خلال ندوة الجمعة الأسبوعية في مجلس سماحته
الشيخ الصفار: الناس بحاجة إلى الأحكام التي تيسر حياتهم في هذا العصر
قال سماحة الشيخ حسن الصفار أن الناس في هذه المرحلة المهمة من الحياة بحاجة للأخذ بالأحكام الشرعية التي تسهل عليهم واقعهم المعاش.
وأضاف: إننا نعيش في بيئة مفتوحة، والضغوط تتكالب على الإنسان المسلم من كل الاتجاهات، وهذا ما يدعونا ان ننحو نحو التيسير والتسهيل على الناس حتى يعيشون منسجمين مع ذواتهم لا يشعرون بوخز ضمير أو تجري على الدين بسبب الأحكام المتشددة.
جاء ذلك خلال الندوة الأسبوعية التي يقيمها سماحته في مجلسه الأسبوعي مساء يوم الجمعة 30 ربيع الأول 1438هـ الموافق 30 ديسمبر 2016 . وجاءت تحت عنوان: "الالتزام الديني بين التشدد والتمييع"
وأكد سماحته أن تمييع الالتزام بالأحكام الشرعية خطأ كبير ولا يجوز، وهو لا يقتصر على الأحكام الدينية، بل ويشمل القوانين العامة. لكنه أشار إلى أن الالتزام بالدين ينبغي أن يكون كما يأمر الدين، والدين لم يأمر بالتشدد، بل بالعكس من ذلك، فهو ينهى عن التشدد، ويأمر باليسر كما يقول تعالى: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾
مضيفا ان التشدد في الالتزام الديني خارج المنهج الديني، وخارج أحكام الدين أمر غير صحيح.
وعن انعكاس شخصية الفقيه في موضوع إصدار الفتوى نحو التيسير أو التشدد اوضح الشيخ الصفار: أن الفقهاء جزء من البيئة التي يعيشون فيها، لذلك هم يتأثرون بها، وبمستواهم العلمي، سواء كان على صعيد العلم بالأدلة أو كان بتشخيص الموضوعات.
وتابع القول: لذلك نجد بعض الفقهاء تنحوا فتاواهم نحو التشدد، والبعض الآخر فتاواهم نحو التيسير والتسهيل، وهذا راجع لعدة أسباب منها الاختلاف في المباني، واختلاف البيئات، فالفقيه الذي يعيش في بيئة يرى فيها المشاكل والضغوط والحرج على الناس تتأثر أرائه الفقهية.
مستشهدا بما نُقل في حياة المرجع الراحل السيد محسن الحكيم انه كان لا يرى طهارة أهل الكتاب، ولكن عندما سافر إلى لبنان للعلاج وعاش فترة من الزمن هناك، ورأى معاناة الناس أمام هذه المسالة، دفعه ذلك لدراسة الأدلة من جديد في هذه المسالة، وحكم بطهارة أهل الكتاب.
وفي موضوع الحرج الذي قد تسببه بعض المسائل الشرعية على المكلفين، وهل يجًوز الشرع لهم التبعيض والرجوع لفقيه آخر؟. بين سماحته ان هذا الموضوع يناقش من زاوية التقليد والذي هو قائم على أساس واجب تقليد الأعلم عند مشهور العلماء، وبناء لذلك فالمكلف الذي يرجع لمرجع وله في المسالة رأي واضح، فيجب الالتزام بذلك، أما لو كان لديه احتياط وجوبي، أي ليس لدى الفقيه قطع في مسألة ما، فهنى بإمكان المكلف تقليد فقيه آخر بناء على ذلك الاحتياط.
وتناول الشيخ الصفار علاقة الشباب مع الأحكام الشرعية بين من يرى التسهيل عليهم في بعض الأحكام وبين من يرى التشدد في ذلك، مشيرا إلى ان العلماء المنفتحون على الشباب في هذا العصر يميلون في الغالب إلى التسيير والتسهيل.
مشيرا ان هذا راجع إلى أن الدين يدعوا إلى التيسير والتسهيل، وهذا ما ورد عن الرسول "ص"قوله: "إن خير دينكم أيسره" وعنه "ص" "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة"، وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ".
وعلق سماحته على وجهة النظر المقابلة والتي تؤكد على أهمية التشدد في الأحكام الشرعية، حتى تكون نفسية الشباب اقوي في الالتزام الديني، لافتا إلى ان هذا الاحتمال قد يسبب النفور ولو آجلا عن الدين. وهذا ما يشير إليه النبي "ص" حيث ورد عنه: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق.. ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله"
واستغرب الصفار التشدد الكبير في موضوع أكل الطعام من سوق المسلمين، خصوصا وان سوق المسلمين محكوم عند كل الفقهاء بالإباحة والحلية ما لم يعلم المكلف ان اللحم غير مذكى فتبني على حليته وإباحته، وهذا ما يقوله الفقهاء بعدم وجوب السؤال والفحص.
مضيفا ان البعض يتشدد من خلال التأكيد على السؤال وانه قد يسبب آثار واقعية على النفس، وهو منحى لا داعي له ويسبب حرجًا ومشاكل للناس.
وبين سماحته ان الالتزام في الاحتياط في مجال التطبيق ليس شيئا ملزما، ولكن إذا ما أراد شخصا ان يلتزم فهو حر بذلك.
مضيفا ان هناك مشكلة لدى بعض من يريد أن يحتاط، فيقوم بإعطاء عنوان شرعي بحرمة اللحوم من المطاعم وفقا لما يراه هو، فيمنع الناس من هذا الأكل بحجة انه حرام، وهذا افتراء لا يصح.
فحتى الفقهاء إذا كان الدليل غير واضح عندهم فهم لا يقولون بالحرمة، بل يقولون الاحوط لزوما الاجتناب، فكيف يجيز البعض لأنفسهم ان يمنعوا للناس ويقولون ان هذا حرام ؟
وتناول الشيخ الصفار قاعدة سد الذرائع المشهورة، مشيرا ان جمهور علماء أهل السنة يرون ان أي أمر قد يقود للحرام هو حرام. أما علماء الشيعة فيرون ان ما لا ينفك عن الوقوع في الحرام يكون حرام، أما مجرد الاحتمال في الوقوع في الحرام فهذا لا يكون حراما.
وفي معرض إجاباته، تناول الشيخ الصفار ما يسمى الآثار التي تكون على نفس الإنسان بسبب الأكل الحرام واقعاً وان كان حلالاً بحسب الظاهر، حيث أشار إلى ان الكثير من العلماء يناقشون في هذا الموضوع.
ومضى سماحته في القول ان الشرع يقول ان الأصل الإباحة والطهارة، فإذا كان الشرع يعلم ان هذا الأمر يضر الإنسان، فكيف يقول بجوازه ؟
وختم سماحته برواية عن رسول "ص" حينا وقف في حجة الوداع تبين ما هو موجود من تيسير وتسهيل في الأحكام الشرعية، فجعلوا يسألونه "ص" "فقال رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج". مؤكدا ان هذا المنهج هو المنهج العام الموجود في روايات أهل البيت عليهم السلام.