الوقف لأهل البيت في المجتمعات الشيعية
نشرت صحيفة الأيام البحرينية مقالاً لسماحة الشيخ حسن الصفار عنوانه: الوقف لأهل البيت في المجتمعات الشيعية، في عددها الصادر يوم الجمعة 25 رمضان 1426هـ (28 أكتوبر 2005م).
وهذا نص المقال:
مع وجود أوقاف لمختلف الأغراض الدينية والعلمية والإنسانية في المجتمعات الشيعية، إلا أن النسبة الغالبة من الأوقاف لدى الشيعة تكون مخصصة لأهل البيت «عليهم السلام» وخاصة الإمام الحسين .
ففي بحث نشره الباحث الشيخ محمد بن علي الحرز في «مجلة الواحة» عن «الوقف في الأحساء» رصد فيه الأوقاف المسجلة في المحكمة الشيعية بالأحساء بين عامي ٨٨٣١ - ٩٠٤١هـ فكان مجموعها ٩١٦٣ وقفاً من مزارع وبيوت ودكاكين وأراضٍ، على مختلف الأغراض، ووصل عدد الموقوف على أهل البيت «عليهم السلام» منها ٣٦٥٢ وقفاً، وتساوي نسبة ٠٧٪.
وفي بحث قامت به لجنة تطوعية من الشباب في جزيرة تاروت من محافظة القطيف، يهتم بإحصاء وحصر أوقاف جزيرة تاروت، واستغرق عملها فيه أكثر من عام من تاريخ ٥/ ٢/ ٥٢٤١هـ إلى ١/ ٦/ ٦٢٤١هـ، كان مجموع الوقوفات التي تم رصدها ٩١٢ وقفاً لمختلف الأغراض منها ١٥١ وقفاً خاصاً بأهل البيت «عليهم السلام». وتشكل نسبة ٩٦٪.
ويرى السيد حسن العوامي ـ من وجهاء القطيف ـ أن نسبة أوقاف أهل البيت «عليهم السلام» من مجمل الأوقاف في القطيف لا تقل عن ٥٧٪، وأن الأوقاف تشكل نسبة ٠٦٪ من مجموع حقول القطيف التي كانت تضم سبعمائة وثلاثين ألف نخلة على أدنى إحصاء، منها خمسمائة وعشرة آلاف نخلة منتجة بمعدل ٥٢ كيلو للنخلة الواحدة.
وأفادنا مدير دائرة الأوقاف الجعفرية في البحرين أن الأوقاف على أهل البيت تزيد على نسبة ٥٧٪ من مجمل الأوقاف في البحرين.
إن هذا الإقبال الكبير على تخصيص الأوقاف لأهل البيت «عليهم السلام» في المجتمعات الشيعية نابع من الأسباب التالية:
١ - عمق المودة والولاء لأهل البيت «عليهم السلام» في نفوسهم، إذ يرتضعون ذلك في تربيتهم ونشأتهم ضمن عوائلهم، كما تسود في مجتمعاتهم ثقافة المحبة والولاء والارتباط بأهل البيت «عليهم السلام» عبر المناسبات الدينية وإرشاد العلماء ووعظ الخطباء.
٢ - دافع التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فإحياء ذكر أهل البيت «عليهم السلام» أمر محبوب عند الله سبحانه، ومظهر من مظاهر المودة التي أوجبها الله لهم، وهو ينسجم مع نهج القرآن الكريم في إحياء ذكر الأنبياء والأولياء، والإشادة بهم، والحديث عن سيرتهم ومواقفهم.
كما يشكل استجابة لتوجيهات أئمة أهل البيت الذين دعوا شيعتهم لإحياء ذكرهم وأمرهم كالخبر المروي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): ««أحيوا أمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا. قلت: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا».»
٣. إن إحياء ذكر أهل البيت «عليهم السلام» يعني إحياء الحالة الدينية في المجتمع، ذلك أن حضور سيرة أهل البيت في النفوس والأذهان تعني حضور القيم والمبادئ التي يمثلونها، مما يترك أثراً وانعكاساً واضحاً على الفكر والسلوك.
٤. إن المظلومية التي عاشها أهل البيت في حياتهم بإقصائهم وتهميشهم والإساءة لهم من قبل أغلب الحاكمين في عصورهم، أوجدت في نفوس أتباعهم تعاطفاً عميقاً، يدفعهم لتحدي حالة المظلومية التي تعرضوا لها، بالمزيد من مظاهر الاحتفاء والتخليد لذكرهم وسيرتهم، في مقابل محاولات التعتيم على ذكرهم وآثارهم.
٥. بسبب الظروف الصعبة التي مرت على المجتمعات الشيعية أصبح إحياء ذكر أهل البيت جزءاً من الهويّة، والاهتمام به يعني حماية الذات من الذوبان، وحفظاً للخصوصيات المذهبية.
٦. وأخيراً فإن الأوقاف على أهل البيت تعني ضمان التمويل الذاتي للنشاط الديني والفاعلية الاجتماعية، حيث يلمس الواقف أثر وقفه في جذب الجمهور نحو المناسبات الدينية، وفي توفير فرص الوعظ والإرشاد لأبناء المجتمع، وفي تهيئة الأجواء لتربية النشء على العقيدة والمبدأ، وفي تكريس تلاحم المجتمع ورفع معنوياته وإظهار قوته.
هذه هي أهم العوامل والأسباب ـ فيما أعتقد ـ لتوجه الشيعة بأوقافهم نحو أهل البيت «عليهم السلام» أكثر من أي غرض آخر.