مناقشات نقدية حول جذور التطرف الديني بمنتدى الثلاثاء الثقافي
في ندوته الثلاثون للموسم الثقافي التاسع عشر، ناقش منتدى الثلاثاء الثقافي الدراسة الصادرة مؤخراً تحت عنوان "العقلانية والتسامح.. نقد جذور التطرف الديني" للباحث الاسلامي الشيخ حسن الصفار ضمن ورقتين قدمهما كل من الدكتور السيد عدنان الشخص عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن سابقاً، والأستاذ خليل الفزيع رئيس تحرير صحيفة اليوم سابقاً، وذلك مساء الثلاثاء 4 شعبان 1440هـ الموافق 9 أبريل 2019م في أمسية ثرية بالمعالجات والرؤى الفكرية حضرها عدد كبير من المثقفين والمهتمين بالشأن الاجتماعي العام، فيما أدار اللقاء الكاتب الأستاذ محمد الشافعي.
وقد شاهد الحضور قبل بدء الندوة فيلماً قصيراً بعنوان "التعايش"، وذلك ضمن الفعاليات المصاحبة والتي شملت أيضاً معرض اللوحات التشكيلية في الفن الواقعي الرمزي للفنانة منى النزهة الذي أقامته للأسبوع الثاني على التوالي، وتحدثت حول تجربتها الفنية ومشاركاتها في معارض شخصية وجماعية، وعن مشاركتها في تحكيم جائزة الدولة للفن التشكيلي في المملكة والكويت كما أشارت إلى دور مرسم الدمام في الفن المجتمعي. وشملت الفعاليات التعريف بمبادرة "100 مليونيرة" التي تهدف إلى تشجيع المرأة على ريادة الأعمال عبر تقديم برامج تأهيل لتمكين المشاريع المحدودة للسيدات من التوسع، حيث تحدثت عضوتي المبادرة فوز الضامن وعلوية الحمزة عن الانطلاقة الفعلية في 2017م والانجازات التي تحققت حتى الآن، وقد تفضل سماحة الشيخ حسن الصفار ضيف الشرف لهذه الأمسية بتسليم المشاركين دروع المنتدى التقديرية.
افتتح اللقاء الأستاذ محمد الشافعي مرحباً بضيفي الندوة مشيراً لأهمية تناول موضوع ومفردة "العقلانية"، ولاسيما من قبل الفاعل الديني وهم علماء الدين، وانعكاسات ذلك على التنوير المحلي، مستعرضاً العناوين الكبرى في الكتاب محل الدراسة. القى بعد ذلك الأستاذ خليل الفزيع الورقة الأولى بعنوان "العقلانية والتسامح: نقد جذور التطرف الديني" حيث قدم مسحاً سريعاً للكتاب بالقول أنه ركز على مبدأ التسامح، ومحاربة التطرف الذي أفرزته ولاءات لا علاقة لها بالدين.
وتطرق الأستاذ الفزيع إلى ما تناوله الكتاب حول خطر التطرف الديني على أمن الشعوب وعرقلة مساراتها التنموية وتشويه منجزاتها الحضارية، في تجاهل لصريح النص القرآني في النهي عن التعصب الديني، الذي يلبس في كل عصر ثوباً جديداً بفعل الجهل والتبعية لمرجعيات شخصنت الدين في أطر ضيقة ومنغلقة على ذاتها، مما أدى إلى منحنى أخطر ألا وهو التكفير. وبين في ورقته المعالجات الهامة التي تضمنها الكتاب من حث على وحدة الأمة، ومنع انقسامها كمقصد أساس للقرآن الكريم ونهج أهل البيت، وكذلك تحذير الشباب من الوقوع في متاهات العنف وتبديد طاقاتهم الخلاقة في ممارسة العنف أو التبعية العمياء لذوي الفكر المنحرف، مضيفاً بأن أحد أسباب اللجوء للتطرف هو عدم معالجة تداعيات تردي الوضع الاقتصادي، وكذلك عدم التصدي للإعلام المغذي للفكر المتطرف بأشكاله اللفظية والعدائية.
