تقديم لكتاب العهد.. جاسم سيرة عطاء 1956-2012م
بسم الله الرحمن الرحيم
حين يتجاوز الإنسان ذاته، ويُوقَّ شُح نفسه، فيحمل هموم مجتمعه، ويبذل جهده لخدمة الناس وقضاء حوائجهم، فإن من الطبيعي أن تنجذب إليه النفوس، وان يحظى بالاحترام والتقدير.
تلك هي الحقيقة التي أكدتها سيرة الفقيد الراحل المهندس جاسم قو أحمد، فقد امتلكت محبته قلوب أبناء مجتمعه بمختلف شرائحهم، وكان موضع الثقة والتقدير لدى جميع الطبقات والأوساط.
لذلك كان يوم تشييع جنازته يوماً مشهوداً، حيث زحفت الجموع من مختلف أرجاء المنطقة للمشاركة في تشييعه، واحتشد الألوف في مجالس عزائه، وكنتَ ترى ملامح الحزن والأسى لفقده على وجوه جميع المشاركين.
تُرى ما الذي كان يميّز المهندس جاسم؟
وما سر عشق الناس له وانجذاب القلوب إليه؟
إن صفات الخير ونقاط التميّز في شخصيته كثيرة ومتنوعة، من أبرزها استقامته الدينية، حيث عرفه المجتمع في مختلف أطوار حياته بالالتزام الديني، واستقامة الأخلاق والسلوك، ومنها كفاءته العلمية وخبرته المتميّزة في مجال تخصصه، كمهندس معماري أصبح في موقع الصدارة من المهندسين الأكفاء اللامعين في المنطقة.
إلى جانب تحلّيه بالأخلاق الفاضلة فقد كان متواضعاً وصولاً مشاركاً للناس في أفراحهم وأتراحهم، سخياً معطاءً، لا يرد محتاجاً، ولا يتردد في دعم أي مشروع خيري.
لكنني أريد التركيز وتسليط الضوء على صفة مهمة أراها أصلاً ومنبعاً للكثير من التوجهات والسمات الطيبة النبيلة في شخصيته وسيرته.
تلك الصفة المائزة هي: اهتمامه بتنمية المجتمع والسعي لارتقائه وتطويره.
كان المهندس جاسم مسكوناً بهذا الهم، وقد حدثني أكثر من مرة عما يشغل باله من التفكير في إنهاض المجتمع، ومعالجة معوقات تنميته وتقدمه في مختلف المجالات.
ولأن التنمية الاجتماعية تحتاج إلى أسس ومقومات فإننا نلحظ أن جهود الفقيد الراحل وعطاءاته كانت تصبّ في هذا الاتجاه.
فأول أسس التنمية هو الوعي والثقافة الدافعة نحو الفاعلية والعمل، حيث كان للفقيد دور بارز في عقد لقاءات التفكير والبحث حول أوضاع المجتمع، وفي تشجيع نشر الكتب وإقامة المحاضرات التوعوية الهادفة.
والأساس الثاني للتنمية هو وجود المؤسسات الاجتماعية، التي تحتضن الطاقات، وتضع البرامج، وتتصدى لحاجات أبناء المجتمع، ويعرف الجميع دعمه للجمعيات الخيرية، والأندية الرياضية، ومختلف النشاطات الاجتماعية، ومساهمته في بناء المساجد والحسينيات، وقد ختم حياته المباركة بمشروع بناء مسجد على نفقته الخاصة سمّاه (مسجد العهد) وكان يتابع عمليات إنشائه وهو على فراش المرض والمعاناة.
أما الأساس الثالث فهو التماسك الاجتماعي، والتواصل بين مختلف القوى والفاعليات الاجتماعية، فقد كان رحمة الله عليه منفتحاً على جميع فئات المجتمع، يتجاوب مع أي جهد أو نشاط يخدم المصلحة العامة من مختلف الأطراف والتوجهات.
لم يحتكره اتجاه، ولم يتعصب لفئة، ولم يكن طرفاً في أي اختلاف أو نزاع، بل كان داعية تسامح وانفتاح، وجسر تواصل بين مختلف الأطراف، وكان مهتماً بتنقية الأجواء العامة من أي خلاف يضر بوحدة المجتمع وتماسكه.
ويأتي خلق المناخ المناسب والأجواء المساعدة كأساس رابع من أسس التنمية الاجتماعية، حيث كان الفقيد يعي أهمية الانفتاح وصنع العلاقات على المستوى الوطني، فكانت له شبكة من العلاقات الايجابية مع الجهات الرسمية، والشخصيات المؤثرة في المحيط العام، حيث كانت تنظر إليه بثقة واحترام، لكفائته وعطائه وكريم أخلاقه، وكان يوظف تلك العلاقات في خدمة مصالح المجتمع، وتعزيز موقعيته الوطنية، وقضاء حوائج الناس.
هذه إضاءة سريعة على أهم مميزات هذا الرجل النبيل الذي فقدناه وهو في أوج عطائه، لتبقى سيرته العطرة، حافزاً لأبناء الوطن نحو البذل والعطاء، وتحمل المسؤولية تجاه المجتمع، وليكون ذكره الجميل عنواناً مشرقاً في تاريخ المنطقة الاجتماعي.
وبين يدي القارئ الكريم صفحات نور لتوثيق شيء من سيرة العطاء لهذا الفقيد الراحل، ولتسجيل بعض مشاعر الوفاء نحوه ممزوجة بلوعات الحزن والأسى، من قبل محبيه وعارفيه.
رحمك الله يا أبا أحمد وأسكنك فسيح جنانه، وضاعف لك الأجر والثواب على ما بذلت في خدمة مجتمعك ودينك.
ووفق الله أبناء مجتمعك لمواصلة نهجك في التنمية والإصلاح.
وشكراً للإخوة الأعزاء الذين قاموا بإعداد هذا الكتاب الجميل. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
حسن موسى الصفار
26 ربيع الأول 1433هـ
18 فبراير2012م