جديد الشيخ الصفار.. مسارات في ثقافة التنمية والإصلاح «ج5»
• الكتاب: مسارات في ثقافة التنمية والإصلاح (ج5)
• المؤلف: الشيخ حسن الصفار
• الناشر: دار المحجة البيضاء ـ بيروت، لبنان
• الطبعة الأولى 1437ﻫ - 2016م
• عدد الصفحات: 747
عن دار المحجة البيضاء صدر الجزء الخامس من سلسلة (مسارات في ثقافة التنمية والإصلاح) لسماحة الشيخ حسن الصفار، وقد ضم بين دفتيه خطب الجمعة لعام 1434هـ بالإضافة إلى الحوارات التي أجريت مع سماحته خلال العام نفسه، والمقالات المنشورة في الصحف، ومشاركاته في الندوات العامة، وتقديمه لبعض الكتب.
يقول الشيخ الصفار في مقدمة الكتاب: "حالات الخصومة والصراع تمثّل أدق مقياس لاختبار مدى تجذّر القيم الإنسانية، والمبادئ الإيمانية، في نفس الإنسان؛ لأن الخصومة تستفزّ مشاعر الإنسان، فيندفع لمواجهة ما أثاره واستفزه، انتقامًا لذاته ودفاعاً عن مصالحه.
مضيفا انه كلما كان مخزون الغضب أعمق في نفس الإنسان كانت ردّات فعله في الخصومة أعنف وأقسى. كما أن لنوعية الفكر والثقافة التي يحملها تأثيرًا على شكل إدارته للخصومة والصراع.
لافتا إلى انه حين يكون الإيمان بالمبادئ والقيم متمكنًا في النفس، فإنه يحدّ من الاندفاع في الخصومة والعداوة، ويضبط ردّات الفعل الدفاعية والانتقامية، لتكون تحت سقف الالتزام بالحدود الشرعية، والمعايير الأخلاقية.
وأشار سماحته إلى أن النصوص الدينية تركّز على أهمية الالتزام القيمي، والانضباط الأخلاقي، في حالات الخصومة والصراع، وتعدّه مقياسًا لصدق الإيمان، ومعيارًا لحقيقة التدين.
وفي تعليقه على الواقع الذي تعشيه الأمة بسبب الصراعات الحالية، قال الشيخ الصفار: ان الإنسان يصاب بالدهشة والذهول، وهو يتابع ما يجري على ساحة الأمة الإسلامية من حروب وصراعات داخلية، بلغت أقصى درجات الوحشية والفظاعة، وفاقت مشاهدها أسوأ ما نقله التاريخ من مآسي الحروب.
متسائلا: "كيف يحصل هذا بين أبناء أمة يفترض فيها أنها ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ لاعتناقها خير الأديان وأسمى المبادئ؟".
ومشيرا إلى ان ما يزيد فظاعة المشهد، وبشاعة ما يجري، أن تحدث هذه المجازر والممارسات الإرهابية باسم الإسلام، وتتبناها جهات ترفع راية الدين، وقد نشرت إحدى هذه الجهات رؤيتها ومشروعها التنظيري لما تقوم به تحت عنوان (إدارة التوحش).
في المقابل لفت الشيخ الصفار لحقيقة أن ما يجري ليس بمعزل عن مجمل واقع الأمة، بل هو نتيجة وإفراز لهذا الواقع. فهناك استبداد سياسي يمارس البطش والقهر، وخطاب ديني ينضح بالكراهية والتحريض، وثقافة محملة بالعنصرية والقبلية، وأزمات اقتصادية وصلت إلى حدّ المجاعة في بعض البلدان، ودفعت مجاميع من أبناء الأمة للمغامرة بحياتهم وسط أمواج البحار بحثًا عن مهجر تتوفر لهم فيه لقمة العيش وكرامة الحياة.
لافتا النظر إلى الخطاب الديني يجب ان يكيّف أداءه لتوفير متطلبات هذه المرحلة، ولعل من أهمها رفد الجمهور بمنابع الأمل والتفاؤل، لأن مشاعر اليأس والإحباط يمكن أن تشكّل وقوداً لتوجهات العنف والدمار، وعائقًا أمام مساعي التحرك والنهوض، ولأن حركة التاريخ تؤكد أن التحول والتغيير في حياة الأمم والمجتمعات قد تمر بمرحلة مخاض عسير، كما يؤكد القرآن الكريم ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.
ومشددا في هذه المرحلة على أهمية بث الوعي الديني التنويري الذي يحقق المصالحة والموائمة بين الدين وتطورات الحياة المعاصرة، انطلاقاً من جدارة الدين بهداية الإنسان في مختلف العصور، وأن تطبيقه لا يعني التراجع عن مكاسب العلم والتطور، ولا يعني العودة إلى أنماط الحياة في العصور السالفة.
كما يجب أن يستحضر هذا الخطاب المضمون الإنساني في المفاهيم والتعاليم الدينية، هذا المضمون المغيّب في المساحة الأوسع من الخطاب الديني، حيث يقدم الدين كمشروع لتحسين أوضاع الإنسان في الآخرة، مقابل خنوعه ورضاه بسوء معيشته في الدنيا، تحت شعار أن الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن، والآخرة جنة المؤمن وسجن الكافر!
والجانب الأهم على هذا الصعيد يقول الشيخ الصفار هو إبراز قيمة التسامح، واحترام حرية الإنسان وكرامته وحقوقه، فإن مقصد الشرائع الإلهية إقامة العدل في حياة الناس.