"الإنسان.. قيمة عليا" للشيخ الصفار
الإنسان.. قيمة عليا
الشيخ حسن الصفار
مؤسسة الانتشار العربي - بيروت – لبنان
الطبعة الأولى، 1438هـ، 760 صفحة
يصف الاستاذ خليل الفزيع في مقدمته هذا الكتاب بأنه: رحلة ممتعة للقارئ يطوف من خلالها في حقول الثقافة والمعرفة، ويستظل بوارف ظلالها، كما يستمتع بقطف ثمارها المكتنزة بتجربة عريضة مع الحياة عاشها الشيخ الصفار، فأثمرت هذا العطاء الفكري المتجدد، وهو انطباع يعرفه ليس من يقرأ له فقط، بل ومن يلتقيه أيضًا في مجلسه العامر الذي يستقبل فيه المثقفين من داخل البلاد وخارجها، لمناقشة الكثير من قضايا الساعة، ومشاكل المجتمع، وشؤون الوطن، وهموم الأمة، وهو في كل ذلك يسعى لنبذ الخلافات، والنأي بالمجتمع عن كل أسباب الفرقة والتطاحن وتأزيم المواقف، يستند في ذلك على عقيدة راسخة بأن الدين الإسلامي الحنيف الذي نهتدي بهديه جميعًا، هو دين أمن وسلام، ووحدة ووفاق، وتلاحم واتفاق، وهي الأسس التي لا بُدّ أن يعتمد عليها الوطن ليظل شامخًا ومتألقًا، في مسيرته التنموية المباركة، بسواعد أبنائه، من جميع مكوناته الاجتماعية، ودون تمييز أو تفرقة.
الكتاب بفصوله الستة يطرح العديد من الأسئلة (عن الوحدة والحوار والتسامح – قضايا الثقافة والفكر – هموم السياسة – بناء الذات وأخلاقيات النجاح – الفاعلية الاجتماعية – في التنمية الأسرية). وفي نهايته "متابعات إعلامية" استغرقت أكثر من 50 صفحة من صفحات هذا الكتاب، وتتفرع في هذه الفصول عناوين مواضيع طرحتْ بأسلوب متماسك، وبلغة أدبية رفيعة، تسهل على المتلقي مهمة الوصول إلى الهدف، بعد أن تثير في عقله الكثير من التساؤلات عن الإشكاليات التي تكتنف حياتنا، وأسباب هذه الإشكاليات، وكيفية الخروج من مأزق استمرارها، وهذا هو الشغل الشاغل لكتاب الرأي في بلادنا، الأمر الذي يستوجب طرح مثل هذه الأمور بروح المسؤولية، وبعيدًا عن الانفعالات السلبية، لكي تثمر هذه الكتابات، وتُؤتي نتائجها في تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة القارة في أذهان بعض المواطنين، وهي مفاهيم لن تفضي إلى طريق سواء بين فئات المجتمع، بل إن استمرارها هو استمرار لعوامل التخلف الاجتماعي، وعدم الاستقرار الوطني، عندما يتشبث المتطرفون بقناعاتهم الذاتية، دون أي اعتبار لمن يخالفهم في الرأي أو الفكر أو المذهب أو الدين، لتكبر كرة الثلج مع مرور الزمن في انحدارها على سفوح التجاهل وعدم المبالاة، وتكبر معها الكراهية والأحقاد والتطرف، وحول معالجة هذه السلبيات تدور مواضيع هذا الكتاب، لتحظى بأهمية أكبر في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها المنطقة والعالم، ونحن جزء من هذا العالم، نتأثر ونؤثر فيما يجري فيه من خير وشر، ومن إيجابيات وسلبيات.
إن معظم فصول الكتاب تركز على قضايا حياتية مُعاشة، يعاني منها المواطن، تتعلق بالأسرة والمجتمع، وبسلوكيات أفراده وعاداتهم المتوارثة، وما طرأ عليها في ظل الوفرة الاقتصادية.. من متغيرات وانتشار الوسائل استهلاكية التي جلبت معها أنماط السلوك المخل بانتظام الحياة العامة في إطارها الذي كان سائدًا، والمبني على التعاون والتكاتف والانسجام بين جميع أفراد المجتمع، إلى أن أفرزت تلك الظواهر السلبية ثقافة هزيلة، أدت إلى الانغلاق على الذات، وأحادية التفكير، والاستهتار بالحياة، ونبذ الآخر، والشعور بالفوقية والتعالي على الغير، كل ذلك سبب ارتباكًا كبيرًا في إيقاع الحياة العامة، وتشويها لواقع التنمية، لذلك فقد احتلت القضايا الأساسية في البناء الوطني، مساحة كبيرة من هذا الكتاب، ومنها مشاكل الأسرة والمجتمع والثقافة والفكر، وغيرها من المشاكل المؤثرة على مفاصل الحياة العامة، وبشكل مباشر، يوجب المتابعة والبحث عن حلول ليست مستحيلة، إذا صدقت النيات وتوفرت العزيمة.
كما توضح المتابعات الإعلامية الواردة في آخر الكتاب النشاط المكثف للشيخ الصفار من خلال مشاركاته في الندوات والملتقيات الفكرية والاجتماعية، ومحاضراته ومشاركاته في مجالات الحوار الوطني باعتباره الخيار الصحيح لمواجهة التحديات الصعبة، ومكافحة الإرهاب، باعتباره فتنة عظيمة تجب محاربتها بكل السبل، والعمل على تعزيز الوحدة والمحبة بين مكونات المجتمع، وهو بهذه النشاطات العديدة والمتنوعة، يؤكد دور المثقف في خدمة مجتمعه، ورسالته في إرساء قواعد التعاون بين أفراد هذا المجتمع، وصولًا إلى تأصيل مفاهيم المحبة والخير والجمال لدى الإنسان، باعتبار هذا "الإنسان.. قيمة عُليا"، أراد الله بها إعمار الأرض، وإشاعة السلام في ربوعها.
بمثل هذه الكتابات.. يظل التفاؤل قائمًا، والأمل مشرقًا.. لتجاوز مشكلة التناحر بين مواطنين يجمعهم دين واحد ووطن واحد وأهداف واحدة، غايتها الوصول إلى حياة آمنة ومستقرة، بعد تجاوز كل المعوقات والاحباطات، بعزيمة صادقة، وعمل إيجابي مثمر، وكأن الشيخ الصفار يتحدث بلسان كل مواطن عندما قال في مقدمة كتابه: (علينا أن نكون أكثر تفاؤلًا، وتفهمًا لما حولنا ولظروف بلادنا وما يحيط بها من أخطار، وأن نمتلك روح المبادرة، ونتحلى بالإيجابية والفاعلية، فنحن جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، وشركاء في بنائه ونهضته، وفي صنع مستقبله وحماية أمنه واستقراره).
لقراءة الكتاب: (الإنسان.. قيمة عليا)