ابن إدريس ومعركة التجديد

نشرت صحيفة الأيام البحرينية مقالاً لسماحة الشيخ حسن الصفار يوم الأربعاء 7 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق 13 يوليو 2005م في عددها الصادر رقم 5969 بعنوان : « ابن إدريس ومعركة التجديد »، وفيما يلي نص المقال:

يرى الفقهاء أن الاجتهاد واجبٌ‮ ‬على الأمة وجوباً‮ ‬كفائياً،‮ ‬فلابد أن‮ ‬يكون في‮ ‬كل عصر وجيل من أبناء الأمة من‮ ‬يبلغون رتبة الاجتهاد،‮ ‬ويقومون باستنباط الأحكام الشرعية‮. ‬بعض الفقهاء ربط هذا الحكم بمسألة أخرى،‮ ‬وهي‮ ‬مسألة جواز تقليد المجتهد الميت ابتداءً،‮ ‬وهي‮ ‬مسألة خلافية بين الفقهاء،‮ ‬حيث‮ ‬يتفق الفقهاء على صحة تقليد الميت استمراراً،‮ ‬على خلاف في‮ ‬التفاصيل،‮ ‬أما تقليد الميت ابتداءً‮ ‬فأكثر المعاصرين‮ ‬يرى عدم صحته.إن هناك رأياً‮ ‬يقول‭: ‬إذا قلنا بأن تقليد الميت ابتداءً‮ ‬جائز،‮ ‬يسقط وجوب الاجتهاد على الأمة،‮ ‬أما إذا قلنا بعدم الجواز عندها‮ ‬يكون واجباً‮ ‬على الأمة أن تُنجب مجتهدين أحياء‭.‬‮ ‬والصحيح‭: ‬‮ ‬أن الحكم لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يتوقف على ذلك،‮ ‬حتى لو قلنا بأنه‮ ‬يجوز تقليد الميت ابتداءً‮ ‬فإن ذلك لا‮ ‬يعني‮ ‬الاستغناء عن وجود المجتهدين والفقهاء الأحياء،‮ ‬لماذا؟ لأن المجتهد الميت قد أعطى الرأي‮ ‬الفقهي‮ ‬فيما عاصره من المسائل،‮ ‬فإذا كانت هناك مسألة جديدة فما العمل عندها؟ فلابد وأن‮ ‬يكون هناك مجتهدون أحياء‭.‬
ولكن هل مجرد وجود المجتهد‮ ‬يكفي،‮ ‬أو أن المطلوب أن‮ ‬يُعمل ملكة الاجتهاد؟ بالتأكيد المطلوب هو الأمر الثاني،‮ ‬أما وجود المجتهد بدون أن‮ ‬يقوم بدور الاجتهاد والإفتاء،‮ ‬فمثله كمثل الطبيب الذي‮ ‬لا‮ ‬يُمارس دوره في‮ ‬علاج المرضى‭.‬
كما أن القيام بدور الاجتهاد لا‮ ‬يقتصر على المسائل الجديدة،‮ ‬وإنما على المجتهد أن‮ ‬يُبدي‮ ‬رأيه ويجتهد في‮ ‬المسائل التي‮ ‬أعطى الفقهاء السابقون فيها رأياً،‮ ‬وهذا أمرٌ‮ ‬بديهي‭.‬
والسؤال‭: ‬‮ ‬لماذا هذا الأمر،‮ ‬مع العلم أن الاجتهاد في‮ ‬أي‮ ‬مسألة من المسائل‮ ‬يستغرق وقتاً‮ ‬وجهداً‮ ‬ليس بسيطاً،‮ ‬كما أن العلماء السابقين أشبعوا المسائل التي‮ ‬أفتوا بها بحثاً‮ ‬ونحن نثق بمكانتهم العلمية وإخلاصهم؟‮ ‬