وفي نهاية الورقة أشار الأستاذ الفزيع لما تضمنه الكتاب من مباحث كثيرة مركزاً على مسألة مشروعية الاختلاف في الرأي، وتحكيم العقل في الحالة الدينية، منطلقاً من نص للمؤلف بأن "هناك مرجعية لا يمكن تجاوزها في فهم الدين، وتشخيص تطبيقاته في شئون الحياة، هي مرجعية العقل، فالدين خطاب للإنسان بما هو كائن مفكر عاقل، والشرع سيد العقلاء " موضحاً أهمية الوعي بدور التسامح في إنقاذ المجتمعات من ويلات التطرف والغلو، والممارسات الخاطئة، والمسيئة للمجتمعات والأوطان.
ألقى بعدها الدكتور السيد عدنان الشخص الورقة الثانية مشيراً في البدء للقضايا الهامة التي تعرض لها الكتاب واصفاً بعضها بالجريئة، التي حاول من خلالها التأثير على القارئ في معالجة مسألة التكفير واستدعاء العقل، مشيداً بمنحى المؤلف في الاستعراض المنصف لآراء العلماء من مدارس فكرية وعقدية متنوعة. وبين أن أهم فصلين وجدهما هما "اتجاهات التكفير في التراث الديني" و "تهميش العقل في الحالة الدينية" مستفيضاً في الحديث حول اهمية نقد جذور التطرف النابعة من ظاهرة صعود تأثير النص على حساب العقل، موضحاً أن الجمود على نصوص العلماء من تفسيرات واجتهادات حيال النص القرآني أو الحديثي يؤدي إلى التشدد الفكري، في حين أن الاجتهاد في تفسير النص القرآني والصحيح من الحديث مستمر لكل الظروف والأزمنة، مستشهداً بما أورده المؤلف حول مسألة تضخم عدد الذنوب الكبائر على مدى مسيرة التراث الاسلامي.
وتطرق الدكتور السيد الشخص لبعض الملاحظات على الدراسة وفي مقدمتها إقحام القضية الحسينية في مادة الكتاب كآخر فصل، كما انتقد استعراض المؤلف لآراء المدارس الفكرية القديمة كالأشعرية والمعتزلة كونها ليست من القضايا المعاصرة. وأشار إلى عدم توسع المؤلف في بحث موضوع تشكل جماعات الاسلام السياسي التي نشأت مطلع القرن العشرين إثر سقوط الدولة العثمانية رغم اهميته اللصيقة بموضوع نقد جذور التطرف، كما ابدى ملاحظته حول خلو الكتاب من تناول قضية التقديس في تجميد العقل، التي كان ولا زال لها دور كبير في الانغلاق الفكري، وأنها من مسببات نشوء ظاهرة التكفير والإخراج من الدين.
وفي نهاية ورقته ركز الدكتور الشخص على أهمية انفتاح علماء الدين على المدارس الفكرية المختلفة والتعرف من قرب على ما يسود المجتمعات من مستجدات الفكر والثقافة، والتحلي بقيمة التسامح مع المختلف مبيناً أن تشدد بعض العلماء والمتدينين ورفضهم لمبدأ التسامح من منطلق الخوف على الهوية فيه نقاش، فالاختلاف ليس مهدداً للهوية، والتوجيهات القرآنية والحديثية تؤكد على حسن التعامل مع الآخر المختلف، مشيداً بالاعتراض الذي حصل على بيان مؤتمر مجمع الفقه الاسلامي لعام 1435هـ في محاولة تأطير من ينطبق عليه صفة الاسلام بضوابط واشتراطات ليس لها وجود في النص القرآني أو السيرة النبوية، مختتماً حديثه بالقول أن صمود أهل الاعتدال هو الذي يحقق أهداف الاعتدال والتسامح.
