تقديم كتاب «أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع» - المجلد الثامن

الشيخ الآصفي: الانغلاق سبب للأمة الضعف والانحطاط والتقاتل

عرفت سماحة الشيخ حسن الصفار (حفظه الله) شابًّا يتدفق حيوية ونشاطاً... وها هو اليوم في سن الكهولة وعلى أبواب الشيخوخة، وقد حقق الله تعالى له طموحاته الكثيرة في شبابه، ورزقه من فضله ما لم يدركه بطموحاته واهتماماته.

ومنذ أن عرفت فضيلة الشيخ الصفار، عرفت فيه حالة الاعتدال، والتعقّل، والقدرة على الترفع عن الأمور الصغيرة، التي تحجب الناس عن نيل الأمور الكبيرة.

ولا بدّ للذي يعمل في ساحة المجتمع أن يمتلك هذه المواهب ويكسبها. فإن تفاعلات الساحة تدفع الناس كثيراً إلى حالة التطرّف في الفهم والعمل، وإلى الحالة الشعارية الانفعالية، البعيدة عن حالة التعقّل، وإلى التوقف عند الأمور الصغيرة والانشغال بها مما تحجب الناس عن الاهتمامات الكبيرة ونيلها.

وفي قراءتي السريعة لطرف من الخطب والمقالات والرسائل والأبحاث الموجودة في موسوعة (أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع) وجدت علماً نافعاً في متناول الجمهور، وخير العلم ما وضعه صاحبه في متناول الناس، ووجدت رؤى صافية نابعة من معين الثقلين (القرآن وأهل البيت )، ووجدت اهتماماً بأمور المسلمين، وحضوراً في الساحة الإسلامية، ووجدت تعقّلاً واعتدالاً وقدرة على الترفع عن صغائر الأمور في التعامل مع هموم العالم الإسلامي وعلاقات المسلمين بعضهم ببعض.

فهو يدعو إلى الانفتاح والتفاهم والحوار بين المسلمين للوصول إلى القناعات المشتركة، وحتى إن لم يتحقق هذا الحد من القناعات الدينية والعلمية والسياسية المشتركة، فإنها تحقق التقارب بين وجهات النظر العلمية والسياسية والاجتماعية بلا شك، وتملأ الكثير من فجوات الخلاف بين المسلمين.

إن البحث العلمي في المسائل الدينية، والحوار، والتفاهم في المسائل الاجتماعية والسياسية يُمكّننا أن يفهم بعضنا بعضاً أوّلاً، وهذا هو (التعارف) الذي يحبه الله وهو شوط على الطريق الصحيح.

ويُمكّننا من أن نتراشد ونتكامل ثانياً، وهذا يدخل في مقولة اتباع الأحسن الذي يمدحه الله تعالى في كتابه، ويصف به الصالحين من عباده، وهو شوط ثان على الطريق.

ويُمكّننا أن نتآلف ونتعايش ونتعاشر ثالثاً، وكل ذلك يحبه الله تعالى ورسوله، وهذا شوط ثالث على الطريق الصحيح.

لقد جرّبنا كثيراً فوجدنا أن الله تعالى قد جعل في اللقاء، والحوار، والتفاهم، خيراً كثيراً لهذه الأمة، وبعكس ذلك وجدنا في التباعد، والانكفاء على الذات، والانغلاق أسباب الضعف، والانحطاط، والضمور، والنفور، والبغضاء، والتقاطع، والتراشق، بل التكفير والتقاتل.

ونحن اليوم نواجه تحديات صعبة، سياسية، وثقافية، واقتصادية، وليس بوسعنا أن ندفع هذه التحديات، ونواجهها بتحديات مكافئة لها، ما لم نحقق الحدّ الأدنى من اللقاء والتفاهم والحوار الذي لا بدّ منه في الأمة الواحدة فيما بيننا.

وبعد، فهذه المجموعة من المقالات والخطب تُعَدّ واحدة من الهتافات الكثيرة التي ترتفع هنا وهناك في شرق العالم وغربه، من جانب العلماء العاملين الصالحين الواعين من هذه الأمة، الذين يُدْركون عمق الأخطار السياسية والثقافية والاقتصادية التي تهدّد هذه الأمة، ويجدون في اللقاء والتفاهم والحوار بين أطراف الأمة الإسلامية العلاج والدفاع من هذه الأخطار، وأسباب القوة في هذا المعترك الحضاري، السياسي، الثقافي، القائم اليوم بين المسلمين وخصومهم في الشرق والغرب.

نسأل الله تعالى أن يحقق أهداف هذه النداءات وغاياتها، بالتفاهم، والتقارب، والتواصل، والتعاون، والتآلف في هذه الأمة التي جعلها الله أمة وسطاً، لتكون شاهدة وقيمة على سائر الناس، ولتكون خير أمة أخرجت للناس.

محمد مهدي الآصفي        
النجف الأشرف/ 7 شوال 1429هـ

* أستاذ البحث الخارج في النجف الأشرف. ومن مؤسسي الحركة الإسلامية في العراق، له مؤلفات كثيرة في الفقه والثقافة الإسلامية.