تقديم لكتاب حوارات في قضايا التعددية والمواطنة للأستاذ حسين زين الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الواقع المثقل بالأزمات الذي تعيشه مجتمعاتنا، يطرح كثيراً من الأسئلة العميقة المصيرية، حول أسباب تجذّر التخلف في هذه المجتمعات، وتمكّن عوامل التمزق والنزاع، وغياب الإرادة الجمعية للتحرر والنهوض، وما يتفرع عن ذلك من أسئلة مختلفة.
وكان يجب أن تنشغل النخب الفكرية الدينية، ومنتجو الثقافة المؤثرة في الجمهور، بمعالجة هذه الأسئلة، وتقديم الإجابات على ما يواجه الأمة من تحديات.
لكن المؤسف هو انصراف معظم المتصدين لشأن الثقافة الدينية، عن الاهتمام بالتحديات المعاصرة، والمشاكل القائمة، التي تعيشها مجتمعات الأمة.
والتوجه بدلاً من ذلك للاهتمام بالقضايا العقدية المجردة، أو المسائل الفقهية المتداولة، والاستغراق في طرح الحوادث التاريخية ذات العلاقة بالخصوصيات المذهبية.
ولعل من المبررات لهذه الحالة أن مادة هذه المواضيع المتداولة متوفرة جاهزة، لا تحتاج إلى بذل جهد كبير، أو قدرات إبداعية متميزة، بينما يستلزم معالجة القضايا المعاصرة تحمّل عناء البحث بمنظار جديد في التراث، وإمعان النظر في تجارب الآخرين.
كما أن اجترار الأطروحات المتداولة لا يكلف الإنسان ثمناً، ولا يعرضه لتداعيات سياسية أو اجتماعية، بخلاف التناول للمشاكل الحاضرة، والتي قد تسبب مضاعفات وخسائر لا يتحملها إلا رسالي صادق مخلص.
يضاف إلى ذلك أن معظم الجمهور يميل إلى قراءة واستماع ما يتسلى به من قصص التاريخ، وما يدغدغ مشاعر انتمائه المذهبي، أكثر من رغبته في التذكير بمسؤولياته وواجباته، والتوجيه إلى إعمال الفكر، وبعث الإرادة ونقد الذات، واتخاذ الموقف المسؤول.
لهذه الأسباب وأسباب أخرى: ظلّت اهتمامات الثقافة الدينية تراوح مكانها، وكأنها تنتمي إلى عصر آخر. والحديث هنا عن الأعم الأغلب، دون أن نتجاهل المبادرات الشجاعة الرائدة التي قام بها علماءٌ ومفكرون مصلحون منذ مطلع هذا العصر، كالسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ عبدالرحمن الكواكبي والسيد محمد باقر الصدر والشيخ مرتضى المطهري ومن سار على دربهم من العلماء والدعاة الرساليين الواعين.
إن على كل مخلص غيور من أبناء الأمة: أن يشارك في استنهاض الهمم، واستثارة الجهود، وتوجيه مسار الفكر والخطاب الديني، نحو معالجة قضايا الأمة المعاصرة، ومشاكلها القائمة.
وفي هذا السياق تأتي مبادرة اخينا الشاب المثقف الأستاذ حسين زين الدين للتوجه بأسئلة مهمة ترتبط بقضايا التعددية والمواطنة، إلى نخبة من رجالات العلم والفكر، وتبويب وإعداد إجاباتهم ضمن فصول هذا الكتاب الماثل بين أيدي القراء الكرام، وقد تضمنت هذه الإجابات افكاراً مهمة وطروحات جريئة، تستحق أن تكون مدار بحث ونقاش، لتساعد مجتمعاتنا على صناعة رؤية مستقبلية، تتجاوز بها واقع التخلف والاختلاف.
إن اختيار الأستاذ حسين زين الدين لهذه الأسئلة مؤشر على نضج وعيه، ومستوى اهتمامه بالشأن العام لوطنه ومجتمعه، كما يشير تنوع انتماء الباحثين الذين توجه إليهم بأسئلته، مناطقياً ومذهبياً، إلى إدراكه لضرورة تضافر الجهود الفكرية للمخلصين من مختلف التوجهات، من أجل استكشاف خارطة طريق تنقذ الأمة من التيه والضياع.
وقد عرفت الأستاذ حسين منذ نعومة أظفاره، عاشقاً للثقافة والمعرفة، مهتماً بخدمة المجتمع، مشاركاً في الحراك الثقافي والاجتماعي، بمقالاته التي ينشرها على شبكة الانترنت، وبحضوره ومساهمته في النشاطات المختلفة.
أحيّيه في باكورة إنتاجه وأرجو له مستقبلاً زاهراً في ساحة الثقافة والفكر، وآمل أن يكون قدوة خير لسائر الشباب الأعزاء.
حسن الصفار
13 صفر 1434هـ
26 ديسمبر2012م