بعد ذلك أدار الأستاذ محمد الشافعي جولة الحوار ومداخلات الحضور، فانتقد الأستاذ نادر البراهيم نصاً ورد في الكتاب يفهم منه تحميل الحضارة الغربية مسؤولية التطرف في العالم الاسلامي، موضحاً أن الظروف السياسية في واقع المسلمين هي السبب الحقيقي لتنامي العنف، كما أشاد بما ذهب اليه المؤلف من العلاقة التكاملية بين الدين والعقل، وديناميكية التشريع في الاسلام. وتطرق الدكتور عبد العزيز الحميدي لأهمية تشخيص ما إذا كان التطرف يرجع لمرض نفسي أو هو ناتج من التقوقع حول الذات، مضيفاً بأن ممارسة التطرف على المسلمين هو أحد أسباب انتشار ظاهرة التطرف الديني.
وأشار الأستاذ زكي ابو السعود بأن مضامين الكتاب تتفق مع شخصية المؤلف العملية، كما ربط نمو ظاهرة التطرف بعدة امور منها الانغلاق الفكري ومحاولات فرض رأي معين، وكذلك الظروف الاقتصادية المتردية والتي تستغلها جهات عدة لمصلحتها، مؤكداً على ضرورة تحمل كافة قوى المجتمع مسؤولية التخلص من مسببات التطرف. وفيما أشاد الأستاذ محمد الشيوخ بعقلانية طروحات الشيخ حسن الصفار، انتقد محدودية عدد العلماء والخطباء أصحاب الطرح المعتدل رغم ما أكدته الحوادث المتتابعة لهذا الطرح. وبيّن الدكتور هاشم صالح دور العنف اللفظي في إشاعة التشنجات الاجتماعية وضرورة التخلص منه، كما تحدث حول بعض التوجهات الفكرية المتشددة التي تضع شروطاً من اجتهادها لدخول الجنة في مخالفة واضحة لنصوص قرآنية أكدت أن إخلاص القصد إلى الله والإحسان هو الشرط الأساس لدخول الجنة، داعياً التفسيرات المتطرفة لإعادة البحث لتجلية المنطق القرآني في التسامح.
وأكدت الأستاذة هدى الناصر على أهمية تفعيل دور علماء الدين المعتدلين في ابراز التشريعات القانونية التي تعزز التسامح وتعالج أسباب العنف، وتحدث الأستاذ عبد الله سيالة عن مجموعة مواقف في بلدان متعددة تكشف أشكال التشدد والتسامح لدى المجتمعات. وتطرق الأستاذ عبد الله أبو خمسين لنشوء العنف في الحالة الاسلامية منذ عهد الخلفاء الراشدين وامتداده حتى هذا العصر وأن انخراط علماء وأكاديميين في دوامته يؤكد أهمية توجيه دراسات معمقة لفهم أسبابه أولا ثم معالجته، ورأى الدكتور محمد هويدي بأن التقديس هو سبب عدم العقلانية والنزوع للتطرف، مضيفاً أن التطرف مذهبي وليس دينيًا، لأن الله تعالى تقبل المناقشة وإبداء الرأي وفق مواقف سطرها القرآن الكريم، كما ارجع الأديب الباحث عدنان العوامي السبب الرئيس للتطرف إلى عقلية القطيع للجماعات الدينية أو السياسية.
وفي نهاية البرنامج تحدث صاحب الدراسة الشيخ حسن الصفار معقباً على الورقتين البحثيتين والمداخلات بالشكر والثناء مؤكداً أن النقد لا يخالف الاحترام، ثم أوضح أن تناول القضية الحسينية ضمن موضوع التطرف جاءت لوجود توجهات فكرية تبرز واقعة كربلاء كدافع ومحفز للصدام، في حين أن ما جرى في عاشوراء ليس مبرراً للفكر المتطرف وأن القراءة الصحيحة للواقعة تتم بأخذ جميع الحيثيات والحوارات التي جرت بعين الاعتبار. كما دعا في جانب آخر إلى توثيق الصلة بين طبقة المثقفين وعلماء الدين لإيصال أفكارهم ونقاشاتهم ضمن طرح علمي بعيد عن اللغة الحادة والتعصب.