والجواب‭: ‬لا‮ ‬يصح للفقيه أن‮ ‬يعتمد على آراء الفقهاء السابقين،‮ ‬وإلا أصبح مقلّداً‭. ‬فمن حيث المسائل المستجدة ليس هناك جدال حول ضرورة أن‮ ‬يكون للمجتهد رأي‮ ‬فيها،‮ ‬وأما بالنسبة للمسائل التي‮ ‬أعطى الفقهاء السابقون فيها رأياً‮ ‬فإنه‮ ‬يتحتم على الفقيه المجتهد التأكد من تلك الآراء،‮ ‬فلعله‮ ‬يكون هناك خطأ أو اشتباه،‮ ‬أو قد تتضح للفقيه رؤية لم تتضح للفقهاء السابقين،‮ ‬أو قد‮ ‬يكتشف نقطة ضعفٍ‮ ‬في‮ ‬الأدلة لم‮ ‬يقف عندها الفقهاء السابقون،‮ ‬لذلك‮ ‬يجب أن‮ ‬يجتهد الفقيه في‮ ‬تلك المسائل،‮ ‬ولا‮ ‬يعتمد على اجتهادات الفقهاء السابقين‭. ‬وهذه ميزة هامة لحيوية الفكر والفقه الإسلامي،‮ ‬ليكون لديه قابلية التجدد،‮ ‬ولا تكون هناك حالة ركود وجمود‭. ‬
إضافةً‮ ‬إلى ذلك فإن رأي‮ ‬الفقيه‮ ‬يتأثر بمستواه العلمي،‮ ‬وبالبيئة التي‮ ‬عاش فيها،‮ ‬لذلك لزم على الفقيه الذي‮ ‬يليه أن‮ ‬يُعيد النظر في‮ ‬المسائل،‮ ‬فلعله‮ ‬يتضح له رأي‮ ‬آخر‮ ‬يخالف الرأي‮ ‬الذي‮ ‬توصل إليه السابقون‭. ‬
في‮ ‬بعض الأحيان تحصل حالة ركود في‮ ‬الأمة،‮ ‬فلا تكون هناك جرأة لطرح رأي‮ ‬جديدٍ،‮ ‬ولا‮ ‬يكون هناك تقبلٌ‮ ‬لرأيٍ‮ ‬يُخالف آراء السابقين،‮ ‬أو‮ ‬يُخالف الرأي‮ ‬السائد‭. ‬
وعادة ما تكون هناك مشكلة حينما تُطرح في‮ ‬الساحة الفكرية أو الفقهية آراء جديدة‮ ‬غير تلك الآراء المتداولة السائدة‭. ‬وفي‮ ‬الواقع إذا لم تكن هناك فرصة لطرح رأيٍ‮ ‬جديد،‮ ‬فإن مبرر الاجتهاد‮ ‬ينتفي‭. ‬فلابد وأن‮ ‬يكون المجال مفتوحاً‮ ‬والفرصة سانحةً‮ ‬لكي‮ ‬يُقدم الفقيه النتائج التي‮ ‬أدى إليها رأيه واجتهاده‭.‬
وقد واجه البحث العلمي‮ ‬عند الشيعة هذه المشكلة في‮ ‬وقت مبكر،‮ ‬وكانت أول مشكلة واجهها الفقه الشيعي‮ ‬بين الجمود على آراء الفقهاء السابقين،‮ ‬وبين التجاوز لها ونقدها علمياً،‮ ‬يؤرخ لها بالقرن السادس الهجري‭.‬
حيث كان هناك فقيهٌ‮ ‬بارز في‮ ‬القرن الخامس الهجري‮ ‬هو الشيخ محمد بن الحسن الطوسي‮ (٠٦٤ - ٥٨٣‬هـ‮)‬،‮ ‬ويُطلق عليه‮: »‬شيخ الطائفة‮« ‬وهو الذي‮ ‬أسس الحوزة العلمية في‮ ‬النجف الأشرف،‮ ‬بعد أن‮ ‬غادر بغداد بسبب فتنة طائفية أورى نارها السلجوقيون سنة ‮٨٤٤‬هـ‭.‬
