قناة المنار تبث حواراً مع سماحة الشيخ الصفار بعنوان: في رحاب التقريب
بثت قناة المنار حوارا مع سماحة الشيخ حسن الصفار وسماحة الشيخ ماهر حمود الباحث الإسلامي وإمام مسجد القدس بمدينة صيدا، مساء يوم الأحد 2 جمادى الأولى 1433هـ الموافق 25 مارس 2012م، فيما يلي نص إجابات سماحة الشيخ الصفار:
المحاور: أعزائي المشاهدين.. في هذا اللقاء سنتعرف على أهمية الوحدة الإسلامية اليوم ، وما هي الأسس الفكرية والأخلاقية التي تقوم عليها، وهل يمكن أن تتحقق اليوم، وكيف تتجاوز الأمة العقبات التي تواجهها، أما ضيفاي الكريمان لهذه الحلقة فمن المملكة العربية السعودية سماحة الشيخ حسن الصفار باحث إسلامي وإمام جمعة مدينة القطيف، ومن لبنان سماحة الشيخ ماهر حمود باحث إسلامي وإمام مسجد القدس بمدينة صيدا فأهلا بكم من جديد.
عرض لتقرير يتحدث عن دور المصلحين في تأصيل حالة الوحدة بين المسلمين.
أهلا بكم ضيوفي الكرام .
ابدأ معك سماحة الشيخ حسن الصفار أولا هل لديك تعليق على ما ورد في التقرير؟.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين ، هذا التقرير يشير إلى أن همّ الوحدة همٌ أصيل ومتجذر وعميق في نفوس علماء الأمة، وفي تاريخها، وهنا لا بد من الإشارة إلى ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: الوحدة ليست مصلحة طارئة، وليست استهدافاً سياسياً لهذه الجهة أو تلك، إن همّ الوحدة همٌ توارثه المصلحون والدعاة في تاريخ الأمة الإسلامية.
النقطة الثانية: نعتقد أن الظروف الحالية مع أن هناك تحديات كبيرة تواجهها الأمة إلا أن جماهير الأمة وشعوبها أصبحت أكثر نضجاً، وبالتالي أصبحت الوحدة الإسلامية اليوم أقرب إلى النجاح، وإلى التحقق.
النقطة الثالثة: أنه في مختلف الأفكار والتوجهات عادةً ما يستفاد من التجارب السابقة، قد لا تنجح أول تجربة في تحقيق الهدف كاملاً، لكنها بالتالي أرست أساساً تجربة الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، الجهود التي بذلها سيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده وبقية المصلحين لا شك أنها شكلت أرضية وأساساً يمكننا الاستفادة والانطلاق منه، إضافة إلى التجارب التي تلت هذه التجربة .
سماحة الشيخ الصفار قبل قليل أشرتم إلى نقطة مهمة وهي تتعلق بجدوى الحديث عن الوحدة الإسلامية، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان هناك حديث مطول، وكان هناك تأصيل للوحدة الإسلامية الآن هل هناك جدوى من الحديث عن الوحدة الإسلامية ؟
أنا اعتقد أن الجدوى الآن اكبر من أي وقت مضى، وذلك لأن مستوى الوعي عند الناس قد تقدم، شعور أبناء الأمة بالتحديات وبخطورة الأوضاع المعاشة أصبح شعوراً عاماً، كما أن هناك عاملاً آخر وهو النظر إلى تجارب الأمم الأخرى.
المسلم الذي يرى الأوربيين على ما كان بينهم من حروب ومن صراعات إلى حد القرن الماضي المنصرم، مع ذلك استطاعوا أن يتجاوزوا حالات الصراع والتمزق والخلافات في ما بينهم، وأن يصنعوا وحدة تمظهرت في الوحدة الأوروبية، أو الاتحاد الأوروبي، هذا يدفع الإنسان المسلم، ويدفع أبناء الأمة الإسلامية لكي يتحركوا ويعرفوا أن الوحدة ليست أمراً مثالياً، ولا خيالياً، ولا إعجازياً، ولا غير قابلة للتحقق.
نحن نعيش الآن في عالم التكتلات، في عالم الأحلاف، فلا ينبغي أن يشك أحد في أن أي تجمع لقوى الأمة وأبناء الأمة هو في مصلحتها.
