ذكر الآخرة حافز نشاط ومقوّم سلوك

مكتب الشيخ حسن الصفار

جاء عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب: «من أكثر من ذكر الآخرة قلّت معصيته»[1]  .

تركّز الرسالات السماوية على تذكير الإنسان بالعالم الآخر الذي ينتظره، بعد مغادرته هذه الدنيا. فالإنسان يعلم وجدانًا، أنه لا محالة مغادر هذه الحياة. وفي حين يرى المادّيون أنّ منتهى مصير الإنسان هو ما يقضيه في هذه الحياة، ولا شيء آخر يعقب الحياة الدنيا، يرى المؤمنون بالرسالات السماوية، أنّ الحياة الدنيا لا تعدو عن قنطرة وممر لعالم آخر، يرجعون إليه بعد هذه الحياة، وهو عالم الآخرة.

وتؤكّد الرسالات السّماوية على الإنسان، بأن يتذكر العالم الآخر دائمًا وأبدًا، وأن يجعله نصب عينيه، بغرض التحفيز على التفكر في الحياة الدنيا والآخرة على حدٍّ سواء، وحتى يكون الإنسان المؤمن أكثر اجتهادًا وحركة ونشاطًا من غيره، لا أن يكون غير مبالٍ بالحياة الدنيا، إذْ لا يعني الاهتمام بالآخرة نسيان الدنيا بأيِّ حال، فذلك خلاف مضمون الرسالات السّماوية، حيث لا تدفع الإنسان المؤمن للتخلّي عن الاهتمام بالحياة الدنيا والنأي عن الاستمتاع بطيباتها.

الاهتمام بحياتيين

إنّ تفكير غير المؤمن محصور في الحياة الدنيا، فيما يفكّر المؤمن في الحياتين، الدنيا والآخرة، ويهتمّ بهما، وذلك على غرار الشخص العامل على وظيفتين، فهو أكثر تحفّزًا، بالنظر لتضاعف عمله وتشعّب اهتماماته، بخلاف من يصبّ جهده في وظيفة واحدة، ليفرغ منها ويركن للراحة سريعًا.

إنّ من المفترض بالإنسان المؤمن أن يكون أكثر نشاطًا وحيوية واهتمامًا بالحياة الدنيا والآخرة. وهذا ما تؤكّده النصوص الدينية، حيث ورد عن رسول الله أنه قال: «أعظم الناس همًّا المؤمن، الذي يهتم بأمر دنياه، وأمر آخرته»[2]  ، فاهتمامات الإنسان المؤمن هي أكثر سعة من غير المؤمن، لكونه يفتح أفقه على عالمين مختلفين؛ الدنيا والآخرة. كما ورد عنه أنه قال: «خيركم من لم يترك آخرته لدنياه، ولم يكن كلاًّ على الناس»[3]  ، فاهتمام المؤمن بأمر الآخرة، لا يعني أن يصبح عبئًا على الآخرين في الدنيا، وإنّما المفترض أن يحمل أعباء دنياه وآخرته على حدٍّ سواء.

ويشير أمير المؤمنين إلى فرق جوهري بين المؤمن وغير المؤمن تجاه أمر الحياة الدنيا والآخرة. حيث يقول: «وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مُنْتَهَى بَصَرِ الْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً وَالْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ وَيَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا فَالْبَصِيرُ مِنْهَا شَاخِصٌ وَالْأَعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ وَالْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ وَالْأَعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ»[4]  ، إنّ غير المؤمن لا يرى شيئًا خارج محسوسات هذه الدنيا، فهي منتهى بصره، بخلاف المؤمن الذي يرى الدنيا، وينظر من خلالها إلى ما بعد الحياة الدنيا، فيما لا يرى الأعمى ـ وَفْقَ وصف الإمام ـ إلّا هذه الحياة وحسب، فهو شاخص إليها وحدها. والبصير يتعامل مع الدنيا كمحطة تزود بما ينفعه في العالم الآخر، أمّا غير البصير فلا هَمَّ عنده سوى هذه الدنيا، وكلٌّ تزوّده لها وحدها.

وبذلك، فإنّ تذكر الآخرة محفّزٌ أكبر للإنسان من أجل زيادة نشاطه وحركته في الحياة الدنيا. جاء عن أمير المؤمنين أنه قال: «من كانت الآخرة أكبر همّه، كشف الله عنه ضيقه، وجمع له أمره، وأتته الدنيا وهي راغمة»[5]  ، فمع وجود الاهتمام الأكبر بأمر الآخرة، لا يعود الإنسان معرّضًا لحالات التأزّم والضيق في هذه الدنيا؛ لأنّ عنده أفقًا آخر أكبر يفكّر فيه، ولأنه مليء بالتطلّع إلى دار أخرى، فلا يصاب بالكآبة مهما اعترضته المشاكل والعقبات والصعوبات في الحياة الدنيا.

