سماحة الشيخ الصفار يشهد موسماً حافلاً بالبرامج الثقافية والاجتماعية المتنوعة خلال شهر رمضان المبارك 1426هـ / 2005م
إعداد: حسين منصور الشيخ
شهد سماحة الشيخ حسن الصفار موسماً حافلاً بالبرامج الثقافية والاجتماعية المتنوعة خلال شهر رمضان المبارك 1426هـ / 2005م، وتضمنت محاضرات ولقاءات سماحته النصح والإرشاد الاجتماعي المؤسسي مما يدل بشكل واضح على عمق التجربة العملية لدى سماحته، ويمكننا استكشاف هذا من مجموع ما وجهه من إرشاداته وتوجيهات نحو العمل الاجتماعي من خلال هذه المحاضرات واللقاءات.
وفيما يلي نستعرض جانباً من هذه المشاركات:
أولاً- محاضرة بالدمام بعنوان: الانفتاح على التطور الحضاري ـ في 04/ 09/ 1426 هـ.
بدأ سماحته حديثه عن العقل، وأنه ميزة لجميع البشر، فليس هناك عقل إنساني أرقى من آخر، إلاّ أن بعض المجتمعات ـ بسبب ظروف خارجية ـ قد تعيش حالة من التخلف الفكري، ومع ذلك قد يظهر من بين هذه المجتمعات عباقرة ومفكرون عالميون.
والله ـ من خلال العديد من الآيات ـ يريد للمجتمع الإنساني الانفتاح على بعضه البعض، لتتفاعل التجارب الإنسانية وتتنمّى، وهذا ما حثّت عليه النصوص النبوية ومِثْله ما ورد عن الإمام علي الذي يقول: «الحكمة ضالّة المؤمن، فاطلبوها ولو عند المشرك، تكونوا أحق بها وأهلها».
أسباب الانغلاق على الحضارة الغربية
وبما أن البعض قد يتساءل، ويقول: ما دام الإسلام ـ من خلال نصوصه الشرعية ـ يدعو إلى الانفتاح على الآخر من دون النظر إلى اتجاهه الفكري والمذهبي، لماذا لم يتّبع المسلمون هذا التوجيه وينفتحون على الحضارة الغربية التي تمثّل ـ اليوم ـ قمّة والتقدم في شتى المجالات؟
وهنا يعدد سماحة الشيخ سببين، الأول: أننا نقف موقفًا سلبيًا من الغرب، بسبب توجهاته الاستعمارية، وكذلك لمواقفه المنحازة للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، والثاني: أن الخطاب الإسلامي ركّز في كثير من توجيهاته على الجانب السلبي من الحضارة الغربية الذي تمثّل في الانفلات الأخلاقي واختراقه لكثير من القيم الدينية والأخلاقية، مما منع من تمثّل النموذج الغربي في كثير من الأفكار والتنظيمات حتى لا يجلب لنا جانبه السلبي الأخلاقي.
من أمثلة الانغلاق:
وأشار سماحة الشيخ إلى أن الانغلاق لم يكن محصورًا في جانب القيم والمبادئ، بل تعدّى ذلك إلى جميع ما ينتجه الغرب، فقد توقفنا ـ كمسلمين ـ أمام قبول كثير من المنتجات التكنولوجية الغربية أمثال الكهرباء والراديو والتلفزيون والفضائيات وأخيرًا الإنترنت، وكذلك توقفنا أمام قبول الأسلوب الغربي في التنظيم، فلم نقبل أسلوبهم في التعليم إلا بعد أخذ وردّ، وهكذا تعاملنا مع مبادئ حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، مع أنها ـ في أغلبها ـ تلتقي مع المبادئ والقيم الإسلامية.
وأشار الشيخ إلى أن السبب في اتخاذ هذه المواقف من الحضارة الغربية هو وقوع المجتمعات الإسلامية تحت سلطة الاستبداد السياسي والتخلف في الفهم الديني فالذين كانوا يوجّهون المجتمع لم يكونوا على درجة كافية من الوعي. وفي نفس الوقت كان المجتمع يتحمّل جزءًا من المسؤولية أيضًا، فالعلماء الذين كانوا يحملون مشاريع وتوجهات تنويرية كانوا يواجَهون بتهم الخيانة والمروق من الدين، فالمجتمع الواعي هو الذي يدفع العالم المنفتح أن يطرح فكره ومشاريعه التقدّمية.
ضرورة الانفتاح في هذا العصر
وبما أن هذا الأسلوب أثبت فشله، فنحن مطالبون في هذا العصر أن نتعلم من تجارب الماضي، فلا نكررها، بحيث ننفتح على الغرب تكنولوجيًا وتنظيميًا وقيميًا، ولا يعني هذا أن نتمثّل الغرب بجميع مظاهره، بل نكون من ﴿الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه﴾، أي نأخذ ما يناسبنا من الحضارة الغربية بعد تمحيص وتدقيق.
ثانياً- برنامج كلام صريح ـ لقاء أجرته قناة الأنوار الفضائية في 08/ 09/ 1426 هـ.
بسبب ما تعيشه المنطقة من تأزّم سياسي وأمني كان حديث سماحة الشيخ حسن في برنامج كلام الصريح مع الدكتور عبدالواحد الخلفان بث عبر قناة الأنوار الفضائية حول هذه الأوضاع السياسية وعواملها وتأثيراتها على المجتمع الخليجي.
التغيّرات السياسية في الخليج
فبدأ حديثه عن أن الخليج ظل فترة طويلة يعيش ركودًا سياسيًا، إلى أن مورست عليه كثير من الضغوط الخارجية داعية الحكومات الخليجية إلى التغيير، مشيرًا سماحته إلى أن التغيير أمر طبيعي، إما بفعل الضغوط الخارجية أو الداخلية الجماهيرية، بسبب ما يعيشه العالم من اتجاه نحو الديمقراطية وتطبيق حقوق الإنسان.
ظاهرة الإرهاب
وعن سبب موجة الإرهاب وحركات التطرّف أرجع الشيخ أسبابها إلى تركيبة المجتمع الخليجي المحافظة والمتدينة، ما أدى إلى ظهور قيادات دينية فاعلة، ولكن القيادات الدينية المتطرفة ـ التي تعتمد في فكرها على الفهم الضيق للدين وعلى الطبيعة الصِّدَامية مع الآخر المختلف ـ هي التي لاقت الدعم الإعلامي وفي مناهج التعليم في الخليج من قبل الحكومات، وكان هذا بدافع بعض الأسباب السياسية، والتي كان أهمها: الخوف من المدّ الشيوعي في المنطقة، وكذلك الخوف من المدّ الشيعي الذي تصوّرته بعض الحكومات بعض انتصار الثورة الإيرانية.
