قلق الاختبارات

 
في مثل هذا الحين من كل عام، يعيش الطلاب والطالبات ومعهم أُسرهم، ما يشبه حالة الطوارئ، والظروف الاستثنائية، استعداداً لمواجهة الاختبارات في مراحل التعليم المختلفة. وذلك يعكس موقعية التعليم في حياة الإنسان المعاصر، حيث أصبح محدداً أساساً لقيمته الاجتماعية، ولتشكيل حياته المعيشية. ولأن الاختبار هو نقطة العبور من محطة تعليمية إلى أخرى، وهو بوابة التخرج إلى ميدان الحياة العامة، والتأهيل الوظيفي والعملي، ولأن معدّل الدرجات التي يحصدها الطالب، ومستوى الأداء في الاختبار يؤثر في تحديد المرحلة التالية، وفي مقدار ونوعية الخيارات والفرص المتاحة أمام الطالب المتخرج والطالبة المتخرجة، لكل ذلك من الطبيعي أن تواكب الاختبارات هذه الدرجة العالية من الاهتمام.
 
بين الاهتمام والقلق:
 
 
وإذا كان الاهتمام بالاختبارات مطلوباً، ليكون الطالب أفضل استعداداً وقدرة على الأداء، ولتقف الأسرة خلفه مشجعة ودافعة نحو المزيد من الجد والاجتهاد. فإن المبالغة في الاهتمام ليتحول إلى حالة من القلق العالي أمر مضر، ويؤدي إلى نتائج عكسية.
 
ويبدو أن الكثير من الطلاب والطالبات وعوائلهم في مختلف المجتمعات، يعانون من درجة عالية من القلق، تنتابهم في أوقات الاختبارات، وتخلّف العديد من الآثار والمضاعفات السلبية.
 
وقد اهتم الباحثون وخبراء علم النفس التربوي بهذه الظاهرة، ورصد نتائجها، وخاصة على صعيد مستوى الإنجاز الأكاديمي للطلاب.
 
فمنذ منتصف الخمسينات من هذا القرن وحتى الآن، أُجريت العديد من الدراسات والبحوث، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حول موضوع قلق الاختبارات عند الطلاب، في كل المراحل التعليمية المختلفة. وحصلت دراسات قليلة محدودة حول ذات الموضوع في العالم العربي.
 
ووضع بعض الخبراء قياسات لتحديد درجة القلق من الاختبار، عبر طرق عديدة، ولعل استفتاءات التقرير الذاتي (self Report) هي أشهر تلك الطرق المستخدمة،
 
وهناك مقياس قلق الاختبار Test Anxiety Inventory من إعداد Spielberger وزملائه.
 
وتقدر الدراسات المختلفة في أمريكا وأوروبا أن حوالي 20% من طلبة المدارس يعانون من قلق الاختبار، بدرجات متفاوتة، وأن 20% من المتعلمين الذين كانوا يعانون من درجة عالية من قلق الاختبار، تسربوا من المدرسة، بسبب الفشل الأكاديمي. ويفترض أن هذه النسب تكون مرتفعة في العالم الثالث.
 
النتائج العكسية:
 
 
إن ما يطمح إليه الطالب هو تجاوز الاختبار بنجاح، وتحقيق معدل متقدم، وهو ما تتمناه له أُسرته، والإخفاق في تحقيق هذا الطموح هو ما يوجب القلق والخوف، إن الدرجة المقبولة من القلق هي التي تبعث على المزيد من الجد والاجتهاد، والتهيؤ والاستعداد.
 
لكن شدة القلق والتي تعتبر حالة سلبية مرضية، تؤدي إلى نتيجة عكسية، وتوقع الطالب فيما يحذر منه، وتفوّت عليه فرصة النجاح والتقدم. لأنها تحدث عنده حالة انفعالية مصحوبة بتوتر وتحفز، وحدة انفعال، وانشغالات عقلية سالبة، تفقده القدرة على التركيز المطلوب في المذاكرة وأثناء الاختبار.
 
إن القلق الشديد ينبعث من ضعف الثقة بالنفس، حيث يشكك في قدرته على استيعاب المادة، أو استذكار المعلومة عند الحاجة إليها. كما تغذيه بعض الأفكار الوسواسية، والهواجس التشاؤمية، التي تجعل الطالب أمام شبح الفشل المرعب، والمصير القاتم المجهول.
 