من أجل التزام أفضل بالقيم

وهناك مغزى آخر لتذكر عالم الآخرة، وهو الدفع بالإنسان نحو الالتزام بالقيم. والتشبّث بعمل الخير، والارتداع عن ارتكاب الشرور، فلو تذكر الإنسان أمر الآخرة والحساب في كلّ حين، وخاصة عندما يهم بالإساءة إلى غيره، فإنّ تلك الذكرى سيكون لها الأثر في ردعه عن ركوب المعصية، واقتراف الخطأ. يروى أنّ الإمام زين العابدين أبطأت به دابّته، فرفع السّوط حتى يضربها، وقال: «آه لولا القصاص»، ورد يده عنها[6]  ، فهذا الإمام يتذكر أمر الحساب والآخرة، وهو بصدد التعامل مع حيوان، فكيف بمن يتعاملون مع بشر مثلهم.

إنّ تذكّر الإنسان لأمر الآخرة، يأتي بمنزلة الكابح عن الوقوع في الخطايا. سواء كان ذلك في قول خطأ أم فعل منكر، وإلّا فما قيمة ذكر الآخرة، ما لم يردع عن المنكرات. إنّ تذكر المؤمن لأمر الآخرة، يعني تذكره المسؤولية والحساب على أعماله وتصرّفاته. من هنا ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «من أكثر من ذكر الآخرة قلّت معصيته»، وتفسير قلّة المعصية، أنّ المؤمن حين يتذكّر الآخرة، فإنه بذلك يتذكّر أمر الحساب والعقاب والموقف العسير بين يدي الله سبحانه وتعالى، ليكون ذلك دافعًا له للتراجع عن ارتكاب الذنوب. من هنا ينبغي أن يضع المؤمنون الآخرة نصب أعينهم، بخلاف أمر الدنيا التي لا حاجة لتذكرها واستحضارها، لفرضها نفسها على البشر بمختلف حاجاتها ومتطلباتها. إنّ الإنسان المؤمن في أمسّ الحاجة لتذكر الآخرة باستمرار، حتى يرعوي عن الاسترسال في الأخطاء، واقتراف المعاصي والذنوب.

 

الخطبة الثانية: المؤهلات الذاتية للمرأة وعوائق التقدم

جاء عن عبدالله بن عباس عن رسول الله أنه قال: «أربع نسوة سادات عالمهن: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وأفضلهن عالمًا فاطمة (وأفضلهن علمًا فاطمة)» [7]  .

كما أنّ الرجل يمتلك مؤهلات التفوق والقدرة على بلوغ مراقي العظمة والفضل، فكذلك المرأة، حيث لا تقلّ شأنًا عن الرجل في امتلاكها القدرة الذاتية على التميز والتفوق. وهذه حقيقة طالما غفلت عنها المجتمعات غير الواعية. والسؤال المطروح هنا، أنه إذا كانت المرأة تمتلك القدرة على تحقيق التميز تمامًا كالرجل، فما تفسير محدودية عدد المتميزات من النساء عبر التاريخ، أوليس في ذلك تفسير لما يعتقده البعض من أنّ الأصل في المرأة هو عدم الأهلية الذاتية للتميز والتفوق، وما حالات التميز الموجودة عند بعض النساء إلا حالات استثنائية وليست أصلًا؟

لماذا قلة المتميّزات من النساء؟

وفي الإجابة على هذا الاعتقاد يمكن القول: إنّ قلة عدد المتميزات من النساء عبر التاريخ قياسًا على الرجال، يعود إلى الظروف البيئية والاجتماعية التي عاشتها المرأة، والتي لم تكن تتيح أمامها فرص التفوق والتقدم. وبمعنى آخر لا يعود سبب قلة النساء المتميزات تاريخيًّا إلى النقص الذاتي في المرأة، ولا لأنها غير مؤهلة للتميز من حيث الأصل.