التردد في تغيير المناهج
وفيما يتعلّق بأسباب التأخر في اتخاذ مبادرات عملية سريعة في تغيير المناهج أرجعها إلى عاملين: ديني اجتماعي، وذلك بسبب نفوذ علماء الدين في الخليج ـ وخاصة في المملكة ـ في أجهزة الدولة، حيث تخاف هذه الطبقة من أن تكون دعوات التغيير ذريعة للتقليل من المادة الدينية المعطاة للنشء، وعامل آخر سياسي يتمثّل من عدم رغبة الحكومات في تربية المواطن ـ من خلال المناهج ـ على الحريات، وضرورة المطالبة بالحقوق، والمساواة بين المواطنين في حقوقهم الوطنية، فهذا سيشكل صدامًا مع طبيعة هذه الحكومات في ممارساتها العملية.
الموقف من التدخّل الأجنبي
وعن رأيه في التدخّلات الأجنبية لتغيير الأنظمة بيّن أن المسألة تبحث ـ في الفكر السياسي الإنساني ـ ضمن مسارين: الأول منهما يرى أولوية السيادة الوطنية، وهذا المسار يرفض التدخّل الأجنبي، لأنه يتنافى مع السيادة، والمسار الثاني يرى أولوية حقوق الإنسان، وهذا المسار لا يرى بأسًا من التدخّل الأجنبي في سبيل نيل الجميع حقوقه المشروعة، بل يرى حرمة أن يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي وهو يشاهد بعض الأنظمة التي تمارس الاستبداد ضدّ شعوبها.
وبيّن أنه ـ شخصيًا ـ يقف مع المسار الثاني، ولكنه مع ذلك يتحفّظ على الأوضاع الراهنة، وذلك لأن من يملك زمام التغيير هي الدول الكبرى ذات الأطماع الاستعمارية، لذلك على الشعوب أن تمارس نشاطها لنيل حقوقها، وكذلك على الأنظمة أن تنفتح على شعوبها وتوفر لها جميع ما لها من حقوق.
وأشار في هذه النقطة أن كثيرًا من الضغوط الخارجية التي مورست على الحكومات الخليجية انخفض مستواها، وذلك يرجع إلى عاملين:
الأول: أن الخليج منطقة نفطية استهلاكية تحرك الاقتصاد الغربي.
والثاني: لأن اللاعب الأكبر (الولايات المتحدة الأمريكية) متورّط في الوحل العراقي.
الإصلاح في السعودية بعد مبايعة الملك عبد الله
وحول مسألة الإصلاح في المملكة أشار الشيخ إلى أن مبادرة الحوار الوطني وإجراء الانتخابات البلدية وإطلاق الهيئة العامة لحقوق الإنسان واتساع مساحة الحرية الإعلامية في المملكة جميعها كانت إصلاحات بدأ بها الملك عبد الله أيام ولايته للعهد، ومن المأمول أن تتسارع وتيرة الإصلاح في البلاد بشكل أكبر في المرحلة المقبلة.
الحوار الوطني
وفي تعليقه على مسيرة الحوار الوطني أشار إلى أن المؤتمر الأول والثاني كان لهما الأثر الأكبر في كسر الحاجز النفسي بين مجمل أطياف التوجهات في المملكة، وكذلك كان لهما الدور الأكبر في انفتاح وسائل الإعلام على جميع هذه الأطياف، إلاّ أن المؤتمرين الثالث والرابع بدآ يخرجان عن المسار الذي رسم للحوار الوطني في بدايته، حيث تأسس الحوار الوطني وكان هدفه تعميق اللحمة الوطنية بين التيارات والمذاهب داخل الدولة ومناقشة ما يعيق توطيد هذه الصلات ومعالجة الهواجس التي توجد مع كل فئة ضد الأخرى، وتنمية حالة من العلاقة على أكثر من صعيد.
الاحتقان الطائفي في الخليج
ولمعالجة مشكلة الاحتقان الطائفي في الخليج رأى سماحته أن ذلك يتم عن طريق أمرين:
الأمر الأول: الإقرار من قبل المسؤولين في دول الخليج بالمساواة بين الجميع، لتحقيق الاندماج الوطني، وأن لا تكون المذهبية والمناطقية سببًا لمنع أي مواطن من دخول أي وزارة أو هيئة حكومية، فالتمييز بين المواطنين يخلق شعورًا بالاستعلاء عند فئة على الفئات الأخرى، وشعورًا بالغبن عند تلك الفئات ربما يدفعها في بعض الحالات في التفكير بالانتقام للحصول على حقوقها المغتصبة، وسيكون للأعداء موقع لدى أفراد هذه الفئات.
والأمر الثاني: ضرورة توقيف حملات التعبئة عند كل طرف ضد الآخر، وبدلاً منه يجب نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك وتقبل الاتجاهات الأخرى.
الاحتقان الطائفي في العراق وامتداده لدول الجوار
وفي معرض إجابته عما يحصل في العراق عبّر عن اقتناعه بأن ما يحصل هو في الأساس ليس صراعًا طائفيًا بقدر ما هو صراع سياسي خارجي غلف بصراع طائفي داخل العراق، وهذا الصراع له أثره على المنطقة، وعلى المملكة بالذات، وذلك لأن معظم من يدخلون العراق للالتحاق بالمنظمات الإرهابية هم من السعودية، وكذلك بسبب وجود منابر دعوية داخل المملكة تؤيد ما يجري في العراق بشكل سلبي من خلال الفتاوى والتصريحات.
والحل يكمن في إطلاق المبادرات واللقاءات التي تشجب مثل هذه الممارسات.
ثالثاً- حوار في مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام بسيهات، بعنوان: التجديد في الخطاب الديني - بواعثه وضوابطه، في 09/ 09/ 1426 هـ
لتسليط الضوء بشكل علمي ودقيق حول مسألة تجديد الخطاب الديني بدأ الحوار مع سماحة الشيخ حسن بتعريف مفردات العنوان، فبين سماحته أن المقصود بِـ (التجديد) ما يقابل البقاء على حالة القديم من الموروثات الثقافية من عادات وتقاليد مضمونًا وشكلاً، بينما (الخطاب الديني) هو القول الصادر من الجهات الدينية للناس بهدف التعريف بالأسس والمفاهيم الدينية.
وركّز في هذه النقطة على ضرورة التفريق بين الخطاب الديني (الذي يمثّل الفهم البشري للدين) وبين النص الديني.
