الموضوعية تجاه الأفكار الجديدة

نشرت صحيفة الأيام البحرينية مقالاً لسماحة الشيخ حسن الصفار عنوانه: الموضوعية تجاه الأفكار الجديدة، في عددها الصادر يوم الأربعاء 24 شعبان 1426هـ (28 سبتمبر 2005م).

وهذا نص المقال:


هناك اسباب وعوامل تحول دون قبول الأفكار الجديدة وانتشارها في‮ ‬المجتمعات ومن أبرزها‮: ‬


‮١. ‬الاسترسال‮:‬

حيث‮ ‬يتمثل كثير من الناس مقولة‮: ﴿‬إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مهتدون‮. ‬فيعيش هؤلاء حالة من القناعة والإشباع بما لديهم من الأفكار والقناعات بشكل لا‮ ‬يشعرون معها بالحاجة إلى الجديد،‮ ‬فيسترسلون مع الحالة الموجودة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬ولكن هذه الحالة خطأ،‮ ‬لأنه ليس دائما ما هو سائد صحيح،‮ ‬وقد‮ ‬يكون صحيحا في‮ ‬زمن أو ظرف معين،‮ ‬والأزمنة والظروف تتغير فتحتاج الأفكار والقناعات إلى تجديد وتغيير وإصلاح‮.‬

من هنا كانت المجتمعات البشرية في‮ ‬حاجة دائمة إلى التجديد والإصلاح،‮ ‬في‮ ‬أفكارها‮ ‬وآرائها وأنماط حياتها،‮ ‬لأن البقاء على وضع وحالة معينة ليس شيئا سليما،‮ ‬فطبيعة الحياة فيها تغير وتطور،‮ ‬ولذلك نرى تعدد الأنبياء فمع تغير الزمان والمجتمعات‮ ‬ينزّل الله تعالى شرائع جديدة،‮ ‬وكذلك الحال في‮ ‬تعاليم الإسلام نجد أن باب الاجتهاد مفتوح،‮ ‬لتغير وتطور طبيعة الحياة مما‮ ‬يستدعي‮ ‬حدوث تغير وتطور في‮ ‬بعض الآراء والأفكار‮.‬

ولو تأملنا لوجدنا في‮ ‬أوضاعنا الدينية آراء كانت سائدة،‮ ‬وعندما طرحت آراء جديدة رفضت في‮ ‬البداية،‮ ‬ولكن بعد مدة من الزمن تلاشى الرأي‮ ‬السابق،‮ ‬وأصبح الرأي‮ ‬الجديد الذي‮ ‬كان مرفوضا هو السائد‮. ‬ومن الأمثلة على ذلك‮: ‬صلاة الجمعة،‮ ‬إذ لم تكن متعارفة عند مجتمعاتنا الشيعية،‮ ‬فالرأي‮ ‬السائد كان‮ ‬يرى أن صلاة الجمعة لا تقام إلابحضور الإمام المعصوم،‮ ‬أو بوجود حاكم شرعي‮ ‬مبسوط اليد،‮ ‬وكان هناك من الفقهاء من‮ ‬يرى حرمة إقامة صلاة الجمعة زمن الغيبة،‮ ‬أما الآن وخلال الربع الأخير‮ »‬أي‮ ‬بعد انتصار الثورة الإسلامية في‮ ‬إيران‮« ‬تجلى وضع جديد فأقيمت صلاة الجمعة في‮ ‬إيران،‮ ‬وشيئا فشيئا بدأت تنتشر في‮ ‬مختلف المناطق والبلدان،‮ ‬بالطبع ووجه هذا التغيير بالاستنكار والاستغراب بادئ الأمر ولكنه أصبح واقعا الآن‮.‬