اعتقد أن هذا الوعي بخطورة التحديات، وضرورة التوحد، أصبح الآن منتشرا في أوساط أبناء الأمة الإسلامية، وخاصة مع ما نلحظه الآن من حراك جماهيري في أكثر من بلد إسلامي .
طبعا كثير من الكتاب و الصحفيين يشككون في إمكانية تحقيق الوحدة، والسبب ـ كما يقولون ـ هو التبادر، فعندما نقول الوحدة الإسلامية يتبادر للجميع الوحدة السياسية، ويتناسوا أن الوحدة لا تنحصر في الوحدة السياسية، وإنما هناك مجالات متعددة للوحدة.
نعم صحيح؛ من الإشكالات التي نواجهها، ما هي الآليات؟ وما هو النموذج؟ ما هو نموذج الوحدة الذي نريده؟ على الصعيد السياسي، وعلى الصعيد الاقتصادي، ومن ثم على الصعيد الديني المذهبي.
كثير من الناس ليسوا بحاجة إلى أن يقنعوا بأصل الفكرة، ولكن لديهم تساؤلات حول آلية ومنهجية التطبيق، ومن هنا فإن دعاة الوحدة وخاصة الآن في هذا العصر، وفي هذا الوقت، مدعوون لوضع نماذج تطبيقية وآليات عملية، يقدمونها لأبناء الأمة، وأن يباشروا نوعاً من التحرك الفعلي باتجاه الوحدة، والصيغ الناضجة التي أعتقد أنها ستحض بقبول كثير من أبناء الأمة.
سماحة الشيخ حسن الصفار عندما نتحدث عن الوحدة، وعندما نتحدث عن أهمية وضرورة الوحدة، السؤال المنطقي والطبيعي هو: على أي أساس تقوم هذه الوحدة؟
هذه الوحدة تقوم على أساسين، على أساس القيم الدينية التي نؤمن بها جميعاً، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾، وحبل الله هي تلك القيم والمبادئ الأساسية التي يؤمن بها كل المسلمين.
الأساس الثاني هو الوعي بالمصلحة العامة للأمة وللإسلام، أنا اعتقد أن هناك أربعة أمور ينبغي أن تكون رافعة ودافعة باتجاه الوحدة:
الأمر الأول: إنجاز التنمية؛ كل أقطارنا، كل شعوبنا تعاني من التخلف، الأمم الأخرى، والبلدان الأخرى تقدمت، قطعت أشواطاً بعيدة على مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي، وبلادنا لا تزال متخلفة، مع أننا نمتلك ثروات، ومن أسباب تخلفنا انشغالنا ببعضنا بعضاً، هذه الخلافات، وهذه الصراعات والحروب والمشاكل هي من معوقات التنمية في مجتمعاتنا، فمن أجل أن ننجز التمنية، ينبغي أن نعيش حالة من السلم الاجتماعي، حالة من التآلف فيما بيننا.
الأمر الثاني: التحدي الخارجي؛ فمن أجل مواجهة اعتداءات الأعداء الأجانب، كالاحتلال الصهيوني الجاثم على صدور أبناء الأمة، عبر احتلال هذه الأراضي، وخاصة الأراضي المقدسة في فلسطين، والهيمنة الأجنبية على مختلف بلاد المسلمين.
كيف نواجه هذا التحدي الخارجي؟ كيف نواجه النفوذ الأجنبي؟ إنهم يستفيدون من تمزقنا، ومن تفرقنا، بل هم يصنعونه ويغذونه.
الأمر الثالث: حتى نحمل رسالة الله للعالم، هذا العصر الآن، مع التفتح الموجود في أذهان أبناء البشر، هو أفضل وضع يمكّننا من حمل رسالة الله للعالم.
الإسلام ليس قبيلة ننتمي إليها، الإسلام رسالة، الإسلام دين، فينبغي أن نتوحد حتى نحمل هذه الرسالة، فالله تعالى يريد منا أن نكون شهداء على الناس ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.
الأمر الرابع: الامتثال لأمر الله؛ وهو كان يجب أن يكون الأساس، لا بد أن نمتثل لأوامر الله سبحانه وتعالى، الداعية للتوحد، فنحن مأمورون بأن تكون أمتنا أمة واحدة، الله تعالى يقررها كحقيقة ثابتة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
في آية أخرى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾، وحدة الأمة حقيقة دينية ينبغي أن تكون قائمة.