وبين أن المقصود بِـ (بواعث التجديد) الأسباب التي تدعونا إلى طرح موضوع التجديد، و(ضوابطه) المقصود بها الاحترازات التي يجب مراعاتها حتى لا يأتي التجديد من أي جهة كانت، حتى نضبط عملية التجديد بحيث لا تخرج عن الأسس والثوابت الدينية.
العلاقة بين القديم وعملية التجديد.
وفي معرض الإجابة عن الاستفهام الذي قد يرد حول علاقة التجديد بالقديم: هل هي علاقة رفض أم استمرار وامتداد، أجاب: بأن التجديد عبارة عن إعادة النظر في ما ورثناه من ثقافتنا الدينية من حيث المضمون (وهذا ما يمارسه الفقهاء في علم الفقه، فقد يفتي الفقيه بخلاف القديم بسبب إعادة النظر في الأدلة)، ومن حيث الشكل وأسلوب العرض، وهذا ما نلمسه في بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن إرسال الأنبياء بلسان أقوامهم، يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ (إبراهيم: 14)، فيعرضون الدين بما يتناسب وثقافة وأفهام أقوامهم.
ويمكن استنتاج هذا الأمر من آية النفر ـ أيضًا ـ، يقول تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ﴾ (التوبة: 122)، حيث توجه هذه الآية طبيعة التبليغ الديني، فتأمر المسلمين أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، فإذا رجعوا إلى فرقتهم حدثوهم بما يناسبهم، لأن الغريب عن هذه الفرقة لن يستطيع التفاعل معها كما هو الحال مع ابن هذه الفرقة.
الاجتهاد في الشريعة يحمل معنى التجديد
وفي إشارة مهمة نبّه الشيخ حسن إلى أن عملية الاجتهاد في الإسلام هي عبارة عن إعادة النظر في الفهم والأدلة لاستصدار حكم شرعي يستند إلى الرأي الشخصي دون تقليد للآخر، وهذا معنى التجديد، حيث لا قدسية للآراء القديمة.
التجديد في جميع الجوانب الدينية
وفي هذه النقطة يشير الشيخ إلى أن الفقه يجب أن يطاله التجديد، لأنه يمثل الجانب القانوني في الدين، ولكنه يحتاج إلى أهلية في ممارسة التجديد فيه، ولكن لا يجب أن ينحصر التجديد في الجانب الفقهي فقط، بل يتعداه ليشمل الجانب الفكري، بحيث تكون هناك رؤى إسلامية حول المواضيع الفكرية التي تطرح اليوم، وهذا الجانب ربما يكون أكثر سعة من حيث إمكانية ممارسته، لأن أدواته قد تكون أقل من الجانب الفقهي التخصصي.
التجديد بين البعث الداخلي والضغط الخارجي
وأشار سماحته إلى أن دعاوى التجديد لم تكن وليدة اليوم، بل شهد تاريخنا الإسلامي دعوات تجديدية ظهرت في كل عصر، فموروثنا الثقافي يدفعنا ذاتيًا نحو التجديد.
ولكن يجب الاعتراف بأن الانفتاح المعرفي والتقدّم التكنولوجي والحضاري في الغرب أدى إلى أن تتطلع مجتمعاتنا الإسلامية إلى أن تواكب هذا التقدم، مما دعا إلى طرح العديد من التساؤلات حول أسباب التخلف الذي تعيشه هذه المجتمعات، والذي يرجع في كثير من الأحيان إلى المنطلقات الفكرية المنلطقة من فهم متخلف للدين، مما يستلزم منّا تجديد خطابنا الإسلامي.
مَن الذي يجدد الخطاب الديني؟ وما دور الجمهور؟
بما أنه خطاب ديني فعلماء الدين يتحملون المسؤولية الأكبر في إعادة النظر فيه وتجديده، ولكن الجمهور يتحمل جزءًا من هذه المسؤولية تتمثّل في دعم التوجهات التجديدية، وعدم الإصغاء إلى الأفواه التي ترفض كل ما هو جديد بحجة المحافظة على الثوابت الدينية وعدم الدخول في البدع، لأنها العقبة الأساس في وجه التجديد.
الدين برنامج عمل للإنسان
وفي اتجاه بيان أهمية تجديد الخطاب الديني بيّن الشيخ أن الدين الإسلامي برنامج عمل للإنسان يؤثر في سلوكه الاجتماعي والثقافي والسياسي، لذلك حينما يكون الفهم للدين متخلفًا سينعكس ذلك على جميع هذه الجوانب، وهذا ما يعيشه المسلمون اليوم.
وشدد على ضرورة وجود مبادرات لمعرفة الرأي الإسلامي فيما يطرح اليوم حول: مسائل حقوق الإنسان، وطبيعة نظام الحكم، والرأي الإسلامي في المشاركة الشعبية البرلمانية، والموقف من الآخر، وغيرها من القضايا.
المنبر الحسيني ودوره في تجديد الخطاب الديني
بسبب ما للمنبر الحسيني من صلة مباشرة مع الجمهور فهو يلعب دورًا أساسيًّا في تجديد الخطاب الديني، ولذلك نبه الشيخ إلى ضرورة أن ينبثق تجديد الخطاب الديني المنبري من خلال عمل جمعي مبرمج ومدروس حتى يعطي نتائج إيجابية ملموسة، آملاً أن تزول كثير من العوائق الاجتماعية الموجودة حاليًا للوصول إلى هذا الطموح، وذلك لأن المبادرات الفردية لا تؤتي الثمرة المرجوة.
رابعاً- محاضرة بنادي المحيط بالجارودية، بعنوان: الأندية الرياضية والمجتمع ـ في 12/ 09/ 1426 هـ
تناول سماحة الشيخ حسن في هذه المحاضرة أزمة الشباب في المجتمع، فذكر أنها لا تكمن في شريحة الشباب أنفسهم، وإنما الشباب ضحايا أزمات في المجتمع، فهم ثروة وأمل كل مجتمع، وكم من صاحب ثروة أضاع ثروته بسبب إهماله وقلة تدبيره، ومن هذه الأزمات التي سببت إهمال هذه الثروة: عدم الانتباه والتقدير لتفاوت الأجيال وعدم إتاحة الفرصة للشباب أن يعبروا عن طاقاتهم وذواتهم فيما يرغبون فيه من مجالات لا تحبذها تقاليد المجتمع وأعرافه.
ومن هذه النقطة انطلق إلى أهمية الأندية الرياضية في استقطاب الشباب واستثمار طاقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع.
وشدد سماحته على أهمية هذه المؤسسة (النادي) وأن دعمها لا يقل ثوابًا عن دعم المؤسسات التقليدية إن لم يكن أكثر منها ثوابًا، داعيًا إلى تفهّم المجتمع إلى أهمية دور الأنشطة الرياضية.
