حوار برنامج المنصة لسماحة الشيخ الصفار على قناة الكوت الفضائية
مكتب الشيخ حسن الصفار قناة الكوت الفضائية
ما نشيتات الحلقة:
- هل تشهد مدينة القطيف حراكاً استثنائياً وجدلاً محتدماً بين رؤيتين الأولى تتبنى الانفتاح والتواصل مع جميع التيارات بما فيها المتشددة، والثانية ترفض مبدأ التواصل إلا في إطار تحقيق مصالح الطائفة فقط؟
- ماذا عن أحداث القطيف؟ هل بالفعل قطعت جسور التواصل مع السلطة الحاكمة؟
- أين وصلت محاولات الغزل السلفي الشيعي في السعودية؟ وهل بات الحوار في المملكة بلا جدوى بسبب توجس الطرف الآخر من أصل المشروع القائم على أساس التقية كما يرى البعض؟
- هل هناك صراع على الزعامة الدينية داخل البيت الشيعي السعودي؟ وهل يسعى الشيعة للدخول إلى هيئة كبار العلماء وتأسيس مؤسسة مرجعية يستظلون بها؟
- هل حقاً باتت الأمة تعاني من وجود تيارين خطيرين على وحدتها الأول تيار التكفير والإرهاب والثاني تيار البذاءة والإساءة؟ وما مدى صحة الحديث عن انبعاث تيار سلفي شيعي؟
أهلاً بكم مشاهدينا الكرام في حلقة جديدة من برنامج المنصة مع ضيفي لهذه الحلقة الشيخ حسن بن موسى الصفار.
أهلاً بك سماحة الشيخ. أهلاً وسهلاً بكم وبجميع مشاهدينا الأعزاء. وسعداء أن نلتقي معك على المنصة.
وأنا أسعد باللقاء بكم.
لدينا مجموعة من الملفات الساخنة تتناول في مجملها الوضع السعودي، وسوف أبدأ معك في البداية فيما يتعلق بالملف السعودي وتحديداً كلام للكاتب السعودي - السيد نذير الماجد - ذكر «الإرادة السياسية هي وحدها القادرة على حد للحرب الطائفية البارزة والقطيعة شبه الكاملة بين المكونات الوطنية، ضرورة دخول السلطة كطرف في الحوار هو شرط ومن دونه لا يكون الحوار حواراً ولا المشروع الوطني تغييراً» هل بالفعل سماحة الشيخ هناك إرادة سياسية حقيقية في المملكة العربية السعودية من أجل عقد حوار وطني يضم كافة مكونات المجتمع؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى قيام يوم الدين. حينما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز - مشروعه للحوار الوطني، تفاءل الجميع، لأن الجميع يشعر بأهمية الحوار والتلاقي بين أبناء هذا الشعب الواحد، وتجاوز حالات القطيعة، والشكوك المتبادلة بين مختلف الأطراف، والتفاؤل كان كبيراً، لأن أكبر رأس في قيادة البلد هو الذي تبنى الحوار، ودعى إلى الحوار، فكان التفاؤل كبيراً، وفي الجولتين الأولى والثانية من الحوار بالفعل كان الحوار حواراً جاداً، وكان اهتمام السلطة واهتمام الحكومة بإنجاح الحوار ملحوظاً، ولكن لاحظنا جميعاً أن هذا الحوار فيما بعد أفرغ من مضمونه، واتجه نحو مناقشة قضايا وطنية عامة، كان يمكن أن تناقش في أي تجمع، أو في أي منتدى ثقافي وطني، كان الجميع يأمل في أن يكون الحوار الوطني ساحة وميداناً لمعالجة الإشكاليات القائمة بين المكونات المختلفة، وأن يكون للدولة حضورها الأساس، من أجل أن ينتج الحوار حالة من التراضي والمساواة بين الناس أمام القانون.
أين وصل هذا المشروع اليوم سماحة الشيخ؟
إلى الآن المشروع قائم ويعقد جلسات.
ذكرت قبل قليل أن الحوار أفرغ من مضمونه؟
نعم، التوجه الحقيقي داخل الحوار الوطني لم يعد تجسير العلاقة بين المكونات الوطنية، وإنما أصبح مناقشة قضايا وهموم وطنية عامة، يناقشها أُناس من مختلف الشرائح والمناطق في المملكة، دون ملامسة قضايا العلاقات القائمة بين هذه الطوائف، وبين هذه المكونات.
هل تريد القول بأن الدولة رفعت يدها عن مضمون والهدف الأساسي الذي من أجله تمت الدعوة للحوار بالتالي تركت الأمر إلى المتصدين لهذا الجانب فقط لبحث الجوانب الخلافية، هل الدولة رفعت يدها عن الحوار الآن؟
بدا لنا أن تلك الجدية التي كنا نأملها في موضوع الحوار الوطني بهذا الاتجاه لم يتحقق لعل هناك عوامل دفعت بهذا الاتجاه.
عوامل خارجية أم عوامل داخلية؟
يبدو أنها عوامل داخلية، ما كانت تأمله مختلف الأطراف من هذا الحوار لم يتحقق، والدليل على ذلك أن هناك مشاكل وإشكاليات حصلت خلال هذه الفترة، وكانت تستدعي أن يلتقي عقلاء الوطن من مختلف الطوائف، لمناقشة هذه الإشكاليات، وأن يكون للدولة حضور من أجل تنفيذ وتطبيق ما يتفق عليه هؤلاء العقلاء.
لم يكن للدولة حضور؟
الدولة أعلنت منذ أول يوم أن توصيات الحوار، ليست ملزمة، وأنها مجرد نقاش، ولكن التوصيات غير ملزمة.
بماذا تفسر هذا الموقف؟
أفسره بأننا لازلنا في طور تكون الإرادة الجدية للحوار.
من قبل السلطة؟
نعم، لم نصل بعد إلى مرحلة حوار جاد يجسر العلاقة بين مختلف الأطراف.
ذكرت قبل قليل أن فكرة هذا المشروع وهو مشروع الحوار الوطني هي فكرة نابعة من العاهل السعودي جلالة الملك، قبل أسابيع كان هناك وفد شيعي كبير يضم مختلف التوجهات الشيعية والتقى بجلالة الملك السعودي، كنت أحد الحاضرين في تلك الزيارة، كلمنا عن سبب هذه الدعوة وما ملخص ما جرى في هذه الدعوة؟
ما حدث هو أنه كانت هناك دعوة من الديوان الملكي، وجهت إلى مجموعة من الأعيان والشخصيات، من مختلف مناطق المملكة، بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني، ودعيت مجموعة من الأسماء من مناطق الشيعة كالإحساء والقطيف والمدينة المنور والدمام، وكانت مجموعة كبيرة أكثر من 40 إلى 50 شخصية دعوا للحضور، فكان اللقاء لقاءً برتوكولياً.
كان اللقاء بدعوة من الديوان الملكي وليس مبادرة من أحد؟
لم تكن هناك مبادرة من أحد للقاء خادم الحرمين الشريفين، وإنما دعوة من الديوان الملكي، لأسماء محددة من الديوان الملكي مباشرة، أو بواسطة بعض الشخصيات التي تعامل معها الديوان الملكي، اللقاء لم يكن لبحث قضايا، أو بحث أمور، أو لاستعراض ملفات، ولذلك لم تتح فرصة للكلام مع خادم الحرمين الشريفين، لأحد من الوفود، أو المشاركين من مختلف المناطق، لا من الشيعة، ولا من غيرهم، لكن أتيحت الفرصة لبعض الحاضرين بأن يلتقوا مع بعض الأمراء، وبعض المسؤولين في الديوان الملكي، وأن يتحدثوا معهم حول بعض المسائل والمشاكل الموجودة، وسلموا لهم بعض الكتابات والعرائض.
هل كان هناك تفاعل إيجابي أم لم يكن هناك أي تفاعل؟
عادة يكون هناك تفاعل إيجابي، المسؤولون حينما ترفع لهم قضايا يبدون التفاعل، لكن إلى أي حد تسلك هذه القضايا طريق المعالجة؟ هذا يبقى راجعاً إلى سياسة الدولة.
حسب المراقبين للساحة في ذلك الوقت ممن راقبوا زيارة هذا الوفد الشيعي إلى العاهل السعودي لاحظوا حضور مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل شيخ، هل هذا كان له مدلول معين باعتقادك؟
مفتي المملكة وكبار العلماء عادة يحضرون في المناسبات العامة في الديوان الملكي، ولكن لأنه كان عنوان اللقاء الاحتفاء باليوم الوطني في المملكة، والكلمات والقصائد التي ألقيت كانت للاحتفاء باليوم الوطني، ونحن نعلم أن هناك تحفظاً في الأوساط الدينية السلفية تجاه موضوع اليوم الوطني، وأنه لا يكون مناسبة ليبتهج بها الناس، وأن مناسبة العيد في الدين هما عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، ولذلك ليسوا مع الاحتفاء باليوم الوطني.