كان الشيخ الطوسي‮ ‬عالماً‮ ‬عظيماً،‮ ‬ومحققاً‮ ‬مبدعاً،‮ ‬وكان ثري‮ ‬المعرفة والعلم‭. ‬وقد منحه الخليفة العباسي،‮ ‬القائم بأمر الله عبدالله بن القادر بالله أحمد،‮ ‬كرسي‮ ‬الكلام والإفادة،‮ ‬وقد كان لهذا الكرسي‮ ‬يومذاك عظمة وقدر فوق الوصف،‮ ‬إذ لم‮ ‬يسمحوا به إلا لمن برز في‮ ‬علومه،‮ ‬وتفوق على أقرانه،‮ ‬ولم‮ ‬يكن في‮ ‬بغداد‮ ‬يومذاك من‮ ‬يفوقه قدراً،‮ ‬أو‮ ‬يفضل عليه علماً،‮ ‬فكان هو المتعين لذلك الشرف‮. (‬محسن الأمين،‮ ‬أعيان الشيعة‮)‬
وكان‮ ‬يحضر تحت منبر تدريسه مئات العلماء شيعةً‮ ‬وسنة،‮ ‬فمن الشيعة‮ ‬يحضر تدريسه ثلاثمائة مجتهد،‮ ‬ومن السنة‮ ‬يحضر تدريسه المئات من طلبة العلوم الدينية‭.‬
وقد أثرى الشيخ الطوسي‮ ‬مختلف مجالات المعرفة الإسلامية،‮ ‬ففي‮ ‬مجال الحديث‮ ‬يعتمد المذهب الإمامي‮ ‬على أربعة كتب‭: ‬الكافي‮ (‬للشيخ الكليني‮)‬،‮ ‬من لا‮ ‬يحضره الفقيه‮ (‬لابن بابويه القمي‮)‬،‮ ‬تهذيب الأحكام والاستبصار‮ (‬للشيخ الطوسي‮)‬،‮ ‬فنصف مصادر الحديث عند الإمامية كتبها الشيخ الطوسي‭.‬
وأول تفسير هام للقرآن الكريم للشيعة كتبه الشيخ الطوسي‮ ‬وهو‭: ‬‮ ‬التبيان في‮ ‬تفسير القرآن‭.‬
وفي‮ ‬الفقه فإن أبرز الكتب الفقهية كتبها الشيخ الطوسي‭: ‬ومنها المبسوط في‮ ‬الفقه،‮ ‬الخلاف في‮ ‬الفقه المقارن،‮ ‬والنهاية في‮ ‬مجرد الفقه والفتاوى‭. ‬وفي‮ ‬الأصول كتب الشيخ الطوسي‮ ‬‭: ‬العدة في‮ ‬أصول الفقه والأصول الاعتقادية‭. ‬وفي‮ ‬علم الرجال‮ ‬يبرز كتابه المعروف‮ (‬رجال الشيخ الطوسي‮) ‬وهو أحد الأصول الرجالية المعوّل عليها عند العلماء‭.‬
فهو عالم موسوعي،‮ ‬له ثراء علمي‮ ‬ومعرفي،‮ ‬ولذلك فإن شخصيته هيمنت على الطلاب والعلماء،‮ ‬فلم تكن هناك جرأة لطرح رأي‮ ‬في‮ ‬مقابل رأي‮ ‬الشيخ الطوسي،‮ ‬إما لأنه ليس هناك قدرة لطرح رأيٍ‮ ‬فوق رأيه،‮ ‬أو لهيبةٍ‮ ‬في‮ ‬نفوس العلماء،‮ ‬أو لحسن ظن برأي‮ ‬الشيخ الطوسي‭.‬
واستمرت هذه الحالة إلى ما بعد وفاة الشيخ الطوسي،‮ ‬إذ لم‮ ‬يتجرأ أحدٌ‮ ‬من الفقهاء أن‮ ‬يُعطي‮ ‬رأياً‮ ‬مخالفاً‮ ‬لرأي‮ ‬الشيخ الطوسي،‮ ‬وبقي‮ ‬هذا الجمود الفقهي‮ ‬عند الفقهاء قرابة قرنٍ‮ ‬ونصف من الزمن‭. ‬
حتى جاء العالم الكبير محمد بن إدريس الحلي‮ (٨٩٥ - ٣٤٥‬هـ‮)‬،‮ ‬يقول الشيخ أغا برزك الطهراني‭: ‬‮»‬مضت على علماء الشيعة سنون متطاولة،‮ ‬وأجيال متعاقبة،‮ ‬ولم‮ ‬يكن من الهيّن على أحد منهم أن‮ ‬يعدو نظريات شيخ الطائفة في‮ ‬الفتاوى،‮ ‬وكانوا‮ ‬يعدون أحاديثه أصلاً‮ ‬مسلماً‮ ‬ويكتفون بها،‮ ‬ويعدون التأليف في‮ ‬قبالها وإصدار الفتوى مع وجودها تجاسراً‮ ‬على الشيخ وإهانة