ثم عطف الحديث إلى أن الخطر الذي نواجهه اليوم ـ كمجتمع ـ ليس خطرًا عقديًا كما كان في الماضي، فالإسلام في قمّة تألقه، وإننا الآن إنما نواجه أخطارًا على مستوى السلوك والممارسات التي تأتي إلينا من المجتمعات الأخرى بسبب الفراغ أو التوجهات أو بسبب ردود الأفعال للواقع الذي نعيشه.
ومشكلة المخدرات تأتي على رأس تلك المشكلات السلوكية، وكذا انتشار حالات العنف حتى بين الأقارب، وممارسة التفحيط، وتدنّي مستوى التعليم، والتسيّب الوظيفي، كل هذه المشكلات تحتاج إلى حل عملي باحتضان الشباب وتثقيفه، وهذا الحل العملي يكمن في وجود مؤسسات شبابية كالأندية الرياضية.
خامساً- محاضرة في مركز البيت السعيد بجامع الكوثر بصفوى، تحديات الأسرة ودور المجتمع، في 13/ 09/ 1426 هـ
قبل الدخول في صلب موضوع المحاضرة قدّم الشيخ لها بمدخلين أساسيين، هما:
أولاً: إن أي تطور في أي جانب من جوانب الحياة يحدث تحديًا للإنسان، وعليه أن يفكّر في كيفية مواجهة هذا التحدي، فوجود وسائل نقل حديثة كالسيارات والطائرات يخلق للإنسان تحديات كحوادث المرور وكوارث سقوط الطائرات وتصادم القطارات عليه أن يواجهها، وليس من المنطقي أن يوقف مسيرة التقدّم بحجة وجود مثل هذه التحديات.
والأسرة ـ كمؤسسة تشكّل نواة أي مجتمع إنساني ـ عليها أن تفكّر في كيفية مواجهة تحديات التطورات الحياتية والتأقلم معها.
ثانيًا: إن لكل أسرة مجموعة من الوظائف، يمكن ذكر أهم ثلاث منها:
1. تأمين الاستقرار النفسي والعاطفي لأفراد الأسرة.
2. التكافل المعيشي بين أفراد الأسرة لمواجهة الظروف الحياتية.
3. تركيز القيم وترشيد السلوك، فالانحراف السلوكي يأتي ـ غالبًا ـ ممن لا ينتمون إلى كيان أسري مستقر يجمعهم.
تأثير التطور الحياتي على وظائف الأسرة
ومن هذين المدخلين يبين سماحة الشيخ تأثير هذا التطور في وظيفتي الاستقرار النفسي داخل الأسرة ووظيفة تركيز القيم وترشيد السلوك، ضمن النقاط التالية:
الاستقرار النفسي داخل الأسرة
فعلى مستوى الاستقرار النفسي يقارن الشيخ حسن الصفّار بين الحال السابقة للأسرة الذي ما كان فيه تركيز شديد على الاهتمام بالجانب الفردي والذاتي عند الإنسان، وهذا ما خلق جوًّا من انصهار الفرد ضمن تكوين الأسرة والمجتمع، وبالذات ما كانت تعاني منه المرأة التي لم يكن يُنظر إليها كفرد له حقوق وواجبات وله وضعه الخاص الذي يتطلب مراعاة بعض الاحترازات.
وهذا أمر فيه شيء كبير من السلبية المرفوضة في ديننا الإسلامي.
بينما تركّز وسائل الإعلام اليوم ـ بسبب الثقافة الغربية السائدة ـ على تضخيم الذاتية عند الإنسان لدرجة الإفراط، مما يعقّد كثيرًا من العلاقات الأسرية بسبب النزعة الذاتية لكل من أفرادها.
ولمواجهة مثل هذا التطور في النظرة إلى الفرد على الأسرة أن تكوّن داخلها جوًّا من المشاركة التي تحفظ للجميع حقوقهم ضمن الجوّ العائلي الذي تسوده المودّة والألفة والرحمة.
كما أن بساطة الحياة في الماضي لم تكن تتطلب من رب الأسرة وقتًا طويلاً في العمل مثل اليوم، فالوقت الذي يقضيه الأبوان في العمل لا يتيح للأسرة فرصة كبيرة للتلاقي، خصوصًا إذا انشغل الأب بعمل إضافي كالأسهم والمتاجرة بالعقار ونحوها.
وكثيرًا ما تكون أجواء خارج المنزل أكثر جاذبية للأبناء، مما يجعلهم يقضون أوقاتًا كثيرة خارج المنزل.
وهذه عوامل تقلل من عامل الاستقرار الأسري.
تركيز القيم وترشيد السلوك
بسبب تطور الحياة وتعدد مناشطها لا تعود الأسرة اليوم المرشد الأول لسلوك الأبناء، بل تتشارك معها عوامل أخرى، منها: المدرسة، ووسائل الإعلام والإنترنت وشلل الأحياء والخدم في بعض الأحيان.
ولمواجهة هذه التحديات التي فرضتها تطورات الحياة يقترح سماحة الشيخ أمرين قد يحدّان من تأثيرها السلبي:
الأول: أن يدعم أفراد المجتمع وجود أي مؤسسة وظيفتها احتضان أبناء المجتمع وتكون ذات أهداف نافعة، وكذلك دعم أي موقع تربوي على الإنترنت، أو تقديم الدعم اللازم لإطلاق أي فضائية يكون هدفها النفع العام وترشيد السلوك الصالح، وذلك لخلق بيئة صالحة بديلة عن البيئات الفاسدة التي تقدمها الوسائل الحديثة.
والثاني: عدم الغفلة عن أهمية الجلوس مع الأسرة والتقرّب من الأبناء وتفهّم مشاكلهم وهمومهم وتقدير آرائهم وترشيدهم بروح أبوية منفتحة.
سادساً- كلمة في احتفال مولد الإمام الحسن ، في منطقة العوامية 15/ 09/ 1426 هـ
أشار سماحة الشيخ حسن الصفّار في هذه الكلمة إلى أن ولادة الإمام الحسن كانت تشكّل فرحة كبيرة للنبي ، فبعدما عيّرت قريش النبي بأنه «أبتر» لا أولاد له، فأتته البشارة الإلهية بكثرة النسل، ولذا كانت ولادة الإمام الحسن أول تحقّق لهذه البشارة، هذا بالإضافة إلى أنه الثمرة الأولى للزواج المبارك بين الإمام علي والسيدة الزهراء .
