمد لله رب العالمين.
محمد علي آذرشب
1 جمادى الثاني 1426هـ
طهران