الشيخ الصفار يناقش دور المؤسسة الدينية ومواجهة النقد
قال سماحة الشيخ حسن الصفار ان تطور مستوى وعي الناس وثقتهم في أنفسهم، أدى إلى تغير نمط العلاقات الاجتماعية، وأصبحت كافة المواقع في المجتمع معرضة للنقد، مضيفا ان نقد الحالة الدينية هو جزء من حالة التغيير في الحياة العامة، وليست خاصة بموقع وموضوع علماء الدين.
جاء ذلك خلال الندوة الأسبوعية التي أقامها سماحته بمجلسه بالقطيف مساء يوم الجمعة (23 جمادى الأول 1439هـ الموافق 9 فبراير 2018م) بعنوان "المؤسسة الدينية ومواجهة النقد والتقويم" أدارها الأستاذ عبد الباري الدخيل.
- تغير النظرة لعالم الدين
وأرجع الشيخ الصفار تغير النظرة لعالم الدين وبروز حالات النقد، إلى تطور مستوى وعي الناس، مما أدى إلى تغير في نمط العلاقات الاجتماعية بين مختلف القوى في المجتمع، مضيفا ان علماء الدين موقع من المواقع الموجودة في المجتمع، فكما حصل تغير في التعاطي مع المواقع الأخرى كالآباء والمعلمين والحكام، كذلك جرى على رجال الدين.
وأشار الشيخ الصفار إلى ان علماء الدين أصبح لهم في بعض البلدان والمجتمعات دور مزاحم لبعض القوى، فسابقا كانت سيطرة ونفوذ عالم الدين فقط في محيطه الروحي، أما الآن فقد أصبح لعالم الدين دور سياسي ودور اجتماعي، وهذا يزاحم القوى الأخرى، ومن الطبيعي ان كل جهة تحاول ان تحد من دور الجهة الأخرى.
وتابع "من الطبيعي وفي ضل التنافس نرى تضخيم بعض المواقف والممارسات لبعض علماء الدين وتسليط الأضواء على بعض الجوانب غير إيجابية، لكن ذلك ليس ضمن نظرية المؤامرة، بل هي أمر طبيعي، وعلماء الدين ليسوا منزهين أو معصومين عن الأخطاء، فالبعض عنده تقصير وأخطاء، وممارسات غير سليمة، وهذا يستوجب ردود فعل من الناس ونقد عليها".
واستبعد الشيخ الصفار نظرية المؤامرة ضد كل نقد يوجه لعلماء الدين قائلا: "علماء الدين أنفسهم ينتقد بعضهم بعضا ويصدرون الفتاوى بحق بعضهم بعضا، فأين نظرية المؤامرة؟"
وطالب بالتفريق بين النقد الايجابي الموضوعي البناء، وبين التشهير والتجريح. مشيرا إلى ان النقد الايجابي مطلوب تجاه العلماء وتجاه أي جهة من جهات المجتمع، والتجريح مرفوض ليس فقط تجاه العلماء بل تجاه أي إنسان محترم. وقال "النقد يلفت الإنسان لنقاط ضعفه، وهو نوع من المرآة تكشف للإنسان أخطاءه وثغراته".
ولفت سماحته إلى ان عالم الدين ينبغي ان يتسع صدره للنقد. مؤكدا ان هذا ما مارسه رسول الله حيث كان يطلب من أن يشيروا عليه. كذلك الإمام علي كان يطالب أصحابه بان يعبروا عن آراءهم كما ورد عنه في نهج البلاغة قوله: (فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ)
- الراد على الفقيه كالراد على المعصوم
وتناول الشيخ الصفار الرواية التي تنقل عن الإمام الصادق في مقبولة عمر ابن حنظة وهي: (انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا ردَّ، والراد علينا، الراد على الله).
وأشار الشيخ الصفار إلى ان هذه الرواية لا تتحدث عن الفقيه أو العالم، بل عن تتحدث عن الفقيه عندما يكون في موقع القضاء، حيث يكون حكم القاضي نافذًا عندما تتوفر فيه شروط القضاء الشرعي. من اجل ان تحترم سلطة القضاء. وتساءل سماحته " لو كان رد العالم على العالم ممنوعا، لما رد العلماء على بعضهم بعضا كما يظهر في نقاشاتهم وبحوثهم العلمية".
- دور عالم الدين في المجتمع
وتناول الشيخ الصفار النظرة لدور عالم الدين في المجتمع، مطالبا بالابتعاد عن موقع التعميم، سواء ضد العلماء أو غيرهم، فهناك علماء يقومون بأدوارهم ومسؤولياتهم، وقد يكون هناك تقصير للبعض.
وأشار لوجود اختلاف في الرؤية لمهام عالم الدين، فهناك رؤية ترى ان عالم الدين يجب أن يتدخل في كل شي ويتحمل كل المسؤوليات. وفي المقابل هناك من يرى ان عالم الدين يجب أن يقتصر دوره في الجانب الديني والأخلاقي. لافتا إلى ان دور عالم الدين مختلف عليه حتى بين علماء الدين أنفسهم.
ومضى يقول: يجب ان نأخذ بعين الاعتبار الظروف والإمكانات، فما يتوقع من العالم من أداور قد لا تتوفر لها الظروف. وحث سماحته الناس ان يطالبوا عالم الدين بممارسة دور اكبر حتى يطوروا من دوره في المجتمع، مضيفا: "لسنا ضد المطالبة بدور اكبر لعالم الدين" في خدمة الدين والمجتمع.
- عالم الدين والمحاسبة
وأكد الشيخ الصفار ان سيادة القانون والأنظمة يجب ألا تستثني أحدا، وعالم الدين أجدر بان يلتزم بالقانون والقيم. لافتا ان القران الكريم يوجه أنظار الناس بان يراقبوا عمل علماء الدين، حتى لا يصبحوا مثل علماء الديانات الأخرى، وهذا ما تتحدث عنه الآيات عن الأمم السابقة من اليهود والنصارى كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ( وقوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ).
وأشار إلى انه لا توجد آلية لمراقبة وضع العلماء، لكن الآلية التي يجب ان تكون هي وعي الناس ورقابتهم، مطالبا إياهم بأن يميزوا ويشيدوا بالنماذج الايجابية، ويحاسبوا النماذج السلبية، وختم قائلا: "لا حصانة لأحد مقابل القانون والقيم".