ترجمة سماحة الشيخ حسن الصفار في كتاب معجم الخطباء

 

الشيخ حسن الصفار طاقة من النشاط والحيوية والانفتاح خطيب بارع، ومحاضر لامع، ومؤلف مبدع، وباحث متتبع، ولعمر الحق اشهد لقد عرفت الرجل أليفاً ودودا كريم الطباع حميد الصفات مبادرًا للخير والمعروف سباق لتأليف القلوب، منفتحا على الجميع، بالرغم من وجوده في قلب الساحة المتصارعة والتيارات المتنازعة وتعامله مع مختلف الخطوط المتباينة والفئات والتكتلات المضطربة في ساحة العمل والتحرك الاسلامي. وبالرغم احتسابه على فصيلة من تلك الفصائل العاملة بيد أن الملاحظ انفتاحه وتعاونه وصيانته الاصول وآداب وأخلاقيات العاملين في سبيل الله وما يفترض أن يتحلوا به من مسؤولية وخلق ومجاملات.

رأيته وصولا لمن قطعه، زائرا لمن جفاه، بل أكثر من ذلك رأيته منفتحا واثق جريء في زياراته واتصالاته حتى مع بعض الاعلام من أبناء المذاهب الاسلامية الأخرى غير الشيعية بل وداعيا إخوانه وزملاءه لزيارتهم والتقرب منهم وكسر الحواجز النفسية ما بينهم لتنقية الأجواء وتصفية القلوب وفتح لغة التفاهم ومنطق الحوار الهادف بدل التشنج وسوء الظن والانغلاق والحساسيات المذهبية المتزمتة.

أجل هذا هو منطق العالم الواثق والمثقف الواعي الذي يمارس دوره ومسؤوليته من منطلق الثقة والاقتدار ضمن الإطار الإسلامي ووفق الضوابط والمتطلبات الشرعية.

وبعد هذا فلا أراني مبالغ أو مجانبًا الحقيقة إذا عبرت عن الاستاذ المترجم بالكيان الرسالي المتحرك، والشخصية الإسلامية الواعية، ومعلم من معالم التوجيه والتثقيف الإسلامي، وحقا أنه شمعة من الشموع النوادر التي تذيب نفسها لتهب النور والضياء للآخرين.

وفي رجعة إلى خزانة الذاكرة، وعودة إلى شاشة النشأة الأولى ترتسم في مخيلتي وتتمثل في خاطري صورة لبرعم يافع تحيط به ثلة من رجال الخير والايمان وتحفه كوكبة من المخلصين لخدمة الحسين عليه السلام بالاعتزاز والتكريم، وتلتف حوله بالرعاية والاعجاب، لذكائه المفرط ونبوغه المبكر واستعداده الخارق ولعلي أتذكر من بين هؤلاء الذين واكبوا مسيرته الدينية كان المرحوم الحاج اسماعيل بن الشيخ والمرحوم الحاج محمد السلمان وغيرهما من رجال الخدمات الدينية والحسينية ومن وجهاء الجماعة الاحسائية

واركان الحسينية الجعفرية في الكويت، وكان خطيبنا المترجم يومئذ لم تختط عارضاه ودیع القسمات برئ النظرات واعد المستقبل متفائلا طموحاً.

وفي هذا السياق تقفز لقطة أخرى من الذكريات على مسرح دورة الصحن الحيدري الشريف في النجف الاشرف حيث كنت برفقة المرحوم الشيخ اسد حيدر صاحب الأمام الصادق والمذاهب الاربعة اذ استقبلنا شاب في مقتبل العمر قد اعتمر كوفية بيضاء أرخى ذؤابتيها على صدره وعباءة سوداء لف بها جسده المترف، فما كان من هذا الغلام الوديع إلا أن هجم على الشيخ الأسد فأوسعه لثما وتقبيلا بحرارة وثقة لشدة تأثره بشخصيته وأعجابه بتأليفه فبادله المرحوم الأسد عبارات الـترحيب والتشجيع ثم أثنى عليه وتوقع له المستقبل الزاهر لما قرأ على صفحات وجهه ه من جد وشغف وطموح.