له،‮ ‬واستمرت الحال على ذلك حتى عصر الشيخ ابن إدريس،‮ ‬فكان أعلى الله مقامه الشريف‮ ‬يسميهم بالمقلدة،‮ ‬وهو أول من خالف بعض آراء الشيخ وفتاواه،‮ ‬وفتح باب الرد على نظرياته،‮ ‬مع ذلك فقد بقوا على تلك الحال حتى أن المحقق وابن أخته العلامة الحلي‮ ‬ومن عاصرهما بقوا لا‮ ‬يعدون رأي‮ ‬شيخ الطائفة‮«.(‬محمد بن الحسن الطوسي،‮ ‬الخلاف‮)‬
لقد كان الشيخ ابن إدريس شاباً‮ ‬نابغة حادّ‮ ‬الذكاء،‮ ‬كما كان محققاً‮ ‬ومجدداً،‮ ‬رأى أن الجو العام‮ ‬غير طبيعي‮ ‬تجاه آراء الشيخ الطوسي‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يجرؤ أحد من الفقهاء أن‮ ‬يتجاوزها،‮ ‬كما أن أي‮ ‬رأي‮ ‬يُخالف رأي‮ ‬الشيخ الطوسي‮ ‬لا‮ ‬يحظى بالقبول،‮ ‬بل‮ ‬يتعرض للسخرية والاستهزاء‭. ‬فرأى أن من واجبه الشرعي‮ ‬أن‮ ‬يثور على هذه الحالة،‮ ‬وكتب كتاباً‮ ‬اسمه‮: (‬السرائر‮)‬،‮ ‬وتعمّد المناقشة لأغلب آراء الشيخ الطوسي‮ ‬وطرح الآراء التي‮ ‬يُخالفه فيها بكل جرأة،‮ ‬مقدماً‮ ‬في‮ ‬ذلك الأدلة التي‮ ‬تؤيد آراءه‭. ‬كما شنّ‮ ‬هجوماً‮ ‬على الفقهاء المعاصرين له وأطلق عليهم‭: ‬المقلّدة،‮ ‬وكان‮ ‬ينتقد الفكر السائد الذي‮ ‬يدعو للجمود أمام آراء الشيخ الطوسي‮ ‬‭. ‬
ولكن الفقهاء المعاصرين له لم‮ ‬يقبلوا منه هذا التوجه المخالف للشيخ الطوسي،‮ ‬وثاروا عليه،‮ ‬وحصل بذلك أول صراعٍ‮ ‬بين الجمود والتجديد في‮ ‬تاريخ الفقه الشيعي‭. ‬
‮ ‬وكتاب‮ (‬السرائر الحاوي‮ ‬لتحرير الفتاوى‮) ‬هو من أشهر كتب الشيخ ابن إدريس الحلي‮ ‬وأهمها،‮ ‬ويعدّ‮ ‬كتاب‮ (‬السرائر‮) ‬أحد مصادر الفقه الشيعي،‮ ‬بل لا‮ ‬يوجد مؤلف بأهميته ما بين مؤلفات الشيخ الطوسي‮ ‬في‮ ‬القرن الخامس الهجري‮ ‬وتصانيف المحقق الحلي‮ ‬في‮ ‬القرن السابع،‮ ‬وقليلون هم الفقهاء الذين أتوا بعد ابن إدريس ولم‮ ‬يستندوا إلى السرائر أو‮ ‬يرجعوا إليه أو‮ ‬يأتوا على ذكره‭. ‬‮(‬علي‮ ‬همت بناري،‮ ‬ابن إدريس الحلي‮)‬
صحيح أن الشيخ ابن إدريس عانى من معارضة المعاصرين له ومحاربتهم إياه،‮ ‬لكنه قدم خدمة عظيمة لحركة الاجتهاد وحرية البحث العلمي،‮ ‬وكل من‮ ‬يدرس تاريخ الفقه الشيعي‮ ‬يترحم على الشيخ محمد بن إدريس الحلي،‮ ‬الذي‮ ‬كسر حاجز الركود والجمود في‮ ‬الفقه الشيعي،‮ ‬ولو لا حركته المباركة للتجديد لأصبح الاجتهاد عنواناً‮ ‬بدون معنى‭. ‬
