الشيخ الصفار: الظروف السياسية "الراهنة" ساهمت في تركيز الخطاب الديني على العاطفة
قال سماحة الشيخ حسن الصفار إن الخطاب الديني السائد متأثر بالمزاج العام، مشيرًا إلى أن الظروف السياسية الحالية أثّرت في طبيعة الخطاب الديني وميله نحو دغدغة عواطف الجمهور.
جاء ذلك خلال الندوة الأسبوعية التي يقيمها سماحته في مجلسه الأسبوعي مساء يوم الجمعة 18 جمادى الآخر 1438هـ الموافق 17 مارس 2017. وجاءت تحت عنوان: "الخطاب الديني بين العاطفة والوعي". ويحاوره الأستاذ عبد الباري الدخيل.
وأضاف الشيخ الصفار أن مجتمعاتنا تعيش الآن اشتداد حالة الصراع على الهوية، وهناك معارك سياسية يستفاد من الجانب الديني في إدارتها.
ورأى أن من يرى ما يحصل من حروب وصراعات في عدد من الدول كسوريا والعراق وغيرها، فهي تؤثر في نوع الخطاب، مضيفًا أن هناك من يستفيد من هذه الأحداث بما يخدم المواقف الطائفية المنحازة.
وفي سياق آخر، قال الشيخ الصفار إن هناك من يتوقع من الخطاب الديني أن يقوم بأدوار فوق طاقته، بأن يحل كل مشاكل الحياة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وأشار إلى أن قسمًا كبيرًا من المشاكل لا تحل بمجرد الخطاب، فهناك قضايا تعالج بالقوانين والإجراءات الرسمية وهناك قضايا ينبغي أن تشتغل بها مؤسسات اجتماعية، وهناك قضايا تحتاج إلى خبراء ومتخصصين ومؤسسات.
وطالب سماحته بعدم تحميل الخطاب الديني فوق طاقته، وكأنه بديل عن مصادر المعرفة الأخرى، لافتًا في الوقت عينه إلى أهمية أن يذكّر الخطاب الديني بالقيم والتوجيهات الروحية والأخلاقية.
وأشار إلى أهمية احترام التخصصات المختلفة، مشيرًا إلى أن الفواصل "في هذا الزمن" بين النخبة والجمهور أقل من السابق، بسبب ارتفاع مستوى العلم والمعرفة وتوفر مساحة التعليم للناس.
وتابع أن الخطاب الديني ينقسم إلى قسمين: فهناك خطاب ديني منهجي، يتمثل في الدراسات والبحوث وينتج معارف علمية منهجية، وهناك خط آخر جماهيري بعضه ينهج نحو اجترار العواطف على حساب العقل.
وأشار إلى أن الكثير من المتدينين لا يكلف نفسه عناء البحث والمعرفة، مطالبًا الشباب بعدم الاكتفاء بما يستمعونه من المنبر فقط، بل عليهم السعي نحو الاطلاع والمعرفة وهي أصبحت متوفرة في هذا الزمن.
وأشاد في هذا السياق بمجلة "الاجتهاد والتجديد" وهي مجلة فصلية تحوي على أبحاث ودراسات قيمة في المجالات الفقهية والفكرية والتاريخية، وفيها مساحات حوار وبحث، مطالبًا الشباب أن يطّلعوا عليها وأن يستفيدوا منها.
وشدد سماحته على أهمية تفعيل دور المرجعية الدينية، من خلال إصدار التوجيهات اللازمة للخطباء والمبلغين حتى يكون خطابهم بمستوى التحديات.
وأشاد بالتوصيات التي وجهتها مرجعية السيد السيستاني قبيل شهر محرم من هذا العام، والتي تؤكد على الخطباء والمبلغين بالارتقاء بخطابهم والتأكد من الروايات والأحاديث التي يذكرونها، وألا يعتمدوا على الخطاب الذي يؤجج الصراع.
ولفت إلى أهمية دور النخب الواعية في المجتمع، مطالبًا إياها بدعم الخطاب المنهجي والتنويري، بالإضافة إلى ممارسة النقد البناء.
وأشار إلى أن هناك تفكيرًا سائدًا وكان الدين تلقين بلا تفكير، مضيفًا أن من يقرأ النصوص الدينية والسيرة النبوية وحياة الأئمة، يلاحظ التركيز على إثارة الفكر ومرجعية العقل.
وتابع أن الدين الإسلامي قام على منهجية الاستيعاب ورحابة الصدر، مشيرًا أن بعض الجهات الدينية تتضخم في ذهنها بعض التفاصيل وبعض المسائل، وكلما زاد التشدد زادت بعض المظاهر والتفاصيل وكأنها المسائل الأساسية في الدين.
ومضى في القول إن هناك اختلافات في الآراء الفكرية والفقهية وفي بعض الأحيان تدار هذه الخلافات بأساليب منافية للدين والأخلاق.
وأشار إلى أن الإنسان يجب أن يتخذ موقف الانتصار للوعي من خلال التركيز على مشروعية الرأي والاختلاف، والتأكيد على منهجية الحوار وموضوعية الخلاف والاختلاف.
وشدد سماحته على أهمية التطلع للحقيقة وليس التعصب للرأي، وذلك من خلال إتباع منهج الدليل والبرهان ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وحثّ على عدم شخصنة الاختلاف وعدم النيل من الشخص الآخر لمجرد الاختلاف في الرأي أو المنهجية.