كمناسبة وطنية يعارضونها؟
نعم، فحضور المفتي وحضور بعض كبار العلماء في هذا اللقاء كان ملفتًا للنظر بالفعل.
البعض يعتبر أن افتتاح مسجدين في مدينة الخبر السعودية بعد اللقاء بأيام أو بأسابيع معدودة جداً بمثابة أول الغيث قطرة؟
لم يفتتح مسجد في الخبر، لا يزال الشيعة في غير منطقتي الإحساء والقطيف - ممنوعاً عليهم أن يبنوا مساجد، يسمح للمواطنين الشيعة ببناء المساجد فقط في مدينتي الإحساء والقطيف وكذلك نجران بالنسبة لأخوتنا الإسماعيليين، أما في بقية مناطق المملكة لا يوجد، في الخبر هناك مصليات، هناك بعض الأشخاص لهم ديوانية واسعة، أو مجلس واسع، يقيمون فيها الصلاة.
لكنها ليست مساجد مرخصة؟
ليست مساجد مرخصة، وهذه المصليات تعرضت في السنوات الماضية إلى الملاحقة حتى وهم يصلون جماعة في بيتهم، لا يعطون ترخيصاً لمسجد، فيجتمع أهل الحي لكي يصلوا في بيت أحدهم، مع ذلك كانوا يتعرضون للمنع، لكن عبر التواصل بين الساكنين في مدينة الخبر من الشيعة وسائر الشخصيات الشيعية، وبين المسؤولين، أخيراً بدأ غض الطرف، والسماح لهم بأن يعودوا للصلاة في مصلياتهم.
ألم يطرح هذا الموضوع في لقائكم، ذكرت أنه على هامش اللقاء بالعاهل السعودي تم طرح بعض المطالبات الخاصة، ألم يطرح موضوع المساجد على بعض المسؤولين؟
لعله طرح من قبل بعض المشاركين، لكني لم أسمع؛ لأن المشاركين توزعوا، وكل مجموعة منهم التقوا مع أحد المسؤولين، ولعله طرح مع أحدهم، ولكن كشيء جمعي لكل الموجودين لم أسمع أنه طرح.
البعض داخل البيت الشيعي إن صح مجازاً أن نطلق مصطلح البيت الشيعي السعودي يعتقد بوجود تعدد في الرؤى وفي تعاطي هذا المكون مع السلطة أو بشكل آخر مع التيار السلفي، الكاتب السيد خالد محمد البداوي، كتب مقال وتحدث عن هذه الرؤى وذكر «المناخ الثقافي في مدينة القطيف يشهد حراكاً استثنائياً يطفوا على الساحة كتجاذب بين رؤيتين الأولى يمثلها حسن الصفار - حيث يتبنى تحقيق مطالب الطائفة مع الانفتاح والتواصل مع جميع التيارات حتى من يعتبرونها متشددة، والثانية يمثلها منير الخباز - حيث يرفض مبدأ التواصل إلا في إطار تحقيق مصالح الطائفة فقط» هل هناك بالفعل هناك انقسام داخل الشارع الشيعي السعودي وتحديداً في منطقة القطيف في كيفية التعاطي مع السلطة؟
في التعاطي مع السلطة حسب معلوماتي ومعرفتي، أكثرية الناس في منطقة القطيف والإحساء، والشيعة في كل المملكة، ليسوا ضد التعاطي مع السلطة، بالعكس تاريخهم وواقعهم يشهد على اهتمامهم بالتعاطي مع السلطة، من أجل حل قضاياهم ومشاكلهم، ولأنهم جزء من الحالة الوطنية العامة، فلا بد وأن يكونوا حاضرين في مختلف الساحات والمشاهد الوطنية، لكن هناك من الشيعة من رأى أن وعود السلطة الكثيرة لم تلبى في معالجة المشاكل، فما عاد يثق بجدوى هذا التعاطي، أو بفائدة هذا التعاطي، هناك ناس يحملون هذه النظرة، لكني أعتقد أن المساحة الواسعة هي للنظرة الأولى.
النظرة الواسعة التي تمثلها شيخنا، هناك قبول في الشارع الشيعي السعودي يتبنى رؤيتك؟
لا أقول رؤيتي أنا الشخصية، وإنما أقول هناك من يفكر بهذا الاتجاه وبهذه الرؤية، أنا لا أزعم بأن هذه رؤيتي عمل بها الآخرون، الآخرون أيضاً من أبناء الطائفة من علماء ومن شخصيات ومن مثقفين هم أيضاً يحملون هذه الرؤية، ومن السابق حتى من قبل أن أبدأ عملي ونشاطي، كان هناك رجالات للشيعة يتعاطون مع الدولة، ويحملون إليها قضايا الناس، وهموم الناس، فهي مسيرة مستمرة، ولا أدعي أن هذا مشروعي أنا، وأن الآخرين يقومون بهذا المشروع، وإنما أقول أن هذا المشروع يقوم به ويتبناه مساحة واسعة من أبناء المجتمع الشيعي السعودي.
دعنا نتحدث عن علاقة المكون الشيعي بالمكون السلفي في المملكة العربية السعودية، إحدى الصحف الإلكترونية عنونت ذات مرة في تعليقها على هذا الموضوع، «غزل سني شيعي في السعودية»، هل هناك بالفعل غزل سني شيعي أو ما نسميه غزل سلفي شيعي في السعودية؟
قياساً إلى حالة القطيعة التي كانت سائدة بين الشيعة والسنة في داخل المملكة، خاصة على مستوى النخبة الدينية، والنخبة المثقفة، ما شهدناه في السنوات الماضية في المملكة كان يلفت النظر كثيراً، وحتى في خارج المملكة من تابعوا تلك اللقاءات، ومن تابعوا تلك الحوارات الأهلية، وليست ضمن مؤسسات الحوار الوطني الرسمية، وإنما زيارات متبادلة، كنا ندعوا بعض الشخصيات إلى منطقتنا، وكان بعضهم يدعونا إلى مناطقهم، وكان يدور فيها حوار شفاف وصريح، وقد جمعنا هذه اللقاءات التي حدثت عندنا في القطيف مع مجموعة من الشخصيات السلفية، في كتاب جمعها أحد الأخوة تحت عنوان «السلفيون والشيعة تجربة حوار» كل من اطلع على هذه اللقاءات، وهذه الحوارات، أكد انبهاره وارتياحه، أنه في داخل المملكة تحصل هذه اللقاءات، وتحصل مثل هذه الحوارات، ولذلك البعض عبر عنها بمثل هذا التعبير بأنه غزل، وكتب كاتب آخر في إحدى الجرائد المحلية يخاطب بعض الدعاة والسلفيين يقول إنكم تحجون إلى القطيف، وأن هناك موسم حج إلى القطيف، وهذا دلالة على زيادة الزيارات للقطيف، وأنا أعتقد أن هذا مكسب جيد للوطن، وللوحدة الإسلامية، أن المواطنين في داخل المملكة استطاعوا أن يجسدوا مثل هذا الحوار، وأن يقوموا بمثل هذه اللقاءات، وهذا أنموذج نقدمه إلى بقية المناطق وبقية المجتمعات.
اعتبرت شيخنا في سياق كلامك ان ما جرى يمثل حالة إيجابية بدليل ما كتبه البعض عن حج من قبل الطرف السلفي تحديداً إلى مدينة القطيف، لكن في المقابل أيضاً هناك بعض الانتقادات التي وجهت إلى في هذا الشأن، أحد الكتاب في جريدة عكاظ السعودية، ذكر «المشروع الذي طرحه الشيخ الصفار كسر حاجزاً نفسياً كبيراً إلا أنه ظل يدور في ذات المساحة والدائرة التي اكتسبها ولم يتقدم خطوة واحدة جادة والسبب الآخر الحقيقي أن المعني الحقيقي في مشروع التقارب لايزال متردداً ومتشككاً في أصل المشروع رامياً إياه بمبدأ التقية» الطرف الآخر واضح من كلام الكاتب أنه متردد ويشكك في أصل المشروع؟
صحيح، هذا شيء ملموس، ولكن أعتقد أنه بعد ذلك التاريخ الحافل بالهواجس والقلق، والإساءات والقطيعة، لا ينبغي أن نطمح بأننا نستطيع أن نتجاوزه بين عشية وضحاها، لابد وأن يأخذ له مساحة من الوقت، ويجب أن نكون مستمرين وجادين في الحوار، وفي التلاقي، لأن ديننا يأمرنا بأن نتلاقى، يأمرنا بأن نتواصل، وألا نستعجل النتائج.
