تقديم لكتاب أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري للأستاذ جواد الفضلي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.

ربما يتساءل بعضٌ عن جدوى وأهمية دراسة الشخصيات التاريخية التي مضى على حياتها قرون من الزمن، بينما نواجه في حياتنا المعاصرة ما يشغلنا ويثقلنا من الهموم والتحديات، كما نعاصر شخصيات تفرض دورها وتأثيرها العميق على واقع حياتنا المعاصر؟

غير أن الإجابة على هذا التساؤل ليست عصيّة ولا معقدة، فالإنسان في مواجهته لتحديات الحياة وهمومها يحتاج إلى رؤية واضحة، وإلى منظومة قيمية ينطلق منها في النظر إلى الأحداث والتعامل معها. كما يحتاج إلى نماذج وقدوات يستلهم من تجاربها ما يدفعه لاتخاذ الموقف السليم والسلوك القويم.

وهنا تأتي أهمية دراسة الشخصيات التاريخية الملهمة التي امتلكت بصيرة نافذة تتخطى بها حالات الغبش والتشويش والالتباس، وتتخذ الموقف المبدئي المنسجم مع قيم الحق والعدل في مختلف الظروف والتحديات.

وبين يدي القارئ الكريم دراسة قيّمة عن شخصية صحابي جليل هو أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري رضي الله عنه. وكان ينبغي أن يكون لشخصية هذا الصحابي العظيم حضور أكبر في ذاكرة الأجيال المسلمة، وفي فضاء التاريخ والتراث الإسلامي. بينما نلحظ غياباً أو حضوراً باهتًا لذكره، قياساً بذكر شخصيات أخرى من الصحابة ليست أعلى منه شأنًا ولا أكثر منه دورًا.

إنه آخر صحابي عاش في الأمة، قال القاضي أبو بكر: وكان أبو الطفيل توفي في سنة ثنتين ومائة، لا يعلم على وجه الأرض عين بقيت ممن رأى النبي بعده ذكر ولا أنثى.

وسيجد القارئ في هذا الكتاب أن الراجح في تاريخ وفاته هو سنة 110هـ فهو آخر من مات من الصحابة.

وهذا يقتضي أن يكون محل اهتمام وإجلال معاصريه من أبناء الأمة، حيث يمثل لهم ذكرى وذاكرة لزمن نبيهم العظيم الذي يعشقونه، ويحتفون بكل ما يرتبط بشخصيته وسيرته.

كما أن في شخصية هذا الصحابي الجليل أبعادًا متعددة تستقطب الاهتمام وتستوجب التقدير، فإضافة إلى شرف الصحبة، هو راوية محدّث، روى عن رسول الله ، وروى عن كبار صحابته.

وهو شاعر فذّ عدّه بشر بن مروان من أشعر شعراء كنانة، وقد جُمع شعره في ديوان باسمه (ديوان أبي الطفيل).

وهو رجل جهاد وفارس شجاع خاض الحروب في المعارك دفاعاً عن الخلافة الشرعية لأمير المؤمنين علي كحرب الجمل وصفين، كما أسند إليه الامام علي قيادة بعض السرايا والجيوش.

كما كان حامل راية ثورة المختار الثقفي للأخذ بثأر الإمام الحسين بعد استشهاده في كربلاء، وكان من قادة ثورة عبدالرحمن بن الأشعث ضد طغيان الحجاج بن يوسف الثقفي. ودافع عن محمد بن الحنفية بن الإمام علي وعن عبدالله بن عباس حينما حبسهما بن الزبير في مكة، حيث قاد جيشًا لتحريرهما ومن معهما من السجن.

إلى جانب سمات أخرى في شخصية هذا الصحابي تستحق أن تخلّد ذكره في صفحات تاريخ الأمة، وأن يكون له حضور أكبر في تراثها وثقافتها.

أما لماذا أصبح شخصية مغمورة؟ فإن في هذا الكتاب إجابة شافية تتلخص في العامل السياسي الذي اعتمد سياسة الاقصاء للموالين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولأبنائه الأئمة الهداة .

من هنا تأتي قيمة هذه الدراسة الجادة التي أعدها الباحث الفاضل الأستاذ جواد الفضلي حفظه الله عن شخصية هذا الصحابي الجليل، فقد جمع شتات ما ذكرته كتب الحديث والتاريخ والأدب عن حياة أبي الطفيل رضي الله عنه، حيث يضم الكتاب كل ما رواه أبو الطفيل أو روي عنه من أحاديث في مصادر السنة والشيعة، مما يمكن اعتباره مسنداً لأحاديث أبي الطفيل.

كما يضم قصائده وأشعاره، فهو بمثابة إعادة جمع لديوانه بدراسة أدبية فكرية راقية، إضافة إلى إبراز مواقفه الرسالية الصادقة، ودفاعه عن حق وفضل العترة النبوية الطاهرة.

إنني أكبر في الأستاذ جواد الفضلي روح البحث العلمي في كتاباته، ومنهجية الطرح الموضوعي، ولا غرابة في ذلك فهو تلميذ نجيب لمدرسة والده المفكر الفقيه العلامة الشيخ عبدالهادي الفضلي طاب ثراه.

فلتقر عين الشيخ الفضلي بأبنائه وتلامذته الذين يواصلون نهجه العلمي، ويحملون تطلعاته الرسالية في خدمة الدين والأمة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

حسن موسى الصفار

25 شعبان 1441هـ

19 أبريل 2020م