شهر رمضان ومعركة المواجهة مع الوباء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

نستقبل شهر رمضان المبارك هذا العام ونحن والعالم كله نعيش معركة مصيرية ترتبط بحياة وصحة كل فرد من الأفراد، إنها المواجهة مع فيروس كورونا الجديد (كوفيد 19) والذي يهدد العالم بأسره، وبمختلف أعراقه وأديانه وبلدانه.

ولأن البشرية مع تقدمها العلمي الباهر لم تكتشف بعد السلاح القادر على مواجهة هذا الفيروس الفتاك، فإن المطلوب من كل فرد أن لا يعطي الفيروس فرصة للوصول إليه، وأن يحمي نفسه من الإصابة به، والتباعد الاجتماعي والحجر المنزلي هو الخيار الذي يقرّه ويؤكد عليه الخبراء والأخصائيون في هذه المرحلة.

وحيث يطل علينا شهر رمضان المبارك وهو شهر الله الفضيل الذي يشكّل موسماً روحياً اجتماعياً متميزاً، تعمر فيه المساجد بحشود المصلين، وتزدهر الحسينيات بحضور المستمعين، وتنتعش المجالس بالمتزاورين. فإن علينا ألّا نحرم أنفسنا من بركات هذا الشهر العظيم، لكن مع التزام كل إجراءات التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي، والتقيّد بكل الأنظمة والتعليمات التي أقرتها الجهات المختصة في البلاد.

لذلك أذكّر نفسي وإخوتي وأخواتي الأعزاء بالنقاط التالية:

أولاً:

أن نلتفت إلى الحكمة الأساس من فريضة الصيام وهي التقوى حيث يقول تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ والتقوى تعني حرص الإنسان النابع من داخله على الامتثال لأوامر الله تعالى. لذلك يقرر الإنسان على نفسه الامتناع عن المفطرات دون أن يلزمه أحد بذلك، ودون أن يحتاج إلى رقابة خارجية، وهذه الحالة يجب أن نستحضرها في الالتزام بالاحترازات الصحية لمواجهة هذا الوباء، فنفرضها على أنفسنا وعلى أبنائنا وعوائلنا قبل أن تفرضها الحكومة علينا، ولا ينبغي التفكير في تخطي هذا الإجراء والتحايل عليه؛ لأن الضرر سيعود علينا أولاً قبل أن يعود على الحكومة.

ثانياً:

إن الحالة الاجتماعية المكثفة التي ألفناها في شهر رمضان ربما كانت سبباً لحرمان كثير منا من فرص بناء الذات والتوجه للارتقاء الروحي والتثقيف الذاتي، ولعل الظرف الذي فرض نفسه علينا يعطينا فرصة أكبر على هذا الصعيد.

فلنتوجه إلى ذواتنا، ولننفتح أكثر على أنفسنا لسدّ الثغرات، وتلمس النواقص الذاتية، والعمل على إصلاحها عبر التدبر في آيات القرآن الكريم، والتأمل في الأدعية المأثورة، الزاخرة بالمضامين الروحية والأخلاقية، والاقبال على العبادة والتهجد، وقراءة الكتب المعرفية المفيدة.

ولنشجع أبناءنا وأفراد عوائلنا على هذه البرامج لاستثمار أجواء هذا الشهر الكريم في بناء الذات وإصلاح النفس والقرب من الله تعالى وتحصيل درجات الكمال المعنوي الروحي.

ثالثاً:

بحمد الله تعالى فقد توفرت سبل التواصل الاجتماعي الديني والمعرفي عبر الفضاء الافتراضي الإلكتروني، وأصبح ممكناً متابعة الدروس وحضور المجالس واستماع الخطب، وإدارة الحوارات والنقاشات، وتبادل وجهات النظر، كل ذلك أصبح متاحًا، وعلى إدارات المؤسسات الدينية والتربوية والثقافية والاجتماعية من مساجد ومدارس وحسينيات ومنتديات وجمعيات وأندية، أن تتنافس في إعداد البرامج لاستقطاب المتابعين عبر هذا الفضاء الإلكتروني الافتراضي.

ويمكن لكل مسجد أن يقدم خطبة الجمعة بهذه الطريقة، وكذلك يمكن للحسينيات أن تقيم مجالسها بهذا الأسلوب أيضاً، وهكذا سائر المؤسسات.

وكما نصرف مالاً وجهدًا على إقامة المجالس والأنشطة المتعارفة سنويًا، علينا أن نصرف المال والجهد حاليًا لهذه البرامج الافتراضية الإلكترونية.

ولا ينبغي أن يغفل أصحاب هذه المجالس عن خطبائهم الذين كانوا يحيون مجالسهم بالموعظة وذكر أهل البيت ، فلا بد من تفقد أحوالهم ففيهم من لا يمتلك دخلاً لتسيير شؤون حياته وحياة عياله.

رابعاً:

إن شهر رمضان هو شهر العطاء، وفضل الصدقة فيه مضاعف فقد سئل رسول الله []: أي الصدقة أفضل؟ فأجاب : (صدقة في رمضان).

وورد عن الإمام جعفر الصادق[]: (من تصدق في شهر رمضان بصدقة صرف الله عنه سبعين نوعاً من البلاء).

ونعلم جميعاً أن شريحة من أبناء المجتمع قد تضرر وضعهم الاقتصادي بسبب إجراءات الظروف الحاضرة وأصبحوا في حاجة للدعم والمساعدة لتسيير شؤون حياتهم وحاجات عوائلهم. فعلينا أن نرتقي بحالة التكافل والتضامن الاجتماعي وخاصة في هذه الظروف الصعبة، فإن التعاون والتراحم من أسباب كشف البلاء ودفع الوباء.

والمتطوعون المتبرعون بإقامة المجالس الرمضانية، عليهم أن يوجهوا المبالغ المخصصة لها من أجل مساعدة الفقراء والمحتاجين، فثواب ذلك لا يقل عن ثواب إقامة المجالس إن شاء الله.

وعلينا في البداية أن نتفقد أوضاع أرحامنا وأقربائنا فنتواصل معهم، ونقدم المساعدة لهم، وأن نتجاوب مع برامج ومشاريع الجمعيات الخيرية في مناطقنا وننخرط فيها بالمشاركة العملية والمادية.

وأخيراً فإن شهر رمضان هو شهر التوبة والإنابة والرجوع إلى الله تعالى، وهذا البلاء الذي يعيشه العالم هو تذكير لأبناء البشر بحاجتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وافتقارهم إلى لطفه ورحمته، علينا أن نستثمر كل لحظة من لحظات هذا الشهر الكريم لنضرع إلى الله تعالى أن يكشف هذا البلاء العظيم ويدفع هذا الوباء الفتاك عنا وعن جميع المؤمنين والمسلمين وأبناء البشرية جمعاء إنه مجيب دعوة المضطرين وهو أرحم الراحمين ﴿رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ

20 شعبان 1441هـ

13أبريل 2020م