ألا تعتبر أن هناك تقصير من قبل الجانب الآخر في تفاعله مع دعواتكم سماحة الشيخ، صراحة؟
يوجد تقصير واضح.
البعض يعتبر المشروع الذي يتبناه الشيخ حسن الصفار وقضية الانفتاح على الآخر تحديداً هذا المشروع على أرض الواقع أخفق، وهذا كلام أيضاً لأحد الكتاب، ذكر «الشيخ حسن الصفار - منذ أن عاد إلى أرض الوطن احتل الحوار مكانة مرموقة في مشروعه لكننا سنجد إخفاقاً، فلا هو تمكن من اختراق المذهب السلفي في بنيته الفكرية والخطابية ولا هو أحدث أي تحول في الخطاب والواقع السياسي» هو يقول أن هناك إخفاق في مشروعك سماحة الشيخ؟
المسألة ليست مشروع فلان، ليس مشروعي، التقريب والتواصل بين أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها هذا مشروع المصلحين، منذ عقود من الزمن، قبل أكثر من نصف قرن تكونت دار للتقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة، وشارك فيها علماء كبار من الشيعة، وعلماء كبار من الأزهر الشريف، وفي الجمهورية الإسلامية في إيران أيضاً عندهم مجمع للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وصرفوا جهوداً كبيرة على هذا الصعيد، وفي لبنان كانت هناك محاولات لجماعة علماء المسلمين، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي هناك سعي ومحاولات من العلماء المخلصين من أجل تجاوز هذه الهوة، وعدم إتاحة الفرصة للفتن الطائفية، لكن الأمواج التي تحدث في العالم الإسلامي، والتي تدعو لإثارة الفتن، وإثارة الأحقاد، والأحداث السياسية التي تحدث، هي التي تعوق مثل هذه التوجهات والمشاريع، ومع ذلك أنا لا أعتقد أن مشاريع التقريب على مستوى العالم الإسلامي قد أخفقت، وإنما هي قد تتعرض لنكسات، قد تتعرض لمشاكل لكنها لا تخفق.
بالتالي المشروع الذي يتبناه سماحة الشيخ حسن الصفار - لا يرى أنه أخفق؟
لا أبداً، أنا أعتقد أن هذا المشروع ينبغي أن يتواصل، واستطعنا أن نكسر الحواجز، وأن نتعرف على بعضنا البعض، وأن نقترب من بعضنا البعض، أن نصل إلى درجة من الشفافية في طرح الأمور والملفات، كما نرى في بعض اللقاءات والحوارات، لكن تأتينا عواصف من الأحداث الإقليمية، هذه العواصف حينما تهب حتى في الجانب العمراني والمدني تعرقل وتسبب مشاكل.
دعنا نتكلم بصراحة أكثر سماحة الشيخ - هناك هجمة أو ردة فعل البعض يعتبرها سلبية أو غاضبة أو ناقمة على هذا النشاط الذي يتبناه الشيخ حسن الصفار - بالانفتاح على الآخر - ودعني هنا أذكر على سبيل المثال اللقاء الشهير الذي جمع الشيخ حسن الصفار - مع الشيخ سعد البريك - في عام 2010، كانت هذه بدعوة من الشيخ حسن الصفار - وهذه الدعوة أثارت لغطاً وجدلاً واسعاً في الوسط الشيعي، البعض رفضها بشكل صريح جداً، مجموعة من العلماء والناشطين ذكروا «نعلن رفضنا الشديد على دعوة أو تكريم كل من لا يحترم أصول الضيافة ممن يلوح أو يصرح بالطعن في إسلام المواطنين الشيعة ووطنيتهم أو يسيء إلى مشاعرهم بالقدح في مذهبهم أو مسلماته» هناك حالة من السخط على بعض ما يقوم به الشيخ حسن الصفار - بالانفتاح على الآخر الآخر الذي يعتبره البعض أنه يمس ذاته إما بالتكفير أو الطعن في وطنيته، ما تعليقك؟
لم أسمع من أحد ممن زارنا في القطيف أنه أساء لأصول الضيافة وجرّح في إسلام الشيعة، بالعكس خطاباتهم التي ألقوها حينما دعوناهم، كانت خطابات إيجابية، وكان فيها الكثير من الاحترام واللباقة، وهي مسجلة ومكتوبة أيضاً، وليست شيء يدّعى، وإنما هو موثق.
قد يكون ذلك في هذا اللقاء تحديداً لكن قد يكون الكلام عن تاريخ بعض الشخصيات الذي يعتبره البعض تاريخ جدلي بشكل أو بآخر؟
هنا يوجد اختلاف، هناك من يرى أننا إذا أردنا أن ننفتح على الآخر، فينبغي أن ننفتح على العناصر المعتدلة، والعناصر الجيدة، أنا شخصياً أرى أنه لا داعي لمثل هذه القيود، وهذه الشروط، حتى العناصر التي سبق منها وأن قالت كلاماً سيئاً، أو اتخذت مواقف سيئة، علينا أن نشجعها على تغيير لغتها.
أليس من الممكن أن يكون هذا التشجيع على حساب الوسط الشيعي الذي يعيش فيه الشيخ حسن الصفار؟
يفترض ألا يكون كذلك.
لكنه كان كذلك بدليل ردة الفعل الغاضبة على هذه الخطوات؟
ليست ردة فعل عامة، وإنما مجموعة من الناس يتبنون وجهة نظر، عبروا عن وجهة نظرهم، ولفترة وانتهى الموضوع، ولا يشكل موقفاً دائماً، ولا حالة عامة، أنا أعتقد أنه ينبغي أن ننفتح على كل الآخرين، حتى من كان متشدداً، وحتى من أساء في الماضي، إذا وجدنا فرصة للانفتاح عليه، من أجل أن نوضح له الأمور، ومن أجل أن نساعده على تغيير لغته، وتعامله مع المكونات الوطنية المختلفة، فهذا أمر مطلوب، ويشكل مكسباً للوطن بشكل عام، وللطائفة بشكل خاص.
هذا صوت آخر من الأصوات التي لم تجد أي جدوى من هذه الزيارات والحوارات واللقاءات التي يتبناها سماحة الشيخ حسن الصفار - أحدهم كتب «الشيخ الصفار وحزبه يشحذون رضا الآخر والظهور أمامه بمظهر المحب حتى وإن كان المحب مصراً على تجاهله، هو الحلقة الأضعف، يحاول الظهور بمظهر البطل الشيعي الذي يصارع الأمواج للبقاء لكن الأمواج تقذفه في كل مرة على مساحة للتشكيك أو التقية حتى غدت تلك الحوارات مفلسة تستجدي التعايش والوحدة الوطنية، أيها الشيخ إن حواراتكم لم أجد فيها ما يوطد العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، حري بك أيها القطيفي أن تلتفت إلى هموم طائفتك وتأسس لحوار للوصول إلى حلول جذرية للطائفية المقيتة التي يتعرض لها أبنائك» تستجدون التقارب مع الآخر على حساب متطلبات المكون الشيعي، هل هذا الكلام صحيح؟
بغض النظر عن الألفاظ التي تستخدم، أنا من رأيي أن إصرارنا على التقارب مع الآخر، هذه نقطة إيجابية، وليست نقطة سلبية، الله سبحانه وتعالى يريد من المؤمنين والمسلمين في علاقاتهم الداخلية، ألا يمارسوا العزة على بعضهم البعض، يقول تعالى ﴿أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين﴾ ليس عيباً أن يكون الإنسان مصرّاً، وأن يكون ملحّاً في موضوع التقارب، وفي موضوع الوحدة الوطنية، وأعتقد أن هذا مبدأ ديني، حتى لو دفع الإنسان فيه ثمناً من سمعته، حتى لو نالته الاتهامات، هذا مبدأ ديني، وأيضاً هو مصلحة وطنية، ومصلحة اجتماعية، أما إذا كل طرف أخذته العزة بالإثم، واستشهد الشيعي ببعض الإساءات من قبل المتشددين من السلفيين، واستشهد السلفيون ببعض الإساءات من المتشددين من الشيعة، فهذا يعني أننا لا نخطو باتجاه التقارب والتواصل، لذلك أنا أحترم أصحاب وجهات النظر الأخرى، ولكني أؤكد أن هذا المسار مسار استراتيجي ومبدئي، لا يصح لمخلص لدينه ولمجتمعه أن يتراجع عنه تحت ضغط الاتهامات، أو تحت ضغط التشكيكات.
