الشيخ الصفار: الاختلاف في القضايا الدينية أمر طبيعي طالما باب الاجتهاد مفتوح
قال سماحة الشيخ حسن الصفار ان الدين جعل باب الاجتهاد مفتوحًا، ومعنى ذلك ان هناك شرعية ومشروعية للاختلاف في الرأي، مضيفا ان الاختلاف في الرأي إثراء للفكر والمعرفة، وهناك تحديات تواجه الفكر الديني، وهذه التحديات لا بد من الاستجابة لها، وهي ما يفتح المجال للاختلاف.
وخلال الندوة الأسبوعية التي أقامها سماحته بمجلسه بالقطيف مساء يوم الجمعة (16 جمادى الأول 1439هـ الموافق 2 فبراير 2018م) بعنوان "الصراعات الفكرية في الساحة الدينية" ويديرها الأستاذ عبد الباري الدخيل، أشار الشيخ الصفار إلى ان المشكلة الأساسية تكمن في أسلوب إدارة الصراع والاختلاف، هل يبقى الاختلاف ضمن دائرته العلمية، أو يخرج لمجال آخر من الصراعات الشخصية والمصلحية والقئوية.
وبيّن الشيخ الصفار أنه لا ينبغي ان نفكر في وقت تنعدم فيه الاجتهادات المختلفة، لان ذلك يعني الحكم على الدين والفكر الديني بالتوقف والجمود.
وأضاف ان المعارف الدينية معارف نظرية، تعتمد الدليل والبرهان، وتستثير العقل والفكر، لذلك من الطبيعي ان تكون ساحة اختلاف وبحث ونقاش، ولان الدين يصل للناس عن طريق النص الشرعي، فإن فهمه يكون مفتوحا، فطبيعة النص الديني تقود للاختلاف.
وأشار إلى ان القلق على الدين مبعثه ما يفكر فيه البعض من الناس انه مسئول أمام الله عن كل التفاصيل الجزئية والعقدية، فالإنسان المسلم ليس مسئولًا أمام الله عن جميع التفاصيل العقدية والفكرية، فمادام يؤمن بالله والنبي والمعاد، لافتا ان الأفضل للإنسان ان يتعمق في فهم أمور الدين، وإلا يقلق من أي قناعة توصل إليها فهي مبرئة للذمة ما دام قد سلك طريق الاجتهاد.
وفي الإجابة على سؤال لماذا لا يجتمع العلماء ويحسمون الخلافات الدينية ويريحون الناس ؟ قال الشيخ الصفار انه مادام باب الاجتهاد مفتوحًا لا يمكن القول باجتماع العلماء من اجل حسم القضايا الخلافية، وهذا ما نراه في كل مجال من مجالات المعرفة مثل الاقتصاد والطب والعلوم الطبيعية، هناك مجال للاختلاف في البحث والرأي، نعم الموقف العام والمصالح العامة للأمة، يجب ان يكون اتفاق عليها حتى لا يكون هناك اضطراب، أما في تفاصيل المسائل الفكرية والفقهية، فمادام هناك اختلاف في المباني، فاصل الاختلاف مشروع وهو أمر مفيد.
وقال سماحته "ما الضير أن تكون للعلماء آراء مختلفة، ويكون للناس الحرية بالإيمان بهذا الرأي أو ذاك"، لافتا الى انه على المستوى الفقهي، بدا الناس في متعايشون مع الآراء الفقهية المختلفة للمراجع، لكن ما نحتاجه أن ننقل هذه الحالة من القبول بالاختلاف في المجال الفقهي إلى القبول بالرأي في القضايا العقائدية والتاريخية.
ورأى الشيخ الصفار ان الحالة الدينية هي جزء من حالة الأمة ككل، فالأمة تعيش حالة تخلف في جانب إدارة الاختلاف، وهذا ما نراه في السياسة، ففي السياسة عندما يختلف أهل السياسة كل طرف يشهر السلاح على الثاني، وفي الدين عندما يحدث الاختلاف كل طرف يشهر سلاح الفتوى ضد الآخر.
وأجاب الشيخ الصفار عن سؤال حول هل يملك الدين رؤية منهجية في إدارة الاختلافات والصراعات ؟ قائلا: إن الدين يقول في الخلاف مع صاحب الدين الآخر: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" والقران يخاطب النبي ان يخاطب الكفار والمشركين: "قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا"، فمنهجية الدين تتلخص في عدة نقاط هي: مشروعية الاختلاف، أي يقبل التعددية في الواقع الديني. ثانيا الحوار عبر إقامة الدليل والحجة. وأخيرا الاحترام المتبادل طالما لم يعتدوا على بعضهم.
وأشار إلى ان ما نراه من مهاترات هو سوء خلق، وهو أمر غير طبيعي في الاختلاف الفكري، كما ان هناك دورًا للمغرضين والمتمصلحين، بعض الصراعات ليس بالضرورة على أفكار، بل هناك من يشجع الخلافات لأهداف أخرى، لان البعض لا يرون لأنفسهم أي دور إلا في ضل الخلافات والصراعات.
وأشار الشيخ الصفار لوجود مشكلتين في الفكر الديني، الأولى هي التكفير، وكيف ان الأمة عانت من هذه الحالة طويلا، والمشكلة الأخرى هي الاتهام بالابتداع، لافتا إلى ان هناك من لا يفرق بين الابتداع وهو إدخال في الدين ما ليس فيه، لكن لا يصح إطلاق الابتداع على من يملك رأيًا أو فهمًا آخر للدين، وهنا يتم شخصنة الموضوع، ويجب التمييز بين تخطئة الرأي، وبين تسقيط الشخص الآخر.
وختم سماحته بالإشارة إلى أنه لا حل إلا أن نرسخ فكرة حرية الرأي، وحق التعبير عن الرأي، لان هذا ما نعانيه في حياتنا، في كافة الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، مشكلة الأمة هي عدم الاعتراف بهذه الحقوق، ولابد من تفعيل دور الواعين من علماء ومثقفين في قول الحق، وعدم الوقوف على الحياد.