موقع إيلاف ينشر خبراً عن كتاب سماحة الشيخ بعنوان: « الصفار: الفقهاء الجدد.. يفتقدون الجرأة والشجاعة »
علي آل غراش من الدمام: ويبقى الباحث والمفكر الإسلامي السعودي الشيخ حسن الصفار من الدعاة الناشطين في مجال العمل الإسلامي ومن المهتمين بتطوير الخطاب الإسلامي الحديث وتشخيص العلل التي تنتشر في المجتمع الإسلامي والسعي في معالجتها والنهوض بالأمة الإسلامية من مستنقع التخلف والفتنة.. لتعود إلى مكانتها الحقيقية... وذلك من خلال آراءه الصريحة وكتابته الجريئة والدقيقة. ففي كتابه الجديد "الاجتهاد والتجديد في الفقه الإسلامي: يؤكد الشيخ الصفار على أهمية وجود فقهاء يتصفون بالجرأة والشجاعة لمواجهة التحديات الخطيرة والممارسة العملية في التصدي للإفتاء وعدم الجمود أمام آراء الفقهاء السابقين موضحا بان وجود المجتهد بدون أن يقوم بدور الاجتهاد والإفتاء فمثله كمثل الطبيب الذي لا يمارس دوره في علاج المرضى مستعرضا بعض ما جاء في التاريخ الفقهي الإسلامي من صراعات بين الفقهاء في مجال الجمود والتجديد الفقهي.
تفعيل دور الفقهاء
ينطلق الصفار في كتابه من خلال المدرسة الشيعية الفقهية مشيرا بأن أول مشكلة واجهها الفقه الشيعي بين الجمود على آراء الفقهاء السابقين وبين التجاوز لها ونقدها علمياً يؤرخ لها بالقرن السادس الهجري و أبطالها هما الشيخ الطوسي ويطلق عليه "شيخ الطائفة" والشيخ ابن إدريس الحلي. وكان الشيخ الطوسي أبرز فقيه في القرن الخامس الهجري وكتب تهذيب الأحكام والاستبصار التي تعتبر نصف مصادر الحديث (الكتب الأربعة) عند الشيعة الإمامية، كما كتب أهم وأول تفسير للقرآن الكريم للشيعة هو التبيان في تفسير القرآن. وكذلك له في الفقه والأصول و علم الرجال. ولذلك "لم تكن هناك جرأة لطرح رأي في مقابل رأي الشيخ الطوسي، إما لأنه ليس هناك قدرة لطرح رأيٍ فوق رأيه، أو لهيبةٍ في نفوس العلماء، أو لحسن ظنًّ برأي الشيخ الطوسي".
صراع الجمود والتجديد
ويتحدث الصفار عن أول صراع في تاريخ الفقه الشيعي وذلك عندما رأى الشيخ ابن إدريس الحلي أن من واجبه الشرعي أن يثور على هذه الحالة في كتابٍ أسماه "السرائر" اذ تعرض فيه إلى أغلب آراء الشيخ الطوسي بالمناقشة العلمية طارحاً رأيه مع أدلته في رد علمي جريء لم تشهده الساحة الشيعية من قبل، وبجانب ذلك شن هجوماً على الفقهاء المعاصرين مطلقا ًعليهم "المقلّدة" ومنتقداً الفكر السائد الداعي إلى الجمود أمام آراء الشيخ الطوسي. وكانت ردة الفعل من الفقهاء المعاصرين الرفض لهذا التوجه مسجلين بذلك أول صراعٍ بين الجمود والتجديد في تاريخ الفقه الشيعي.
كسر حاجز الركود
ويؤكد الصفار في كتابه بأن الشيخ ابن إدريس الحلي من خلال موقفه بضرورة التجديد وعدم الجمود للفقهاء السابقين قد قدم خدمة عظيمة لحركة الاجتهاد و حرية البحث العلمي وكل من يدرس تاريخ الفقه الشيعي يترحم على الشيخ محمد بن إدريس الحلي الذي كسر حاجز الركود والجمود في الفقه الشيعي، ولو لا حركته المباركة للتجديد لأصبح الاجتهاد عنواناً بدون معنى.. يسير وفق الرأي السائد يسلم من أي اتهام ولكن المخالف للسائد هو الذي يجب أن يتحلى بالصبر والثبات تجاه ما يطرح من آراء يؤمن بها ويرى صوابيتها. كما يشير الكاتب إلى أن الإشادة بدور الشيخ ابن إدريس لا تعني القول بصحة وصوابية كل آرائه فهو كغيره من الفقهاء قد يصيب وقد يخطئ فـ " لا يمكن القول بأرجحية رأيه في كل المسائل التي خالف فيها الشيخ الطوسي ولكن التمجيد والتقدير إنما هو لدوره النقدي العلمي ولمنهجه في ممارسة الاجتهاد والتجديد خارج أسر رأي السلف وسقف فتاوى المشهور على حساب الدليل والبرهان". مشيراً إلى وجود بعض الآراء لديه تتصف بالتشدد والتي ناقشها العلماء بعده وأبانوا الضعف في أدلته.
