سماحة الشيخ الصفار يؤكد على أهمية عنصر الزمن في مهمة التغيير الاجتماعي
إعداد/ تركي مكي عليأكد سماحة الشيخ حسن موسى الصفار على أهمية عنصر الزمن في مهمة التغيير الاجتماعي، ذلك لأن تغيير الأفكار والعادات والتوجهات المتجذرة في النفوس بمرور الزمن ليس أمراً سهلاً، إضافة لوجود قوى مصلحية تستفيد من الواقع السائد في المجتمع، مستشهداً بما عناه الأنبياء والأئمة والمصلحون طوال التاريخ البشري نتيجة قيامهم بمهمة التغيير.
وأشار سماحته في الكلمة التي ألقاها ظهر الجمعة 8 شوال 1426هـ (11 نوفمبر 2005م) إلى ثلاثة متطلبات يحتاجها من يسعى للتغيير الاجتماعي: الرؤية الواضحة، الإرادة القوية، والجهد الطويل الدؤوب، مؤكداً أنه ينبغي للناس الذين يريدون التغيير في مختلف الجوانب الاجتماعية أن تكون هذه الحقيقة واضحة أمامهم وأن يتحلوا بنفسٍ طويل، وأن يصبروا على ضعف استجابة الظروف لهم، وأن يبذلوا المزيد من الجهد، والتوفيق بيد الله تعالى.
وإليك أبر أفكار الكلمة
التغيير الاجتماعي مهمة من أصعب المهمات، فإذا كان المجتمع يسير في اتجاهٍ معين، أو تسوده أفكارٌ معينة، فإن تغيير هذه الأفكار وهذا المسلك الاجتماعي ليس أمراً سهلاً، وذلك لسببين:
السبب الأول: مرور الزمن يسبب تجذراً في الأفكار والعادات والتوجهات، وتغيير الشيء المتجذر ليس أمراً سهلاً. إن اقتلاع شتلة خضار من الأرض كالفجل –مثلاً- يمكن حتى لطفل صغير أن يقوم به، لكن اقتلاع نخلة يحتاج إلى قوة عدة رجال لأن جذورها ضاربة في الأرض.
السبب الثاني: وجود قوى مصلحية تستفيد من الواقع السائد في المجتمع، وتخشى إذا ما تغير هذا الواقع أن تخسر مصالحها. ولذلك فإن هذه القوى المستفيدة من الواقع القائم ستُقاوم وتُخالف أي حركة تغيير في المجتمع.
الأنبياء والرسل يأتون برسالة من الله تعالى لتغيير واقع المجتمعات: الفاسدة المنحرفة. ومن الطبيعي أن لا يتحقق للنبي هدفه بسرعة، وقد لا يتحقق له ذلك الهدف طوال حياته. وقد بعث الله تعالى 124 ألف نبي، ولكن كم منهم استطاع أن يُحقق ويُنجز نجاح دعوته في حياته؟
والقرآن الكريم يُحدثنا عن نبي الله نوح فيقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ (العنكبوت، 14)، ومع طول المدة يقرر القرآن الكريم في نهاية دعوة هذا النبي العظيم ما قاله تعالى: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ (هود، 40). وكذلك نبي الله موسى فبعد أن تغلّب على فرعون، وأنقذ الله بني إسرائيل من فرعون، تأذى من قومه أذى كبيراً؛ وهذا شأن جميع الأنبياء.
ونبينا الأعظم محمد عاش ثلاثة عشر سنة في مكة يكدح ويُعاني الآلام من المشركين، مع أنهم كانوا يُلقبونه بالصادق الأمين، وبعد رحيل عمه أبي طالب لم يكن له مجيرٌ في مكة، مع طول المدة التي عاشها رسول الله بينهم، فمضى إلى الطائف حتى يجد له من يحميه من زعمائها وهناك أيضاً لم يجد له أحداً يحميه، والتاريخ ينقل أن رسول الله خرج من الطائف وجلس تحت ظل شجرة وتوجه إلى الله تعالى بقوله: (إلهي أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس).