لقد عاشت المرأة عبر التاريخ ظروفًا قاسية لا تمنحها فرصة البروز والتميز، نتيجة الثقافة الاجتماعية السّائدة، وطبيعة تعامل المجتمع معها، مما جعل فرص التميز أمامها في أدنى حالاتها، بخلاف الفرص المتاحة للرجل، التي تتيح له مجالًا أوسع للتقدم على نحو أكبر، فالأمر مرتبط بالمجال المفتوح، والفرص المتاحة للتميز والبروز، أكثر منها ارتباطًا بالقدرات والمؤهّلات الذاتية لولوج عالم التميز والتفوق.

واستطرادًا، يمكن ملاحظة ارتباط مسألة تحقيق التميز بالفرص المتاحة على مستوى المجتمعات. فبقدر ما تتاح أمام أيّ فئة من البشر الفرص المتساوية للتميز فإنّهم سيقتحمونها، والعكس بالعكس. إنّ المجتمعات التي تشتكي وقوع التمييز العنصري عليها، كما هو حال الأقلية السوداء في الولايات المتحدة مثلًا، ستفضي سياسة التمييز المفروضة إلى بروز عدد محدود من المتميزين والمتفوقين من السّود قياسًا على البيض، ومردّ ذلك إلى طبيعة ومستوى التمييز الواقع على السّود، وليس كون البيض أكثر أهلية ذاتية للتميز والتفوق، وإنّما لأنّ الظروف الاجتماعية التي يعيشونها توفر لهم فرصًا أكثر للتميز. ولو تطابقت الظروف، وتساوت الفرص، بين أفراد مجتمع السّود ومجتمع البيض لاضمحلّت الفجوة بين نسب التفوق في أفراد المجتمعين.

حين تتاح لها الفرصة تثبت كفاءتها

وكذلك الحال مع المرأة. فإذا ما عاشت المرأة أجواء اجتماعية وثقافية مناسبة، فإنها ستثبت كفاءتها وتميّزها، وهذا ما حصل مع النساء المتميزات، اللاتي تحدّث عنهن القرآن الكريم والسنة الشريفة، فقد عشن في أجواء مساعدة من التربية والتوجيه والرعاية، فتفجّرت طاقاتهنّ، وأخذن مواقعهنّ.

ولعلّ في مسألة تعليم المرأة شاهدًا ومثالًا واضحًا، فحتى زمن قريب كان مجال التعليم في كثير من مجتمعاتنا محظورًا على المرأة، وكان من المألوف رؤية المتعلمين وحملة الشهادات من الرجال، في مقابل قلة قليلة من المتعلمات وحملة الشهادات من النساء، لا لشيءٍ إلّا لأنّ مجال التعليم كان محظورًا على المرأة، ولكن حينما سمح بتعليم المرأة وفتحت المدارس والجامعات أبوابها أمام المرأة، ثبت أنّ البنات كنّ الأكثر جدّية والأشدّ حرصًا وتفوّقًا في مجال التعليم من الأولاد في كثير من الأحيان.

وفي هذا الصّدد، ذكر باحثون: أنّهم أجروا دراسة مقارنة للإنجازات العلمية لمليون ونصف المليون فتى وفتاة عبر العالم، ممن كانوا في سنّ الخامسة عشرة، وذلك في الفترة بين عام 2000 و 2010، وتبيّن للباحثين أنّ الفتيات تفوقن على الأولاد في مواد القراءة والرياضيات والعلوم، حتى في أكثر الدول محافظة[8]  . وهذا التفاوت في التحصيل الدراسي أمر ملحوظ عند أكثر العوائل التي يوجد بها أولاد وفتيات، فالبنات غالبًا ما يظهرن أكثر جدّية في التعلم. ما يثبت أنّ المرأة من الناحية الذاتية ليست بأيِّ حالٍ أقلّ قدرة من الرجل على التعلم واكتساب المعرفة.

وقد كشفت تجارب الأمم الحديثة عن إثبات المرأة حضورها في شتّى المجالات. فبعد أن أتيحت الفرصة أمام النساء في مختلف بلاد العالم، وفي طليعتها بلدان أوروبا وأمريكا، لدخول الأعمال الإدارية والاقتصادية، واقتحام العمل السياسي، أثبتن كفاءتهنّ وتميزهنّ، ولم يكنَّ أقل من الرجال. وقد سجلت بعض البرلمانات حضورًا متقدّمًا للمرأة، حيث بلغت نسبة النساء في البرلمان السويدي 45 بالمئة من الأعضاء، وفي البرلمان الألماني 33 بالمئة، وعلى المستوى العربي هيمنت التونسيات على 31 بالمئة من مقاعد البرلمان. وأبعد من ذلك، تربّعت نساء على دكة القضاء في عدد من البلدان، دون أن يلحظ أحدٌ أدنى فرق في مستوى الكفاءة والقدرة بينهنّ وبين القضاة الرجال.