الدكتور حسن الناصر - ذكر في مقال سابق أو تصريح سابق «الدعوات التي يطلقها بعض الشيعة السعوديين بشأن فصل المنطقة الشرقية عن المملكة يتعجب الإنسان من هذا السكوت المريب، والأعجب من ذلك هو صبر الليبراليين الذين طالما تغنوا بالوطنية والحرص على الوطن» دعني أطرح معك سؤال البعض بين الفترة والأخرى يطرحه، هل هناك بالفعل رغبة لدى المكون الشيعي في المملكة العربية السعودية بالانفصال وتكوين دولة أو حكم ذاتي يخص المنطقة الشرقية تحديداً؟
تروج بعض الدوائر الاستكبارية الأجنبية مقولات من أجل تشجيع حالات الانفصال، وتجزئة المجزأ، وتقسيم المقسم، في هذه الأوطان الإسلامية، ويشيعون الفتن، ويصبون الزيت على نار الفتن، في كل الأوطان الإسلامية، من أجل خلق هذه الحالة من الفتنة، ومن التجزئة والتقسيم، لكن ما أعرفه من تاريخ الشيعة، ومن فكر علماء الشيعة، أنهم لم يكونوا في يوم من الأيام دعاة انفصال، لا على مستوى الأمة، ولا على مستوى أوطانهم، وأكبر دليل وشاهد، موقف مراجع الشيعة وعلماء الشيعة في العراق، أيام الدولة العثمانية، فمع كل الاضطهاد، ومع كل الضغط عليهم، لكنهم لم يقبلوا أن يعلنوا الانفصال عن الدولة العثمانية، التي كانت تسومهم الضيم والقهر آنذاك، ودافعوا عن الدولة العثمانية، ووقفوا أمام الاستعمار البريطاني، وأمام هذه الدعوات، بينما استجاب غيرهم لمثل هذه الدعوات، وانفصلوا عن الدولة العثمانية بعنوان أو بآخر، ولذلك علماء الشيعة وفكر الشيعة ليس مع أي توجه انفصالي.
إذن أنت تنفي تماماً وجود أي رغبة لدى الشيعة في المنطقة الشرقية للانفصال؟
على المستوى العام وما أعرفه من المجتمع الشيعي الذي أعيش في وسطه، لا أجد أن هناك تفكيراً في هذا الاتجاه، كل ما يفكر فيه الشيعة، ويتطلعون إليه، أن يعيشوا مع بقية المواطنين متساويين، تجسيداً لمفهوم المواطنة، دون أي تمييز طائفي.
ذكرت في سياق كلامك بعض دوائر الاستكبار، لا تعتقد أنه بالفعل هناك محاولات قد تكون غربية أو استخباراتية أياً كانت قد تستغل الورقة الشيعية في المملكة العربية السعودية للضغط على سياسة السعودية أو على السلطة في المملكة العربية السعودية بداعي اللعب على وتر المظلومية وانتقاص حقوق الشيعة في المملكة العربية السعودية، أليس من الممكن أن يتغلغلون من هذا الباب لتشكيل عامل ضغط على الحكومة السعودية؟
هذه المحاولات من الممكن أن تكون موجودة، ويمكن لبعض الشيعة أن يحملوا مثل هذه الأفكار، ولذلك نحن يجب أن نسعى في اتجاهين، في اتجاه أن الحكومة لا تتيح الفرصة لمثل هذه الدعوات، عبر الاستجابة لتطلعات الناس، وتحقيق مفهوم المواطنة، وتجاوز سياسات التمييز الطائفي، ومن ناحية أخرى الواعون والمخلصون لوحدة الوطن يجب أن يبذلوا جهوداً كبيراً للوقوف أمام أي شيء من مثل هذه الطروحات.
الشيخ عايد الشمري - وهو أحد مشايخ التيار السلفي في المملكة العربية السعودية - كتب مقال تحت عنوان «المخطط الصفوي بقيادة حسن الصفار» وذكر «الحركة الصفوية في بلاد الحرمين الشريفين، حسن الصفار - هو عراب هذه الخلطة السياسية الثورة المغلفة بتقية الوطنية» هل هناك بالفعل حركة صفوية تهدف إلى إحداث انقلاب أو ثورة في المملكة العربية السعودية؟
هذا نوع من التهويل والتحريض، وأنا أعتقد أن المتشددين يحاولون أن يضعوا علامات استفهام على مسيرة المعتدلين، والساعين للحوار والانفتاح، حتى يعرقلوا هذه المسيرة، يشككون في نواياهم، يشككون في توجهاتهم، يضعون مثل هذه التهم العامة الفضفاضة التي لا دليل عليها، الجميع يعرف أن هناك سعيًا، وأننا نسعى من أجل تصليب الوحدة الوطنية، ومن أجل أن يكون هناك تلاقي وتقارب، ومثل هذه الأقوال تنتشر على مختلف الجهات.
البعض يعتبر الشيخ حسن الصفار - أحد رموز مجازاً ما يسمى بالتيار الإصلاح الوطني، وذكر «يعتبر الشيخ حسن الصفار - من أبرز رموز هذا التيار ومن مؤسسيه ويسمى هذا التيار تارة بالتيار الشيرازي وأخرى بالتيار الصفار نسبة إلى الشيخ حسن الصفار - خصوصاً بعد بروز عدة توجهات الصادقون والمدرسون والصفارين من رحم التيار الشيرازي» هل هناك بالفعل تيار خاص بالشيخ حسن الصفار - اليوم؟
أنا أتبنى توجهاً، لكني لا أرى نفسي وحيداً في هذا التوجه، أعتقد أن معظم النخبة الشيعية في المملكة العربية السعودية هي مع هذا التوجه، توجه الانفتاح، توجه تعزيز الوحدة الوطنية، توجه المطالبة بتحقيق مفهوم المواطنة، وتجاوز التمييز الطائفي، هذا التيار لا أدعي لنفسي أني أتزعمه، أو أني وحدي فيه، إنما أنا شخص من الأشخاص الذين بذلوا جهوداً على هذا الصعيد.
لماذا لم يتبلور هذا التيار نحو تشكيل تيار فعلي يضم لجان ويضم نشاط واضح تحت اسم معين، لماذا لم تتطور الفكرة بحيث تكون علاقتكم مع التيار السلفي أو علاقتكم مع السلطة تكون مؤطرة بإطار واضح ومعلن للعيان؟
في المملكة لم يشرّع بعد لوجود منظمات مجتمع مدني حتى يتكون تجمع معلن، لكن هناك وثيقة وقعت من قبل كبار الشخصيات الشيعية تحت عنوان «شركاء في الوطن» ووقع على هذه الوثيقة حوالي 450 شخصية من الشيعة، من مختلف مناطق المملكة، وكلهم يطرحون هذه الرؤية، رؤية التمسك بالوحدة الوطنية، ويدعون إلى تجاوز سياسات التمييز الطائفي، ويدعون إلى الانفتاح والتقارب بين كل الأطياف الوطنية، وقد نشرت هذه الرؤية، وقدمت لخادم الحرمين الشريفين، ولهذا فإني أعتبر أن هذا الاتجاه هو اتجاه معظم النخبة الشيعية، ومعظم الساحة الشيعية، وإذا كانت هناك آراء وأصوات أخرى، فهذا أمر طبيعي، لأنه في كل المجتمعات هناك تنوع في الآراء، وهناك تعدد في التوجهات، وهذا أمر مقبول في أي مجتمع بشري.
لكن لا يوجد هناك تيار بمعنى تيار معلن يمثله الشيخ حسن الصفار؟
كتنظيم لا، نحن عندما عدنا إلى البلد بعدما حدث التفاوض والتفاهم بيننا وبين الحكومة السعودية، وعدنا، تم حل التنظيم، نحن لا نعمل الآن كتنظيم، بل وجهة نظري أنا ليست مع توجه التنظيمات والأحزاب، أنا أرى أن العمل الاجتماعي العام والجماهيري العام على مستوى الأمة هو الأجدى لمجتمعاتنا، بالتالي ليست هناك حالة تنظيمية وإنما هناك تلاقي بين المؤمنين بهذا التوجه وهذا يحصل في مناسبات كثيرة ويتجلى في أوضاع كثيرة، عندما حدثت قضايا في البقيع قبل ثلاث أو أربع سنوات واجتمع وفد من علماء الشيعة وأكثر من مائة وعشرين شخصًا اجتمعنا مع بعض، ونسقنا رأينا ومواقفنا، وانطلقنا إلى لقاء الملك، وللقاء المسؤولين فهذه الحالة قائمة وموجودة في المجتمع.