وكم من طالب يكون استيعابه للمادة جيداً، وحافظته للمعلومات يقظة، وقدرته على الاستعادة والاستذكار مناسبة، لكن ارتفاع درجة القلق لديه، وانشغاله بالهواجس والمخاوف، يصيبه بنوع من الإرباك والاضطراب، فتتشتت أفكاره، وتفلت المعلومات من بين يديه، ويتردد في اختيار الإجابات، وبالتالي يكون أداؤه ضعيفاً سيئاً.
 
إن ذات الطالب لو أتاح لنفسه فرصة الاطمئنان والارتياح النفسي، ولو سيطر على حالة القلق والخوف لديه، لوجد في قدراته وإمكاناته الخير الكثير، ولو واجهته الأسئلة التي تعثّر أمامها في موقف الاختبار، ضمن حالة طبيعة، لما رأى صعوبة في تقديم الإجابات الصحيحة عليها. لكن سيطرة الحالة السلبية عليه أعاقته عن حسن الأداء والإنجاز.
 
وكما يتحدث علماء النفس، فإن الإنسان حينما تواجهه مهمة ما، يحتاج إلى تركيز انتباهه، وتوجيه طاقاته نحو أدائها، وأن يتمحور اهتمامه بذات الأمر المطلوب، لكن حالة القلق العالي تنتج لديه استجابات غير مرتبطة بالمهمة المطلوبة، وغالباً ما تكون مركزة حول الذات. فمثلاً بالنسبة للطالب في موقف الاختبار، يحتاج إلى تركيز اهتمامه وذهنه حول الأسئلة المثارة أمامه، لكن الإفراط في القلق يشغل ذهن الطالب، بما يدور في أحاسيسه ومشاعره، فقد يجد نفسه مستغرقاً في التفكير حول ما سيترتب على فشله وضعف أدائه، وكيف سيكون موقفه أمام أهله أو زملائه؟
 
وهناك دراسات علمية ميدانية كثيرة، وخاصة في المجتمعات الغربية، اهتمت ببيان العلاقة بين قلق الاختبار والإنجاز الفعلي عند الطلاب، وأكدت الارتباط بين مستويات القلق العالي للاختبار، وانخفاض مستوى الأداء الأكاديمي عند الطلاب، حيث توصلت إلى أن الطلاب الذين يعانون من القلق العالي للاختبار، يحصلون غالباً على تقديرات أقل في هذه الاختبارات، مقارنة بالطلاب الآخرين ذوي القلق المنخفض.
 
وتشير نتائج عدد من الدراسات في هذا المجال، إلى أن الأفراد الذين يعانون من درجة عالية من قلق الاختبار، يقضون كثيراً من وقتهم قبل وخلال الاختبار وهم:
 
1. منزعجون حول أدائهم ويفكرون في أداء الآخرين.
 
2. يفكرون في البدائل التي يمكن اللجوء إليها في حالة فشلهم في الاختبار.
 
3. تنتابهم بشكل متكرر مشاعر العجز وعدم الكفاية.
 
4. يتوقعون العقاب وفقدان الاحترام والتقدير.
 
5. تنتابهم ردود فعل واضطراب فسيولوجية مختلفة.
 
وينتج عن هذا كله نوبات من الاضطراب أو الهيجان الانفعالي، الأمر الذي يعيق التركيز والانتباه لمهمة الإجابة على أسئلة الاختبار، ويؤدي بالتالي إلى ضعف الأداء.
 
الثقة والاطمئنان:
 
 
الثقة بالنفس والاطمئنان هي أهم قوة يتسلح بها الطالب في موقف الاختبار، فهي التي تمكنه من استيعاب موادّ دراسته عند المذاكرة والمراجعة، وهي التي تركز انتباهه على ما يواجهه من أسئلة الاختبار، وتعطيه الفرصة لاسترجاع المعلومات واستذكارها بشكل منظم وفق الحاجة إليها.
 
أما كيف يتوفّر الطالب على هذه الصفة؟ وكيف يمتلك هذه القوة؟ فإن عوامل عديدة لها دور في بناء الشخصية على أساس الثقة والاطمئنان، منها: التربية العائلية السليمة، ومنها الثقافة والوعي الصحيح، الذي يخلق عند الإنسان منهجية التعامل والتصرف السليم في مختلف الظروف والأزمات.
 
وهذا ما تؤكده القيم والمفاهيم الدينية التي تجعل الإنـسان على صلـة دائمة بـالله سبحانه وتعالى، هـذه الصلـة تشيع في النفس الثقة والاطمئنان ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (سورة الرعد،28).
 