النظرة الدونية للمرأة في مجتمعاتنا

إنّ المجتمعات المتخلفة، ومنها مجتمعاتنا، تعاني مشكلات جذرية حيال المرأة. ومن أبرز ذلك أمران، أولهما النظرة الدونية للمرأة، وانتشار الثقافة المكرسة لهذه النظرة، التي تعتبر المرأة أدنى قيمة وكفاءة من الرجل، ليس فقط عند البشر، وإنما أدنى مرتبة حتى عند الله عزّ وجلّ بزعمهم، مستدلّين في ذلك ببعض النصوص الدينية غير الصحيحة، أو المنزوعة من سياقها أو المفسّرة على نحو خطأ. واللافت أنّ هذه النظرة الخطأ تأخذ مفاعيلها على عقل ونفسية الإنسان الذي يكون محلًّا للتعامل بدونية، فينعكس هذا التعامل على نفسيته ونظرته لذاته.

ويذكر الباحث السعودي محمد عبد الرزاق القشعمي، في دراسة حديثة بعنوان «المرأة في المملكة العربية السعودية كيف كانت وكيف أصبحت»، جانبًا مما عايشه شخصيًّا حيال النظرة الدونية للمرأة، قبل نحو خمسة عقود من الزمن، التي لا تزال بعض آثارها قائمة حتى الآن، حيث يروي القشعمي في دراسته، أنه عندما كان في سنّ الثانية عشرة، وقد انتقل حينها من القصيم إلى مدينة الرياض، وبينما كان ينتظر أمام أحد المخابز ذات يوم، التقى أحد أبناء قريته القصيمية، وكان قد سمع بأنّ الرجل قد فقد بالأمس القريب زوجته وأمّ أولاده، فأقبل عليه معزّيًا بوفاتها، فما كان من الرجل إلّا أن انتفض محتجًّا على تعزيته في وفاة امرأته، قائلًا بلهجته النجدية: «أفا.. تعزيني بامرأة»، وأردف الرجل بأنّ المرأة مثل النعل يمكنك أن تخلعها وتلبس غيرها وقت تشاء، في إشارة إلى توغّل النظرة الدونية للمرأة في ذلك الزمن. كما ينقل القشمعي في كتابه، إنه في الفترة ذاتها كان هناك قرار رسمي يحظر على الصحف نشر أسماء النساء الكاتبات في صفحاتها، واستشهد في هذا السّياق بنصّ للكاتب عبد الكريم الجهيمان نشر في جريدة القصيم، تحت عنوان «الأسماء المحظور نشرها» معلّقًا على قرار من وزارة الإعلام بمنع نشر أسماء النساء اللاتي يكتبن في الصحف، فقد كان حينها مجرّد نشر اسم الكاتبة في الصحيفة يدخل في مقام العيب[9]  .

ولعلّ كثيرين في مجتمعاتنا ما يزالون يلمسون آثار النظرة الدونية للمرأة حتى وقتنا الراهن. ومن ذلك أنفة البعض من ذكر أسماء زوجاتهم، وتسميتهنّ بدلًا عن ذلك بأسماء عامة، كأن يطلق على زوجته وصف العائلة أو الأهل أو المرأة، في إشارة ضمنية عند هؤلاء إلى أنّ اسم المرأة يدخل في باب العورة، متناسين أنّ القرآن الكريم تناول صراحة أسماء بعض أزواج الأنبياء وأمّهاتهم، وقد تحدّث النبي عن زوجته خديجة علنًا، ذاكرًا إيّاها باسمها، وكذا الحال مع ابنته فاطمة الزهراء. إنّ هذه الثقافة الخطأ السّائدة في مجتمعاتنا حيال المرأة، التي ما تزال آثارها موجودة، تمثل معوقا أساسًا من معوقات إبراز المرأة في مجتمعاتنا لكفاءتها وقدراتها.