بصراحة سماحة الشيخ، ألا يوجد هناك نوع من الصراع داخل البيت الشيعي على الزعامة السياسية سواء في التعاطي مع السلطة أو مع كل المكونات؟
هو تنافس، والتنافس بين بني البشر أمر طبيعي، لكن أعتقد أنه لم تنضج الأمور في ساحة المجتمع الشيعي في السعودية إلى مرحلة إفراز زعامات، أو إظهار زعامات، لازال المجتمع في طور التشكل، لازالت التوجهات في طور التشكل.
نحن الآن في نهاية 2013 ولازال المجتمع السعودي في طور التشكل؟
نعم، ليس هناك صراع على مسألة الزعامات، وإنما هناك آراء وتوجهات، وكل واحد يعمل ضمن التوجه الذي يؤمن به ويراه.
بعض الآراء تقول أن الشيخ حسن الصفار - يمثل الآن داخل البيت الشيعي السعودي الخط مجازاً الذي يعبر عن آراء المرجع الكبير السيد علي السيستاني؟
أنا لا أدعي أنني أعبر عن آراء المرجعية، لأن المرجع السيستاني أيضاً له وكلاء كثر في المنطقة، والسيد السيستاني حريص على ألا يكون له توجه سياسي معين، في أي بلد من البلدان، وإنما التوجه العام للسيد السيستاني كما أفهمه من بياناته وخطاباته، الدعوة إلى الوحدة، الدعوة إلى التقارب، والسلم، وإلى حل المشاكل وهي توجهات عامة.
إذن لا تعتبر أن مسعى وتحرك الشيخ حسن الصفار - هو امتداد لما يسمى مجازاً التيار السيستاني في المنطقة الشرقية؟
أنا أعمل ضمن هذا التوجه والتيار، لكني لا أدعي أنني أمثل هذا التيار، أو أعبر عن رأي المرجع في مجال من المجالات، أنا واحد من الوكلاء المعتمدين عند المرجع السيستاني ومراجع آخرين، ولكني في حركتي السياسية، وفي نشاطي السياسي، أعبر عن قناعاتي، وأعبر عن أفكاري وآرائي.
قد تكون أبرز الأحداث المرتبطة بالبيت الشيعي السعودي ما يعرف بـ «أحداث القطيف» البعض يقول أن هذه الأحداث ساهمت في قطع جسور التواصل بين المكون الشيعي وبين الأسرة الحاكمة، إلى مدى هذا الكلام دقيق؟
أنا أعتقد أن هذه الأحداث يجب أن تكون دافعاً لتواصل أكثر جدية، بين السلطة وبين رجالات المجتمع الشيعي، في المملكة العربية السعودية، لأن هذه الأحداث أبانت للسلطة أن هناك مخزوناً من الغضب، ومخزونًا من السخط، عند جمع من هؤلاء الناس، وأن هناك تطلعًا كبيرًا لمعالجة مشاكلهم وقضاياهم، وطال الأمد عليهم، وهم ينتظرون المعالجة والحلول، وجاءت أحداث الربيع العربي لكي توجد مناخاً دفع هؤلاء الشباب من أجل أن يقوموا بحراكهم وتحركهم، الحكومة ينبغي أن تكون في هذه المرحلة أكثر جدية في معالجة الأسباب والجذور، حتى لا تتكرر مثل هذه الحالات، وحتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث، من ناحية أخرى أشعر أن في داخل المجتمع الشيعي هناك توجه أكثر لخيار التواصل مع الحكومة ومع السلطة، لأنه لا أحد يرضى بأن تحدث مثل هذه المشاكل، ومثل هذه الخسائر، ويحدث إطلاق نار، ويقتل أناس، هذه المشاكل لا أحد يريد أن تحدث.
كيف هو الوضع اليوم شيخنا؟ هل تجاوز المجتمع القطيفي أو المجتمع السعودي بشكل عام هذه المرحلة وتم قلب الصفحة أم أنه ينتظر مبادرة من قبل السلطة؟
يحتاج أن تكون هناك مبادرة أكثر جدية، تقلص وانحسر الكثير من المظاهر التي كانت خلال الفترة الماضية، لكن لا تزال بعض المظاهر موجودة، لا تزال بعض التوجهات قائمة، وهذا يستدعي أن المخلصين الحريصين على استقرار الوطن وأمن الوطن، أن يتحركوا من أجل معالجة هذا الأمر، أن تكون هناك مبادرة والسلطة هي الطرف الأقوى، هي الحكومة، عليها أن تكون هناك مبادرة من قبلها، وأنا سبق وأن دعوت لمثل هذه المبادرة في خطبة جمعة، وإن كان البعض أساء فهم ما طرحته، وتحدثوا في بعض الصحف ضده، لكني أعتقد جاداً أنه لا بد من مبادرة من أجل تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، وعلى مستوى الوطن، لمعالجة هذه القضايا.
لكن إلى الآن لا توجد هناك مبادرة؟
هناك محاولات، لكن وجود مبادرة متكاملة لمعالجة المشكلة القائمة في المنطقة ليس لدي علم بها، وليس لدي معرفة إذا كانت هناك مبادرة الآن.
قضية الارتباط بالخارج وقضية الولاء إن صح التعبير وارتباط الشيعة في الخليج في القطيف أو في السعودية بشكل صريح بإيران، هذا الموضوع من المواضيع التي شكلت لبس وحالة من الجدل في المجتمع السعودي بشكل عام، ما تعليقك على مثل هذه الدعوات؟
أعتقد أن هذا يدخل ضمن التهريج والتحريض الطائفي، ما حدث في القطيف حدث مثله في بلدان عربية وخليجية مختلفة، في سلطنة عمان شهدنا نوعاً من الحراك أيضاً، في الكويت كان هناك نوع من الحراك، في دول مختلفة هناك موجود، ما حدث هو حراك داخلي ذاتي، يمكن لجهات أخرى أن تستفيد منه، أو تسلط الأضواء عليه، لكني أعتقد أن الأصل هو نابع من الداخل، وجود مشكلة ينبغي أن تعالج، لكن أن نرمي بمشاكلنا على الخارج فهذا كلام سهل.
أنت تعتبر هذا الكلام نوع من التحريض؟
نعم نوع من التحريض والتعبئة الطائفية على الشيعة.
أنتقل إلى الحديث معك عن العلاقة بين الشيعة والسنة وأنت سماحة الشيخ لك صولات وجولات في هذا الجانب، دعني في البداية أعود إلى إحدى خطبك كانت في مارس 2012 ذكرت فيها «واقع الأمر لا السنة خطر على الشيعة ولا الشيعة خطر على السنة وإنما الاستبداد السياسي والهيمنة الأجنبية هما الخطر المشترك على الطرفين» البعض يقول أن آلاف القتلى والجرحى والعمليات الانتحارية والعمليات الإرهابية الموجودة الآن تشكل خطر حقيقي، أنت هنا تحاول أن تبرئ جميع الأطراف في الشيعة والسنة وتلقي باللائمة على الأطراف الخارجية، هل هذا الكلام واقعي أم لا؟
أنا أعتقد أن مسألة القتل والإرهاب ليس موضوعاً طائفياً خالصاً، وإنما هو موضوع سياسي، تحركه العناصر السياسية، بدليل أن الإرهاب وعمليات التفجير التي تحدث لا تستهدف الشيعة فقط، نحن وجدنا في التسعينيات في الجزائر أعدادًا كبيرة من القتلى على يد الجماعات التي قيل أنها جماعات إسلامية في الجزائر، ونجد احترابًا في الصومال بين جماعات أيضاً إسلامية، ونجد أيضاً في أفغانستان عمليات تفجير كثيرة ومعظمها لا تستهدف الشيعة وإنما هي من وحي الخلاف الموجود بين طالبان والحكومة القائمة في أفغانستان، ونجد الآن في سوريا وفي العراق، وحتى في العراق هناك استهداف لرجال الصحوات الإسلامية السنة، في هذه العمليات يستغل العنوان الطائفي في بعض المواقع والمواقف، لكن القضية أعمق، أعتقد أن هناك مشكلة كبرى تعيشها الأمة بوجود هذا التيار التكفيري، الذي يستخدم ويتوسل العنف لتحقيق استهدافات سياسية، وأطالب الأمة بأن تكون في حالة استنفار لمواجهة هذا التيار التكفيري.