وذكر الله هنا يعني تلك المنظومة من القيم والمفاهيم التي يؤمن بها الإنسان المسلم، وينظر من خلالها إلى الحياة والأمور، فيكون موضوعياً في تفكيره، منطقياً في حساباته، متحملاً لواجباته ومسؤولياته، دارئاً عن نفسه المخاوف والقلق بالتوكل على الله، والثقة به وبما رزقه الله من قدرات وإمكانيات ذاتية عظيمة. ويقول الله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ (سورة إبراهيم، آية27) والقول الثابت هو منهجية التفكير الصحيح، ونمط السلوك السليم.
 
من ناحية أخرى فإن استعداد الطالب وتهيئه للاختبار، باهتمامه الدراسي طوال العام، ومراجعته الدقيقة لكل مادة يذهب لاختبارها، يجعله على بصيرة من أمره، واثقاً من نفسه. إن مشكلة بعض الطلاب والطالبات هي التساهل في دروسهم، وعدم الاجتهاد في استيعابها أثناء الدراسة، والتسويف في المذاكرة، فيداهمهم الاختبار، وهم على غير أهبة كافية، فيضغطون على أنفسهم في وقت محدود قصير قبل الاختبار، وذلك من أهم أسباب الإصابة بحالة القلق الشديد.
 
ويمكن القول هنا إن حالة الطالب في موقف الاختبار، تعكس مجمل علاقته مع المدرسة والتعليم، فالطالب الجادّ المجدّ، يستقبل الاختبار بثقة واطمئنان غالباً، ويتعامل معه ضمن حالته الطبيعية، ووضعه الاعتيادي، مع درجة من التركيز والاهتمام. أما الطالب الضعيف في جديته واجتهاده، أو الذي يعاني من مشاكل في علاقته مع المدرسة والتعليم، فإنه يجد نفسه في سباق مع الزمن للمذاكرة في آخر الوقت، فيدخل قاعة الاختبار وهو غير متأكد من استيعابه للمادة، مما يجعله فريسة سهلة للقلق والاضطراب.
 
كما أن للظروف الحياتية التي يعيشها الطالب أيام الاختبار دوراً في استقرار حالته النفسية، فالسهر ليلة الاختبار وقلة النوم، وارتباك البرنامج الغذائي، قد يؤثر على قدرة التركيز الذهني، ويساعد على رفع مستوى القلق والتوتر النفسي.
 
دور العائلة:
 
 
ينبغي أن تساعد العائلة أبناءها طلاباً وطالبات في تجاوز مرحلة الاختبار بثقة ونجاح، وذلك بالاهتمام المسبق الدائم بوضعهم الدراسي، فليس صحيحاً أن تغفل العائلة عن متابعة الوضع التعليمي لأبنائها، ثم تبالغ في الاهتمام فجأة عند الاختبار.
 
وللعائلة دور أساس في زرع الثقة في نفس الطالب - الطالبة، وترشيد حالة القلق لتكون ضمن الوضع الطبيعي الإيجابي، وتوفير الأجواء المساعدة له على المراجعة الكافية لدروسه، وتشجيعه ليكون أكثر ثقة واطمئناناً.
 
وتخطئ بعض العوائل حينما تبالغ في الضغط على الأولاد فترة الاختبارات، وتواصل تحذيرهم من الرسوب، وتتوعدهم على الإخفاق، فتزيدهم قلقاً واضطراباً، وتسبب لهم أضراراً تطاول أعماق نفوسهم وتكوين شخصياتهم.
 
إن مستويات الذكاء تختلف من طالب إلى آخر، وليس التفوق وإحراز أرفع الدرجات أمراً متوقعاً من كل طالب، كما أن الرغبة في التعليم متفاوتة أيضاً بين الطلاب, فيجب أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار. ولا يجوز استخدام أساليب القمع والقسوة ضد الولد إذا كان قاصراً في استيعابه، أو مقصراً في اجتهاده، إلا بمقدار التوعية والتنبيه والتأديب، ضمن الحدود المعقولة، بما لا يتجاهل إنسانيته وحقوقه، ولا يدفعه إلى ردات فعل خاطئة منحرفة، تضر بحياته الشخصية، وارتباطه العائلي.
 
