البشاشة وحسن الاستقبال

 

لا شيء يُسعد الإنسان كشعوره باهتمام الآخرين به، فذلك ما يعزّز ثقته بنفسه، ورضاه عن ذاته، ويشدّه إلى الآخرين.
إنّ فرح الإنسان باحترام الآخرين له أكثر من فرحه بعطاياهم المادية، وما نراه من ارتياح الطفل حين تحتضنه أمّه، أو يقبّله أبوه، أو يضاحكه أحد، هو تعبير عن هذه الحاجة العاطفية التي تواكب الإنسان طوال حياته، وإن تغيّرت مظاهرها وصور متطلباتها.
ومن العادات الجديدة الحسنة حفلات التكريم للمبدعين والمتميزين، التي تترك أثرا كبيرا في نفوسهم، وتثري مشاعرهم وأحاسيسهم، وتحفّز الآخرين للإبداع والتفوق حتى يحظوا بتكريم مماثل.
وكذلك أعياد الميلاد العائلية التي تمنح الفرصة للعائلة لإبداء الحبّ والاهتمام بكلّ فردٍ من أفرادها بمناسبة عيد ميلاده.
ويؤكّد الإسلام أهمية احترام الآخرين، وإبداء التقدير لهم، وإظهار الاهتمام بهم، فكلّ فردٍ من البشر هو مخلوق لله، وهو محلّ تكريمه، حيث يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...) ولا يحقّ لك أن تهين مَنْ كرّمه الله، وفي حديث عن النبي يعبّر فيه عن الناس بأنهم (عيال الله)، ومن الطبيعي ألّا يرضى الله بإهانة أحدٍ من عياله.
وقد اهتمت التعاليم الدينية بالتأكيد على مفردات سلوكية لتبادل الاحترام بين الناس وفي طليعتها البشاشة وحسن الاستقبال.
فحين يستقبلك إنسان بوجه طلق منشرح، ويقابلك بالبشاشة والترحيب، فإنّ ذلك يبعث البهجة والسرور في نفسك، ويشجّعك على التفاعل معه، وطرح ما لديك من أمور عليه، أما إذا استقبلك بوجه منقبض مكفهر، فإنك لن ترتاح ولن تتفاءل بلقائه. إنّ حسن الاستقبال هو مؤشّر الاحترام والتقدير، وهو ما يصنع أرضية العلاقة السلمية والتعامل الإيجابي بين الناس، بينما يوحي الفتور والجفاف بعدم الاهتمام بالطرف الآخر، وضعف الرغبة في التواصل معه. لذلك ركزت التعاليم الدينية على هذا الجانب، حيث ورد عن رسول الله أنه قال: (الق أخاك بوجهٍ منبسط). وعنه: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر).
وتتأكّد أهمية حسن الاستقبال بالنسبة لمن هم في موقع التصدّي لحاجات الناس ومشاكلهم، فإنّ من يقصدهم يكون تحت ضغط حاجته ومشكلته، وحين يُستقبل بفتور ولا مبالاة، فإنّ ذلك يضاعف عليه الضغوط، ويملأ نفسه بالتشاؤم والانزعاج. فالطبيب حين يستقبل مريضه، بصدر رحب، وطلاقة وجه، فإنّ ذلك يرفع معنويات المريض، ويجعله أكثر تجاوبا مع برنامج العلاج، بعكس ما إذا كان الطبيب جافًّا فاترًا في استقباله للمريض.
وكذلك الموظف حين يستقبل المراجعين، فإنّ لطريقة استقباله أثرا كبيرا على نفوسهم، وينطبق ذات الأمر على علماء الدين الذين يجب أن يتحلّوا بأعلى قدرٍ من الأخلاق السامية في استقبال الناس، والتواضع لهم، ليجذبوا الناس إلى الدين بأخلاقهم، وليكونوا قدوة بسلوكهم.
ونشير أخيرا إلى أهمية حسن الاستقبال للفقراء والمحتاجين، من قبل مسؤولي الجمعيات الخيرية، أو مكاتب العلماء، أو ذوي الخير من المحسنين، فإنّ الحاجة تُشعر صاحبها بالضعف، والسؤال فيه نوع من المذلّة، لكن حسن الاستقبال هو الذي يخفف الوطأة على الفقير والمحتاج، لذلك فإنّ الله تعالى يقول: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) أي لا تزجره ولا ترفع صوتك عليه. إنّ مراعاة مشاعر الفقراء والمحتاجين عندما يعرضون حاجتهم، أهمّ من إعطائهم المساعدة والدعم، وإذا رافق العطاء لهم شيء من الاهانة أو الجرح للمشاعر، فلا قيمة لذلك العطاء عند الله تعالى.
يقول تعالى: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى...) فالاعتذار للفقير عن المساعدة بكلمة طيبة يوحي بالاحترام والتقدير، خير من مساعدة يرافقها جرح لمشاعر الفقير وامتهان كرامته.