قال صاحب الحدائق الشيخ‮ ‬يوسف البحراني‭: ‬‮»‬كان هذا الشيخ‮ (‬ابن إدريس الحلي‮) ‬فقيهاً‮ ‬أصولياً‮ ‬بحتاً‮ ‬ومجتهداً‮ ‬صرفاً،‮ ‬وهو أول من فتح باب الطعن على الشيخ‮ (‬الطوسي‮) ‬وإلا فكل من كان في‮ ‬عصر الشيخ أو من بعده إنما كان‮ ‬يحذو حذوه‮ ‬غالباً‮ ‬إلى أن انتهت النوبة إليه‮«.‬
قال الشيخ عباس القمي‭: ‬‮ »‬شيخ فقيه،‮ ‬ومحقق نبيه‭... ‬وقد أذعن بفضله العلماء المتأخرون وأقروا بعلمه وفقهه وتحقيقه‭..‬‮«‬
ووصفه الشهيد السيد محمد باقر الصدر بالفقيه المجدّد‭.‬
‮ ‬إنه عانى ما عانى في‮ ‬حياته بسبب جرأته وتمسكه بحرية الفكر وحق التعبير عن الرأي،‮ ‬ولكنه فتح الطريق أمام الفقهاء ليطرحوا آراءهم بكل جرأةٍ‮ ‬وشجاعة‭. ‬بالطبع فإن الذي‮ ‬يسير وفق الرأي‮ ‬السائد‮ ‬يسلم من أي‮ ‬اتهام،‮ ‬ولكن المخالف للسائد هو الذي‮ ‬يجب أن‮ ‬يتحلى بالصبر والثبات تجاه ما‮ ‬يطرح من آراء‮ ‬يؤمن بها ويرى صوابيتها‭.‬
‮ ‬والمسألة لا تعني‮ ‬تمجيد المخالفة لذات المخالفة،‮ ‬وإنما الأمر أن هذا الرأي‮ ‬الجديد له أدلته،‮ ‬والناطق به أهلٌ‮ ‬لأن‮ ‬يُبدي‮ ‬رأياً‮ ‬في‮ ‬المجال الذي‮ ‬يتحدث فيه،‮ ‬وهذا هو المطلوب في‮ ‬كل عصر وزمان‭.‬
بالطبع فإن الإشادة بدور الشيخ ابن إدريس الحلي‮ ‬لا تعني‮ ‬القول بصحة وصوابية كل آرائه،‮ ‬فهو كغيره من الفقهاء قد‮ ‬يصيب وقد‮ ‬يخطئ،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن القول بأرجحية رأيه في‮ ‬كل المسائل التي‮ ‬خالف فيها الشيخ الطوسي،‮ ‬ولكن التمجيد والتقدير إنما هو لدوره النقدي‮ ‬العلمي،‮ ‬ولمنهجيته في‮ ‬ممارسة الاجتهاد والتجديد،‮ ‬خارج أسر رأي‮ ‬السلف،‮ ‬وسقف فتاوى المشهور،‮ ‬على حساب الدليل والبرهان‭.‬
إن بعض الآراء التي‮ ‬قررها وأفتى بها الشيخ ابن إدريس الحلي،‮ ‬تتصف بالتشدد،‮ ‬وقد لا تصمد أمام البحث والنقد العلمي،‮ ‬وقد ناقشها العلماء بعده،‮ ‬وردوا عليه،‮ ‬وأبانوا نقاط الضعف في‮ ‬أدلته‭.‬
ومنها مثلاً‮ ‬قوله بكفر ولد الزنا،‮ ‬وترتيب أحكام الكفر في‮ ‬التعامل معه،‮ ‬وقوله بحرمة صلاة الجمعة للفقهاء إلا للإمام العادل أو من نصبه،‮ ‬وقوله بعدم اشتراط الفقر في‮ ‬إعطاء الخمس لأيتام بني‮ ‬هاشم ـ بل‮ ‬يمكن تحويل الخمس إليهم حتى مع‮ ‬غناهم وعدم حاجتهم‮.‬

الأربعاء 7 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق 13 يوليو 2005م في عددها الصادر رقم 5969