وبيّن سماحته أن الرسول من خلال عنايته بابنه الحسن أعطى خير نموذج للتربية الصالحة، فعند ولادته أذّن النبي في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وحنّكه بريقه، وأقام بقية السنن التي يذكرها الفقهاء.
وفي التربية كان الرسول يعلّم أصحابه كيف يعاملون أبناءهم من خلال تعامله الكريم مع ابنيه الحسن والحسين ، فكان يركّز في التعامل مع الأبناء على «قيمة العطف» عليهم وتقديرهم، حتى ينمو الأبناء أقوياء الشخصية.
فالبعض بسبب مركزه الاجتماعي قد يعامل أبناءه بشيء كبير من الرسمية والقسوة في بعض المواقف، والرسول يعطينا النموذج في العطف على الأبناء حتى في حالات العبادة، عندما أطال في سجوده بسبب وجود الحسن فوق رأسه أثناء أدائه إحدى الصلوات جماعة، لأنه لم يرد أن يجرح شعور ابنه الحسن.
من سمات شخصية الإمام الحسن
وفي ختام الكلمة أشار سماحة الشيخ إلى أنه بسبب التربية النبوية الكريمة نشأ الحسن صاحب شخصية ذات خلق عالٍ، اشتهرت بصفتي الكرم والحِلم.
وهما صفتان نحتاج أن نستحضرهما في واقعنا الاجتماعي، خصوصًا ونحن نعلم بوجود ذوي حاجة وفقر في مجتمعنا، ويمكننا تقديم العون لهم عن طريق الجمعيات الخيرية.
سابعاً- محاضرة في القطيف ـ ساحة الشويكة، بعنوان: الإمام علي ونهج الحرية، في 19/ 09/ 1426 هـ
أحيت لجنة الإمام الحسن بالشويكة ـ القطيف ذكرى استشهاد الإمام علي ، وذلك من خلال ثلاث محاضرات ألقاها سماحة الشيخ حسن الصفّار في الليالي الثلاث، وكانت الليلة الأولى بعنوان «الإمام علي ونهج الحرية»، وسنعرض هنا بعض ما جاء فيها:
الحرية قيمة أرسل من أجلها الأنبياء
في هذه المحاضرة يركّز سماحة الشيخ حسن على قيمة الحرية، ويذكر بأن الأنبياء بعثهم الله ليخلصوا الإنسان من أي عبودية وسيطرة غير عبودية الله، لدرجة أن القرآن الكريم ينعى على اليهود والنصارى خضوعهم الأعمى لعلمائهم وقياداتهم الدينية باسم الدين، يقول تعالى: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله﴾، وفي سياق شرح الآية يروى عن الرسول أنه قال: (والله ما عبدوهم بأن صلوا لهم أو صاموا لهم، ولكنهم أحلوا حرامًا وحرّموا حلالاً فأطاعوهم)».
وهذه الآية لم تأتِ للتشهير بأصحاب الرسالات السابقة، بقدر ما جاءت لتؤسس لوعي جديد للمجتمع المسلم حتى لا تتكرر معه ما حدث في المجتمعات السابقة باسم الدين.
الإمام علي يطبّق النموذج النبوي
بعد ذلك يشير سماحة الشيخ في هذا الجانب إلى أنه مع ما للإمام من حق في الإمامة والخلافة، إلا أنه تولى الخلافة برغبة شعبية، يقول في رسالة وجهها إلى طلحة والزبير: «ولقد علمتما أني لم أردِ الناس حتى أرادوني ولم أقبل البيعة حتى بايعوني».
وعندما عقدت له البيعة لم يجبر من لم يبايعه برغبته على ذلك، بل قال: «لا حاجة لنا فيمن لا رغبة له فينا».
ولم يجبر الناس على عدم أداء صلاة التراويح جماعة، بل تركهم يصلونها في مسجده كما يريدون، مع انه قد ذكر لهم أن صلاة النافلة لا تؤدى جماعة لكن لم يمنعهم عن ممارسة رأيهم.
وربما كان تعامله مع الخوارج ـ الذين كانوا يشكلون تيارًا متشددًا تكفيريًا ـ نموذجًا رائعًا في إطلاق الحريات العامّة وعدم المساس بالحرية الفكرية كقيمة، فاتسمت سياسته معهم على عدم التضييق عليهم، فلم يمنعهم من الصلاة في المساجد ولم يحرمهم العطاء المالي، ولم يحاربهم إلا بعدما مارسوا العنف بحق الآخرين.
الاقتداء بالنموذج العلوي
وفي الختام يشير سماحته إلى أخذ العبرة من النموذج العلوي في مسألة الحريات، وذلك من خلال أمرين:
الأول: أن الحرية الفكرية والعقائدية قيمة مقدسة في الإسلام لا تُمَسّ، فلا نجبر الآخرين على فكر معين ولا على عقيدة معينة، بل هم أحرار في ذلك.
الثاني: ألاّ نتنازل من جانبنا عن حرياتنا، فلا نخضع ـ كمجتمعات ـ لتأثير أي قوى خارجية، بل نبقى على استقلالنا وحريتنا في اختيار ما نشاء، وذلك لا يتأتى إلا من خلال الوعي والبصيرة اللتان تخلقان المجتمعات الحرة.
ثامناً- محاضرة في القطيف ـ ساحة الشويكة، بعنوان: الإمام علي ومشكلة الشباب، في 20/ 09/ 1426 هـ
قال أمير المؤمنين : «أَيْ بُنَيَّ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً ورَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وفِتَنِ الدُّنْيَا فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ وإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ فَبَادَرْتُكَ بِالأدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ ويَشْتَغِلَ لُبُّكَ».
لا ينفصل حاضر أي أمة عن ماضيها وتاريخها، بل يبقى شديد التعلّق والصلة به، بالذات ذلك الماضي المؤسس والباني لهذه الأمة وقيمها.
من خلال الافتتاح بهذا المقطع من وصية الإمام علي بن أبي طالب لابنه الحسن يوثق سماحة الشيخ حسن الصفار الصلة بين واقعنا الحاضر بماضينا وتراثنا وثقافتنا الإسلامية الأصيلة، ليكون هذا المقطع منطلقًا للحديث حول بعض أهم المظاهر السلوكية السلبية في مجتمعنا، والتي غالبًا ما تكون أسبابها ناتجة عن التربية الأسرية الخاطئة، وكذلك نتيجة التعامل الخاطئ من قبل أبناء المجتمع مع مثل هذه الظواهر.
وقد تركز الحديث عن ظاهرتي:
الاستعراضات الطائشة بالسيارات (التفحيط) والدراجات النارية من قبل شريحة المراهقين والشباب.
تعاطي المخدرات والحبوب المنشطة لدى شريحة كبيرة من المجتمع.