وحينما لا تكون الأمة أمة واحدة فهذا يعني التعدي والهدم لحقيقة أراد الله سبحانه وتعالى لها أن تكون موجودة وقائمة.
هذه القيم مع الأسف نجدها موجودة على مستوى التنظير، وعلى مستوى الانتشار هذه القيم موجودة، ولكن نحتاج إلى التذكير بها، بالنسبة للتنمية، انتم تفضلتم بالقول: إن التنمية تستطيع أن توحد، ولكن البعض يقول أن هناك جدلية التنمية تحتاج إلى وحدة.
حتى أوروبا الآن في كثير من الصناعات يعني فرنسا تشاركت فيها مع ألمانيا، وتشاركت مع بريطانيا، يعني الغرب قائم على الصناعة والتقدم، الغرب قائم على هذه الوحدة الأوروبية ما عدا التنوع.
سماحة الشيخ بعد أن تعرفنا على الأسس التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية وأنها أسس دينية، وأسس واقعية المصلحة، هناك مجموعة من الأسس التي لا تخفى على الجميع، ربما لا تحتاج إلى التأصيل، وإنما إلى التذكير.
هناك طبعاً مجموعة من العقبات التي تحول دون تحقيق الوحدة الإسلامية، أهمها كما أشار الكثير من الكتاب والباحثين الاستبداد السياسي التي ينخر جسد هذه الأمة، وهو يشكل عقبة أمام التطور والتقدم، كيف تواجه الأمة هذه عقبة الاستبداد السياسي؟
لا شك أن الاستبداد السياسي في أوطاننا الإسلامية، حيث تشكلت هذه الأنظمة الحاكمة، وصارت كل فئة تحكم في بلد من بلاد المسلمين، وتريد أن تستمر في حكمها، وأن تهيمن على الحكم والسلطة، وهم يخشون من وعي شعوبهم، وأن تتوحد الجهود أمامهم، لذلك فمن مصلحة كثير من هذه الأنظمة الاستبدادية أن لا يلتقي الناس مع بعضهم البعض، وان تبقى حالات الخلاف باسم القومية حينا، والطائفية حيناً آخر، والقبلية والمناطقية، طبقاً لقاعدة "فرق تسد" حتى لا يعي الناس مصالحهم، ويتوحدون من أجل خلاصهم.
من ناحية أخرى هذه الأنظمة في الغالب لا تمتلك إرادة سياسية من أجل التوحد، حتى ضمن الصيغ التي اتفقوا عليها، كالجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، هذه صيغ اتفقت الحكومات عليها، لكن ليس هناك تفعيل لهذه الصيغ، لا تتخذ قرارات إستراتيجية باتجاه الوحدة، وإذا اتخذت لا تفعّل، وحتى التحالفات والتكتلات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي في منطقتنا، رغم مضي هذه الفترة الزمنية عليه، لكن لم يصل إلى ما تطمح وتتطلع إليه الشعوب من إيجاد حالة من التعاون، لا يوجد إرادة سياسية، كثير من الحاكمين لا يحملون مشروعاً، ليس لديهم هم، مشروعهم البقاء في الحكم، همهم السلطة فقط.
هناك سؤال دائما يطرح كيف نخلق هذه الإرادة السياسية ؟ كيف نوجد هذه الإرادة السياسية ؟
إذا وعت جماهير الأمة، وأخذت مكانها في الضغط على هذا الواقع السياسي، وفي تغيير هذا الواقع السياسي يمكن المراهنة على التغيير، أما ما دامت أنظمة الحكم القائمة بهذا الشكل الموجود، فإننا لا نتفاءل كثيرا بأنها تستطيع أن تنجز وحدة لهذه الشعوب، ووحدة لهذه الأمة بدليل التاريخ الماثل أمامنا، نجد الصراعات البينية بين الدول.
الآن نحن نواجه مشكلة أخرى؛ إن هذه الأوطان المجزأة هي أيضاً تعيش خطر التجزئة، لم تعد المشكلة كيف نجمع الدول الإسلامية؟ والبلدان الإسلامية الآن نواجه تحدي، كيف تحافظ هذه الدول على وحدتها.
رأينا ما حصل في أكثر من بلد، ماذا حصل في الصومال؟ وماذا حصل في السودان؟ التهديدات والأخطار التي تحيط بمناطق كثيرة بهذا الاتجاه .
