سماحة الشيخ الصفار يؤكد لمجلة فواصل على شرعية مقاومة المحتل لأرض العراق، وضرورة تجنب الفتن
وهذا نصها:
أيها العراقيون الشرفاء:
أعانكم الله تعالى على ما تواجهون من أشد أنواع المحن والابتلاءات، إنكم تواجهون آثار ومخلفات الديكتاتورية والاستبداد، وتواجهون مطامع الاحتلال والهيمنة الأجنبية، وتواجهون فظاعة الإرهاب الأعمى.
إن أكثر من ثلاثة عقود عشتموها في ظل حكم الطغيان والجور، الذي مارس سياسة التمييز والتفرقة بينكم، وآثار النعرات الجاهلية القومية بين العرب والأكراد، والحساسيات الطائفية بين السنة والشيعة، ليمنع وحدة الشعب ضد طغيانه وليشغل اهتماماتهم ببعضهم البعض حماية لسلطته ونفوذه.
هذه السياسة الماكرة تواجهون الآن آثارها الخطيرة من الهواجس المتبادلة عند كل شريحة تجاه الأخرى. حيث يخشى الأكراد تجاهل حقوقهم، ويخاف العرب نزعات الانفصال وضياع الهوية، ويحذر السنة من محاولات التهميش والإقصاء، ويقلق الشيعة من التجاوز على دورهم وموقعهم.
وجاء الاحتلال تحت شعار الحرية التي كنتم تتطلعون إليها، وبحجة إسقاط الديكتاتورية التي كنتم تعانون منها، لكنكم تعلمون بقطع ويقين ان لقوى الاحتلال أطماعها وأغراضها ومقاصدها.
لقد تحركت جماهير شعبكم بعد اندحار جيش صدام من الكويت، وأوشكتم على انتزاع حريتكم من مخالب النظام الجائر، لكن الأميركيين الذين يرفعون الآن شعار تحريركم هم من أعطوا الضوء الأخضر لنظام صدام أن يقمع انتفاضتكم آنذاك، كما تعلمون ذلك جيداً.
وفي ذلك دلالة واضحة على أنهم يريدون إسقاط نظام صدام خدمة لمصالحهم أولاً، وليس اهتماماً خالصاً بمصالح الشعب العراقي.
إن الاحتلال الأجنبي للعراق أضاف أعباء جديدة على الشعب العراقي، وزاد في صعوبات حياته وتعقيدات مستقبله.
وتفجرت أعمال العنف والإرهاب الأسود لتفعيل آثار سياسات النظام الزائل من التفرقة بين المواطنين العراقيين، ولتكون مبرراً لاستمرار الهيمنة الأجنبية، كما كان النظام البائد مبرراً لقدومها.
ولا شك أن فظاعة الإرهاب الذي يحصل في العراق الآن لا تماثله فظاعة، لاستهدافه الأبرياء وانتهاكه الحرمات، بوتيرة وحشية متصاعدة، وبشعارات طائفية خطيرة.
أمام هذا الابتلاءات الشديدة، تصبح مسؤولية القوى الواعية في الشعب العراقي في غاية الأهمية والخطورة، فالعراق الآن مفتاح مستقبل المنطقة.
إن تاريخ الشعب العراقي وما نعرفه عن إخلاصه ووعيه يثير في نفوسنا بواعث الأمل رغم قتامة الظروف الحالكة.
إننا نتوقع من إخواننا وأهلنا في العراق مواجهة هذه التحديات الخطيرة، بمزيد من الوعي واليقظة وبدرجة عالية من الصبر وضبط النفس، ولستم بحاجة أيها العراقيون الشرفاء إلى من ينصحكم أو يذكركم بضرورة الحفاظ على وحدة العراق، فأنتم بحمد لله تمتلكون اصدق مشاعر الوحدة، لكن ما نأمله ألا يكون لآلام الماضي وهواجس القلق من تكراره، مفعول ضار يؤثر على التخطيط لصياغة المستقبل وبنائه، كما نأمل تفويت الفرصة على الأعداء الذين يريدون استغلال أي صراع في داخلكم لتثبيت وجودهم وخدمة أغراضهم ومطامعهم.
و الإرهاب الذي تعانون منه لم يبدأ بكم ولم يتوقف عندكم، فقد عانت منه كل الشعوب والبلدان، وهو يتلون بمختلف الألوان والشعارات، فلا تصدقوا أنه ينطلق من أرضية مذهبية أو يخدم مصلحة طائفية، إنما هو استخدام لورقة مثيرة من أجل هدف إجرامي. و تعلمون أن الإرهاب الذي استمر في الجزائر بضع سنوات لم ينطلق من طائفة ضد أخرى ولا انتصارا لمذهب على مذهب آخر.
وبحمد الله فإن مرجعيتكم الدينية وقياداتكم الوطنية الواعية تمتلك رؤية واضحة ونهجاً حكيماً في التعامل مع تعقيدات الوضع الخطير الذي خلفه الاستبداد وأثاره الاحتلال، وأحدثه الإرهاب، والتفافكم حول مرجعيتكم الدينية الرشيدة، هو ضمانة التجاوز لهذه المخاطر والتحديات البالغة.
فتحية إكبار لرفضكم للاحتلال والهيمنة الأجنبية. ولمقاومتكم الحكيمة الرشيدة، ولما ابديتمونه من وعي واستقامة في وجه أخطر المؤامرات وأشد الصعوبات، وسلام على الأرواح البريئة التي تزهق من أبنائكم كل يوم، وعلى الدماء الزكية التي تراق على أرض العراق في كل ساعة، وإن الفرج قريب إنشاء الله وفجر الخلاص بات وشيكاً بتلاحمكم واستمرار وحدتكم، وبإصراركم على التخطيط والبناء لمستقبل العراق من خلال دستور يحفظ الحقوق والكرامة لكل المواطنين دون تمييز وينطلق من إرادة الشعب ورضاه.
أعانكم الله على ما تواجهون و وفقكم لتحقيق ما تنشدون، وحمى الله العراق من الأعداء الطامعين والحمقى الجاهلين أنه أرحم الراحمين.