الشيخ الصفار: النهضة الحضارية للأمة ليست مرهونة برجال الدين
-
ويدعو إلى إدارة مدنية للمجتمعات الشيعية على غرار "الخوجة".
-
ويدعو الأكاديميين والمثقفين ورجال الأعمال إلى "انتزاع أدوارهم".
-
ويرفض تحميل رجال الدين مسؤوليات مدنية أكبر من طاقتهم.
-
ويقول إن تكفير الشيعة وسب الصحابة "ألغام طائفية" ينبغي تفكيكها.
-
ويرى أن مسار النقد والتجديد الديني مرهون بوعي المجتمع.
-
ويدعو إلى مؤازرة رموز الإصلاح الديني وعدم خذلانهم وقت الأزمات.
قال سماحة الشيخ حسن الصفار إن النهضة الحضارية للأمة ليست مرهونة بتحرك فئة واحدة بعينها كالمؤسسة الدينية وإنما يتحمل مسئوليتها جميع الفئات والجهات والنخب في الأمة.
وقال الشيخ الصفار خلال ندوة عقدها منتدى الرقيم عبر منصات زووم ويوتيوب وفيسبوك مساء الأحد 29 شوال 1441هـ الموافق 21 يونيو2020م إن مدرسة أهل البيت تمتلك مقومات كثيرة تساعد المجتمعات المنتمية لها على استجابة أكبر للمتغيرات.
وأرجع ذلك إلى استمرار حركة الاجتهاد الديني "وإن كانت على المستوى النظري" اضافة إلى مواجهتهم التهميش على مدى عصور طويلة. وهذا ما يدفعهم إلى لعب دور أكبر ضمن نسيج الأمة لا من خارجها.
وخلال الندوة التي حملت عنوان "مستقبل الفكر الديني في ظل التطورات" شدّد سماحته على الحاجة إلى افساح المجال أمام النقد الموضوعي المواكب للواقع والفاحص له والمقوم لأخطائه.
ورأى في السياق الحاجة إلى قيام مراكز رصد وأبحاث ودراسات، ترصد الواقع الديني والاجتماعي، والتي غالبًا ما يغيب التفكير في إنشاءها على النقيض من التوجه نحو إنشاء المزيد من المساجد والحسينيات.
وفي اجابة على سؤال مدير الندوة سيد صالح ضياء الدين عن أثر المتغيرات العالمية على الواقع الديني؟ قال سماحته: لا ينبغي أن نخشى على الدين بما هو دين (فللبيت ربّ يحميه).
واستدرك سماحته بالقول "إنما الخشية على المتدينين أنفسهم ومدى تفاعلهم مع هذه المتغيرات والاستجابة لها".
وأضاف بأن استجابة الأمة لا يجوز أن تقتصر على المستوى الديني وإنما ينبغي أن تطال جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية "فالأمة بحاجة إلى روح نهضوية في مختلف الأبعاد والمجالات لتجاوز الواقع المتخلف الذي تعيشه".
مسار النقد والتجديد:
وقال الشيخ الصفار ان مسار النقد والتجديد الديني في مدرسة أهل البيت مسار قديم ومتواصل، قائلاً بأن قدرة هذا المسار على التأثير في المجتمع الشيعي مرهون بوعي المجتمع ومدى تفاعل الواعين من أبناءه.
وأضاف بأن التفكير من خارج الصندوق وفقا لمدير الندوة يعدّ حالة ضرورية، لا يمكن أن يتحقق التغيير والإصلاح بدونها.
وتابع بأنه لا ينبغي القلق من بروز الآراء المستجدة والمختلفة التي تفكر من خارج الصندوق كما يقال. داعيًا إلى تشجيع هذه الحالة والدفاع عن حرية التعبير عن الرأي.
وقال ان من الخطأ الكبير تكميم الأفواه، ومصادرة حرية التعبير عن الرأي، لمجرد وجود آراء أخرى سائدة، ويعتبرها البعض حقًّا مطلقًا.
