تقديم لكتاب في ظل التعايش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
لن تقلع مسيرة مجتمع نحو التنمية والتقدم ما لم يكن معافى في علاقاته البينية، ذلك أن سوء العلاقة بين مكونات المجتمع وطوائفه وشرائحه، تصرف اهتمامات أبنائه عن البناء، وتشغلهم بمعارك النزاع والصراع الداخلي، حيث يتوهّم كل طرف بأن الطرف الآخر ضده وعدو له، ويغفلون عن العدو المشترك وهو التخلف التنموي.
إن معظم مجتمعات الدول النامية أو العالم الثالث، يعانون من التخلف في مختلف مجالات حياتهم السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية، كما تؤكد ذلك تقارير الأمم المتحدة للتنمية كل عام. وهم بحاجة ماسّة للتحرك باتجاه النهضة والإصلاح والتطوير.
لكن الصراعات الاثنية من قومية ودينية ومذهبية تستهلك جهودهم، وتمنعهم من التعاون والتكاتف لبناء أوطانهم، وانجاز التنمية لشعوبهم.
من هنا تأتي أولوية الاهتمام بإصلاح العلاقات بين فئات المجتمع، ومعالجة ما تعتريها من علل وأسقام.
والقاعدة التي يجب الانطلاق منها في صنع العلاقات السليمة بين مكونات المجتمع هي قبول التعايش، على أساس من الاحترام المتبادل، والاعتراف بالشراكة الوطنية.
إن العقل والشرع يدعمان هذه القاعدة ـ التعايش ـ ويؤيدانها؛ لأن أي فئة لا يحق لها أن تلغي الفئة الأخرى، فالوجود منحة الله تعالى لخلقه، والحياة نعمة منه تعالى على الجميع، وثروات الكون وخيراته مسخّرة لكل بني آدم، فلا يحق لأحد أن يستأثر بذلك خلافاً لإرادة الله وحكمته.
يقول تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾ [سورة الرحمن: الآية10]. ويقول تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾ [سورة الجاثـية: الآية13].
ويقول تعالى: ﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ [سورة الإسراء: الآية20]. وقد أمر الله تعالى أنبيائه بقبول التعايش مع غير المؤمنين برسالاتهم، ونهاهم عن ممارسة أي إكراه أو فرض على الآخرين يقول تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[سورة البقرة: الآية256].
ويقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [سورة يونس: الآية99].
ويقول تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾[سورة الغاشية: الآيتان21 -22]. ولكن قاعدة التعايش مع ثبوت أدلتها الدينية والعقلية، ومع وضوح نتائجها الايجابية في حياة مختلف الأمم والشعوب، إلا أنها لا تزال محلّ أخذ ورد ونقاش وجدال في بعض مجتمعاتنا الإسلامية على مستوى القبول الفكري والتطبيق العلمي.
وذلك لأن تاريخ هذه المجتمعات اتسم في مجمله بسياسة الفرض والقهر، وأنتج ثقافة تشرع الهيمنة والاستبداد، وتدفع باتجاه الاختلاف والنزاع.
إن واجب الواعين من أبناء هذه المجتمعات أن يهتموا بنشر ثقافة التعايش، وأن يقبل الناس بعضهم بعضاً على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية؛ لأن البديل عن ذلك هو التنافر والنزاع والاحتراب، مما يعوّق التنمية ويهدد أمن الوطن واستقراره.
وهذه الصفحات بين يدي القارئ الكريم، هي مجموعة مقالات كتبها الأخ الأستاذ عيسى العيد، ونشرها في بعض الصحف والمواقع الالكترونية، تهتم بمعالجة موضوع التعايش ونشر ثقافة الحوار والتسامح.
والكاتب الكريم واحد من شبابنا الأعزاء الذين انخرطوا في مسيرة الإصلاح وخدمة المجتمع، والتحق منذ نعومة أظفاره بأجواء العمل الديني والنشاط الثقافي، وكتابته عن التعايش والتسامح تواكب نشاطه العملي في المشاركة في جهود الانفتاح والتواصل مع مختلف فئات المجتمع، ومكونات النسيج الوطني.
أسأل الله تعالى له التوفيق ومواصلة طريق العمل لخدمة المجتمع والوطن.
والحمد لله ربّ العالمين.
حسن موسى الصفار
4 جمادى الآخرة 1432ﻫ
الموافق 9 مايو 2011م