وهذه حالة طبيعية يمر بها الدعاة إلى التغيير الاجتماعي، ولذلك خاطب الله نبيه محمداً بقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ (الأحقاف، 35).
قال الراغب الأصفهاني: العزم هو عقد القلب على إمضاء الأمر. وأولوا العزم من الرسل خمسة: نبي الله نوح ، نبي الله إبراهيم ، نبي الله موسى ، نبي الله عيسى ، ونبينا الأعظم محمد . فالله تعالى يأمر نبيه بالصبر كما صبر أولوا العزم من قبله. ثم يقول تعالى: ﴿وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ فالتغيير الاجتماعي يحتاج إلى نفسٍ طويل.
هناك ثلاثة متطلبات يحتاجها من يسعى للتغيير الاجتماعي:
أولاً- الرؤية الواضحة، وهذا يتعلق بالجانب الفكري.
ثانياً- الإرادة القوية، وهي تتعلق بالجانب النفسي.
ثالثاً- الجهد الطويل الدؤوب، ففي كثيرٌ من الأعمال والمهام يكون للزمن دورٌ أساس في إنجازها. بعكس ما هو الحال في مهامٍ أخرى حيث يكون الجهد هو العامل الأساس في إنجازها دون الزمن. ومثله الأمراض التي تُصيب الإنسان، فبعضها تزول بأخذ الدواء الموصوف لها وفي مدة قصيرة، وبعضها تحتاج إلى زمن طويل كالكسور التي تُصيب العظام. ومثالٌ آخر يتعلق بمسألة الإنجاب، فهي عملية تحتاج إلى زمن ينبغي أن يمر به الإنسان بأن يبقى في بطن أمه تسعة أشهر وبعدها تحين الولادة، وليس هناك طريقة لتسريع نمو الجنين. وكذلك الحال بالنسبة لتنشئة الأولاد وتربيتهم فهذه المسألة بطبيعتها تحتاج إلى زمن بغض النظر عن الجهد المبذول فيها. فلا يتمكن الطفل من الحركة والمشي ولا من تناول الطعام ولا من الكلام إلا بعد فترة من الزمن.
فالتغيير الاجتماعي كذلك يحتاج إلى نفسٍ طويل، وتجد بعض من يتحمس للتغيير ينتابه العجب: لماذا لا تسود هذه الفكرة أو تلك في المجتمع؟ ولماذا لا يتغير الناس بسرعة؟ وهذه حالة طبيعية لأن المسألة تحتاج إلى زمن! ويتفاوت الزمن بحسب الظروف التي يعيشها المجتمع، والجهد المبذول في موضوع التغيير، فإذا كان الجهد أكبر فقد يختصر الزمن بمقدارٍ ما. ولذلك نرى الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم) كيف كانوا يتحملون ويصبرون.
من ناحية أخرى فإن مسألة التغيير لا ترتبط بأن الرأي الذي تحمله صحيح أم خاطئ، وإنما طبيعية التغيير الاجتماعي تحتاج إلى زمن، وإلا فلا شيء أصدق مما كان يدعو له الأنبياء.
وأيضاً واقع الحال الذي عاشه أئمتنا (عليهم السلام) حيث عاش إحدى عشر إماماً بين الناس 250 سنة استطاع الأئمة فيها أن يخلقوا تياراً ويشقوا طريقاً، ويتركوا تراثاً ورصيداً للأمة، ولكن بالنتيجة لم يستطع كل إمامٍ منهم أن يُنجز التغيير كاملاً في حياته. وكان بعض أصحاب الأئمة يأتون للإمام منزعجين من الوضع السائد، وطول أمد المعاناة وعدم تحقق التمكين لمنهج الأئمة، فكان الإمام يهدئ نفوسهم ويبصّرهم بحقائق الحياة والمجتمع.
