مهداة للشيخ الصفار من الأديب الأستاذ أحمد اللويم
قلبٌ لَنْ يَشِيخَ
من وحي منبرك النهى تشتارُ وعياً تضيءُ سماءَه الأفكارُ
لا زال منبرك الملاذَ لظامئ أوما جرت من فوقه الأنهارُ؟
شمسٌ تُبلِّلُ بالضياء عيونَنا من بعد ما جفَّت بها الأبصارُ
الفجرُ رفَّ على التُّخوم فبادرت تجني قطافَ وُعودِه الأطيارُ
فتسابقت نحو الكريمِ بَريقُهُ ما ضاق عن أسرابها المضمارُ
أأبا زكيٍّ لا رأيتُكَ غيرَ ما ترجو لك العلياء والإكبارُ
حملت ذراعُكَ مُثقَلاتِ همومِنا حتى تَقَوَّسَ ساعدٌ جبَّارُ
وبقيتَ يوقظُك الضميرُ ولم تكن ممن ينامُ وليلُه إعصارُ
والصبح طائفةٌ عليك غيومُهُ كالحُلْمِ تعبرُ حيث لا أمطارُ
******
اليأسُ لم يعصفْ بأجملِ فكرةٍ ولئِن علاها في الرفوفِ غبارُ
لا زلتَ تحملُها وإن بَعُدَ المدى وأراغَ خطواً في المسير عثارُ
غصَّتْ بك الأحلامُ حتى أُتْخِمَت وتدحرجت من سقفها الأعذارُ
ومشيت يملؤك المكانُ حكايةً أبديةً لم يُنْسِها الإنكارُ
فهنا القطيفُ تُعيدُ أغنيةً على سمْعِ النجوم فتنتشِي الأقمارُ
وطنٌ حَلفْتَ بأن تكونَ حليفَهُ ما كنتُ تُسْلِمُهُ فذلك عارُ
أَوْقَدْتَ روحَكَ في مداهُ مِشعلا فَدُجَاهُ في عينِ الْمُحِبِّ نهارُ
نأوي إليك نَجُرُّ عيبةَ يأسِنا فنراكَ مِلْءُ حديثِك الإصرارُ
******
أأبا زكيٍّ كم يُجَرِّعك المدى ركضاً وأنت الفارسُ المغوارُ
أَهْرَقْتَ نهراً من شبابٍ مفعمٍ بالصبرِ حتى شابَت الأنهارُ
وبقيتَ ممتلئًا بنظرةِ واثقٍ أنَّ النهارَ تُعِدُّهُ الأسحارُ
وبأنَّ طفلاً من يقينٍ لم يكن ليشيخَ لو شاخَتْ بِه الأعمارُ
نبتَ اليقينُ على ضفافِ قلوبِنا مُذْ فاضَ من إرشادِك التيَّارُ
فإذا القلوبُ مساجدٌ معمورةٌ فيها يُصلَّي فرضَهُ المختارُ
أَوَما اتَّخَذْتَ من الحوارِ سفينةً وإن التَوَى عنْ قصدِهِ الإبحارُ؟
وإذا تَعَالى الموجُ رُضْتَ عَرامَةً فيه فأَيقنَ أنَّكَ البَحَّارُ
احفظْ بقايا قلبِك المجدولِ من نَسَمِ الربيعِ لِتَنْعَمَ الأزهارُ
أدري بأنَّ الدربَ صعبٌ طَيُّهُ فخُطاك يُلْهِبُ عزمَها استنفارُ
وتعيدُ ما بَدَأَتْ يداك بناءَهُ وتقيمُ منه جانبًا ينهارُ
أيقنتَ أنَّ حصادَ صبرِك واعدٌ ولسوفَ تضحكُ في السِّلالِ ثِمارُ
******
أأبا زكيٍّ لِلقطيفِ تَفاخُرٌ بِكَ وَهْيَ من أُخرى عليكَ تَغارُ
وعليك لو يُغْضِي الوفاءُ لأَطْبَقَتْ تلكَ القلوبُ كأنَّها الأسوارُ
وَلأَنْذَرَتْكَ من البِعادِ وإنْ قَسَا يوماً على معشوقِها الإنذارُ
تِلْكُمْ هي الأحساءُ ما برحَتْ إلى وعدٍ ضربتَ تَشُدُّها الأنظارُ
عوفيتَ من سقمٍ تحطَّمَ حُلمُه بجبالِ صبرٍ سامَها إعصارُ
قَابَلْتَهُ بالشكرِ يَبْسِمُ ثغرُهُ لِمَثُوبَةٍ أَهْدَاكَها القهَّارُ
جئناكَ نَحملُ في السَّلالِ سعادةً ونرشُّها حتى تفيضَ الدارُ
وَافَتْكَ من عُشِّ الدعاءِ قلوبُنا والحمدلاتُ الريشُ والمنقارُ
لسلامةٍ ضافٍ عليك لَبُوسُهَا دامَتْ فلا انْحَلَّتْ لها أزرارُ
أحمد اللويم
