في رقابكم أيها المسافرون

حين يغادر أحد وطنه مستجمّاً أو سائحاً أو طالباً لرزقه في دولة ما من دول العالم، فإنه لا يحل في تلك البلد كجسد فقط، ولا أعتقد أن أحداً من مواطني تلك الدولة التي حلّ بها ينظر إليه باعتباره جسداً مجرداً، انتقل من حيز إلى آخر.

إنه في نظر الآخرين جسد وروح محمّلة بثقافة وسلوك وأخلاق قد تعجب الآخرين، فيحبونها وينجذبون إلى حاملها، ويتحول انجذابهم له إلى راحة نفسية من أبناء مجتمعه، وخصوصاً إذا رأوا الحالة متكررة من أبناء مجتمعه، وقد يكرهونها ويكرهون الجسد الذي يحملها، ومن وراء ذلك ينفرون منه ومن أبناء دولته وجنسيته التي يحملها إذا ما شعروا أن هذه الأخلاق السيئة يكررها الآخرون من المجتمع نفسه.

بعض الشعوب يهمّها التأمل والمقارنة والبحث عن مدى الانسجام بين سلوك السائح ومعتقده، فنحن العرب معروفون في بقاع الأرض وعند شعوبها بالإسلام والقرآن، والعالم ينظر إلينا كمسلمين، وحين يقوّم سلوكنا فعينه على إسلامنا وقرآننا، ولذلك يكون السائح منا رسولاً وداعيةً، ولكن بغير لسانه، وإنما بالأمانة التي يحملها في رقبته.

المسافر يحمل أمانتين حيث اتجه وحلّ، أمانة الدين وأمانة السمعة والأخلاق عن مجتمعه، ففي الدين هو داعية ينفِّر الآخرين من عقيدته إن وجدوه يغادر بلده فيغيّر جلده ودينه وعقيدته بارتكاب ما تنهاه عقيدته عنه (والعياذ بالله) والتهاون فيما توجب عليه، وفي سمعة بلده وأهله إذا كرّس في نفوس الآخرين من الشعوب والمجتمعات الأخرى نظرة سيئة يوصف بها مجتمعه.

سلوك المسافرين ومجموع ما يلمس ويرى من تصرفاتهم وأخلاقهم هو الذي يجتذب المحبة لشعوبهم، وهو الذي يوطن الكره لها.

في بعض سفراتي كنت أسأل المباشرين لاستقبال المسافرين في الفنادق عن ميزات أو سيئات السواح الذين يقيمون في فنادقهم، فكانوا يعبّرون بكل صراحة وبإطلاق شبه تام أحياناً بأن الشعب الفلاني وسخ ولا يعرف النظافة، والشعب الفلاني بخيل، والشعب الثالث ماجن، وحين يصلون إلى مجتمعاتنا الخليجية يتحدّثون عنها بأمورٍ لا تسر الخاطر، ولا توحي بانطباعات إيجابية.

لست هنا بصدد البيان أن بعض الشعوب تحمل لنا كرهاً عميقاً، فذلك ما يشعر به أغلبنا من تعامل أغلب الشعوب معنا، وذلك بسبب التعامل الاستعلائي الذي يمارسه بعضنا بل أغلبنا، وما يتبعه من استهانة وتحقير للآخرين، ربما بسبب بعض المال والإمكانات التي حبانا الله بها فاستعملناها لمذلة الآخرين وإهانتهم والتفاخر عليهم.

سأذكر هنا شيئاً بسيطاً هو عبارةٌ عن أخطاء ربما تشكّل انطباعاً سيئاً في بلد خليجي ضد مجتمع خليجي آخر، فقد «كشف مصدر في سفارة المملكة في الإمارات العربية المتحدة أن 170 سعودياً، أوقفوا العام الماضي، في أبوظبي، على خلفية طمسهم جزءًا أو كامل لوحات سياراتهم، وقال إن الشباب يفعلون ذلك حتى لا تضبطهم كاميرات المراقبة، في حال ارتكابهم مخالفات سرعة» والمصدر هو صحيفة «الشرق» 2012/4/27.

ماذا عن المجتمعات الغريبة عنا إذا ما فاجأتها أعداد من مجتمعاتنا وهي تندفع لسلوكيات مخجلة وغير سوية؟ ثم ماذا عن الأمور المخجلة الأخرى التي يتجه لها بعض أبناء مجتمعاتنا في سياحتهم؟

سؤال يحتاج إلى تأملٍ وإجابةٍ صادقةٍ مع اقترابنا من فترة الصيف والعطلة وموسم السفر، متمنياً للجميع أسفاراً ورحلات موفقة.

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3537 - الإثنين 14 مايو 2012م الموافق 23 جمادى الآخرة 1433هـ