وهكذا المصلحون في كل عصر وكل المجتمعات، فالمجتمع الأوروبي الذي كان يعيش تحت استبداد الكنيسة، في العصور المظلمة، لم يتغير حاله ووضعه بين عشيةٍ وضحاها، وإنما احتاج ذلك إلى زمنٍ طويل.
والمهم في الأمر أن يكون هناك عمل، فالصبر لا يعني الركود، وإنما يعني السعي والعمل وترك المجال للزمن حتى يتحقق الهدف والغاية. يقول الرسول الأعظم : «علامة الصابر في ثلاث: أولها أن لا يكسل، والثانية أن لا يضجر، وثالثها أن لا يشكو من ربّه عزّ وجل، لأنه إذا كسل فقد ضيع الحقوق، وإذا ضجر لم يؤد الشكر، وإذا شكا من ربه فقد عصاه» الحر العاملي، وسائل الشيعة، حديث رقم: 20862.
من الظواهر التي نلاحظها في مجتمعاتنا أن البعض من الناس لا يملكون نفساً طويلاً في العمل الاجتماعي، فيعيش فترة حماسٍ وتوجه، وبعدها ينسحب، لأنه كان يتوقع أنه بمجرد أن يعمل فإن الأمور والأوضاع الاجتماعية ستتغير بسرعة، وإذا تأخرت النتائج يمل من العمل. فالمجتمعات لا تتغير بما يطلق عليه في المجتمع مصطلح (الطربة)، فالتغيير الاجتماعي يحتاج إلى نفس طويل، وما دون ذلك يُعبّر عن ضعف الوعي بمسيرة التغيير في المجتمعات البشرية. فنرى عمر الأنشطة الاجتماعية في المجتمعات الأخرى يُعادل عقوداً أو قروناً من الزمن. بينما متوسط عمر الأنشطة في مجتمعاتنا في الغالب لا يتجاوز بضع سنوات.
طبيعة الحياة تحتاج إلى صبر سواءً على المستوى الفردي أو الاجتماعي، وقد ذكرت الصحف عما نُشر في موسوعة غينيس للأرقام القياسية أن امرأة هندية دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية لإرسالها 334 رسالة نشرتها الصحف العام الماضي. وقالت (مادهو أغراوال) وهي ربة منزل: لا أكتب الرسائل بهدف دخول موسوعة غينيس إنما كان هدفي لفت الانتباه للمواضيع والقضايا ذات الأهمية القومية والعامة. وذكر تقرير تلفزيون نيودلهي أن الرسائل التي أرسلتها أغراوال نشرت في 23 صحيفة هندية مشهورة تبيع كل منها أكثر من 50 ألف نسخة. ودخلت أغراوال الموسوعة عام 2003م لإرسالها أكبر عدد من الرسائل التي نشرت في سنة واحدة. وقالت أغراوال التي تبلغ من العمر 53 عاماً إن مصدر إلهامها هو زوجها (سوبهاش) كاتب الرسائل الماهر هو الآخر. وكان سوبهاش دخل موسوعة غينيس في كانون الأول 2002م لإرساله أكبر عدد من الرسائل نشر في الصحف على الإطلاق. ويقول سوبهاش أن عدد رسائله وصل الآن إلى 8000. ويصل رصيد أغروال من الرسائل المنشورة إلى نحو خمسة آلاف. (الحياة 29 سبتمبر 2004م)
فواضحٌ في مثل هذين النموذجين النفس الطويل الذي تمتلكه هذه المرأة وزوجها. بينما في مجتمعنا العديد من المشاكل والقضايا العامة ولكن الطابع العام لدى الناس لا يتعدى التذمر والانزعاج، وقد تجد من يتحمس فيكتب حول مشكلة ما ولكنه يفتقد للمتابعة وطول النفس.
فينبغي للناس الذين يريدون التغيير في مختلف الجوانب الاجتماعية أن تكون هذه الحقيقة واضحة أمامهم وأن يتحلوا بنفسٍ طويل، وأن يصبروا على ضعف استجابة الظروف لهم، وأن يبذلوا المزيد من الجهد، والتوفيق بيد الله تعالى.