الفكر بين الموضوعية والانحياز
أمّ سماحة الشيخ حسن موسى الصفار "حفظه الله" جموع المصلين اليوم الجمعة الموافق 18 شعبان 1423هـ في مسجد سماحة الشيخ علي المرهون حفظه الله بالقطيف. وبعد الصلاة ألقى سماحته كلمةً افتتحها بقوله تعالى ﴿وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أُمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم؟ قالوا إنا بما أُرسلتم به كافرون﴾.وقد تحدث سماحته عن الجذور الفكرية التي تحول دون تقدم أي مجتمع من المجتمعات، وقد قسّم المجتمعات إلى قسمين:
القسم الأول: مجتمعاتٌ تكثر فيها انبثاق الأفكار الإبداعية الجديدة نتيجة لتقبل تلك المجتمعات للأفكار الجديدة التي تخدم مصالح المجتمع وتجعله يتقدم.
القسم الثاني: مجتمعاتٌ مصابة بالعقم الفكري، وذلك لأن لديها رفض مسبق لأي فكرةٍ جديدة.
وقال سماحة الشيخ: إن القسم الثاني من المجتمعات يعيش مشكلة الانغلاق الفكري، بعكس القسم الأول فهو يعيش حالة الانفتاح الفكري.
وأضاف سماحة الشيخ قائلاً إن القرآن الكريم يُخبر بأن كل الأنبياء في مسيرتهم للدعوة إلى الله تعالى اصطدموا بالقسم الثاني الذين رفضوا ما جاء به الأنبياء من جديد. واسترسل سماحته مفصّلاً الجوانب التي تتحدث عنها الآية الكريمة التي تصدرت البحث.
حاكمية العقل
وبعد هذه المقدمة تحدث سماحة الشيخ عن العقل ودوره العظيم في هداية الإنسان في كل الأحوال إلى الخير والصلاح، واستعرض لذلك مجموعة من النصوص الدينية التي تولي العقل أهمية بالغة وضرورة استخدامه. ومن تلك الروايات والنصوص: «قوام الرجل عقله» ،«لا دين لمن لا عقل له»،« العقل ناصحٌ لا يغش من استنصحه»، و «العقل فيه خير الدنيا الآخرة».
ثم توجه بالخطاب إلى من اتخذ الرواية التي تقول: «إن دين الله لا يُصاب بالعقول» ذريعةً في نفي كل الروايات التي تدعوا لاستغلال العقل في جميع جوانب الخير للدنيا والآخرة، ورد على ذلك قائلاً:
أولاً- إن هذه الرواية جاءت للرد على من يستخدم القياس في الأحكام الشرعية، إذ أنه لا مجال للعقل في الأحكام الفقهية الفرعية بعكس أصول العقائد فهي لا تُصاب إلا بالعقل.
ثانياً- ليس المقصود من الرواية نفي استخدام العقل وإنما المقصود نفي استخدامه بصورةٍ خاطئة كما هو في قياس المساواة.
وأكد سماحته أن المجتمعات التي فعّلت دور العقل تقدمت وأصبحت رائدة على المجتمعات، بينما المجتمعات التي جمّدت دور العقل تعرقلت مسيرتها وأصبحت في مؤخرة الركب.
كيف يمكن تفعيل دور العقل؟
وفي نهاية كلمته قال سماحة الشيخ: إن على كل إنسان إذا أراد لعقله أن يؤدي دوره الذي من أجله وُجد:
أولاً- ألا ينغلق فكرياً، فينفتح على الأفكار وينتقي منها الصالح ويترك الطالح منها جانباً.
ثانياً- أن يحذر من عوامل التأثير العاطفي، والتشبث بما ورثه، وإنما يُخضع كل ذلك للعقل وعلى العقل أن يُحدد الاتجاه السليم.
وأخيراً قال سماحة الشيخ إننا نجد المجتمعات المتقدمة التي فتحت الباب على مصراعيه من أجل العقل نراها تنعم بتدفق الأفكار الجديدة والطروحات الإبداعية بين آونة وأخرى، بينما تقبع المجتمعات المتخلفة في خندق المورثات دون أن تُحرز أي تقدمٍ يُذكر، حتى قيل عن تلك المجتمعات أنها مصابة بجين التخلف.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.