هل المؤسسة الدينية مؤسسة ذكورية لا مكان للمرأة فيها؟

هل المؤسسة الدينية العلمية مؤسسة ذكورية لا مكان فيها للمرأة؟ وهل ان حركة الاجتهاد والفقاهة محصورة في الرجال محظورة على النساء؟ ولماذا لا نجد للمرأة المسلمة المعاصرة دورا في الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية وساحة النشاط الفكري الاسلامي؟

تفرض هذه الأسئلة نفسها من عدة منطلقات:

أولاً: ان المرأة مخاطبة بالدين كالرجل تماما، فالدين يخاطب الانسان بقسميه الذكر والانثى على حد سواء، وهو ليس للذكر أولاً وللأنثى ثانياً، ولا ان المرأة مخاطبة عبر الرجل وبالتبع له، بل هي مكلفة مباشرة من قبل الله تعالى ومحاسبة أمامه يوم القيامة كما هو الرجل.

وحينما يأتي في القرآن نداء للناس، أو لبني آدم، أو للعباد، أو للانسان، فإنه موجه بالطبع للذكور والاناث، كقوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) (سورة الحج الآية 1) وقوله تعالى: (يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم) (سورة الزمر الآية 53) وقوله تعالى: (ألم أعهد اليكم يا بني آدم) (سورة يس الآية 60) وقوله تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) (سورة الانشقاق الآية 6).

إن هذه الآيات وأمثالها نداءات من قبل الله تعالى للرجل والمرأة، وكذلك فالتكاليف والأحكام الشرعية موجهة لهما معاً. وباعتبارها مخاطبة ومكلفة فهي معنية بتلقي الخطاب وفهمه، وبمعرفة التكليف وتبينه، ومن الطريف هنا ان ننقل الحديث المروي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها كما جاء في صحيح مسلم انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «يا أيها الناس! وكانت الجارية تمشطها، فقالت للجارية: استأخري عني ـ أي أمهليني حتى اسمع ـ فقالت الجارية: انما دعا الرجال ولم يدع النساء، فاجابتها أم سلمة: اني من الناس».

* إضافة كمية ونوعية:

* ثانياً: مشاركة المرأة في الحركة العلمية، والنشاط الفكري والشرعي الاسلامي، تعني مضاعفة الجهود التي تبذل في هذا الميدان، فالمرأة نصف المجتمع، وتمتلك الطاقة والكفاءة، فإذا ما وجهت قدراتها وامكانياتها الذهنية والفكرية في خدمة البحث العلمي الديني اضافت اليه رصيدا كبيرا واثراء عظيما. بينما انكفاؤها عن هذا الميدان يعني خسارة ونقصا.

وقد تكون عدم مشاركة المرأة في ميدان العلوم الدينية خسارة نوعية في بعض الاحيان، لأن مشاركتها لا تضيف رصيداً كمياً في الجهود العلمية المبذولة فقط، بل قد تقوم المرأة بدور مميز، خاصة في تنقيح الاحكام والموضوعات المرتبطة بشؤون المرأة، والقضايا المختصة بها، فالفقيه في ممارسته لاستنباط الحكم الشرعي ليس جهاز حاسوب آلي، ينجز مهامه بعيدا عن أي تأثير، بل هو بشر تنعكس الاجواء المحيطة به والمشاعر والتصورات التي يحملها على رأيه ورؤيته، بشكل أو بآخر، خاصة في مجال تنقيح الموضوعات الخارجية، فاذا امتلكت المرأة قدرة الاجتهاد والاستنباط، وتصدت لبحث القضايا والاحكام المرتبطة بها، ضمن الضوابط المقررة، فقد يكون تشخيصها أعمق وأدق في تلك الموضوعات.

* صراع بين الحضارات

* ثالثاً: في هذا العصر، حيث اصبح موضوع المرأة معركة صراع بين الحضارات والتوجهات، ووظفت الحضارة المادية وسائل الاعلام والمعلومات المتطورة، للتبشير برؤيتها وثقافتها ولترويج انماط السلوك الاجتماعية المنبثقة عنها، فإن من الضروري جداً ان تتسلح المرأة المسلمة برؤية الاسلام، وان تتحصن بمفاهيمه ومناهجه، حتى لا تقع فريسة لتأثيرات الافكار والبرامج الوافدة، خاصة انها تستهدف المرأة بدرجة اساسية، وايضا لتكون المرأة المسلمة هي خط الدفاع عن تعاليم الاسلام، والمبشرة بمفاهيمه وقيمه الاخلاقية والاجتماعية، على مستوى العالم.