هل ترى الأمة في حالة استنفار أم لا؟
يجب أن تكون في حالة استنفار، الأمة مع الأسف الشديد لا تواجه هذا التيار التكفيري الإرهابي بما يلزم من المواجهة.
خشية أم تعاطف؟ قد يكون هناك قبول لهذا التيار؟
في بعض الأحيان يكون هناك التباس وسوء فهم في الموضوع، هذا الالتباس وسوء الفهم في الموضوع، هو الذي يجعل بعض الجهات الدينية تغض الطرف عن هذه الممارسات الإرهابية، وفي بعض الأحيان الحكومات السياسية قد تتوسل ببعض المجموعات الإرهابية، في معالجة صراعاتها الإقليمية، مع هذا البلد أو ذلك البلد.
حكومات سياسية تتوسل بجماعات تكفيرية إرهابية لتحقيق أهداف سياسية؟
طبعاً وهذا أمر واضح.
باختصار شديد هل ترى أن هناك حالة احتقان بين السنة والشيعة اليوم أم أنه نوع من التهويل والتضخيم؟
أنا أعتقد أن هناك احتقانًا سياسيًا تعيشه الأمة، والطائفية مظهر من مظاهر هذا الاحتقان السياسي، الأمة يعيش معظم شعوبها حالة من الاستبداد، الآن في هذه المرحلة هناك تطلع عند الشعوب حتى تتجاوز حالة الاستبداد، إلى أن تصل إلى مرحلة من التوافق الوطني تحدث مثل هذه الأمور، ما نراه في مصر مثلاً ليس صراعاً بين السنة والشيعة، ما نراه في تونس الآن ليس صراعاً بين الشيعة والسنة، وما نراه في ليبيا.
لكن البعض يعتقد أن ما يحدث على سبيل المثال في سوريا هو يعتبره صراعاً بين الشيعة والسنة؟
في بعض المناطق التي يكون فيها تنوع مذهبي طائفي تستغل الطائفية فيه.
تراه مجرد خلاف سياسي؟
صراع سياسي، وهناك احتقان سياسي، وإذا لم تتجاوز الأمة هذه المرحلة، وتصل الشعوب إلى مرحلة توافق وطني، لتسيير أمورها في كل وطن من أوطانها، سنبقى نعيش هذا الأمر.
دعني أرجع بك إلى خطبة من خطب الجمة كانت لك في أكتوبر الماضي، ذكرت فيها «الأمة تعاني من وجودة تيارين خطرين على وحدتها، تيار التكفير والإرهاب الذي نشأ وسط أهل السنة، وتيار البذاءة والإساءة إلى رموز أهل السنة الذي تشكل حديثاً وسط الشيعة وهو الوجه الآخر لخط التعصب السلفي» البعض يعتبر هذا النوع كلام مبالغ فيه، الشيخ حسن الصفار يساوي القول بالفعل، هناك ممارسات البعض يعتبرها شاذة في الوسط الشيعي كما وصفتها أنت وأطلقت عليها تيار البذاءة والإساءة وعبرت عنه في ندوة سابقة بانبعاث تيار سلفي شيعي، في النهاية لا يعدو خارج إطار الكلام، في مقابل أنك ساويته بمن يقوم بممارسات تفجير وقتل ونحر، هل هناك إنصاف في المقارنة بين هذين الخطرين الذي تعتبرهما خطر داهم على الأمة؟
أنا أعتقد أن تيار التكفير والتفجيرات وأعمال العنف هو أخطر تيار على الأمة، ولكني أرى أن تيار الإساءة والبذاءة يعطي تبريراً لهذا التيار، كان يمكن أن تتوجه كل الأمة، وكل علماء الأمة، وكل المخلصين في الأمة، لإدانة هذا التيار التكفيري الإرهابي العنفي، لكن تيار الإساءة والبذاءة بتعرضه لمقدسات الآخرين، وإساءته لرموز الآخرين، أصبح يشكل نوعاً من التبرير لذلك التيار التكفيري التفجيري، ولذلك هؤلاء خطورتهم تأتي في هذا السياق، إضافة إلى أن تيار الإساءة والبذاءة نحن نعتقد بأنه يتنافى مع تعاليم أئمة أهل البيت، وهذا ليس كلامي، المرجع الأعلى للشيعة السيد السيستاني - أصدر بياناً حول ما قام به بعض أتباع هذا التيار في الأعظمية في بغداد، وقال في بيانه إن هذا مخالف لتعاليم أئمة أهل البيت، ولا يصح لنا أن نسكت عن ممارسات تخالف تعاليم أهل البيت وتخالف أوامر ومواقف المرجعية الشيعية، ثم تحسب على كل الشيعة، وتحسب على المذهب، وعلى الطائفة، آخرون ينتظرون مثل هذه المواقف والممارسات حتى يبرروا بها إرهابهم، وحتى يبرروا بها عنفهم، وما يقومون به.
البعض أيضاً يلقي باللائمة عليكم أنكم داخل المكون الشيعي شديدي العقاب عندما ينبري أحد بتطاول معين أو بإساءة معينة لكن مع الآخر تتغاضون عن كثير من التكفير والخطابات التي يعتبرها البعض مسيئة للمكون الشيعي؟
من يقول هذا الكلام لا يتابع كلامنا وخطاباتنا أنا وأمثالي، أنا شخصياً عندي خطابات كثيرة ودائمة على هذا الصعيد، كتبت كتبًا، وألقيت محاضراتٍ، وتصديت لمواقف كثيرة، أي موقف تكون فيه إساءة خاصة المواقف البارزة ليس هناك سكوت، بالعكس كلام كثير، وكتابات عندنا على هذا الصعيد، ولكن يراد منا أن نسكت أيضاً على الإساءات التي تصدر من الداخل، ونحن نجد أن مسئوليتنا الشرعية أن نتحدث، حتى نقول للرأي العام الإسلامي أن هذا التيار لا يمثل المذهب ولا يمثل الطائفة.
هل هناك بالفعل تيار سلفي شيعي موجود الآن؟
التسمية من الممكن أن تكون محل نقاش، القصد من التسمية حالة التعصب والتشدد ورفض الآخر، انبعث عندنا نحن الشيعة أناس يتقمصون هذا الخطاب، خطاب تشدد، خطاب تعصبي ضد الآخر.
أليس من الممكن إيجاد مبرر له حسب ما يدعي البعض لأنهم في النهاية أقلية وتعرضوا إلى ضغوط وملاحقات وانتقاص في حقوقهم، بالتالي كنتيجة طبيعية تولد هذا التيار كردة فعل على ما يمارس ضده، ألا تجد مبرر لهذا التيار؟
لكنها ردة فعل خطأ، الإسلام لا يقبل منا أن تكون ردات فعلنا على حساب مصلحة الدين، وعلى حساب مصلحة الأمة، الأئمة كانوا يربون شيعتهم على أدب القرآن ﴿ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حليم﴾ الأئمة لم يسمحوا لشيعتهم بأن يسفّوا إذا أسفّ الآخرون، إذا كان الآخر استعمل خطاباً تعبوياً سيئاً، فيه إساءة، فهذا لا يبرر لي أنا أن أستعمل نفس الخطاب، هذا لم يكن توجيه القرآن، ولم يكن توجيه الأئمة ، القرآن الكريم يقول: ﴿وإذا مروا باللغو مروا كراما﴾، ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما﴾ وأئمة أهل البيت هكذا كانت سيرتهم، وهكذا كانوا يربون شيعتهم، وهذا أيضاً دأب علماء الشيعة، نحن لا نقبل بأن يكون هناك خطاب يشوه هذه الصورة الناصعة للمذهب، ولتاريخ أهل البيت .
في كتاب لك بعنوان «انفتاح بين المصالح والهواجس» ذكرت في صفحة 22 تحديداً «هناك بعض الجوانب قد تكون من العقيدة ومن الشريعة ولكن هناك ظرفاً يقتضي تجاوز هذا الجانب أو التنازل عن ممارسته لأن هناك أولوية أهم، فمن يستطيع الجزم بجزم قاطع أنه لا يصح التنازل في أي من شؤون الدين، التنازلات تصح في بعض الأحيان بل هي مطلوبة في بعض الحالات» البعض يعتبر مثل هذا الكلام كلام خطير سماحة الشيخ وكأنه يوحي لمن يقرأ أو يستمع هذا الكلام بأن الشيخ حسن الصفار - قدم تنازلات شرعية؟
هذا الكلام جاء بعد نقطة سابقة لهذا الكلام، وهي التأكيد على أنه ليس صحيحاً أن يطلب من أحد أن يتنازل عن شيء من قناعاته، أو معتقداته، وأن قضايا العقيدة والقضايا الدينية قضايا منطقة محرمة، لا إكراه في الدين، ولا يصح لأحد أن يطلب من أحد أن يفرض على أحد التنازل عن شيء من قناعاته، في أكثر حواراتي حول موضوع التقريب والتقارب المذهبي، أؤكد على هذه النقطة، أنه ليس من حق جهة أن تطلب من جهة أخرى أن تتنازل عن شيء من آراءها أو قناعاتها أو معتقداتها.