ولأن الحديث حول هاتين الظاهرتين حديث متشعّب وشائك حاول سماحة الشيخ أن يوزع حديثه ويوجه خطابه إلى نفس الطبقة الشابة ـ فتيانًا وفتيات ـ، وكذلك يوجه خطابًا آخر للأسرة والمجتمع، لأن المسؤولية مشتركة بينهما.
الشباب والقدوة الصالحة
ففي البداية ركز سماحة الشيخ محاضرته حول بطولات ومآثر الإمام علي بن أبي طالب من بداية الدعوة الإسلامية مرورًا بالهجرة وانتهاءً بمشاركته في المعارك الإسلامية الخالدة: بدر وأحد والأحزاب وخيبر وغيرها، وما كان لذلك من أثر في انتصار الدعوة الإسلامية، وتثبيت مبادئها في المجتمع المسلم، فكان الإمام نموذج الشاب المسلم الذي يصرف جُلّ شبابه لخدمة دينه ومجتمعه ومبادئه وقيمه.
وبما أننا ـ كأفراد وكمجتمع ـ امتداد لتاريخنا وأمتنا الإسلامية علينا أن نتخيّر القدوة الصالحة والنموذج الأفضل ليكون مثالنا الذي نتمثله في المواقف والسلوك، لا أن تكون مرحلة الشباب مرحلة طيش وممارسات تذهب العقل والصحة والمال.
فالذين يمارسون الاستعراض بالسيارات (التفحيط) قد يفقدون حياتهم بسبب هذه الممارسات (كما حصل ذلك قبل أيام لشاب في الثالثة والعشرين من العمر)، وكذلك الأمر لمن يتعاطى المخدرات والحبوب المنشطة، وربما كان في هذه أوضح وأشد.
الأسرة والمجتمع يتحملان المسؤولية الأكبر
من خلال معالجة نص المقطع المفتتح به الحديث يذكر سماحته بأن «فتن الدنيا» و«غلبات الهوى» تعاظمت اليوم، ولذلك على الأسرة «أن لا تكتفي بملاحظة ظواهر حياة أبنائها، بل عليها أن تدقق النظر وتلاحظ ما وراء هذه الظواهر، لتعالج الأسباب، حتى لا تتعاظم المشكلة فيكون حلها ـ حينذاك ـ أصعب».
وفي هذه النقطة بالذات يركز الشيخ حسن على أن المجتمع والأسرة عليهما أن يدركا حجم الخطر الذي تشكله ظاهرة المخدرات في مجتمعنا، فلا نتساهل في تقديرها، فهي آخذة بالانتشار حتى بين فتياتنا، لدرجة أن وزارة التربية والتعليم ـ حسب ما تناقلته الصحف ـ بدأت قبل أيام بحملة في الجامعات والمدارس بحثًا عن الحبوب المنشطة والمخدرة لانتشارها بين الفتيات.
الحبوب المنشطة أول المنزلق
وقد انتشر استعمال الحبوب المنشطة في الآونة الأخيرة، بسبب توفرها بكثرة في السوق السوداء، ورخص ثمنها لأنها تصنع محليًا، خصوصًا بين سائقي الباصات والعاملين ليلاً وبين الطلاب أيام الاختبارات، وقد يتساهل كثير من أبناء المجتمع مع هذه الظاهرة غافلين عن مضاعفاتها النفسية والصحية والسلوكية.
فهي أول المنزلق لتعاطي المخدرات وسلوك بعض الظواهر الطائشة، فذكر سماحة الشيخ أنه ينقل أن كثيرًا من «المفحطين» هم ممن يتناولون الحبوب المنشطة، التي تعطيهم طاقة لا يجدون مكانًا يصرفونها فيه غير هذه الممارسات الاستعراضية الخطرة والطائشة.
المخدرات خطر يداهمنا
عندما نعيش في مجتمعنا ضمن التجمعات الاجتماعية العادية في المساجد والمنتديات والأسواق ونتنقّل بين الشوارع والطرقات قد لا نجد أثرًا لتفشي ظاهرة المخدرات، ولكن عندما نطّلع على أحوال سجون، ونتحرى واقعها نجد أن الواقع يختلف عن الصورة التي تكشفها لنا تجمعاتنا العادية، وهذا ما ينقله الشيخ عن أحد السجناء الذي اتصل به ليشكو له حال زملائه في السجن، فأكثرهم سجن بسبب قضايا المخدرات، طالبًا من الشيخ أن ينقل للمجتمع هذه الصورة، حتى يتنبه من غفلته.
المخدرات آفة تجرّ آفات
بعد ذلك يبين الشيخ أن آفة المخدرات أنها مشكلة مركبة، فالمخدرات تتفاعل مع جسم الإنسان، بحيث إذا لم يتعاطاه مرة أخرى أصبح الإنسان في حالة هستيرية لا تحكمه أي ضوابط، فتحصيل الجرعة هو أهم ما يبحث عنه، مما يضطره للتنازل عن مبادئه وقيمه وعرضه مقابل الحصول عليها.
وهذا ما يحصل في كثير من القصص التي يرويها المحيطون بالمدمنين، فبعضهم قد يقدم زوجته وأخواته ثمنًا لتناول هذه الجرعة، والبعض الآخر يقدم أولاده فريسة لهذا المرض.
المجتمع مسؤول عن القضاء على الإدمان
ولكي يتعافى مجتمعنا من هذه الآفة عليه أن يتصرف كمجتمع متحضر ومسؤول تجاه آفة الإدمان، فالمجتمعات المتحضرة الآن لا تتعامل مع المدمن كمجرم، بل تعامله كمريض يحتاج لعلاج، لذلك على المجتمع أن يوفر الخدمات لهذا المريض، وكذلك على الأسرة أن تقدم العلاج له، لا أن تنبذه وتتبرأ منه.
والخطوات في هذا الجانب على صعيد المؤسسات لا بأس بها، فهناك مستشفيات أنشأتها الدولة لمعالجة الآثار الانسحابية للمخدرات، كمستشفى الأمل بالدمام.
ولكن الخطر يكمن في طريقة تعاملنا وسلوكنا كمجتمع مع هذا المدمن، فمن الواجب علينا أن نغير من نظرتنا تجاهه حتى يتعافى مجتمعنا من هذه الأمراض.
مجموعة الخط المستقيم بالقطيف
ومن الجهود الخيرة إنشاء مجموعة الخط المستقيم بالقطيف، وهي مجموعة من المتعافين من تعاطي المخدرات، تعقد اجتماعات دورية مع الذين يريدون التعافي من تعاطي المخدرات في مقرّها الدائم بمدينة الأمير نايف الرياضية بالقطيف.