إن تفقه المرأة في الدين، والمامها بمعارفه، وتعمقها في فهم احكامه ومناهجه، هو الذي يؤهلها للقيام بدور الدعوة الى الاسلام، والتبشير بنموذجه للمرأة على الصعيد العالمي.

* المرأة والعلوم الدينية

* كانت المرأة سباقة الى التعرف على الرسالة، والى الاطلاع على الآيات القرآنية الأولى التي نزل بها الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، حيث كانت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد أول من اطلع على خبر البعثة النبوية، اذ حينما نزل الوحي للمرة الأولى في غار حراء، وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها الى بيته، فإنه حدّث زوجته خديجة بما رأى وسمع، فقالت: «ابشر يا بن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو ان تكون نبي هذه الأمة».

واهتمت المرأة المسلمة بكسب المعارف الاسلامية، عبر وجودها في المسجد، واستماعها للخطب النبوية الشريفة، وحضورها في مختلف المناسبات العسكرية والسياسية والاجتماعية، ومشاركتها في معظم الاحداث والقضايا التي واكبت بناء المجتمع الاسلامي الأول، ومسيرة الأمة.

وكمصداق لرغبة المرأة المسلمة في تحصيل علوم الشريعة، فقد تقدمت مجموعة من النساء تطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم درسا خاصا بهن، كما ورد في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بايصال حديثه وتوجيهه للنساء، حتى انه ربما كرر خطبته للنساء بعد ان يخطب في الرجال، اذا ظن انهن لم يسمعن صوته، كما حدّث ابن جريج قال: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء، فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه، تلقي فيه النساء الصدقة، قلت لعطاء: أترى حقاً على الإمام ذلك ويذكرهن؟ قال: إنه لحق عليهم، وما لهم لا يفعلونه؟

* مصدر للسنة النبوية:

* وبذلك اصبحت المرأة مصدراً للاحاديث النبوية الشريفة، ومرجعا لنشر روايتها ونصوصها، تماما كالرجال من الصحابة الراوين لاحاديث السنة الشريفة، وكتب الحديث مليئة بالاحاديث الواردة عن طريق زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنته فاطمة الزهراء، وسائر الصحابيات الراويات.

فهي كالرجل طريق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومصدر لمعرفة أحكام التشريع، لذا أجمع علماء المسلمين على الأخذ بروايات النساء، حينما تتوفر في تلك الروايات شروط القبول والصحة. قال الشوكاني: «لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة».

هذا ولم يقف مستوى المرأة في العلوم الدينية عند مستوى حفظ الحديث ونقل الرواية، بل نافست الرجل في الوصول الى مستوى الفقاهة والاجتهاد، وابداء الرأي والنظر باستنباط الحكم الشرعي من مصادره المقررة.

وكان لزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم امهات المؤمنين موقعية خاصة لدى الصحابة والتابعين في نقل احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والأخبار عن سنته وسيرته، لقربهن من حياته الخاصة.

وبمراجعة سريعة لصحيحي البخاري ومسلم مثلا، نجد عددا وفيرا من الروايات عن أمهات المؤمنين، خاصة أم المؤمنين عائشة، بل نجد فيهما ان بعض الصحابة كانوا يرجعون إلى أمهات المؤمنين في بعض ما استشكل عليهم من المسائل الدينية.

وأكثر من ذلك، فإن في الصحيحين روايات تشير إلى استدراك بعض امهات المؤمنين على آراء وفتاوى بعض الصحابة. جاء في صحيح مسلم عن عبيد الله بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن، أن ينقضن رؤوسهن.

فقالت: يا عجباً لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن، أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن!، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات.

وقد ألف بدر الدين الزركشي كتابا بعنوان «الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة» أحصى فيه استدراكاتها على تسع وخمسين مسألة، عارضت فيها ثلاثة وعشرين من أعلام الصحابة. وقال في مقدمة كتابه: «هذا كتاب اجمع فيه ما تفردت به عائشة ـ رضي الله عنها ـ أو خالفت فيه سواها، برأي منها، أو كان عندها فيه سنة بينة، أو زيادة علم متقنة، أو انكرت فيه على علماء زمانها، أو رجع فيه إليها أجلة من أعيان أوانها، أو حررته من فتوى، أو اجتهدت فيه من رأي رأته أقوى».

الجمعـة 02 ربيـع الثانـى 1423 هـ 14 يونيو 2002 العدد 8599