ورفض سماحته التوجهات التي تشكّك في عقيدة ودين أصحاب الآراء المستجدة. داعيًا إلى الاحتكام إلى طاولة النقاش الحر والمفتوح. معتبرًا ذلك أمرًا مفيدًا لتقوية العقيدة وتصحيح الأخطاء التي قد تشوبها، والتحريف الذي يستهدفها.
مسؤولية الإصلاح الديني:
وقال سماحته إن مواجهة التحديات تستلزم استنفار كل القوى في الأمة، وعلى رأسها قوى المجتمع المدني، متضمنًا الكفاءات الأكاديمية والثقافية ورجال الأعمال، وإطلاق المبادرات والمؤسسات التي تتبنى الإصلاح في مختلف المجالات.
وتناول في السياق تجارب في الإدارة المدنية للمجتمعات الشيعية، ومنها: تجربة المواطنين الشيعة في سلطنة عمان (اللواتية) التي يقف على ادارتهم رجال أعمال بالدرجة الأولى.
وكذلك الحال مع تجربة المجتمع الشيعي المعروف بالخوجة الذي يخضع هو الآخر لإدارة مدنية.
وأضاف أنه لا ينبغي إلقاء عبء الإصلاح على المؤسسة الدينية وحدها.
وقال إن علماء الدين لهم أدوارهم وتأثيرهم، لكن لا ينبغي أن تكون التوقعات مبالغًا بها حيال هذه الأدوار.
وفي السياق حثّ سماحته أبناء المجتمع من أكاديميين ومثقفين ورجال أعمال على "انتزاع أدوارهم" وأن يكون لهم تأثير وفاعلية.
محدودية أثر التجديد الديني:
وحول محدودية أثر التجديد الديني في مجمل المجتمعات الشيعية أرجع الشيخ الصفار ذلك إلى محدودية المبادرات الإصلاحية. قائلا إن هناك كثيرين غير راضين عن ما يجري في الحالة الدينية لكنهم لا يمتلكون الجرأة في ابداء آرائهم.
ورأى ضرورة تشجيع ذوي الرأي في المؤسسة الدينية على أن يتحملوا مسئوليتهم ويعبروا عن آرائهم، اضافة إلى تكثيف المبادرات الإصلاحية والعناصر القائمة بالإصلاح.
وحثّ الإصلاحيين على الانفتاح والتعاون فيما بينهم. معربًا عن الأسف لغياب هذا التعاون خشية التصنيف والتعرض للهجوم الذي يتعرض له المصلحون الآخرون.
كما حثّ الواعين من أبناء المجتمع على مؤازرة رموز الإصلاح الديني وعدم خذلانهم في حالات تعرضهم للهجوم.
مثقفون وعلماء دين:
وبخلاف ما يشاع عن جمود المناهج الدينية في الحوزات العلمية، أشار الشيخ الصفار إلى تجارب تطويرية جارية في بعض الحوزات والمعاهد في مدينة قم، وأبرزها مثلاً جامعة الأديان والمذاهب وكذلك في النجف الأشرف هناك مبادرات للتطوير.
وقال سماحته إن التغيير والإصلاح الاجتماعي ليس عملا فورياً، وإنما يستغرق وقتًا طويلًا قد يمتد إلى أكثر من جيل. داعيًا إلى التسلح بالتفاؤل والأمل.
ودعا سماحته إلى تجسير العلاقة بين الحوزات الدينية والأوساط الثقافية.
وحثّ علماء الدين من جهة والمثقفين والأكاديميين من جهة أخرى على خلق سبل التواصل معلّلًا بأن انقطاع العلاقة ليس من مصلحة الطرفين ولا من مصلحة ساحة الأمة.
ودعا المثقفين إلى تخفيف النبرة الحادة تجاه العلماء والمتدينين والتعاون في مقابل ذلك مع علماء الدين الاصلاحيين، محملًا الأخيرين أيضًا المسؤولية نفسها.
ألغام طائفية:
واعتبر الشيخ الصفار اثارة المشاكل الطائفية غالباً ما تكون لأسباب سياسية عند بعض الجهات. مشددًا في الوقت عينه على وجود "الألغام" الطائفية وأبرزها الإساءة لرموز الطرف الآخر.