وهي بادرة اجتماعية خيرة، تهدف إلى خلق جوّ جماعي للتعافي من المخدرات، فالمدمن بعد أن يتعافى قد يرجع إلى طريق الإدمان مرة أخرى، خصوصًا إذا لم يجد من يحتضنه في مجتمعه، لذلك إن وجود مثل هذه المؤسسة ـ بالتعاون مع المجتمع ـ قد يكون حاجزًا أمام الكثيرين لعدم العودة إلى طريق الإدمان مرة أخرى.
الحسنات يذهبن السيئات
ويختم سماحة الشيخ حديثه بالتذكير بأن الوقاية خير من العلاج، فالعناية بالشباب وبإيجاد برامج خاصة بهم تحتضنهم أكثر أهمية وأولى وأكثر نفعًا وتحصينًا من الانزلاق في هاوية هذه الأمراض، فوجود لجان ثقافية كثيرة في مجتمعنا، وفرق كشافة وأندية رياضية وأنشطة اجتماعية تضمهم ويقضون فيها أوقاتهم وينمون مهاراتهم أولى بالدعم من قبل المجتمع، لأن هذه المشاريع الحسنة تذهب كثيرًا من المظاهر السلوكية السيئة في المجتمع.
لذلك على المجتمع أن يدعم ـ بالمال أو التشجيع أو التعاون ـ مثل هذه الأنشطة التي تحصن شبابنا من الانزلاق في مثل هذه الآفات، لا أن نقف سلبيين، فنشتكي من تفشي هذه الظواهر دون أن نقدم ـ كمجتمع ـ أي بديل.
تاسعاً- محاضرة بالقطيف ـ ساحة الشويكة، بعنوان: الإمام علي ومشكلة الفقر، في 21/ 09/ 1426 هـ
ركّز سماحة الشيخ حديثه في هذه المحاضرة عن مشكلة الفقر، وذلك من خلال افتتاحه المحاضرة بوصية الإمام علي لابنه محمد بن الحنفية، والتي يقول فيها: «يا بني إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه، فإنه منقصة للدين مدهشة للعقل داعية للمقت».
وانطلاقًا من هذه الوصية بدأ الشيخ حديثه في عدة نقاط، منها:
تعريف الفقر
الفقر ليس مشكلة محلية، بل هي عالمية، لذا اهتمت المؤسسات الدولية بتقديم تعريف موحّد له، حيث عرفوه بِـ: عدم الوصول إلى حدّ الكفاف، والمقصود بالكفاف الحاجات الضرورية، وفي منطقتنا يحدد مركز الدراسات الإنسانية بجمعية البرّ بالمنطقة الشرقية أن حد الكفاف للإنسان في هذه المنطقة أن لا يقل دخله الشهري عن 2060 ريال، وهو رقم لا تصل إليه دُخُول آلاف الأسر في منطقتنا حسب كثير من الإحصائيات التي تقوم بها الجمعيات الخيرية.
الفقر مشكلة اجتماعية
وما يجعل الفقر مشكلة اجتماعية هو امتداد تأثيره على الآخرين، يقول تعالى: ﴿إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم﴾، فالفقر يمس الأمن الاجتماعي، فهو الداعي لأكثر الجرائم، والتي من أهمها السرقة والفساد، وكذلك يكون سببًا لتدني المستوى التعليمي.
كما أن المجتمع الفقير لا تنمو فيه أي مشاريع اقتصادية، وهذا ما يدفع الدول الغنية إلى تقديم مساعدات مالية للدول الفقيرة، ليكون هناك سيولة نقدية، يتيح المجال للاستهلاك والاستيراد.
أسباب الفقر
وهي النقطة التي ركّز عليها سماحته كثيرًا، فعدد بعض الأسباب، فذكر منها:
1. الكسل، فكسل الإنسان عن السعي لتحصيل الرزق قد يكون عاملاً للفقر، ومن مظاهر الكسل في زمننا الحاضر عدم سعي الإنسان لتطوير الذات بما يتناسب ومتطلبات سوق العمل، من شهادات وإتقان لبعض المهارات واللغات الأساسية التي تحتاجها معظم المهن اليوم.
2. سوء التخطيط، فالإسراف في بعض المناسبات وصرف كثير من الأموال في مظاهر الفرح والاحتفال عدم تدبير للأموال.
3. ضعف الحركة الاقتصادية من قبل أصحاب الثروات في المجتمع، واتجاه معظم حركة الأموال في الأسهم والعقار، وهذه الحركة لا تنشط الاقتصاد ولا تخلق فرص وظيفية للعاطلين عن العمل.
4. سياسات أجهزة الدولة، والتي قد تكون في كثير من الأحيان غير كافية لتنمية القدرات ولا توفير فرص العمل أو تشجيع التقدم الاقتصادي وتوفير ضمانات المعيشة للمعوزين.
6. عدم التكافل الاجتماعي
وذكر الشيخ أن من أهم أسباب انتشار ظاهرة الفقر في مجتمعاتنا هو عدم التكافل الاجتماعي بالشكل المطلوب، فبمراجعة بسيطة لتقارير الجمعيات الخيرية بالمنطقة والمقارنة بين التبرعات التي تأتيها من خارج مناطقها وبين ما يأتيها من داخل المناطق تكشف لنا مدى تقصيرنا تجاه فقرائنا وذوي الحاجة منّا.
وهو أمر مخجل، بالذات لمجتمع يفخر بموالاته لأهل البيت، الذي كان كل إمام منهم ـ والإمام علي كان أولهم ـ يحمل الجراب على ظهره في عتمة الليل، ويجوب به المدينة يطعم الفقراء ويتصدّق عليهم.
عاشراً- محاضرة بالأوجام، بعنوان: تجديد الخطاب الديني، في 25/ 09/ 1426 هـ
قبل البدء بموضوع المحاضرة قدم سماحة الشيخ لها بنقطة مهمة، تتعلق بمفردة الخطاب، فذكر أن (الخطاب) ممارسة تحتاج إلى تفاعل بين المصدِر لها (المخاطِب) والمتلقي لها (المخاطَب)، وهذا التفاعل حتى يكون إيجابيًا لابدّ أن يراعي مَن يقوم بإصدار الخطاب بعض المهارات لتصل رسالته بطريقة حكيمة، فيختار اللغة الصحية وأسلوب العرض المناسب والتركيز على اهتمامات من يتخاطب معهم.
على الخطاب الديني أن يتناسب مع عصره
وانطلاقًا من هذه الفكرة يرى سماحته ضرورة تجديد الخطاب الديني بما يتناسب وطبيعة التحولات التي تشهدها المجتمعات البشرية اليوم.
