تقديم لكتاب قضايا الدين والمجتمع
حين ينتهل الإنسان من معين المعارف الدينية، وينتمي إلى سلك حملة العلم الشرعي، فإنه يتحمل مسؤولية نشر العلم والمعرفة، وواجب التعليم والإرشاد.
وهو مطالب أمام اللّه سبحانه وتعالى ببث ما تعلمه في أوساط المجتمع، وسيحاسب يوم القيامة عن التقصير في القيام بهذه المهمة، يقول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾[سورة البقرة، الآية: 159]، وورد عن رسول اللّه أنه قال: «أن اللّه يسأل العبد عن فضل علمه كما يسأله عن فضل ماله». وعنه : «من كتم علماً ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من النار».
وهناك علاقة وثيقة بين بذل العلم للناس وبين تقدم مستوى العالم في معرفته وعلمه، فمن يبخل بالعطاء العلمي، يتوقف عن النمو والتقدم، ويصيبه الركود الفكري، ويتراجع مستواه. وهذا أمر محسوس، فإن ممارسة التعليم، والتصدي للدور المعرفي، يعني استمرار الحركة العلمية في ذهن الإنسان، ومتابعة الانشغال بالبحث والنظر، والاجتهاد في أساليب إيصال الفكرة للمتلقين، والإجابة على تساؤلاتهم واعتراضاتهم، مما يعمق القدرة العلمية، والكفاءة المعرفية، ويفتح أمام الذهن آفاقاً وأبواباً جديدة في العلم والمعرفة.
وهذا ما تشير إليه النصوص الشريفة من تبيين أثر العطاء على تعميق العلم والمعرفة. يقول أمير المؤمنين : «العلم يزكو على الإنفاق»، كما أن العالم حين يبذل علمه للناس، فإنه يصبح قريباً منهم، وتتعزز مكانته ودوره في أوساطهم، فيكون أقدر على خدمة الدين، والارتقاء بشأن المجتمع.
وفي هذا العصر تواجه مجتمعاتنا تحديات خطيرة، تستهدف قيمها الأخلاقية ومبادئها الدينية، في ظل ثقافة العولمة المادية، كما تعاني مجتمعاتنا الكثير من المشاكل في داخلها، كضعف الفاعلية والإنتاج، وداء الاختلاف والتفرق، وانتشار الأفكار السلبية، والعادات الضارة.
مما يضاعف المسؤولية على علماء الدين ليضاعفوا جهدهم، وليرفعوا من مستوى فاعليتهم ونشاطهم، في بث الوعي والمعرفة، وإرشاد الناس إلى ما يصلح أمور دينهم ودنياهم.
وقد أصبحت الفرص متاحة، والآفاق مفتوحة، والظروف مساعدة، أكثر من أي وقت مضى، وإذا كانت هناك بعض الصعوبات والعوائق فهي في الحدود المقبولة، التي يواجهها أي نشاط في مختلف مجالات الحياة.
كان مجتمعنا في الماضي يشكو من قلة العلماء، وضعف الإقبال على طلب العلم الديني، لكن الصحوة الدينية التي هبت على مجتمعنا وسائر مجتمعات الأمة، تجاوزت بالمجتمع ذلك الواقع، فأصبح لدينا في كل قرية أو مدينة عشرات من المنتمين إلى هذا السلك المبارك، وما يحتاجه المجتمع اليوم هو التفعيل الأفضل لدور هؤلاء العلماء والخطباء وطلاب العلوم الشرعية.
وإذ نفخر بالنماذج المتصدية للقيام بالمسؤولية والواجب الديني الاجتماعي، فإننا نأمل مضاعفة الجهد والنشاط، وشمولية حالة الفاعلية والتصدي لجميع أبناء هذا الصنف من الشرعيين، مع السعي لأكبر قدر من التنسيق والتعاون فيما بينهم، لحفظ الوحدة الإيمانية والاجتماعية.
وممن يُفخر بدوره الديني والاجتماعي أخونا العزيز الفاضل سماحة الشيخ صادق رواغة أدام اللّه تأييده وتوفيقه، حيث يقيم صلاة الجماعة، ويخطب في المصلين، ويمارس الخطابة الحسينية، ويقوم بالتدريس لمجاميع من الشباب، ويؤدي المهام الدينية المتعارفة، مع التحلي بحسن الأخلاق، واستقامة السلوك، والاتزان والانفتاح في علاقاته الاجتماعية.
وها هو يشهر سلاح القلم للانتصار لقيم الهداية والصلاح، وبث الوعي والمعرفة، وكنت أطّلع على بعض مقالاته التي يدوّن فيها خطبه ومحاضراته، فيلفت نظري حسن اختياره للموضوعات التي يتناولها، بما يلامس حاجة المجتمع وقضاياه، وكذلك أسلوب المعالجة والطرح، بما يجمع بين عمق المضمون ووضوح التعبير، وإذ أبارك له جمع هذه المقالات وإصدارها ضمن دفتي هذا الكتاب، لأرجو أن يكون ذلك فاتحة خير لنشاط متواصل منه في مجال الكتابة والتأليف. كما آمل أن يكون دافعاً ومحفزاً لسائر أبناء سلك العلوم الدينية، للاهتمام بتوظيف أقلامهم في حركة الثقافة والفكر، خدمة للدين والمجتمع.
والحمد للّه رب العالمين.
حسن موسى الصفار
17 رجب 1432ﻫ
19 يونيو 2011م