مجلة الاجتهاد والتجديد تنشر بحثاً للشيخ الصفار عن الثابت والمتغير في الأحكام الشرعية
نشرت مجلة (الاجتهاد والتجديد) في عددها المزدوج رقم 40-41 خريف وشتاء 2017م- 1438هـ بحثاً لسماحة الشيخ حسن الصفار بعنوان: "الثابت والمتغير في الأحكام الشرعية"، صفحة 11- 48.
وقد استند الشيخ الصفار لفكرته بما حدث من تغيير لأحكام في آيات القرآن (النسخ)، ولكون التّشريعات النبوية تحتوي على (ثابتٍ ومتغيّر)، ولأن بعض الفقهاء أعادوا النظر في بعض أحكامهم وفتاواهم.
في بداية بحثه يقرر أن الأمة تواجه تحدّي الملائمة والتكيّف بين انتمائها الديني ومتغيرات العصر الذي تعيشه، ذلك أنّ التشريعات الدينية انبثقت في عصر سابق، تجاوزت البشرية الآن ظروفه وأوضاعه إلى مدى بعيد، وأصبحت تعيش ظروفًا وأوضاعًا مختلفة تمامًا عن تلك العصور السابقة، والأمّة جزء من العالم لا تستطيع أن تنفصل في حياتها عنه، ولا أن تنعزل عن تأثيراته وتفاعلاته.
ويضيف: ليست هناك مشكلة كبيرة على مستوى المعتقدات والقيم الأساس في الدين، فأصول العقيدة تنسجم مع الفطرة الإنسانية والعقل السّويّ، لكن المشكلة تكمن في جانب تفاصيل التشريعات التي تطال حركة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالنصوص الدينية الصادرة حولها، جاءت في بيئة وظرف يختلف تمامًا عن البيئة والظروف المعاصرة.
ويقول: نظريًّا يعتقد المسلمون بصلاحية تشريعهم الديني لكلّ العصور، وبقدرته على استيعاب المتغيرات ويؤمنون بمشروعية الاجتهاد في كلّ عصر، لاكتشاف الأحكام الدينية للمستجدات والنوازل، من خلال فهم النص الديني، وتطبيق القواعد والكليات على المصاديق والقضايا الخارجية.
مستدركا: هذا على الصعيد النظري، أمّا من الناحية العملية والتطبيقية، فإنّ هناك تلكؤًا وتعثرًا وبطئًا في ممارسة العمل الاجتهادي الذي يعالج المشكلات التي تعاني منها الأمة.
وأبان سماحته أن تجديد النظر من قبل الفقهاء في الأحكام والتشريعات الدينية، يأخذ مسالك متعددة..
أحدها: إعادة قراءة الدليل على الحكم، التي قد توصل الفقيه إلى قناعة جديدة برأي جديد؛ لعدم كفاية الدليل على الحكم الذي كان يراه، كما لو اكتشف إشكالًا في سند النّص، أو وجد احتمالًا آخر في فهم المتن، أو ترجّح لديه دليل آخر. مستشهدا بما استجدّ للسيد محسن الحكيم وفقهاء آخرين بطهارة أهل الكتاب، بعد القول بنجاستهم.
أما المسلك الثاني فهو تلافي حالة الضرر والحرج التي تحصل بتطبيق حكم ما، فحين يجد الفقيه مثلًا: أن تطبيق حكم الرجم على الزاني المحصن، أو قطع يد السارق، يسبب حرجًا أمام الرأي العام، فإنه يوقف تطبيق ذلك الحكم، أو يفتي بعدم وجوبه آنذاك، ليس لتغيير في القول به عند الفقيه، وإنّما لأن الظروف الخارجية لا تسمح بتطبيقه، وهنا يكون الحكم الجديد، وهو تجميد الحكم الثابت في الأصل، ضمن عنوان الحكم الثانوي الاضطراري، أو الحكم الولائي.
والمسلك الثالث: هو الانطلاق من دراسة الظرف الخارجي المعاصر، وأنه ما عاد مناسبًا لتطبيق ذلك الحكم الشرعي، بسبب تطورات الحياة الاجتماعية، فيبعثنا ذلك على قراءة الظروف التي أحاطت بصدور ذلك الحكم الشرعي، لتلمّس مناط وملاك تشريعه، وحين يطمئنّ الفقيه إلى تحديد ذلك الملاك والمناط، من خلال نصّ شرعيّ خاص، أو إدراكٍ ناشئٍ من تأمّلٍ ودراسةٍ موضوعية، وأنّ ذلك المناط الذي توخّاه الشارع في تشريعه لذلك الحكم، لم يعد قائمًا حاليًّا، أو أنّ تطبيق الحكم في الحاضر يؤدّي إلى عكس مراد الشارع، فهنا يفتي الفقيه بما يغاير ذلك الحكم الشرعي.
ويؤكد الشيخ الصفار أن بحثه منصب حول المسلك الثالث مستدلا بتغيير الأحكام في آيات القرآن، كآية النجوى، وآية عدد المقاتلين، وآية الامتاع، وتغيير القبلة.
ثم يتحدث عن التّشريعات النبوية: بين ثنائيتي الثابت والمتغيّر، مستدلا بتشريعات أصدرها النبي وعمل بها المسلمون، لكنه بعد مدة من الزمن أعلن رفع تلك التشريعات، مبيّنًا أنه أمر بها لمصلحة تقتضيها في وقتها، أما وقد تغيّر الظرف وزالت تلك المصلحة، فإنه يلغي ذلك التشريع.
ويبين سماحته أن الفقهاء جميعًا يؤمنون بأن الأحكام الشرعية، وخاصة ما يرتبط بشؤون الحياة، إنما وضعت لمصالح العباد، وإنّ تأثير خصوصيات الزمان في مناطات الأحكام الشرعية حقيقة لا يمكن إنكارها، فللزمان والمكان دور في الاستنباط، مستدلا ببعض الفتاوى المستحدثة لعدد من الفقهاء في أبواب مختلفة من الفقه.
ويختم بسؤال عن سبب تعثر محاولات التجديد، ويرجع ذلك لغياب مؤسسات البحث العلمي، وعدم تحول مقولات التغيير إلى قواعد في أصول الاستنباط، وأخيرا صعوبات التعبير عن الرأي الجديد.