فهذا ما نراه في دعوات الأنبياء ، التي كانت تشترك في الدعوة إلى التوحيد، ولكنها اختلفت في طرق عرض الدعوة ونوعية المواجهة الاجتماعية، فالنبي نوح واجه ـ في دعوته ـ الحالة الصنمية، بينما واجه لوط حالة الشذوذ الجنسي، وتركّز اهتمام موسى في مواجهة الطغيان الفرعوني.
بل نجد أن انتقال النبي محمد من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة كان له أثره في تغير أسلوب الآيات المدنية عن الآيات المكية.
ما يمنع من التجديد
وبعد أن بين سماحته أهمية مسألة التجديد انطلق لبيان عوائقه، وذكر أن أهمها: نشوء بعض الهواجس التي تساور مجموعة كبيرة من أن تكون دعاوى التجديد وسيلة إلى النيل من الإسلام وثوابته.
ونبه إلى أن هذه الهواجس مشروعة، ولذلك ينبغي تسليط الضوء عليها لمعالجتها لئلا تكون عائقًا أمام الفكرة والطرح، وكذلك لئلا تكون سببًا للتخوين وللتشكيك في النوايا عند فئة من يعيشون هذه الهواجس، ولئلا تكون ذريعة في يد البعض لاتهام من يخالفونهم بالتحجّر والرجعية.
مجالات أساسية لتجديد الخطاب الديني
وفي هذه النقطة يطرح الشيخ أهم القضايا التي يرى أن على الإسلام أن يعطي رأيه فيها، فذكر منها: العلاقة مع الآخر، وحقوق الإنسان بما يشمل النظرة إلى المرأة، وما يرتبط بالحريات الشخصية، وذلك لأن ما يثير الشهوة والغريزة أصبح في هذا العصر أمرًا تجاريًا من خلال وسائل الإعلام، ولا يمكن معالجة ذلك بالطرق التقليدية، ومن الأمور كذلك الملحّة مسألة الفهم الديني وأثرها في واقع المسلمين المتخلف.
التجديد ومسألة الثوابت
في معرض ردّه عن تخوّف البعض من التجديد بسبب هاجس المس بثوابت الدين أشار سماحة الشيخ بأن عملية التجديد لابدّ أن يتصدّى لها من هو كفؤ لها، وكذلك يجب أن لا نبالغ في مسألة الثوابت، فلا نوسع دائرتها ليصبح كل شيء ينتمي للدين ثابتًا بحيث لا يمكننا تغيير شيء، بل يجب التدقيق في مسألة الثوابت، حتى لا يكون ذلك عائقًا أمام التجديد.
إحدى عشر- حوار في ملتقى الشباب الحواري بالقطيف، بعنوان: أهمية تحمل المسؤولية والمبادرة عند الشباب، في 26 / 9 / 1426هـ
ضمن أمسياته الرمضانية استضاف (ملتقى الشباب الحواري) سماحة الشيخ حسن الصفار في جلسة حوارية مساء يوم السبت ليلة الأحد 26 رمضان 1426هـ، وكان موضوعها حول : كيفية مشاركة الشباب في نقاش القضايا الإجتماعية.
بدأت الجلسة بكلمة قصيرة لسماحته تعرض فيها لنقطتين تتعلق بالموضوع. أولاً حول أهمية الشعور بالمسؤولية في حياة الشاب مشيراً إلى أن الإسلام يكلفنا بتحمل المسؤولية في وقت مبكر خلافاً للقوانين السائدة التي يبدأ فيها التكليف بـ 18 سنة ، ودعا الشباب إلى الإلتفات إلى ذلك. ثم تحدث عن أهمية روح المبادرة لأنه لا يمكن إنجاز أي عمل دون أن يبدأ بها. ونصح الشباب بأن لا يلقون باللوم على الدولة ورجال الأعمال ورجال الدين ، وأن لا ينتظروهم لحل المشاكل ، بل يجب على الشباب أن يبادروا هم بأنفسهم وبالتعاون مع تلك الجهات.
وحسب شكل الجلسة فإن الكلمة لم تستغرق سوى عشرين دقيقة ، ليترك المجال واسعاً ولمدة ساعة لمناقشات الشباب ، وكان منها:
• عند الحديث مع الكبار ، كيف ينبغي أن نناقشهم أو ننتقد آراءهم؟
لابد من اختيار الأسلوب الأنسب ، وعلى الشاب أن يتفنن في اختياره لأسلوب طرح رأيه أمام الكبار آخذاً احترامهم بعين الإعتبار ، وهذا لايعني أن يتوقف عن مناقشتهم.
• كيف نحول نقاشاتنا من كلام إلى مشاريع على أرض الواقع؟
المفتاح هو وجود شخص من الجماعة يبدأ بالخطوات العملية ، وعمل هذا الفرد كفيل بتحريك بقية المجموعة ليتحول نقاشهم إلى مشروع عملي.
• ما هي الفرص المتاحة لتنفيذ هذه المشاريع؟
وزارة العمل الآن تستقبل طلبات انشاء مؤسسات تخصصية وهناك بعض الإجراءات لإنشاء أي مؤسسة من هذا النوع. والمثال المحلي هو انشاء مؤسسة تعنى بشؤون المرضى بأمراض الدم الوراثية ، واجراءاتها على وشك الإنتهاء.
• كيف نضمن جودة العمل ؟
ينبغي عدم التسرع وتجنب التهور أوالقيام بأي عمل من دون حسابات. فدراسة الموضوع خطوة مهمة قبل البدء بالعمل ، وهذا يضمن جزء كبير من جودة العمل.
وقد بدا في الجلسة جرأة الشباب في النقاش وسعة صدر سماحة الشيخ مما أضفى روحاً حميمية جعلت النقاشات شيقة ، واستمتع فيها الشباب بحرية طرح رؤاهم. كما عبر الجميع عن ارتياحهم لهذه الجلسة ، وأهمية وجود الجلسات الشبابية لما منها من فائدة.
يُذكر أن (ملتقى الشباب الحواري) عبارة عن مجلس حواري خاص بالشباب دون سن الخامسة والعشرين ، يتناولون فيه القضايا الفكرية والاجتماعية المعاصرة خصوصاً تلك المتعلقة بشؤون الشباب. وتعقد هذه الجلسات في العطلة الصيفية والعطلة الرمضانية ، ويستضاف فيها شخصيات من رجال الدين وأكاديميين. والغرض منها هو بوح الشباب بهمومهم ومشاكلهم وطرح آرائهم والنقاش باتجاه حل القضايا.