في لقاءه مع سيدات من الجالية في الدنمارك
الشيخ الصفار: على المرأة أن تشعر بمسؤوليتها فهي نصف المجتمع
قال سماحة الشيخ حسن الصفار أن على المرأة أن تشعر بمسؤوليتها الاجتماعية، فهي نصف المجتمع، وعليها أن ترفض التهميش، مؤكدا أن المسؤولية الاجتماعية يقوم بها الرجال والنساء كما أكد على ذلك القرآن الكريم ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾.
وتابع: المجتمعات الواعية تدرك أن المرأة نصف المجتمع، كما أنها عنصر مؤثر في النصف الآخر ولا تقل مسؤوليتها عن الرجل في الواقع العام.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها سماحته على سيدات وفتيات من الجاليات في مسجد الإمام علي بكوبنهاجن في الدنمارك يوم السبت 26 محرم 1440م الموافق 6 أكتوبر 2018م.
وأوضح أن على المرأة تشعر بمسؤوليتها، وأن لا تقبل بأن تكون على هامش الحياة الاجتماعية، مبينا أن البعض "يعتقد أن مسؤولية الشأن العام يختص بالرجال فقط وهذا مفهوم المجتمعات التقليدية" في اشارة واضحة لتهميش دور المرأة في المجتمع لعدم معرفتهم لدورها وقيمتها ومكانتها.
وأبان أن الإنسان جزء من منظومة المجتمع الذي يعيش ضمنه ولا ينبغي عليه أن يعزل نفسه عن التأثير الاجتماعي العام، وعليه أن يفكر في ترتيب أموره المجتمعية كما يرتب أموره الفردية؛ لأنه جزء من هذا المجتمع، لارتباط جودة حياة المجتمع بجودة حياته كفرد.
وناشد الرجال بأن يكون لهم وعي وإدراك بأهمية مشاركة المرأة لهم في الشأن العام، وأشار إلى تطور المجتمعات وانتزاع المرأة لحقوقها ومشاركتها في الشأن العام بحيث أصبح المقياس في الدول مدى مشاركة المرأة في الإدارة السياسية. مضيفا أن عدد من الدول التي حققت معادلة متوازنة في دور المرأة ومشاركتها في الحكم وغالب دول العالم لا يزال الدور محدوداً لا يتعدى 10 أو 20% وما يبعث على الأمل أن هذه النسبة في تصاعد وتقدم.
وقال الشيخ الصفار: من الناحية الدينية على النساء أن يقمن بدورهن في الشأن العام من منطلق الآية الكريمة ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ وذلك من خلال العمل من أجل إصلاح المجتمع، وجعله خاليًا من الانحراف والمنكر.
وفي تصحيحٍ لمفهوم المنكر أوضح سماحته أن المنكر هو أي انحراف عن الطريق السليم، ولا ينحصر مفهومه في شرب الخمر أو مخالفة الأوامر الدينية العبادية فقط، فوجود الأمية في المجتمع يعتبر منكراً، كما أن انتشار العلم والمعرفة من المعروف، وعلى هذا المقياس التلوث البيئي يعتبر منكراً، وسلامتها معروفاً. لذلك كل ما ينفع الحياة هو معروف وكل ما يضر بالحياة ويخالف أوامر الدين هو منكر.
وأكد على أهمية دور المرأة في حماية المجتمع من المنكر، والمحافظة على أجواء الصلاح.
وفي كلمته للأخوات اللاتي حضرن محاضرته أكد سماحة الشيخ أن وجودهن في هذه البلاد فيه مكاسب وتحديات، بسبب اختلاف الانتماء والقيم والتوجهات مؤكداً على الانتماء للحضارة الاسلامية، كما أن الغرب ينتمي إلى حضارة مسيحية، لكنها تعرضت لصدام بين العلم الساعي للتطور والكنيسة، هذا الصراع سبب ردة فعل عند الناس من التوجهات الدينية. إلا أنه لمس توجهًا للاهتمامات الروحية والدينية في هذه المجتمعات، لوجود الفراغ الروحي الذي له سلبيات ومضار، مما دفعهم للبحث عن معالجة هذه المشكلة بالإقبال على مختلف الديانات الشرقية كالإسلام والبوذية.
واشار إلى أن الحضارة الاسلامية التي ننتمي اليها فيها توجهات لا نجدها متوفرة في الحياة الغربية، مثل التفكير في المصلحة العامة، مقابل الحالة الانانية، سابقاً كان هناك ذوبان لشخصية الفرد في المجتمعات الأوربية إلا أن التغيير أحدث رد فعل، واصبحت السمة السائدة هي الأنانية، وصارت العلاقات الأسرية والاجتماعية تعاني من الجفاء والتفكك.
وتابع: لذلك تجد أن الأب أو الأم يتركان غالباً عند تقدم عمرهما في دار رعاية المسنين؛ لأن لا أحد من الأبناء متفرغ لرعايتهم، وهذا نتيجة للحالة الفردانية المفرطة التي يعيشها المجتمع، مما أثر على الحالة الأسرية وفقدت تلك الدرجة من التماسك والحميمية.
