سماحة الشيخ الصفار يُقدّم نظرةً اقتصادية على ضوء الطفرة الاقتصادية المقبلة في المملكة

مكتب الشيخ حسن الصفار
قدّم سماحة الشيخ حسن الصفار نظرةً اقتصادية على ضوء الطفرة الاقتصادية التي تُقبل عليها المملكة العربية السعودية، مشبعاً حديثه بالأرقام التي تبين حجم الإيرادات النفطية الكبيرة، ودعا المسئولين في البلاد إلى ضرورة حسن التصرف ووضع الخطط المناسبة للاستفادة من هذا التقدم بأكبر قدر ممكن. وأشار في كلمته التي ألقاها ظهر الجمعة 21 رجب 1426هـ (26 أغسطس 2005م) إلى أن تعاليم الإسلام تركز على أمرين أساسيين في الجانب الاقتصادي: الأول دفع الإنسان وتشجيعه لتحصيل المال والإمكانيات والثروات، من خلال الهمة العالية وسيادة روح التعاون والعمل الجمعي بين أبناء المجتمع، والثاني حسن التدبير في المعيشة، مستعرضاً جانباً من الروايات التي تؤكد على هذا المعنى.

وفيما يلي نص الكلمة:


يبدو أن بلادنا مقبلة على طفرة اقتصادية جديدة، فقد أنعم الله تعالى على بلادنا بخيرات كثيرة، وفي هذه الفترة ارتفعت أسعار النفط إلى حدٍ كبير، كان سعر برميل النفط في عام 1999م (10) دولار، وفي عام 2004م كان سعر برميل النفط إلى (40) دولار، أما الآن فقد وصل إلى ما يزيد على (65) دولار، وهو مرشح للزيادة ويتوقع أن يصل إلى ما يُقارب المائة دولار للبرميل الواحد. وإذا كانت بلادنا تنتج في كل يوم حولي (9.5) مليون برميل، فهذا يعني أن الدخل كبيرٌ جداً والحمد لله. ويقدر الخبراء حجم الإيرادات النفطية في هذا العام تقترب من (300) مليار دولار.

بالطبع هذه الثروة، وهذا الدخل الهائل، من الطبيعي أن ينعكس على مستوى الحياة في البلاد، إذا أحسن التصرف وإذا كانت الخطط التي توضع للاستفادة من هذه الثروات والتعامل معها تعاملاً جيداً فستكون الانعكاسات جيدة لصالح وضع البلد والتنمية الاقتصادية فيه ولصالح الأجيال في المستقبل. أما إذا لم يكن هناك حسنٌ في التصرف فقد تمر هذه الطفرة، كما مرّت الطفرة الاقتصادية السابقة مع قدر قليل من الاستفادة. بالطبع فإننا لا نتجاهل ما حققته الطفرة الاقتصادية السابقة من تطورٍ وتقدم ولكنه لم يكن بمستوى الطموح والتطلع، ولذا ينبغي أن يتجاوز المسؤولون سلبيات الطفرة الاقتصادية وتركيز الجهود على إيجابياتها. كما أنه تقع على عامة الناس مسئوليات كبيرة لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة، فالمسألة لا ترتبط فقط بقرارات الدولة، وإنما لممارسة الناس أثر كبير في ذلك.

التعاليم الدينية تركز على أمرين أساسين في المجال الاقتصادي:

الأمر الأول: دفع الإنسان وتشجيعه لتحصيل المال والإمكانيات والثروات.

جاء في الحديث عن رسول الله أنه قال: «الغنى للمؤمن في آخر الزمان سعادة، إن استطعتم أن تكونوا أغنياء فكونوا». ويأتي تركيز الحديث على آخر الزمان لأنه كلما تطور الزمن تكون قيمة المال والثروة أوضح وأجلى وأكثر تأثيراً في حياة الإنسان كما هو واضح في هذا العصر. وورد في نصٍ آخر: «نعم العون على الدين الغنى». وفي نصٍ ثالث: «الغني الشاكر خيرٌ من الفقير الصابر»، لأن الغني الشاكر ينفع الناس بغناه وثروة، بينما الفقير الصابر ينال ثواب صبره دون أن تنعكس على المجتمع فائدة كما هو الحال مع الغني الشاكر.