ومنذ ذلك التاريخ واكبت مسيرة الصفار عن كثب، وتلقفت اخباره عن بعد وقرب، فكان الرجل موضع الثقة والتبجيل على ألسنة عارفيه ومريديه فما ذكر اسمه في محفل إلا وكان مقرونا بالثناء والتقدير. وإنّي لم استمع إلى مجالسه ومحاضراته كثيرا ولكن سمعت عنه كثيرا، وتتمثل الآن أمامي محاضرة واحدة ارتجلها في حسينية السبطين براوية الشام عند مرقد بطلة كربلاء السيدة زينب عليها السلام فأدهش العقول واخذ مجامع القلوب وسلب الألباب وهز الجمهور بصدق قوله ودقة عرضة وحرارة أسلوبه فكان الخطيب المفوه الذي يقتنص المعاني بخبرة ولوذعيه، ويتحرى مواضع العظة والعبرة بذكاء ومسؤولية واذا كانت كذلك فلنتعرف على فصول حياته وبطاقته التقليدية فيما يلي:

هويته ومولده:

هو الشيخ حسن بن الحاج موسى بن الشيخ رضي بن الحاج علي بن محمد بن حسن بن فردان الصفار التاروتي الهمداني من همدان أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام[1].

ولد في قبل منتصف الليل بعشرين دقيقة في الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر عام 1376هـ.

ونشأ في رعاية أبيه الحاج موسى وهو من الأبرار الأخيار فأغدق عليه تربية وخلق أصيلا موروثا في أسرته وشخصياتها المعروفة بالعلم والشرف والتقوى.

أسرته:

من الأسر التي نبغ فيها رجال نالوا الحظ الأوفر في خدمة الشريعة المقدسة، والقسط الأكبر من العلم والمعرفة ومن هذه الشخصيات الشيخ رضي الصفار الجد الأول لخطيبنا المترجم الذي عاش مائة و عشر سنوات قضاها في خدمة علوم اهل البيت عليهم السلام و ارشاد شيعتهم إلى الحق والصواب فقد ولد عام ۱۲۹۰هـ وتوفي سنة ۱۳۳4هـ  وهاجر إلى النجف الأشرف عام ۱۳۱۷هـ وتلقى تحصيله العلمي على أكابر الفقهاء وأعاظم العلماء فبعد اجتياز المراحل الأولى من الدراسة حضر الأبحاث الخارجية على مراجع الفتيا والتقليد العليا كالأخوند الخراساني صاحب الكفاية، والسيد كاظم اليزدي صاحب العروة، و شيخ الشريعة، والشيخ أحمد کاشف الغطاء، والشيخ ملا هادي الطهراني. ثم عاد إلى وطنه ليتولى المهام الدينية بجدارة وتفوّق حاملا أعلى الشهادات والاجازات من مراجع الطائفة، واوثق الوكالات من قبل الزعامة الدينية العليا کوکالته عن السيد اليزدي ووكالته عن آل کاشف الغطاء، ومكث في موطنه يؤدي رسالته ويقوم بواجباته إلى أن اختاره الله إلى دار كرامته راضيا رضيا مرضيا.

ومن هذه الشخصيات الشقيق الأصغر للشيخ الرضي وهو الشيخ حسن بن الحاج علي آل فردان الصفار التاروتي الهمداني وهو عالم فاضل وخطيب ماهر، هاجر إلى النجف الأشرف لطلب العلم مع اخيه الرضي عام ۱۳۱۷هـ وانتهل من ذلك النمير واغترف من معين آل محمد عليهم السلام ما نال به مرتبة عالية ومكانة متقدمة وتتلمذ على الأساطين من اساتذة الحوزة حتى نال ثقتهم واعتزازهم وزودوه بوثائق الاجازات العلمية والوكالات الدينية كوكالته عن السيد كاظم اليزدي وشيخ الشريعة الاصفهاني، وإلى جانب ذلك كان يمارس خدمة المنبر الحسيني خطيبًا ألمعيا بارعا فقد كان يرتاد موطنه للخطابة الحسينية فيها حتى أيام دراسته ثم يعود بعد انتهاء موسم الخطابة لاستكمال دروسه ومتابعة بحوثه حتى إذا عاد بعد رحلة النفر العلمي فقيها وخطيبا استقر في بلاده موجها ومرشدا وداعيا مجددا وما برح كذلك حتى وافاه الأجل في الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول عام ۱۳۲۰هـ.

