تقديم لكتاب (الشفرة الزوجية)
بسم الله الرحمن الرحيم
حين يتحدث الخالق جلَّ وعلا في سورة الروم من القرآن الكريم، عن آيات عظمته ودلائل قدرته، فإنه يبدؤها بالحديث عن خلق الإنسان من تراب، واستوائه بشرًا يملأ الحياة حركةً ونشاطًا، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾.
ثم يثني تعالى بالحديث عن الأبعاد العميقة والمعاني العظيمة في العلاقات الزوجية كمظهرٍ وتجلٍّ للقدرة الإلهية والحكمة الربانية. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
بعدها يستعرض الخالق سائر آيات عظمته كخلق السماوات والأرض، واختلاف اللغات والأعراق بين بني البشر، وظاهرتي النوم واليقظة في حياة الإنسان، وثبات النظام الكوني بمشيئته تعالى، وصولًا إلى دعوته الخلق للبعث والنشور.
إن ما يلفت النظر في هذا العرض والسرد لآيات الله تعالى، تبوأ العلاقات الزوجية للرتبة الثانية في الذكر بعد الحديث عن آية خلق البشر، وقبل الحديث عن خلق السماوات والأرض وسائر ظواهر الكون والحياة.
مما يشير إلى أن هذه العلاقة الزوجية تختزن أسرارًا عظيمة ومعانٍ كبيرة، تتجلى بها قدرة الخالق جلّ وعلا، بما لا يقل عن مظاهر القدرة في خلق السماوات والأرض، وظواهر الوجود الأخرى.
وحين تختم الآية بقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فهو توجيه ودعوة لإعمال الفكر والنظر في مكنون العلاقة الزوجية، وما تختزنه من حقائق وأسرار.
وكان يجب أن تدفع هذه الآية الكريمة أجيال العلماء والمفكرين لإجراء الأبحاث والدراسات حول عمق العلاقات الزوجية، ودقة أسرارها، من أجل معرفة مسارات هذه العلاقات، والعوامل المؤثرة فيها سلبًا وإيجابًا، مما يساعد المجتمع البشري على تلمّس أفضل طرق النجاح في الحياة العائلية.
إن تقدّم علم تشريح جسم الإنسان والتعرّف على آليات ووظائف أعضائه، وطريقة عمل خلاياه وكريّات دمه، ساعد كثيرًا في وقاية جسم الإنسان من الأمراض، وعزّز مناعته الصحية، وأتاح معالجة كثير من الأسقام والأمراض الفتاكة، بل رفع من معدلات تقدم العمر في هذا العصر.
وذلك هو المتوقع أيضًا على صعيد إدارة حياة الإنسان النفسية والاجتماعية، فإن بذل الجهود في تشريح النفس البشرية، بما تكنّه من طبائع ومشاعر، وما يحصل لها من تفاعلات في علاقاتها البينية، وارتباطاتها الاجتماعية، إن بذل المزيد من الجهود على هذا الصعيد، سيضاعف من معرفة الإنسان لذاته، ويساعده على النجاح في علاقاته وارتباطاته.
ولا بدَّ لنا أن نعترف بالدور الايجابي الكبير الذي قدمته الدراسات النفسية والاجتماعية في تطوير وإصلاح حياة الإنسان. لكن أمامها شوطًا لا يزال طويلًا، فطبيعة النفس الإنسانية أكثر تعقيدًا من طبيعة الجسم البشري.
وبين يدي القارئ الكريم جهد معرفي مميّز يشكّل استجابة من قبل الباحث الدكتور تركي العجيان لدعوة الآية الكريمة للتفكر في طبيعة وأسرار العلاقات الزوجية.
وقد عرفت اهتمام الباحث الكريم بالشأن الثقافي والاجتماعي منذ نعومة أظفاره، وها هو يقدم اليوم باكورة أبحاثه الاجتماعية، بعد ردح من الجهد المعرفي والنشاط الاجتماعي.
إنه يقدم في بحثه اجتهادًا يأمل منه المساعدة في تقديم مفتاح ذهبي للمتطلعين للسعادة في حياتهم الزوجية.
وقد قاده بحثه العلمي وتراكم خبراته الاجتماعية، عبر الدورات التأهيلية التي أقامها أو شارك فيها، إلى ابتكار مصطلح (الشفرة الزوجية) وجعله عنوانًا لبحثه وكتابه.
حقًّا إن هذا البحث يشكل إضافة نوعية في حقل الدراسات التي تناولت العلاقات الزوجية، كما يمثِّل جهدًا معرفيًّا ينبغي أن يدفع لمزيد من المناقشة والبحث في أوساط المهتمين بهذا الشأن الاجتماعي الخطير.
أبارك لأخي الدكتور تركي هذا الانجاز المهم، وأرجو منه الاستمرار والمتابعة في إثراء ساحة البحث الاجتماعي، وآمل أن يستفيد أبناؤنا وبناتنا من هذا الكتاب القيّم، في التأمل في ذواتهم، واكتشاف زوايا وخبايا نفوسهم، وامتلاك المعايير السليمة للتعرف على الشريك الأفضل لصناعة الحياة الزوجية السعيدة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
حسن الصفار
24 شعبان 1431ﻫ
5 أغسطس 2010م