حرمان المرأة من فرص العمل

أما الأمر الثاني التي تعاني منه المجتمعات المتخلفة حيال المرأة، فهو حرمانها من فرص البروز والتقدّم. فما تزال المرأة في بلادنا وفي عدد من البلاد الإسلامية الأخرى، محرومة من العمل في كثير من المجالات الحياتية. ولعلّ أحدث ضجّة في هذا الصدد، هي تلك المفتعلة من بعض المتشدّدين، حيال التوصية التي رفعها مجلس الشورى السعودي، بضرورة تعيين المرأة في السلك الدبلوماسي، سفيرة أو قنصلًا عامًّا، أو سائر الوظائف الدبلوماسية، ومع أنّ الأمر لم يَعْدُو التوصية غير الملزمة، إلّا أنّ المجلس عاد وأسقط التوصية بعد الضغوط الكبيرة، والضجة المثارة حول المسألة، والأنكى أنّ أعضاء المجلس من النساء اللائي تقدّمن بالتوصية هنّ أيضًا سحبن توصيتهنّ تلك، وقد أسفت إحدى العضوات قائلة إنّها مع تأييدها للتوصية إلّا أنّ الوقت ليس مناسبًا للمضيّ بها قدمًا فيما يبدو. وهذا ما يشير إلى أنّ الباب ما يزال موصدًا، والفرص محدودة أمام المرأة في بلادنا.

إنّ النظرة الدونية والحرمان من الفرص، هما أبرز المعيقات التي تكبّل المرأة، وتمنعها من أن تقوم بدورها المطلوب في تنمية المجتمع، والمشاركة في إدارة شؤونه. ولعلّ نظرة عابرة إلى نسب البطالة النسائية في المملكة تكشف عن جانب كبير من المعاناة، فهناك تقديرات تصل بالبطالة في أوساط النساء إلى 34 بالمئة من قوة العمل النسائية، وقد كشف إحصاء حول المتقدمين لبرنامج دعم العاطلين عن العمل «حافز»، عن أنّ 80 بالمئة من طالبي الدعم هنّ من النساء، وأنّ معظمهنّ من حملة الشهادات العلمية. وعلى هذا النحو هناك أعداد كبيرة من الخريجات اللاتي ما زلن يدخلن في طوابير العاطلين عن العمل كلّ عام، وقد طال ذلك الخريجات اللاتي درسن ضمن برامج الابتعاث الخارجي، وتكلّف تعليمهنّ أموالًا طائلة من خزينة الدولة والشعب، وبعد تخرجهنّ بقين في بيوتهنّ، نظرًا لمحدودية الفرص المتاحة أمامهنّ.

وخلاصة القول إنّ المرأة لا تنقصها الكفاءة والأهلية الذاتية. بل إنّها مؤهلة للمنافسة الحقيقية مع الرجل، في مختلف الأدوار والمجالات، شريطة أن تفتح الأبواب الموصدة أمامها، وأن تمنحها البيئة الاجتماعية الثقة بنفسها، بعيدًا عن تكريس النظرة الدونية لذاتها.

إنّ الاحتفاء بميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، وتقديس النساء العظيمات في التاريخ الإسلامي، كمريم بنت عمران وآسيا امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، واللاتي ورد فيهن عن ابن عباس عن رسول الله أنه قال: «أربع نسوة سادات عالمهن؛ مريم بنت عمران وآسيا امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد، وأفضلهن عالماً فاطمة»، وفي نصٍّ آخر «.. وأفضلهنّ علمًا فاطمة»، فإنّ ذلك ينبغي أن يدفعنا إلى إعادة النظر في رؤيتنا للمرأة في حياتنا المعاصرة، وإزالة العوائق والكوابح الموضوعة أمامها التي تمنعها من ممارسة دورها في الشأن العام، اقتداءً بالنساء العظيمات اللواتي مارسن أدوارهنّ العامة، وفي طليعتهنّ السيدة الزهراء، التي اكتسبت مكانتها وعظمتها، نتيجة عطائها وكفاءتها، ومشاركتها في خدمة الرسالة، وهكذا ينبغي أن تكون قدوة لسائر النساء.

خطبتي الجمعة 21 جمادى الآخرة 1436هـ الموافق 11 أبريل 2015م
[1] غرر الحكم ودرر الكلم، ص333، حكمة 328.
[2] كنز العمال، ج1، ص144، حديث702.
[3] كنز العمال: ج٣، ص٢٣٨، حديث ٦٣٣٦.
[4] نهج البلاغة، خطبة 133.
[5] بحار الأنوار، ج70، ص126، حديث 122.
[6] بحار الأنوار، ج61، ص2016.
[7] كنز العمال، ج12، ص145، حديث 34411، وأيضًا تاريخ دمشق، حديث 73901.
[8] نشر على موقع الجزيرة بتاريخ الثلاثاء 12/5/1436 ﻫ الموافق 3/3/2015 م.
[9] المرأة في المملكة العربية السعودية كيف كانت وكيف أصبحت، الطبعة الأولى 1436ﻫ، (الرياض: دار المفردات)، ص14-15.