بماذا تفسر كلامك إذن في هذا الجانب؟
هذه نقطة أخرى جاءت، أنه حتى موضوع التنازل عن بعض الممارسات الخارجية، وليس عن القناعة والعقيدة، القيادة التي تقود المجتمع إذا وجدت أن هناك مصلحة بأن تتنازل عن بعض الممارسات والمظاهر، فمن حقها في موقعها القيادي أن تتخذ مثل هذا الإجراء، واستشهدت لذلك بما فعله رسول الله في صلح الحديبية، حينما أصر المشركون على أن يمحو بسم الله الرحمن الرحيم، وعارض بعض الصحابة ذلك، لكن النبي مسحها بكمه وتنازل، هذا مظهر وشعار وعنوان ديني إسلامي الرسول تنازل عن كتابته، أيضاً ما اتفق عليه محمد رسول الله ، الكفار قالوا لو كنا نؤمن أنك رسول الله لما واجهناك، فرفض الصحابة أن يمحوا كلمة رسول الله لكن الرسول تنازل ومسحها.
تدلل أنت على ذلك بأن قضية التنازل إذا لم يكن في أصل من أصول الدين أو فروع الدين فلا ضير في ذلك؟
إذا كان التنازل من جهة قيادية، وليس أي شخص مخولًا أن يتنازل عن ممارسة أو مظهر، وإنما أن تكون هناك جهة معتمدة.
هل قدمتم تنازلات تحت هذا العنوان سماحة الشيخ؟
لم نكن في مجال تقديم تنازلات لأحد، وإنما كفكرة وكرؤية، أقول أن القيادة المعتمدة في المجتمع الشيعي إذا وجدت أن هناك مصلحة في التنازل عن ممارسة من الممارسات فهذا أمر مشروع.
سأرجع بك سماحة الشيخ إلى عام 2004 في ذلك الوقت كان هناك حديث عن انبعاث هلال شيعي في المنطقة وأنت كان لك تعليق على هذا الكلام ذكرت فيه «تهميش الشيعة لم يكن لصالح السنة وإنما هو لصالح سياسة الاستبداد التي تمارسها الحكومات، تتعالى أصوات بعض الحكام العرب محذرين من اختلال التوازن الطائفي في المنطقة إنها أصوات مشبوهة تريد تأجيج الفتنة الطائفية، الشيعة في منطقة الخليج كبقية إخوانهم المواطنين يتطلعون إلى الإصلاح السياسي وتوسيع المشاركة الشعبية وليست لهم أجندة خاصة» اتهامات موجودة للمكون الشيعي بشكل عام أن هناك أجندة خاصة لهذا المكون، هل بالفعل هناك أجندة خاصة؟
لا توجد أجندة خاصة للشيعة في منطقة الخليج، وإنما هم جزء من مجتمعاتهم ومن النسيج الوطني الاجتماعي، وقيادات الشيعة وعلماء الشيعة يؤكدون على الشيعة في كل مكان أن يندمجوا مع مجتمعاتهم، وأن يكونوا جزءاً من نسيجها الوطني، لكننا في الفترة الأخيرة أصبح من السهل علينا مواجهة مثل هذه الاتهامات، لأننا وجدنا حينما أصبح هناك حراك عند الأطراف الأخرى أيضاً هم اتهموا.
تقصد ثورات الربيع العربي؟
نعم ثورات الربيع العربي والتفاعلات حتى في المنطقة الخليجية أيضاً وجهت لهم اتهامات بأن لهم أجندة خاصة، وهذا يعني أن أي طرف يتحرك فمن الممكن أن يشوه موقفه، ويمكن أن توجه له هذه الاتهامات، من أجل فصله عن بقية الشعب، ومن أجل تشويه تحركه وحراكه.
وهذه تكون خطوات مدروسة من قبل الحكومات أو جهات خارجية؟
في الصراعات السياسية عادة كما يقولون لا توزع الحلويات، في الصراعات السياسية كل طرف يستخدم أسلحته الإعلامية لتشويه الطرف الآخر، سواء كان من حكومات أو من أطراف متنافسة داخلياً.
بما أنك أشرت في سياق كلامك ثورات الربيع العربي وأنه كما هناك اتهامات للشيعة لتشويه حراكهم بشكل أو بآخر أيضاً العملية لم تقتصر فقط على الشيعة ولكن أيضاً شملت السنة، دعني هنا بالمناسبة أرجع بك إلى حوار أجرته معك مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر - في يوليو 2012 ذكرت «استمراراً لخطاب الإقصاء الطائفي في بعض أوساط المتطلعين للثورة والتغيير حيث يتحدثون عن الشيعة وسائر الأطراف الأخرى وكأنه موجود طفيلي أو غير مرغوب فيه» هذا الكلام واضح جداً أنك لا تدلل أو تلقي باللائمة على الحكومات أو على الجهات الخارجية ولكنك ترمي باللائمة على من تصدى أو تبنى أو تفاعل مع الحراك وثورات الربيع العربي وهم في النهاية الشارع والجمهور، هل حدثت هناك إقصاءات على أساس طائفي؟
النخبة في المجتمعات الإسلامية كما ظهر من خلال أحداث الربيع العربي تعاني من كثير من الخلل، ومن كثير من الثغرات والنواقص، ولذلك لم تستطع أن تنفتح على بعضها البعض، إما لأسباب اختلاف مذهبي، أو اختلاف سياسي، فكان كل طرف يحاول أن يقصي الطرف الآخر، كل طرف يحاول أن يلغي الطرف الآخر، وهذا هو من أسباب النكسات التي تعرض لها الربيع العربي، هذا خلل واضح جداً، كيف يمكن أن نقبل من جماعة يدعون إلى الحرية، ويدعون إلى العدالة، ويدعون إلى هذه العناوين العريضة، ثم يتجاهلون مكونات أخرى؛ لأنها تختلف معهم في الدين، أو تختلف معهم في المذهب، أو تختلف معهم في الاتجاه السياسي، هذا دليل على أن هذه الشعارات ليست عميقة داخل النفوس، وفي تشكيلة العقل القائم في هذه الحركات.
أنت تعتقد أن هذه الدعوات وهذه الممارسات انتكاسة أصابت الربيع العربي؟
نعم، الربيع العربي اليوم يتعرض لانتكاسة، ولكني لا أحمل النظرة المتشائمة التي يروج لها البعض، أنا أعتبر أن هذه الانتكاسات قد تكون طبيعية في سياق تطور هذه الشعوب، وفي مسيرتها نحو الوصول إلى أهدافها وتطلعاتها.
في خطبة لك كانت في أغسطس 2013 ذكرت فيها «الأسوأ في حال الأمة أن يستعين بعضها على بعض بالعدو الأجنبي الطامع، ذلك يعني منتهى الانحطاط السياسي والتدهور الأخلاقي، بعض الإسلاميين الذين يتوسلون بالأمريكان للتدخل في سوريا وقبل ذلك في ليبيا» بعيداً عن المشهد السوري أو الليبي أو المصري وبعيداً عن الأمثلة، كأنك لا تعطي المبرر لبعض الأصوات التي خرجت بالاستعانة بالأمريكان سواء في سوريا أو في ليبيا في حين تغاضيت كما يدعي البعض عن استعانة المكون الشيعي بالأمريكان في العراق، لماذا حلال على الشيعة في العراق وحرام على السنة في سوريا أو ليبيا أو بقية الدول؟
هالني ما كنت أسمعه من بعض الشخصيات من العلماء والقيادات الإسلامية، من استغاثة واستنجاد بالأجانب للتدخل في شؤون البلاد الإسلامية، سواء في هذا أو ذاك البلد، هؤلاء الذين كانوا بالأمس يأخذون على الشيعة في العراق كيف أنهم قبلوا بالتدخل الأمريكي، وإذا بهم هم يستغيثون ويتوسلون للتدخل الأجنبي في بلدان أخرى، أنا كنت أبدي أسفي لهذه المفارقة، أنا أعتقد أن الشيعة في العراق، خاصة في وسط العلماء والحركات الإسلامية في العراق، لم أسمع من أحد منهم أنه كان يطلب، وكان يستنجد ويستغيث بالقوات الأمريكية للتدخل في العراق، هم تعاملوا مع التدخل الأمريكي في العراق كأمر واقع، ووجدوا أن هذا الخيار حسب رأيهم، خيار التعامل مع الأمر الواقع، هو الذي يقلل الخسائر، ويمكنهم من تقصير أمد الاحتلال الأجنبي، لكن لا توجد دعوات من علماء ومن قيادات كبيرة تطلب من الأمريكان أن يتدخلوا.