إذا سماحة الشيخ سأسلك في نقطة مهمة، يعني هذا الواقع معروف حتى لعوام الناس، يعرفون هذه التفاصيل، ولكن دائماً الخطوات العملية، وأنت أشرت إلى نقطة أنه على الشعوب إذا أرادت الوحدة أن تسعى إليها.
سؤالي سماحة الشيخ حسن الصفار الآن التعدد المذهبي يستغل من طرف الاستبداد السياسي، من طرف الاستعمار، ويستغل كذلك من داخل التعدد نفسه، من داخل المذاهب، هناك تعصب الآن تجاوز الخصوصية، والحفاظ على الخصوصية، وإنما وصلنا الآن إلى القتل، هناك مساجد تفجر بذريعة المخالفة في الشريعة والمذهب.
كيف تتعاطى الأمة حقيقة مع تعددها المذهبي، والتنوع الفكري، بحيث يصبح جزء لا يتجزأ يخدم الوحدة الإسلامية ؟
التعدد المذهبي ليس أمراً جديداً في تاريخ الأمة، منذ العهد الإسلامي الأول بدأت بذور هذه المذاهب القائمة، وفي بداية القرن الثاني الهجري اتضحت معالم أكثر هذه المذاهب القائمة الآن في الأمة، مذاهب أهل السنة، ومذاهب الشيعة، ومذاهب الخوارج.
إذاً حالة التعدية ليست جديدة، وإنما في الماضي كان هناك جو وحدوي عام تعيش فيه الأمة الاختلافات التي كانت تحصل كانت مثل الجراثيم والمكروبات في جسم له مناعة قوية، فلا تؤثر عليه تأثيرا قوياً، ولكن عندما فقد جسم الأمة المناعة، أصبح أقل ميكروب يسبب الدمار والهلاك في الجسم.
لقد مرّت الأمة في مرحلة من الانحطاط، ومن ضعف المناعة، لذلك أصبحت مثل هذه الآراء، والدعوات، تلقى تجاوباً، وتشكل خطراً كبيراً في واقع الأمة.
أنا أعتقد أن مسألة التعصب المذهبي يُغذّى من قبل الجهات السياسية، ومن قبل الأعداء الأجانب، ولا نستطيع أن نبرئ أنفسنا، وأن نبرئ تراثنا ، ففي تراثنا مواد خام يستفيد منها هؤلاء، وكثير منا ينساق مع العواطف، مع عواطف الناس، ومع ما يطلبه الجمهور، بحجة الدفاع عن المذهب.
أنا أعتقد أن نخبة أو فئة الواعين من علماء الإسلام الآن ليسو قلة، ولكن المشكلة أن كثيرين منهم لا يمتلكون الجرأة، لا يريدون أن يضحوا بمصالحهم، في المقابل نجد أن هناك نماذج واعية مخلصة من علماء الإسلام اتخذوا مواقفهم الطيبة المشرقة المشرفة في الدفاع عن قيم الإسلام، وفي تبني مسؤوليتهم، فعالم الدين ينبغي أن يشكل عامل الردع والرقابة والنصيحة للسلطان، لا أن يكون أداة من أدوات السلطة.
الآن عندنا علماء والحمد لله في ساحات إسلامية كثيرة بدؤوا أخذ هذه المواقع، في إيران ولبنان والعراق وفي أفغانستان ومصر، وفي مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، لكننا بحاجة إلى أن يعمم هذا اللون، من دور علماء الدين، ونحن بحاجة إلى أن يصل الوعي الصحيح إلى جماهير الأمة، حتى لا تنطلي عليهم محاولات التضليل، ومحاولات الترميز والاستقطاب للجهات الزائفة .
سماحة الشيخ هناك فئات الآن من الدعاة، ومن الإعلاميين، وهناك برامج فضائية لا هم لهم اليوم سوى تفريق الأمة، سواء ضمن خطة استعمارية عامة، أو ضمن إطار الاستبداد السياسي الذي أشرنا إليه، ما حكم هؤلاء في ميزان القرآن والسنة، وكيف نواجه هؤلاء؟
لا شك أن هؤلاء ينقسمون إلى فئات، بعضهم عندهم سوء فهم، تراءى له أن الانتصار لرأيه، والانتصار لمذهبه، يخدم الإسلام، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾.