ومن الظواهر التي لمحتها في تاريخ شخصيات هذه الأسرة ظاهرة شبه متسلسلة أن الشيخ بن الحاج والحاج ابن الشيخ، ولا يخفى أن بين هاتين الصفتين عموم و خصوص من وجه فكل شيخ حاج عادة وليس كل حاج شيخا حسب العرف المتداول والاستعمال المعروف لمصطلح الشيخ على رجل العلم وعالم الدين، ويبدو أن بعض ابناء أهل العلم مع صلاحهم وتقواهم لا يسلكون طريق آبائهم في طلب العلم حتى يأتي دور الحفيد فريما مضی على طريق اجداده وهكذا كان شيخنا المترجم بن الحاج موسی بن الشيخ رضي الصفار فهو من أعلام الأسرة المعاصرين ومن رجال الفضيلة والدين ومن خدّام سيد الشهداء الحسين عليه السلام.

زيه الديني:

آراؤكم لا السيوف البيض قام بها لله في الأرض تكبير وتهليل أرست منار الهدى في كل مملكة هذه العمائم لا تلك الاكاليل اعتادت المجتمعات العالمية على اتخاذ أزياء متعددة للهيئات والأصناف وسائر الطبقات والفئات الاجتماعية، وغالبا ما يوحي المظهر الخارجي للزي بانتماء الشخص المهني والاجتماعي بل العرقي أو الاقليمي فالمجتمع العربي في دول الخليج يختلف في لباسه ويتميز عنهم في دول المغرب العربي مثلا، وتاريخيا لباس أهل العراق يختلف عن لباس أهل الشام، وألبسة بلاد الهند تغاير ألبسة بلاد فارس و اللباس الأوربي يختلف عن الافريقي مثلا وهكذا نرى الزي العسكري والزي الجامعي والزي الوطني و الزي الخدماتي وغيرها من الأزياء المتعددة فقد (تعددت الأزياء والجسم واحد) وعادة ما تحدد هوية الانسان وتصنف شخصيته من خلال لباسه ومظهره الخارجي.

ومن تلك الازياء المتميزة في البنية الاجتماعية الزي الروحاني أو اللباس الديني، وكذلك يميز رجل الدين المسيحي من الحاخام اليهودي والسني من الشيعي. ولا ريب أنه زي مقدس ولباس خطير ينبغي الحفاظ على حرمته وتوقير قدسيته، وتجنب ما يشينه ويسئ إلى سمعته، فليست الاساءة في هذا المورد شخصية أو فردية بقدر ما تكون نوعية مضاعفة لان هذا اللباس يعطي صبغة القدوة ويوحي بالاستقامة والتقوى.

 ولكل لباس آدابه وشرفه ومسؤولياته، فليس من حق أي انسان ان يرتدي البدلة العسكرية ويحسب على هذا الصنف وهو ليس عسكريا فهناك القوانين والأنظمة التي تلاحقه وتحقق معه وتكشف نواياه وتضبط أهدافه ومقاصده من وراء هذا الانتحال والتقمص فلا يمكن أبدا أن يلبس أحد زيا لرجال الشرطة إذا لم يكن شرطيا حقيقيا.

وبناء على هذا لا يسعنا التهرب من الاعتراف بأن الأبواب مشرّعة لانتحال الصفة الدينية والتلبس بلباس أهل العلم والدين بلا ضوابط ولا مقاييس ولا أنظمة ولا قوانين، فبإمكان أي انسان ان يعتمر عمة ويرتدي جبة ويظهر مظهر العالم الديني ويقضي ما شاء من مآرب وأهداف.

ومن ناحية أخرى ليس اللباس الديني دليل على العلم و العبقرية بل ولا دليل على التدين الحقيقي والخلق والاستقامة فالمرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه كما يقول امير المؤمنين عليه السلام وهناك من يفاخر بحجم عمامته واناقة هندامه.