وقال إن المشكلة الطائفية بين السنة الشيعة تعود لسببين هما تهميش المتشددين السنة (في السلطة أو الفتوى) للمسلين الشيعة، وبالمقابل نزعة المتشددين الشيعة للإساءة لرموز السنة من الصحابة وأمهات المؤمنين.
وأضاف بأن هذه "الألغام" ينبغي أن تفكك وأن تعالج عقديًا وفكريًا. مشيرًا إلى بروز فئات متطرفة أو مدفوعة سياسيًا تعمد إلى تأجيج هذه المشكلة بين حين وآخر.
وتناول في السياق تجربة المواطنين الشيعة في المملكة حيال الانفتاح والتقارب من أخوانهم السنة، بما في ذلك بعض المتشددين السلفيين الذين كانوا يستنكفون عن رد السلام على الشيعة فضلًا عن اللقاء بهم.
وقال إن هذه اللقاءات بالإضافة إلى عوامل أخرى ساهمت في ترطيب العلاقة بين الطرفين، واستجابة بعضهم للحضور في مجالسنا وحسينياتنا حتى أن أحدهم ألقى كلمة في موكب عزاء وهذا من شبه المحال سابقا.
وأسف إلى قيام المتشددين من كلا الطرفين بالهجوم على هذا الانفتاح الوطني والإساءة للقائمين عليه واتهامهم بمختلف التهم.
وأكد سماحته بأن الموضوع الطائفي ليس عصيًا على المعالجة والاختراق، إذا أمكن تحييد العنصر السياسي، وتحملت المؤسسة الدينية مسؤوليتها في هذا المجال.
جماعات متطرفة:
وحول بروز بعض الجماعات المتطرفة التي تتبنى خطابًا مسيئًا للطوائف الأخرى أو انحرافًا فكريًا عقديًا قال الشيخ الصفار إن هذا الأمر قائم منذ عصر الأئمة وعلى مر التاريخ. مضيفًا أنه لا سبيل لمواجهة ذلك إلا بالتوسع في التوعية الفكرية ورد الرأي بالرأي.
وانتقد سماحته حالة الاستعلاء من بعض رجال الدين على المثقفين، والتي يقابلها النقد الاستفزازي وتعميم الاتهام من بعض المثقفين تجاه الفريق الأول.
ودان الطرفين المتورطين في هذا المسلك الخاطئ على حد سواء.
وقال إن بعض المثقفين يتهمون علماء الدين بالعيش في بروج عاجية في حين هم أنفسهم يمارسون الشي نفسه تجاه مجتمعهم. داعيًا الوسط الثقافي إلى فاعلية أكبر في المجتمعات.
في غضون ذلك دعا المثقفين إلى النزول إلى المجتمع ولعب دورهم في الجمعيات الخيرية والأندية الرياضية والمجالس والمواكب والمؤسسات دون اشتراط التطابق الفكري التام مع تلك الجهات.
وأشار سماحته إلى أن نهضة الأمة ليست مرهونة بتحرك فئة واحدة بعينها كالمؤسسة الدينية مثلاً، وإنما هي مهمة تتحمل مسؤوليتها جميع الفئات والجهات والنخب وأمامنا تجارب الأمم التي ناضل مفكروها ودفع بعضهم أثمانًا باهظة.
وقال إنه ليس من الصواب اقحام رجال الدين في كل مشكلة اجتماعية "فليست كل المشاكل تحل عن طريق الخطاب المنبري". موضحًا بأن الكثير من المشاكل بحاجة لتشخيص علمي تخصصي ومعالجة عن طريق مؤسسات اجتماعية وجهد أهلي.
في مقابل ذلك دعا سماحته المثقفين والأكاديميين إلى تحمل مسؤوليتهم تجاه شعوبهم والقيام بواجبهم الإصلاحي والاستعداد لتقديم التضحيات وتحمّل الأذى فهذا سبيل المثقفين التغييرين على مرّ التاريخ.
الندوة على اليوتيوب: