فاعلية النشاط الأهلي

نشرت صحيفة الأيام البحرينية يوم الأربعاء 26 رجب 1426هـ الموافق 31 أغسطس 2005م في عددها الصادر رقم 6018 مقالاً لسماحة الشيخ الصفار بعنوان: «فاعلية النشاط الأهلي» وفيما يلي نص المقال:

تتفاوت المجتمعات في‮ ‬مستوى الفاعلية والنشاط الأهلي،‮ ‬فبعض المجتمعات تزخر ساحتها بالحركة والفاعلية الأهلية في‮ ‬مختلف الأبعاد والميادين‮. ‬ومجتمعات أخرى تقل فيها الحركة أو تعيش حالة من الركود والسبات‮.‬
إن مستوى الحركة في‮ ‬النشاط الأهلي‮ ‬يعكس مدى قوة المجتمع وحيويته،‮ ‬فكلما تكثفت مؤسسات العمل الأهلي،‮ ‬وتنوعت اهتماماتها زاد رصيد قوة المجتمع وتضاعفت مكاسبه‮.‬

ومن أهم تجليات تلك المكاسب ما‮ ‬يلي‮:‬
‮١- ‬تعزيز ثقة المجتمع بنفسه،‮ ‬واطمئنان أبنائه إلى رعاية مجتمعهم ودعمه لهم‮.‬
‮٢- ‬كسب احترام وتقدير الجهات والمجتمعات الأخرى‮.‬
‮٣- ‬إتاحة الفرصة لاكتشاف المواهب والقدرات في‮ ‬أبناء المجتمع وتنمية طاقاتهم وكفاءاتهم‮.‬
فالنشاط الرياضي‮ ‬يستقطب الراغبين فيه ويطور قدراتهم،‮ ‬وكذلك النشاط الأدبي‮ ‬أو الفني‮ ‬وغيره‮.‬
‮٤- ‬استيعاب أبناء المجتمع ضمن الأطر الصالحة،‮ ‬وخاصة من شريحة الشباب الذين‮ ‬يمتلكون فائضا من القوة والوقت،‮ ‬ويبحثون عن مجالات للتصريف،‮ ‬وقد‮ ‬يصبحون فريسة للتوجهات المنحرفة،‮ ‬أو‮ ‬يعيشون حالة اللامبالاة‮.‬
وكلما اتسعت ساحة النشاطات الايجابية للشباب في‮ ‬المجتمع تقلصت مساحات الضياع والانحراف‮. ‬ولعل ذلك من معاني‮ ‬قوله تعالى‮: ﴿اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .
‮٥- ‬مساعدة المجتمع في‮ ‬مواجهة التحديات،‮ ‬ومعالجة المشاكل،‮ ‬فواقع الحياة‮ ‬يفرز الكثير من المشاكل،‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يخلو منها مجتمع،‮ ‬وليس صحيحا الاعتماد على الحكومة في‮ ‬كل شيء،‮ ‬وتحميلها كل المسؤوليات والمهام‮.‬

النهوض بالعمل الأهلي

تقدم العمل الأهلي‮ ‬أو انخفاضه في‮ ‬أي‮ ‬مجتمع ليس أمراً‮ ‬عفويا حسب الصدفة والاتفاق،‮ ‬وإنما لوجود عوامل وأسباب تؤدي‮ ‬إلى تلك الحالة‮.‬

ولعل من أهم العوامل ما‮ ‬يلي‮:‬

‮١- ‬الثقافة السائدة‮: ‬حين تنتشر في‮ ‬المجتمع ثقافة تدعو إلى الحركة والفاعلية،‮ ‬وتحمّل الإنسان المسؤولية تجاه واقع مجتمعه المعاش،‮ ‬وتؤكد على قيمة العمل،‮ ‬والآثار الايجابية للسعي‮ ‬نحو الخير،‮ ‬وتشيد بفضل العاملين،‮ ‬وتقدّر انجازاتهم وعطاءهم‮.. ‬حين تنتشر مثل هذه الثقافة الصحيحة فإنها تحفّز الناس وتدفعهم نحو المبادرة للعمل،‮ ‬والتصدي‮ ‬لقضايا المجتمع‮.‬
أما حين تسود أجواء المجتمع ثقافة سلبية تبريرية،‮ ‬تضعف ثقة الإنسان بنفسه،‮ ‬وتشككه بقدرته على الانجاز،‮ ‬وتضخِّم العوائق والموانع أمامه،‮ ‬وتقلّل من جدوائية العمل والتحرك،‮ ‬وتبحث عن نقاط الضعف والثغرات عند العاملين المصلحين لتشوه سمعتهم‮.. ‬هذه الثقافة السقيمة تحول دون نمو توجهات العمل الأهلي‮ ‬والفاعلية الاجتماعية‮.‬
‮٢- ‬القوانين الحاكمة‮: ‬في‮ ‬بعض المجتمعات تفتح القوانين الرسمية المجال واسعا أمام حركة النشاط الأهلي،‮ ‬وتسهل إجراءات قيام المؤسسات الشعبية،‮ ‬والعمل التطوعي‮ ‬الاجتماعي،‮ ‬بل تحرص على تقديم الامتيازات والحوافز لتشجيع العاملين على هذا الصعيد‮.‬
بينما تتشدد القوانين والأنظمة في‮ ‬مجتمعات أخرى،‮ ‬لاحتكار أي‮ ‬عمل أو نشاط في‮ ‬الإطار الحكومي‮ ‬الرسمي،‮ ‬ولتعقيد إجراءات السماح والترخيص للأنشطة الأهلية،‮ ‬مما‮ ‬يضيق الخناق على المبادرات التطوعية والنشاط الاجتماعي‮.‬
‮٣- ‬القيادات الاجتماعية‮: ‬في‮ ‬كل مجتمع قيادات تحظى بثقة أبنائه وتؤثر في‮ ‬توجهاتهم،‮ ‬كعلماء الدين والوجهاء النافذين والزعامات المؤثرة،‮ ‬وحين تكون هذه القيادات في‮ ‬مستوى ناضج من الوعي‮ ‬ورحابة الصدر،‮ ‬فإنها ستتبنى الدعوة إلى الفاعلية والنشاط،‮ ‬وترعى مبادرات العمل الأهلي‮ ‬على مختلف الأصعدة‮.‬
أما إذا كانت قيادات المجتمع تعاني‮ ‬من ضيق الأفق،‮ ‬وأنانية التفكير،‮ ‬فإنها ستتحسس من أية مبادرة أو نشاط،‮ ‬خوفا من التأثير على مواقع نفوذها،‮ ‬وقلقا من بروز قوى جديدة تنافسها على الزعامة والظهور‮.‬
‮٤- ‬روح المبادرة‮: ‬مهما كانت الظروف مناسبة لأي‮ ‬تحرك أو نشاط،‮ ‬فإن إشارة البدء وعملية الانطلاق تحتاج إلى من‮ ‬يأخذ زمام المبادرة،‮ ‬ويعلق الجرس،‮ ‬شخصا كان أو أكثر،‮ ‬ثم تحصل الاستجابة والتفاعل من الواعين والمخلصين من أبناء المجتمع،‮ ‬وتتوفر القدرات والإمكانيات،‮ ‬وهذه هي‮ ‬قصة البداية لأي‮ ‬مشروع اجتماعي‮ ‬ونشاط أهلي‮.‬
إن وجود العناصر الطموحة،‮ ‬التي‮ ‬تمتلك روح المبادرة،‮ ‬وتتصدى لمشاريع خدمة المجتمع،‮ ‬هو العامل الأساس في‮ ‬فاعلية المجتمع ونشاطه الأهلي‮.‬
وحتى لو كانت هناك عقبات وعوائق فإن المبادرين حينما‮ ‬يتحلون بالاستقامة والثبات،‮ ‬يتجاوزون تلك العوائق والموانع‮.‬
انجازات تستحق التقدير
بحمد الله تعالى فقد انطلقت في‮ ‬مجتمعنا مبادرات رائدة،‮ ‬أنتجت نشاطاً‮ ‬وحراكاً‮ ‬اجتماعياً‮ ‬يتطور‮ ‬يوماً‮ ‬بعد آخر،‮ ‬وعلى مختلف الأصعدة،‮ ‬فهناك جمعيات خيرية،‮ ‬ولجان كفالة أيتام،‮ ‬وأخرى للمساعدة على الزواج،‮ ‬ومؤسسات تعليم القرآن ومنتديات أدبية،‮ ‬وتجمعات علمية‮.‬
هذه الأنشطة الأهلية أتاحت الفرصة لتفجير الكفاءات وتنميتها،‮ ‬وكشفت عن كثير من المواهب والقدرات في‮ ‬أوساط أبنائنا،‮ ‬كما أسهمت في‮ ‬معالجة الكثير من المشاكل‮.‬
وعلى سبيل المثال‮: ‬نذكر ما نشرته الصحف المحلية‮ (‬جريدة الحياة ‮٩/٨/٥٠٠٢‬م‮) ‬عن جهود إحدى الجمعيات الخيرية في‮ ‬توفير فرص عمل لعدد كبير من العاطلين،‮ ‬فقد نظمت لجنة التأهيل والتوظيف في‮ ‬جمعية تاروت الخيرية مساء الأحد ‮٢/٧/٦٢٤١‬هـ لقاءً‮ ‬بين مندوبي‮ ‬خمس شركات عمل وبين ‮٠٥٣ ‬شاباً‮ ‬يبحثون عن وظائف وفرص عمل،‮ ‬وانفض الاجتماع عن توقيع عقود توظيف لكل أولئك الشباب،‮ ‬وقال أحدهم‮: ‮« ‬لم أكن أتوقع أن ارجع إلى منزلي‮ ‬وفي‮ ‬يدي‮ ‬عقد وظيفة،‮ ‬إنها فعلا فرصة ذهبية وفرتها لنا لجنة التأهيل».‬
وفي‮ ‬الاجتماع حرص مندوبو الشركات على الاحتكاك مباشرة مع الراغبين في‮ ‬العمل،‮ ‬فقام كل مندوب بتقديم الوظائف التي‮ ‬تطرحها شركته،‮ ‬وشرح كيفية الالتحاق والتدريب على مهام الوظيفة المطروحة،‮ ‬الذي‮ ‬يستمر بين ثلاثة وستة شهور،‮ ‬كما تفاوتت أعداد الوظائف التي‮ ‬طرحتها الشركات،‮ ‬وتفاوتت الرواتب بين 1500 ‬و4500 ‬ريال‮.‬
وقال مندوب إحدى الشركات‮: « ‬إن العقد سيكون ساري‮ ‬المفعول منذ توقيعه هذه الليلة،‮ ‬وسيحصل الموظف الجديد على أسبوع إجازة محسوبة الراتب»‮. ‬ما أثار موجة تصفيق وارتياح بين الشباب‮.‬
إن البطالة وعدم توفر فرص عمل مشكلة قائمة‮ ‬يعاني‮ ‬منها بعض أبناء المجتمع،‮ ‬وهناك تذمر وكلام عند الكثيرين عن هذه المشكلة،‮ ‬لكن ما‮ ‬يفيد المجتمع هو التصدي‮ ‬لمعالجتها والحد منها،‮ ‬وهذا ما تقوم به لجان التأهيل والتوظيف التابعة للجمعيات الخيرية،‮ ‬حيث تستقبل طلبات الشباب،‮ ‬وتوجههم إلى آفاق التحرك،‮ ‬وتعقد لهم دورات لتكميل طاقاتهم وكفاءاتهم،‮ ‬حتى‮ ‬يتأهلوا لسوق العمل،‮ ‬وتتخاطب مع الشركات والمؤسسات لتكون جسراً‮ ‬بينهم وبين هؤلاء الشباب‮. ‬وهذا هو مظهر من مظاهر العمل الأهلي‮ ‬ودوره في‮ ‬معالجة مشاكل المجتمع‮.‬

الأربعاء 26 رجب 1426هـ الموافق 31 أغسطس 2005م في عددها الصادر رقم 6018