لا تفخرن بعمة كثرت مخارجها كبيرة

سكنت بها كوم العجاج فصيرتها كالحصيرة

قد يدرك الشرف الفتى يوما وعمته صغيرة

ومن أخطر المخاطر وأفدح الخسائر الدينية والاجتماعية إذا ما اضطربت عقيدة هذا الصنف أو انحرف سلوكهم أو ساءت أخلاقهم وقديما قال المصلح المعروف الشيخ محمد عبده

ولست أبالي أن يقال محمد

أبل أم اكتظت عليه المآتم

ولكن دينا قد أردت صلاحه

أحاذر أن تقضي عليه العمائم

وكم حدثت من صدمات مخيفة وردود فعل عنيفة من قبل بعض المتطرفين لأنه اجتاز بتجربة او اصطدم ببعض هؤلاء أو رأى فعلا مشينا متعمدا أو مخالفة شرعية صريحة فاخذ من هذا الفرد أو هذه المجموعة تعميما لكل الصنف والنوع ولا أدري ان كانت أبيات شاعر الشعب السيد محمد صالح بحر العلوم تنطبق على هذا المعنى حيث يقول:

ليتني أسطيع بث الوعي في هذي الجماجم

 وأصون البشر للمخدوع من شر البهائم

وأصون الدين عما ينطوي تحت العمائم

فربما اصطدم ببعضها فرسم هذه الصورة المتطرفة وسجل هذه القطعة المتشائمة، فلا يوجد من يدعي بأن هذا المجتمع مجتمع ملائكي أو أن هذه الفئة تمتلك حصانة أو عصمة من الخطأ أو المفارقات، وانما تبقى القوانين البشرية هي السائدة والمتحكمة في هؤلاء المخلوقين من دم ولحم واعصاب وعواطف ومشاعر ورضا وغضب وأهواء وتأثر وتأثير ومنافع ومصالح وغيرها مما يتأثر به الإنسان عادة.

فليس للّباس والزي والمظهر الخارجي أي دخل في صيانة الانسان من الانحراف او الخطأ، نعم ينبغي بل يجب على من يندرج تحت هذا العنوان المقدس ويحتسب على هذا الصنف المتدين أن يراعي حرمة الصنف ويصون كرامة اللباس ويلتزم بشرفه وقداسته.

وبعد هذا فلا ادري لماذا اسلس القلم القياد حتى تقحم في هذا المضمار وخاض هذا الخضم الخطير بنزف و اسهاب وإطالة واطناب متخذا من حقل الزي الديني لخطيبنا المترجم ذريعة لهذه النفثات ووسيلة لهذه الملاحظات فنعود إلى القول أن خطيبنا اعتمر العمة ولبس تاج الفخر بذكرى المولد النبوي الشريف ومولد الحفيد الصادق عليه السلام في السابع عشر من شهر ربيع الأول على يد العلامة الشيخ فرج العمران في منزل ولده الشيخ حسين في محفل عامر شارك فيه الأدباء والشعراء والخطباء بالتهنئة والتبريك وكان من بينهم الشيخ ابراهيم بن الحاج عبد الله الغراش مهنئا بقصيدة معبرة بهذه المناسبة تحت عنوان:

تاج العلم وسمة المتعلمين

تاج العالم وسمة المتعلم

العلم نور به الألباب تعتصم

حقاً وينجاب عن إشراقه الظلم

فكن له ساعياً بالجدّ مجتهداً

وخلّ عنك أناساً منه قد سئموا

فالناس قسمان إن تسأل أجبك فذو

علم ومن في بحار الجهل مرتطم

فحارب الجهل تظفر بالمنى أبداً

وانصر ذوي العلم إذ هم للهدى علم

فكم أناروا عقولاً وهي مظلمة

لما ألمّ بها من جهلها لمم

وأوضحوا غامضات العلم فاتضحت

وبان للناس أنّ الدين منتظم

فاخضع لأقوالهم يا ذا الحجى فبهم

تحظى بسعدك إذ هم منقذوك هم

فكم يعانون في ذا الأمر من نصب

كي يوضحوا لحيارى الناس نهجهم

فهم أولو الأمر من بعد الهداة لنا

وهم لنا بعد أهل البيت معتصم

لا غرو لو شمخوا فضلاً وفاق عُلاً

على دم الشهدا حقاً مدادهم

وهم أمان لمن أضحى لهم تبعاً

يوم القيامة فليخسأ عدوهم

هذا أبو حسن عين القطيف ومن

أضحت به الخط بالإيمان تعتصم

أعني بذا فرج العمران من ثبتت

على ذرى المجد والعليا له قدم

فكم هدى حائراً من ظلمةٍ لهدًى

واستنقذ الناس من هُوَاة جهلهم

وأطلق الفكر من قيد الهوى فأتت

شبيبة الخط نحو العلم تزدحم

جاءت إلى النجف الأسمى مهاجرة

للعلم تسمو بها نحو العلا الهمم

مثل (ابن موسى) ومن ينميه مرتقياً

إلى العلا جده العلامة العلم

أعني الرضي رضي الدين والخلق الـ

ـكريم نسل كرام طبعها الكرم

ذاك ابن موسى الذي سمّاه بالـ(حسن) 