في الجانب الشيعي أنت تقول أنه لم يحدث وحدث ذلك فقط من الساسة؟
سمعت بعض القيادات الشيعية مثل السيد نصر الله - أمين عام حزب الله في لبنان - سمعت منه في ذلك الوقت كان مخالفاً للتدخل الأمريكي في العراق، وكان يدعوا الشيعة حتى للحوار مع صدام، ومع نظام صدام، حتى يفوتوا الفرصة على التدخل الأجنبي، وهذا شيء كان معلنًا في خطاباته وكلامه.
لكنك تستنكر الآن بعض الأصوات التي تصدر الآن من قبل بعض العلماء بدعوة الأمريكان للتدخل؟
أنا أعتقد أن أي تدخل أجنبي في أي بلد إسلامي لن يكون لمصلحة هذه البلدان وهذه الشعوب الإسلامية.
في تصريح لك ذكرت فيه «نحن الآن على أعتاب مرحلة جديدة ربما بدأ فيها أفول القوة الأمريكية التي تعاني الآن من ضعف قياساً إلى قوتها السابقة بالتالي فإن القوة الأمريكية ودورها مرشحة للمزيد من الانكفاء» هل بالفعل ترى أن القوة الأمريكية اليوم في المنطقة التي يعتبر أن الولايات المتحدة مهيمنة عليها بشكل أو بآخر نحو الانكفاء؟
هذا ما يلاحظه كل الخبراء والمتابعين، أن الأمريكان بعد تلك الهجمة التي كانت عندهم في عهد بوش، - باستخدام تدخلهم العسكري في أكثر من مكان، وفي أكثر من موقع، الآن هم لم تعد لديهم هذه الإرادة، لم يعد لديهم هذا التوجه، وهذا واضح من مواقف الإدارة الأمريكية أخيراً، المشاكل الاقتصادية التي يعانون منها في أمريكا مشاكل واضحة، بالتالي هم الآن ينكفئون إلى داخلهم، وينكفئون إلى معالجة قضايا اقتصادهم، ولملمة جراحهم، مما أصابهم من حروب التدخلات السابقة، التقارير تتحدث عن جراحات كبيرة في المجتمع الأمريكي، من أعداد القتلى الذين قتلوا في العراق وفي أفغانستان، وأيضاً المعوقين والجرحى، والارتدادات النفسية، والحالات النفسية التي تحدث لكثيرين ممن شاركوا في هذه الحروب، لذلك هناك توجه أمريكي للانكفاء، وهذا يعني أن على دول المنطقة، وشعوب المنطقة، أن يهتموا بالعلاقات فيما بينهم، وأن يتحملوا هم مسؤولية أمنهم، وألا يدعو الفرصة للآخرين أن يخوفوا بعضهم من بعض، وأن يرفعوا بعض الرايات لتخويف هذه الجهة من الجهة الأخرى، أهل المنطقة هم أولى بالتعاون من أجل حفظ أمن واستقرار هذه المنطقة.
أريد أن أطرح معك سماحة الشيخ - قضية اجتماعية تتناولها بين الفينة والأخرى في بعض خطاباتك وهي قضية «البدون» - حيث اعتبرت هذه القضية وصمة عار، وذكرت «إن حرمان مئات الآلاف من البدون من حق الجنسية في السعودية وفي الكويت وفي الإمارات وغيرها، مطلوب الاحتذاء بالدول الغربية في هذا الشأن، التعاطي الراهن مع هذه الفئة يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان وتهديداً للأمن الاجتماعي، لماذا هذه الروح العنصرية؟ قد تكون هناك بعض الجهات في مجتمعاتنا الخليجية هي التي تعارض تجنيس واستيعاب هؤلاء»، المتابع للشأن السياسي الكويتي قد يعتبر قضية البدون هي من القضايا الحاضرة على مدى ثلاثة عقود 30 سنة ونحن نتحدث ولازلنا نتحدث والله العالم إلى متى سنتحدث عن هذه الأزمة، هل هناك أيضاً أزمة مشابهة في السعودية اليوم؟
هذا ما تم الحديث عنه حتى عبر وسائل الإعلام، عندنا مجموعة كبيرة يقيمون في منطقة مكة وأصلهم من بورما - ونزحوا إلى المملكة، وعندنا أناس نزحوا من مناطق مختلفة، وأصبحوا يعيشون في داخل البلد منذ عقود من الزمن، وهذا ما كُتب عنه في الجرائد، أناس ولدوا ونشأوا وعاشوا داخل المملكة العربية السعودية، ولكنهم محرومون من حق الجنسية السعودية، وبالتالي محرومون من كثير من الخدمات، من التعليم وخاصة التعليم العالي، محرومون من العمل والوظائف، محرومون حتى من الزواج وحتى من الدفن، عندما يموت كيف يستخرج شهادة دفن وهو لا يمتلك هوية ولا يمتلك وثيقة، نجد بعض الناس من الكتاب في داخل المنطقة الخليجية سواء في السعودية أو في الكويت يتعاطون بعنصرية، بينما نجد قبل شهرين خبر ترحيل طالبين في المرحلة الثانوية من فرنسا، فخرج الطلاب والمدرسون في مظاهرة تضامناً مع هذين الطالبين، لأنهما رحلا، ولا يمتلكان وثائق قانونية تمكنهما من الإقامة المشروعة في فرنسا، ذلك المجتمع الذي لا يحظى بتوجيهات الإسلام، ولا يتنعم بهدي الإسلام، الذي نتنعم به، كيف يكون أكثر إنسانية منّا في التعامل مع مثل هذه القضايا ونحن مسلمون؟
إذن أنت تلمس أن هناك نزعة عنصرية في ملف البدون؟
ألمس أن هناك من يشيع هذه النزعة، ولذلك أطالب العلماء والموجهين بأن ينمو الروح الإنسانية التي يريد الإسلام أن تكون حيّة في نفس الإنسان المسلم، يجب ألا تقبل بمثل هذه الممارسات، هؤلاء بشر مثلنا، ويعيشون على أرض الله، ويأكلون من خيرات وضعها الله لجميع بني البشر.
قبل نحو عام تحديداً تناولت بعض وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية خبر نقل عن أعضاء في تنظيم القاعدة عن وجود مخطط لاغتيال الشيخ حسن الصفار - بهدف زرع فتنة طائفية بين السنة والشيعة في المملكة، هل هذا الكلام دقيق؟
نعم، الجهات الأمنية أخبروني أنهم اطلعوا على بعض الاستعدادات لمثل هذا العمل، ولكن الجهات الأمنية أخبروني أنهم سيطروا على مثل هذا التوجه، وبالطبع الكل مستهدف.
اليوم هل لازال الشيخ حسن الصفار مستهدف؟
إن شاء الله نتمنى ألا يكون أحد من أبناء الوطن مستهدفًا نحن نأمل أن الإجراءات التي تمت في المملكة وضعت حداً لمثل هذه التوجهات الإرهابية على مستوى الوطن.
في إحدى محاضراتك في الكويت تكلمت عن صناعة المحبة، هل لازال بالإمكان صناعة المحبة؟
نحن في هذا الوقت أحوج ما نكون إلى صناعة المحبة، وإمكانيتها قائمة، ونفوس الناس هي على أصلها على فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأوجد الناس عليها، هذه فطرة إلهية، نفوس الناس تميل إلى المحبة، لكن هناك ضبابًا وتراكماتٍ وهناك سوء فهم، فعلى الواعين أن يعيدوا الناس إلى هذه الفطرة السليمة.
في ختام حلقتنا، نحن سعداء شيخنا أنك لبيت دعوتنا وأتيت من المملكة العربية السعودية، كل الشكر لك - عالم الدين السعودي - الشيخ حسن الصفار - على حضورك إلى المنصة.
وأنا أشكرك وأشكر الأخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات وأرجو أن يغفر لي الجميع ما لم يعجبهم من كلامي وحديثي.