٢. ‬عدم الثقة بالنفس‮..‬

الكثير من الناس لا‮ ‬يسعى للانفتاح على الآراء والأفكار الجديدة،‮ ‬لعدم ثقتهم بأنفسهم لتقويم هذه الأفكار ومناقشتها،‮ ‬بعكس ما عليه الحال من ثقة الجميع بأنفسهم فيما‮ ‬يرتبط بالأمور المادية من أكل وشرب ولباس وغيرها‮. ‬وفي‮ ‬المجال الفكري‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يكون وضع الناس كذلك،‮ ‬فقد منح الله تعالى الإنسان عقلا،‮ ‬فعليه أن‮ ‬يعمل بالأسلوب الصحيح،‮ ‬ولا‮ ‬يعني‮ ‬هذا أن‮ ‬يقبل الإنسان كل فكرة جديدة دون دراسة وبحث،‮ ‬وإنما عليه البحث والتمحيص،‮ ‬ليحدد موقفه من أي‮ ‬فكرة،‮ ‬والله تعالى‮ ‬يصف المؤمنين بقوله‮:﴿‬الذين‮ ‬يستمعون القول فيتبعون أحسنه‮‬،‮ ‬ولفظة‮ ﴿يستمعون‮ ‬تفيد تقصد الاستماع لا أن‮ ‬يكون ذلك مجرد صدفة،‮ ‬و﴿القول‮ ‬تعني‮ ‬الآراء والأفكار،‮ ‬﴿فيتبعون أحسنه‮ ‬من خلال إعمالهم عقولهم‮.‬

٣. ‬الخوف من الاعتراض‮:‬

قسم من الناس قد‮ ‬يقتنعون بصحة الأفكار الجديدة،‮ ‬ولكنهم‮ ‬يخشون من إعلان اقتناعهم لمعارضة الناس لها،‮ ‬وبالتالي‮ ‬يضطر هؤلاء ألا‮ ‬يتعاطوا مع الأفكار الجديدة خوفا من مواجهة الاعتراض الموجود عند الناس‮.‬

وهذا ما واجهه كثيرون في‮ ‬بداية الدعوة الإسلامية ولكن الواعين تجاوزوا هذه الحالة،‮ ‬وفي‮ ‬طليعة أولئك مصعب بن عمير‮ ‬‮«رضي‮ ‬الله عنه» ‬وهو من أفضل الشباب الذين كانوايتمتعون بالدلال والرفاه من قبل أسرهم،‮ ‬وكان معروفا بأنه أعطر فتى في‮ ‬قريش،‮ ‬ولما سمع عن الإسلام أصبح‮ ‬يبحث عنه ويتقصاه إلى أن أسلم،‮ ‬مع أن أباه وأمه كانا من أشد أعداء الإسلام في‮ ‬ذلك الوقت،‮ ‬لذلك أخفى عنهما إسلامه،‮ ‬ولكن هناك من أفشى أمره إلى أبيه،‮ ‬فواجهته أمه بالحقيقة،‮ ‬فاعترف لها بذلك،‮ ‬وانهالت عليه توبيخا وتقريعا وهدددته بأنها لن ترضى عنه،‮ ‬فقال لها‮: ‬يا أماه لا تشقي‮ ‬على نفسك،‮ ‬فإني‮ ‬قد آمنت ولن أترك الدين الحق،‮ ‬فلم تقبل أمه منه ذلك،‮ ‬وسجنوه في‮ ‬البيت،‮ ‬وقتروا عليه في‮ ‬الطعام،‮ ‬ولكنه أصر على موقفه،‮ ‬وبعد ذلك هرب من بيت والديه‮. ‬وذات‮ ‬يوم كان رسول الله‮ (‬ص‮) ‬جالسا مع أصحابه وقد أقبل مصعب‮ ‬يلبس ثوبا باليا،‮ ‬ويظهر عليه آثار الجوع،‮ ‬فدمعت عينا رسول الله‮ (‬ص‮) ‬وتأثر الأصحاب،‮ ‬وقال‮ (‬ص‮): ‬كان مصعب وما في‮ ‬مكة ولد أعز منه على أبويه،‮ ‬ولكنه ترك كل ذلك حبا لله ولرسوله‮.‬

إن الإنسان الواعي‮ ‬يتحمل الضغوط ويلتزم بالحق،‮ ‬بعيدا عن رضا الناس أو عدمه‮. ‬،في‮ ‬دعاء الإمام الحسين‮ (‬ع‮) ‬في‮ ‬يوم عرفة نقرأ هذه الفقرات الرائعة‮: ‬«ماذا وجد من فقدك،‮ ‬وماذا فقد من وجدك»‮ ‬فالإنسان الذي‮ ‬يصل إلى الحق والحقيقة باقتناع.

الأربعاء 24 شعبان 1426هـ (28 سبتمبر 2005م).