العلاء والفضل والتوفيق والشمم

أتى ليبني كما كانت أوائله

تبني ويرسم هدياً مثلما رسموا

لذاك تاقت إلى لبس العمامة منـ

ـه النفس وهي بتاج العلم تتسم

وقد أتى مستشيراً شيخنا فرج الـ

ـعمران إذ رأيه حزم ومعتصم

فقال: يا حبذا تاجاً فجاء بها

مثل الهلال فهنئ من بها غنموا

هنيء ذوي العلم بالتيجان تلبسها

بل هنئ التاج إذ يعلو رؤوسهم

هم هدى للورى إن غمة دهمت

وهم عماد لهم إن زلت القدم

لا تسأم العلم إن شئت النجاة فما

ناجٍ سوى من هم للعلم قد علموا

واستسهل الصعب بالصّبر الجميل فلا

يصاحب النصر إلا الصّابر الشّهم

واختر لنفسك خلاً ليس ذا حسدِ

فحاسد الناس لا تزكوا له شيم

وجاهد النفس أن تدنو لموبقة

فإن دنت ندمت مثل الأولى ندموا

وكن صبوراً إذا وافتك معضلة

فكل ذي مسكة بالله يعتصم

ثم أعقبه الخطيب الشيخ جمعة الحاوي بقصيدة افتتحها بذكرى المولد الميمون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنوانها:

الفرحة الكبرى

ولد المربي للبرية أحمد

فغدت له الدنيا ضياً تتوقد

قد جاء يحمل للأنام نجاتهم

أنعم به فهو العظيم المرشد

والله بالظفر الكبير معينه

وله النجاح على العداة يُقيّد

اليوم قلبي فيه حلت فرحة

كبرى وأخرى في الفؤاد تؤكد

فالفرحة الكبرى بمولد منقذ

أعني به المبعوث وهو محمد

ولنا الكرامة إذ نشيد بذكره

ولأجله نلقي الثّنا ونردّد

إنّ القوافي قد قصرن ولم تكن

وفّته حق المدح وهو الأمجد

والفرحة الأخرى بشهم طيبٍ

(حسن) به أمل النجاح موطّد

لبس العمامة وهي خير أمانة

للدين عند المرء إذ هي تشهد

ترك البلاد وجاء يطلب للعلا

بالعلم حيث بذاك لا يتردّد

والعلم إن كان الرشاد طريقه

أكرم به فهو الطريق الأرشد

أما إذا كان الدّمار طريقه

أسوء به وإلى الجحيم يخلّد

سرْ يا ابن موسى للعلوم مشمراً

إن الطريق إلى العلوم ممهّد

واحفظ أمانتك العمامة وارعها

واترك أناساً هم لقدرك حسّد

وإليك يا علامة (الخَطّ) الذي

قد صارت الدنيا بفضلك تشهد

أعني به فرج القطيف فإنه

علامة وعلومه لا تُجحد

وعليك من لطف الإله حراسة

لا تستطيع بأنْ تقابلها يد

صلّى الإله على النبي وآله

في كل وقت ذكرهم يتردّد

وأعيد قولي بالثناء مكرّراً

ولد المربّي للبريّة أحمد [2]

دراسته:

افتتح مسيرته التعليمية الأولى في طفولته المبكرة بتعلم القرآن الكريم بمدارس أهلية في بلاده، ثم التحق بالمدارس الرسمية وقطع المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وانعطف نحو مبادئ الدراسات الدينية ومقدماتها عند مشائخ بلاده ثم هاجر إلى حوزة النجف الأشرف عام ۱۳۹۱ هج وتلقى دروسه الحوزوية متتلمذًا على أفاضل الأساتذة وعلى أثر الضغوط السياسية وملاحقة علماء الدين في العراق انتقل إلى حوزة قم المشرّفة وواصل نشاطه الدراسي عبر حلقاتها العلمية، وكذلك تلقى بعض الدراسات الإسلامية في الكويت على أفاضل علمائها.