سيطرة الأجواء المحافظة
ويتطرق الكاتب لأبرز العوائق أمام المجددين من الفقهاء والمفكرين في العالم الإسلامي وأهمها سيطرة الأجواء المحافظة التي ترفض الرأي الآخر ووجهة النظر المخالفة وبالخصوص في الحوزات العلمية والأوساط الدينية معتبرين الرأي الآخر بدعة أو خروج عن الإطار الشرعي أو تهديد للعقيدة والأصالة وثوابت الدين، ويعلق الصفار في هذا الشأن: غير أن دخول الأغراض الشخصية والمصلحية يُشهر سلاح الاتهام والتشكيك تجاه صاحب الرأي المخالف الجديد وما يصحبه من استثارة عواطف ومشاعر الجمهور ضده!.
تجارب المجددين
ولإعطاء قوة للكتاب والموضوع يستشهد الكاتب بعدد من تجارب العلماء والمفكرين الذين دفعوا ثمن جرأتهم على طرح آرائهم قائلا: لم يكن الشيخ ابن إدريس الحلي الأول والأخير بل هي معاناة متجددة يواجهها العلماء الأحرار في تفكيرهم ومواقفهم في مختلف العصور. مشيرا إلى قوة وجرأة الإمام السيد محسن الحكيم حين أعلن تغيير رأيه وأفتى بطهارة أهل الكتاب (اليهود والنصارى ومن ألحق بهم) حيث ثارت ضده زوبعة من بعض الأطراف الدينية التي ترى الرأي المخالف. كما يستشهد بتجربة الشيخ محمد جواد مغنية الذي تطرق في كتابه (فقه الإمام الصادق) لحساسية الأجواء الدينية من طرح مثل هذا الرأي الفقهي في مسألة جانبية في ذلك العصر (فيقول مغنية: عاصرت ثلاثة مراجع كبار من أهل الإفتاء والتقليد، الأول كان في النجف الأشرف، وهو الشيخ محمد رضا آل يس، والثاني في قم، وهو السيد صدر الدين الصدر، والثالث في لبنان، وهو السيد محسن الأمين، وقد أفتوا جميعاً بالطهارة "طهارة أهل الكتاب"، وأسروا بذلك إلى من يثقون به، ولم يعلنوا خوفاً من المهوّشين، على أن (الشيخ) يس كان أجرأ الجميع. وأنا على يقين بأن كثيراً من فقهاء اليوم والأمس يقولون بالطهارة، ولكنهم يخشون أهل الجهل، والله أحق أن يخشوه) هذا رأي قبل نصف قرن أما الآن فالرأي السائد القول بطهارة أهل الكتاب.
المنعطفات الخطيرة والعلاج
ويختتم الشيخ الصفار كتابه بالتركيز على أهمية حاجة الأمة للتجديد والاجتهاد في الفقه والفكر في كل عصر وزمان وخاصة أمام المنعطفات الخطيرة التي تمر بها الأمة الإسلامية مشيراً إلى أن المتغيرات والتطورات تفتح المجال للتفكير بشكلٍ آخر, وان التراكم العلمي والمعرفي أمام فقيه العصر في مختلف مجالات العلوم والمعرفة يعطي رصيدا وخبرة أعظم وأضخم مما كان متوفراً في الأزمنة السابقة التي مُيزت بالقرب من عصر النص. منوها أن حرية الفكر وحق التعبير عن الرأي مطلب إنساني تتطلع إليه كل الشعوب، متساءلا باستغراب هل يصح أن يُحرم منه العلماء والمفكرون داخل أوساطهم؟!.
وفي نهاية الكتاب يلخص الكاتب الحلول المناسبة لكسر حالة الجمود والإرهاب الفكري في خمس نقاط:
1/ الاجتهاد وإعطاء الرأي والفتوى في مسائل الفقه هو حق للمجتهد الفقيه دون من لا يمتلك هذه الكفاءة.
2/ حرية البحث ومجال التعبير عن الرأي من الأجواء الطبيعية للاجتهاد وتنمية القدرات والطاقات.
3/ الساحة العلمية الدينية بحاجة ماسة إلى وجود الفقهاء المتوفرين على الجرأة والشجاعة لمواجهة التحديات الخطيرة.
4/ إدارة الصراع الفكري والاختلاف العلمي يجب أن تتم وفق آداب الإسلام وأخلاقيات العلم والمعرفة، ولا يجوز استخدام الأساليب الخاطئة في إسقاط الأشخاص والتشكيك في النوايا، وتحشيد عواطف الجمهور.
5/ أن تنبثق داخل الأجواء العلمية والدينية جهات تتبنى الدفاع عن حرية الفكر وحق التعبير عن الرأي، وعلى العناصر الواعية في الوسط العلمي والديني تكثيف جهودها من أجل الدفاع عن حرية الفكر وحق التعبير عن الرأي.