المدرسة والمعلم:
 
 
المدرسة هي جهة الاتصال المباشر مع الطالب في الشأن التعليمي، وكما هي معنية بالمستوى العلمي الدراسي، فهي مؤثرة في الجانب التربوي النفسي، فمهمتها تربوية تعليمية، لذلك تطلق كثير من الدول على الوزارة المعنية بالتعليم عنوان وزارة التربية والتعليم.
 
والجانب التربوي هو أرضية التعليم، وهدف أساس له، واهتمام المدرسة بالتربية يخدم الإنجاز التعليمي. ومن أجل ذلك يجب أن تسعى المدرسة لإقامة أفضل العلاقات مع طلابها، لينجذبوا إليها نفسياً، ويرتبطوا بها عاطفياً، عبر تعامل المدرسين الأبوي مع الطلاب. فالمعلم بمثابة أب للطالب، أو أخ أكبر له، وكذلك المعلمة عليها أن تشعر بالأمومة لطالباتها، والصداقة لهن، وأحوج ما يكون الطلاب إلى رعاية معلميهم هو في وقت الاختبارات.
 
إن هدف الاختبارات هو التأكد من استيعاب الطالب للمادة العلمية التي درسها، واهتمامه بمراجعتها، فالأسئلة التي توضع للاختبار تكون لخدمة هذا الهدف. ولا ينبغي أن يتبارى المعلمون، ويزايدوا على بعضهم بعضاً، في التشديد وتصعيب الأسئلة، وصياغتها كألغاز وأحاجي، أو بطريقة تعجيزية، أو إلجاء الطلاب إلى الانهماك في حفظ النصوص والمعلومات، مع أن المطلوب في العملية التعليمية هو الفهم والاستيعاب بالدرجة الأولى.
 
وفي الاستعداد للاختبارات، يكون لتوجيهات المعلم وإرشاداته دور كبير في صنع الحالة النفسية للطلاب، فهو الذي يشجعهم على الاهتمام الإيجابي، وينمي فيهم روح الثقة، وأجواء الاطمئنان، وينزع عنهم هالة الرعب والقلق.
 
وخطأ ما يقوم به بعض المدرسين، من التهويل والتهديد لطلابهم قرب الاختبارات، وهم يقصدون بذلك دفعهم أكثر للاهتمام، لكن الأسلوب الخاطئ غالباً ما يعطي نتيجة خاطئة.
 
وفي قاعة الاختبار يجب أن تتجلى رعاية المعلم وحنوه على الطالب، فهو في لحظة حساسة، يحتاج فيها إلى العون والدعم، الذي يوفر له الاطمئنان والاستقرار، ويشيع في نفسه روح الثقة، فيصبح أكثر ارتياحاً وتركيزاً. والعون الذي نقصده من المعلم هو الخلق الطيب، والتعامل الهادئ، والتشجيع ورفع المعنويات.
 
إن بعض المعلمين يدخل على الطلاب في قاعة الاختبار كضابط عسكري، أو كمحقق يواجه متهمين، وذلك بحجة تطبيق القانون والتعليمات، فيتعامل بقسوة وشدة، ويسيء الظن في أقل حركة من الطالب، وينشر أجواء الرعب والخوف، وكل ذلك مضر بمصلحة الطلاب، ومخالف لأساليب التربية الصحيحة، والتعليم السليم.
 
فتطبيق القانون والتعليمات أمر مطلوب ولكن بروح طيبة، وأخلاق سامية، وكلما توفرت للطالب في قاعة الاختبار أجواء الراحة والاطمئنان، كان أداؤه أفضل، وإنجازه أحسن. لذلك توصي الدراسات التربوية التعليمية بأن لا ترتبط طريقة الاختبارات وإجراءاتها ونظمها بأساليب تبعث على الرهبة والخوف.
 
ونشير هنا إلى حاجة الطالبات بشكل خاص إلى حسن الرعاية وقت الاختبار، فهنّ أكثر عرضة لقلق الاختبار من الذكور، كما استنتجت دراسات عديدة، ومشاعرهن أرقّ وأرهف، لذلك تنشر الصحف كل عام، عن حالات من الإغماء والإعياء تقع في صفوف الطالبات، أثناء الاختبارات، ويبدو أن إمكانية القسوة والشدة في التعامل مع الطالبات أكثر منها مع الطلاب، مما يغري بعض المعلمات بممارسة ذلك الأسلوب، وهو ظلم وانحراف عن أساليب التعليم والتربية السليمة.
 
 
الاربعاء 10 بيع الأولى 1423هـ، 22 مايو 2002م، العدد 10568