ويبدو لي أن توغل الأستاذ المترجم في الدراسات الفكرية والثقافيـة والاجتماعية والسياسية استأثر بالقسط الأوفر من اهتماماته فهو ذو ثقافة واسعة وشخصية اجتماعية وسياسية متمرسة و بروز هذا الجانب في سيرته أكثر من بروز دراسات الفقه و الأصول وما إليها مما يدرسه الطالب الحوزوي عادة.

ولذا نراه يمتلك رصيدا فكريا وثقافيا وحساً سياسياً رائعاً ويتضح ذلك جليا لمن استمع إلى محاضراته وواكب مسيرته وقرأ مؤلفاته .

مؤلفاته:

صدرت له مجموعة من الكتب والأبحاث طبع بعضها عدّة طبعات وترجم بعضها إلى مختلف اللغات ومن مؤلفاته المطبوعة

  1. ولكل أمة رسول/ ترجم إلى اللغة السواحلية.
  2. الصوم مدرسة الإيمان.
  3. الرسول طريق إلى القمة.
  4. الحسين ومسئولية الثورة/ ترجم إلى اللغة الفرنسية.
  5. رؤى الحياة في نهج البلاغة/ ترجم إلى اللغة الفارسية.
  6. الحسين رائد التضحية والفداء.
  7. ائمة أهل البيت رسالة وجهاد.
  8. الأمام المهدي أمل الشعوب/ ترجم إلى الفارسية.
  9. رمضان برنامج رسالي
  10. المرأة مسئولية وموقف / ترجم إلى الإنكليزية
  11. مسئولية المرأة.
  12. المرأة والثورة.
  13. مسئولية الشباب / ترجم إلى السواحلية والاردو.
  14. أعلنا الولاء بالدم.
  15. السجن أحب إلي.
  16. حياة الأئمة والتاريخ المزيف.
  17. كيف نقاوم الاعلام المضاد/ ترجم للفارسية
  18. كيف نقهر الخوف / ترجم للفارسية والفرنسية.
  19. كيف نقاوم الطغاة.
  20. خطر السقوط.
  21. رمضان وقضايا الثورة.
  22. الجماهير والثورة.
  23. الثورة والارهاب.
  24. فلنحطم الاغلال.
  25. النفس منطقة الخطر / ترجم للإنكليزية.
  26. النضال على جبهة الثقافة والفكر.
  27. التغيير الثقافي أولاً.
  28. قراءة في فكر الإمام الخميني /ترجم للفرنسية.
  29. رمضان دعوة لضيافة الله.
  30. لكي لا نحتقر انفسنا.
  31. القلب حرم الله.
  32. فئات العمل الرسالي.
  33. رسالة المجالس الحسينية.
  34. الأنانية وحب الذات.
شعره

اشتهر شيخنا المترجم بالخطابة والكتابة والإمامة والسياسة ولم يشتهر بقرظ الشعر ونظم القصيد، ولا يمنع أن تطغى تلك الشهرة على قريحته الشعرية فتغمرها، بيد أن من تمعن ببعض النماذج وتفحص بعض اللقطات الشعرية هنا وهناك في تقريظ كتاب، أو مديح شخصية، (أو تسجيل خاطرة، فضلا عن شعر أهل البيت عليهم السلام) يجد الموهبة الشعرية والملكة الأدبية واضحة على صياغة كلامه وتنضيد اشعاره وله قصائد وأشعار لم يتوفر لدي منها الآن سوى هذه النماذج البسيطة المنشورة على صفحات مجلة المرشد الغراء:

1/ قال مادحاً سماحة الامام المصلح العبد الصالح الحاج ميرزا حسن الأحقاقي الحائري دام ظله:

ومنبع العلم ليس يجتازه الفكر

وما للهوى نهيٌ عليه ولا أمر

تولد من قوم كرام وكلهم

تعالى على نهج الهدى لهم الذكر

فموسى أبوه قد علا هامة السهى

وماست سروراً حيث صار لها الفخر

وذاك أخوه قبله كان فطحلًا

علي ودون العارفين له الصدر

وذا علم لا زال فينا مرفرفاً

ليحيي ذكرى من حوى لهم القبر

له خلقٌ كالأولين من الأولى

بهم تمّ للإسلام في بدئه النصر

له بسمة إن يبدها تبتشر بها

وإن يرها بدر السماء لاختفى البدر

له هيبة تعلوه فرع من الذي

لهيبته قِدمًا غدا يرجف الحجر

ونهر روي إن أتيت لورده

إذا شئت شرباً منه ينتابك السكر

وإن أنشد الشعر القريض كأنه

مليك معلى جاء يخدمه الشعر

ولو جاء قرب البحر ينشد شعره

لفاض له شوقاً إلى شعره البحر

ولا حرجاً حدث إذا جاء ذاكراً

مناقب قوم للإله هم السر

عنيت بهم آل النبي محمد

وناهيك في تطهيرهم نزل الذكر

فأسأل ربي أن يطيل لعمره

فللدين والإيمان حقًّا هو الذخر

بحق إمام المرسلين وآله

عليهم صلاة الله ما طلع الفجر

2/ وله في رثاء المرجع الديني الراحل السيد محمود الشاهرودي:

حفر الحادث الأليم بقلبي

خندق الحزن والأسى والكآبة

وغشانا الظلام حيث أظلتنا

من الحزن والرزايا سحابة

فأخذت اليراع أستعطف الشعر

إذا باليراع يأبى الكتابة

وإذا القافيات تهرب مني

وهي قد عودتني الاستجابة

*****

أيها الراحل العظيم وداعاً

من قلوب أذابها الاشتياق

إن يكن جسمك الشريف حوته

بافتخار أرض المعالي العراق

ورأيت له هذه الأبيات مقرظاً بها كتاب لوعة الحزين للشاعر عبدالمحسن النصر:

يا حسينَ الخلودِ هي القوافي

باكياتٌ ترثيك يا بن النبيِّ

وتُنادي بنهضةٍ أحييت الدّيـ

ـنَ ودكّت عُروشَ آلِ أُميّ

حيث شادوا الضلالَ في كلِّ فجٍ

وأباحوا لكلِ فسقٍ وغيِّ

فغدا الدينُ منهمُ في انكسارٍ

ليسَ إلا الحسينُ شبلُ عليِّ

فتفاداه بالبنينِ وبالأﻫ

ـل وضحّى بكلِ طُهرٍ زكيِّ

فترى للشبابِ بسمةَ ثغرٍ

بينَ سُمرِ القنا وعطفِ القسيِّ

وإذا بالحسينِ يبدو صريعًا

بينهم عافرًا كبدرٍ مضيِّ

وبذبحِ الحسينِ قد شُيّدَ الديـ

ـنُ وأُرسي على أساسٍ قويِّ

ولَدَيْنَا الأعوادُ تشهدُ بالنّصـ

ـرِ وما حازَهُ سليلُ الوصيِّ

وأتت (لوعةُ الحزينِ) تُعزّي الـ

ـمصطفى بابنه بشعرٍ شجيِّ

قافياتٌ يزفها البلبلُ الغر

يدُ في الخطِّ ذو المحيّا البهيِّ

كم بها من على المنابرِ غنّى

وتلاها بصوتِه الجهوريِّ

فإذا ما شدا بها انهلّت العيـ

ـنُ بدمعٍ من المحبِّ سخيِّ

وهي ليست بحاجةٍ لثنائي

إذ سَمت فوقَ مدحِ كلِّ صفيِّ

لا ولا من يقودُها وهو شمـ

ـسٌ أشرقت في شُعاعِها الذهبيِّ

فهو في الناسِ مصلحٌ وخطيبٌ

عرفوهُ بالشاعرِ العبقريِّ

فلتدمْ أيها الخطيبُ بخيرٍ

وبعيشٍ من الهوانِ نقيِّ

وسلامٌ عليكَ ما غرّدتِ

الطيرُ فوقَ غُصنٍ نديِّ

معجم الخطباء للسيد داخل

*معجم الخطباء، داخل السيد حسن، الطبعة الأولى، 1997م، دار الصفوة، بيروت – لنبان، (ج3، ص 321 – 350)
[1] الأزهار الأرجية العلامة الشيخ فرج العمران ج9، ص 23.
[2] الأزهار الأرجية، ج14، ص47-55.

مؤلف كتاب معجم الخطباء