«وفي هذا السياق هناك رواية جميلة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام فعن محمد بن عذافر عن أبيه قال: أعطى أبو عبد الله أبي ألفاً وسبعمائة دينار فقال له: إتجر لي بها، ثم قال: أما إنه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه. ولكن أحببت أن يراني الله عز وجل متعرضاً لفوائده. قال: فربحت فيها مائة دينار ثم لقيته فقلت له: قد ربحت لك فيها مائة دينار. قال: ففرح أبو عبد الله عليه السلام بذلك فرحاً شديداً، ثم قال: أثبتها لي في رأس مالي» (الطوسي: محمد بن الحسن/تهذيب الأحكام ج6/ص326).

المشكلة أن الكثير من أبناء المجتمع لا يُتعبون أنفسهم في طلب الرزق، مع أن العمل لا يقتصر على زيادة المال لدى الإنسان، وإنما فيه زيادة في خبرة وتجارب الإنسان ونماء لمعرفته وبناءً لشخصيته. كما أن العمل يُشعر الإنسان بوجوده، وبأن له دور في الحياة. صحيح أن الجسم يتعب، ولكن الروح والمعنويات تتغذى من خلال هذا التعب.

«وتنقل الروايات أن الإمام جعفر الصادق عليه السلام سأل صاحبه معاذ بن كثير: يا معاذ أضعفت عن التجارة؟ أو زهدت فيها؟ قلت: ما ضعفت عنها ولا زهدت فيها. قال: فما لك؟ قلت: عندي مال كثير وهو في يدي، وليس لأحد علي شيء، ولا أراني آكله حتى أموت، فقال: لا تتركها فإن تركها مذهبة للعقل»، (الحر العاملي: محمد بن الحسن/تفصيل وسائل الشيعة ج17/ص14 رقم 21859 مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ بيروت الطبعة الأولى 1993م).

وعلى الإنسان أن يتمثل قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ، ليُعطيه الدافعية للعمل إلى آخر لحظةٍ من حياته.

نجد أن البعض من الناس يتقاعسون عن استثمار الفرص الاقتصادية التي تتاح لهم، وهذا أمرٌ سيء، ينبغي أن لا يزهد الإنسان في استثمار أي فرصة اقتصادية أو استثمارية، خاصةً الآن إذ يُتوقع خلال الخمسة عشر سنة القادمة أن تُفتح فرص استثمارية تزيد قيمتها على (643) مليار دولار، لذلك يحتاج أن يكون هناك تسابق لهذه الفرص، ولا ينبغي أن نركن للكسل والخمول.

ينبغي أن يتحلى أبناء المجتمع بالهمة العالية وبروح المغامرة، والتطلع إلى الاستثمارات الحقيقية، لا أن يقتصروا على الاستثمار في الأسهم والعقارات، والتي فيها رزق وخير ولكنها لا تبني عقل الإنسان ولا تزيد في خبرته بالحياة.

إضافةً إلى ذلك ينبغي أن تسود في المجتمع روح التعاون والعمل الجمعي، فالكثير من الناس لا يتمكنون من تكوين الثروة بمفردهم، ولكن لو اجتمع جمعٌ من أبناء المجتمع وتعاونوا فيما بينهم، فإنه من الممكن أن يصنعوا شيئاً ليس بسيطاً.
والمسألة تحتاج إلى روح التعاون والتخطيط والتوجه.

الأمر الثاني: حسن التدبير في المعيشة.

صدر في الآونة الأخيرة مرسوم ملكي يقتضي زيادة رواتب الموظفين (15%) والمأمول أن لا تواكب ذلك زيادة في الأسعار، إضافةً إلى ذلك هناك فرص استثمارية كبيرة، ويتوقع الناس المزيد وهذا من حقهم، فالبلد بلدهم وهذه الثروات حقٌ لهم.

وتجاه ذلك ينبغي أن يتحلى أبناء المجتمع بحسن التدبير، إذ يجب أن يفكر كل واحد لأساسيات حياته وبناء مستقبله ومستقبل أبنائه، لا أن يكون مصير هذه الزيادات وهذه الاستثمارات للرفاه والكماليات، كما هو غالب التوجهات.

ومجتمعنا مجتمع مستهلك، يتفاخر الكثير بأسلوب الاستهلاك، وتجد ذلك عياناً في مناسبات الأعراس، وفي التهادي بين النساء في مناسبات الزواج أو الولادة، وعند البعض يتمثل ذلك في تجديد أثاث المنزل دون مبرر حقيقي، وهذا التوجه توجه خاطئ إذ المطلوب التفكير في بناء الكفاءات والتخطيط للمستقبل، وبناء المجتمع.

تجاه هذه الحالة ينبغي أن يكون هناك حسن تدبير في المعيشة، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: «سوء التدبير مفتاح الفقر»، وعن الإمام الصادق أنه قال: «من الدين التدبير في المعيشة».