أيضاً؛ لا نستطيع في مواجهة هذا الإعلام التحريضي المذهبي الطائفي، إلا أن نقوي الإعلام البديل، وأن تكون هناك برامج بديلة لتوعية الأمة، ولتثقيفها، وهنا أودّ أن أشدد على الأمور التالية:
الأمر الأول: ينبغي أن نؤكد على مسألة تحقيق مفهوم المواطنة؛ لأن وجود تمييز بين الناس على أساس انتماءاتهم المذهبية، هو الذي يتيح الفرصة لتلقي مثل هذه المقولات التحريضية.
نريد للمسلم السني أن يعيش في البلد الشيعي أو في البلد الذي غالبيته من الشيعة، وهو يشعر بأنه متساو مع بقية إخوانه المؤمنين، كما نريد للمسلم الشيعي الذي يعيش في بلد ذي أغلبية سنية ألا يشعر بأي تمييز يمارس ضده بسبب انتماءه المذهبي، ينبغي أن نؤكد على مسألة العدل، وعلى مسألة مفهوم المواطنة.
الأمر الثاني: يرتبط بمناهج التعليم، سواء كانت مناهج التعليم الأكاديمية الموجودة في المدارس الرسمية، أو حتى مناهج التعليم الموجودة في الحوزات، والمؤسسات الدينية.
في بعض بلداننا هناك تعبئة في مناهج التعليم الرسمية، الطلاب يدرسون من صغر سنهم ما يعبئهم ضد أبناء دينهم، وأبناء وطنهم، وحصلت مشاكل عديدة على هذا الصعيد في أكثر من منطقه.
وكذلك على مستوى الحوزات، والمؤسسات والمعاهد الدينية، إذ لا تزال كثير من الحوزات، وكثير من المعاهد الدينية لا يدرس فيها طالب العلم رأي المذهب الآخر، ولا يطّلع على فكر المذهب الآخر، نعم قد يطّلع عليه من مصادر عادية، أصبح عندنا عالم الدين وكأنه عالم مذهب.
نحن بحاجة إلى أن يكون عالم الدين مطّلعاً على معارف الإسلام من مختلف المذاهب، الإمام جعفر بن محمد الصادق كان يجيب حينما يسأل على آراء مختلف المذاهب، وينقل عنه الإمام أبو حنيفة أنه في مجلس المنصور العباسي تحاور معه حول بعض المسائل، فكان الإمام جعفر يقول هذا رأينا، وهذا رأيكم وهذا رأي أهل العراق، وهذا رأي أهل الحجاز .
المحاور: مشاهدينا الكرام لا تمتلك أمة من الأمم اليوم، من عناصر الاتحاد والوحدة، ودواعي الائتلاف والأخوة، بين مكوناتها الدينية والمذهبية والعرقية ما تمتلكه الأمة الإسلامية، فالدين واحد، والشريعة واحدة، وهناك تاريخ مشترك، وحضارة واحدة، وجغرافية متصلة، وأرض ممتدة في قلب العالم، لهذه الدواعي والأسباب فالوحدة بين المسلمين اليوم فريضة شرعية، وضرورة عقلية، وواقعية.
لكن التحديات أكبر وأخطر، فالاستكبار العالمي يعمل ليل نهار لإضعاف هذه الأمة، لذلك فهو يصنع لها الأعداء الوهميين لتفجير وحدتها من الداخل.
إن العدو الحقيقي لهذه الأمة ليس تعددها المذهبي، ولا تنوعها العرقي أو اللغوي، إنما هو الثالوث الشيطاني، وتوابعه، وذيوله المتمثل في الاستبداد السياسي الذي يهلك الحرث والنسل، والتعصب المذهبي المقيت الذي ينشر الكراهية في قلب المجتمعات المسلمة، وأخيراً الاستعمار الأرضي والصهيوني الذي يستعمر الأرض، وينهب الثروات.
إن الوحدة هي قدر هذه الأمة، وان كانت كلمة التوحيد تستلزم وحدة الكلمة، فلا تقدم ولا إزدهار ولا عزة ولا كرامة إلا بالتوحيد والوحدة.
إلى أن يتجدد اللقاء بكم في رحاب التقريب، اشكر حسن متابعتكم، استودعكم الله، والسلامة عليكم ورحمة الله وبركاته