وبيّن أن القوانين والأنظمة المرتبطة بالعنف الأسري وحقوق الأعضاء داخل الأسرة في البلدان الأوربية متقدمة على بلداننا، إلا أن ثقافة الشعور بالانتماء الأسري والانتماء العائلي ليست موجودة في هذه المجتمعات كما هي في المجتمعات الإسلامية.
وأضاف: التلاحم الأسري في بعض الأحيان فيه سلبيات حين ينتج حالة من الهيمنة للزوج على زوجته وابنائه، وهي حالة خطأ لا بد من معالجتها، البديل ليس هو تنمية الحالة الانانية الموجودة في هذه المجتمعات، بل المطلوب هو التوازن والحفاظ على القيم والثقافة الدينية التي تنمي حالة التواصل والاهتمام والرعاية والتماسك الأسري، مع احترام حقوق وخصوصيات كل أفراد العائلة.
واشار إلى أن الأب قد يمارس قسوة وهيمنة على ابنائه وزوجته، مما يسبب مشاكل في الأسرة، بسبب تعديه للحدود الشرعية، إلا أن البديل الآخر القائم في المجتمعات الغربية وهو حالة الجفاف في العائلة، والتفكير في المصالح المادية للفرد لا شك أنها أسوأ من الحالة الأولى.
وحثّ على العمل من أجل تلافي السلبيات من خلال تطبيق القيم الدينية والاستفادة من الجوانب الايجابية في الحضارة الغربية، وقال: "مراعاة حقوق الفرد في الاسرة أمر مطلوب، ولكنه ليس إلى حد تمكين الحالة الانانية في العلاقات بحيث ان المرأة تفكر في المواجهة مع الزوج والانتصار عليه، وتضحي بحياتها العائلية من اجل مصالح مادية معينة يكفلها لها القانون وهي لا تصلح بديلا للحياة العائلية السليمة".
وأكد على أن التوازن في الالتزام العائلي ضرورة تحتاج إلى وجود مؤسسات وعمل خيري يكون لها دور في معالجة المشاكل العائلية، مشيراً إلى تجربة تأسيس مركز البيت السعيد في القطيف، وتطرق إلى دوره في تثقيف الشباب والشابات المقبلين على الزواج، وتوعيتهم عبر الدروس والمحاضرات، من خلال التعرف على حقوقهم وواجباتهم، كزوج وزوجة، وحل المشاكل الزوجية عبر استشاريين يقدمون الحلول والمقترحات.
وأوضح أن هذه التجربة منتشرة في المنطقة الشرقية ومناطق كثيرة بالمملكة عبر مراكز التنمية الأسرية التي تساعد على حل المشاكل الأسرية، وتمنى أن توجد مثل هذه المؤسسات في أوساط الجاليات المسلمة في الدنمارك ومختلف البلدان الغربية.
وأعرب سماحته عن أهمية وجود مؤسسات تخصصية تهتم بالتأهيل الأسري والتربوي، مؤكداً على صعوبة التعامل مع الابناء في فترة المراهقة في مجتمع مفتوح، مشدداً على الاستفادة من الحياة الجديدة من دون أن نفقد هويتنا وقيمنا الدينية التي نؤمن بها.
وحثّ الأخوات لتأسيس لجان أو مؤسسات تربوية واسرية واجتماعية تقدم الحلول والمعالجات؛ لأن العائلة بمفردها لا تستطيع أن تحل بعض المشاكل، مستشهدا بالتجربة الماليزية في تثقيف المقبلين على الزواج ونجاحها في تقليل نسبة الطلاق بين المتزوجين من32% إلى 7% بعد عشر سنوات.
مشيرًا في ختام حديثه لدعمه لقيام مثل هذه المؤسسات وتقديم الخبرة والتجربة والدعم لإنجاحها.
وفي اجابته على اسئلة الاخوات أكد سماحة الشيخ الصفار أن المعرفة بالوضع الاجتماعي ودراسته ضروري جداً قبل طرح أي فكرة يراد تقبلها من قبل المجتمع.
وفي الإجابة على سؤال آخر قال: إن عالم الدين الذي تصله مشاكل في المجالات الدينية والاجتماعية والاقتصادية يجب أن تكون تحت إشرافه مؤسسات تختص بحل المشاكل بكل أنواعها.
وردًا على سؤال حول الصراع الناتج عن تعدد الثقافات أجاب سماحته: إن هذا الصراع يثير القلق لاختلاف الثقافات مع ضرورة الموائمة بينها .
وفي اجابته على سؤال عن بعد الزوج عن زوجته وعدم الانفاق عليها، أكد أنه من الناحية الشرعية من واجب الزوج أن يقوم بواجبات زوجته المالية والشرعية واي تقصير من الزوج فللمرأة المطالبة بحقوقها، وإن تعذر فلها الحق في الانفصال، وهذه الحالة لا نشجع عليها، واذا امتنع الزوج عن الانفصال مع عدم قدرته للقيام بالواجب الشرعي فالحاكم الشرعي يمكنه أن يقوم باجراء الطلاق.