الشيخ الزهراني يُحاضر عن الأخوة الإيمانية في مجلس سماحة الشيخ الصفار
هناك في المنطقة المقابلة من وطننا الحبيب يعيش إخوة لنا يحملون همَّ التواصل والحوار مع الآخر والاستماع إلى الرأي والرأي المقابل، يجمعهم منتدى الروضة الثقافي الاجتماعي، هذا المنتدى الذي تأسس بهدف خلق ثقافة التنوع والتعايش مع الآراء بجميع أطيافها ومذاهبها، فهو كما يضم الحنبلي السلفي يضم الصوفي والزيدي ويستمع إلى الإسماعيلي والإثنا عشري.
ممثلًا عن هذا المنتدى حل ضيفًا على سماحة الشيخ حسن الصفّار في مجلسه العامر بالقطيف مساء يوم الأربعاء ليلة الخميس 19/12/1426ﻫ الموافق 19/1/2006م، كلٌّ من: الشيخ عدنان بن جمعان الزهراني إمام وخطيب جامع الروضة بجدة، والسيد الأستاذ زيد الفضيل الباحث والمؤلف من المذهب الزيدي، والأستاذ واصف الكابلي رجل الأعمال من الاتجاه الصوفي بمكة المكرمة.
وقد بدأ الشيخ الزهراني بالحديث محاضرًا عن أهمية الأخوة الإيمانية، فبدأ حديثه بأهمية التواصل بين جميع أبناء هذا الوطن، وذلك لأن الفرصة الآن مواتية في هذا الاتجاه، خصوصًا بعد أجواء الحوار الوطني وقرارات بلاغ مكة الأخير، اللذين شكلا دافعًا كبيرًا للسير في هذا الاتجاه.
وأشار إلى أن ما يدفعه إلى التأكيد على أهمية التواصل، هو أن جميع أبناء هذا الوطن هم مسلمون، تجمعهم رابطة الإخوة الإيمانية، فالتواصل بين المسلمين هو مطلب ديني قبل أن يكون ضرورة عصرية تفرضها الظروف الدولية والمحلية.
فالإسلام ـ من خلال النصوص الشرعية ـ يركز على أهمية الإخوة الإيمانية، لدرجة يمكننا اعتبارها تأتي في الدرجة الثانية بعد الإيمان باللّه سبحانه.
يقول تعالى مخاطبًا نبيه الكريم: ﴿وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[سورة الأنفال، الآيتان: 62 ـ 63].
ففي هذه الآية الكريمة يبين اللّه تعالى أن الرسول ينتصر بتأييد من اللّه تعالى وبوجود المؤمنين المؤتلفة قلوبهم حول الرسول.
أي إن المجتمع المسلم ينتصر بأمرين: الإيمان باللّه تعالى وبالأخوة الإيمانية الجامعة.
كما أن الرسول عندما وصل المدينة المنورة كان أول ما عمله المؤاخاة بين المسلمين.
ولو تمعّن كل منّا في الهدف الذي بعث من أجله الرسول لوجدناه يصب في هذا الاتجاه، فالرسول بعث ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، من الغي إلى الرشد، من الضلال إلى الحق، أي ليخرجهم من حال التفرقة والتباغض والكره لبعضهم البعض إلى أن يوحدهم على المبدأ الذي يوحدهم ويؤلف بين قلوبهم.
وحول مسألة الدعوات التي قد تظهر من بعض المسلمين وتدعو لتكفير فريق أو تبديعه أو تضليله وهدر دمه، أشار الشيخ الزهراني إلى ثلاثة أسباب، هي:
1. اتباع الهوى
فالمسلم الذي يقرأ النصوص الشرعية الصريحة التي تدعوه إلى حرمة المسلم على المسلم في دمه وعرضه وماله، ومع ذلك يستبيح لنفسه الدعوة إلى هتك حرمة أخيه المسلم بداعي البدعة أو الضلال هو متبع لهواه العصبي والمذهبي والطائفي في قبال النص الشرعي الصريح والواضح سندًا ودلالة.
وهذا النوع من الدعاة لا يعيش حالة من الإخلاص للّه تعالى فيما يدعو.
2. عدم النضج الفكري لدى الداعي
حيث أشار الشيخ إلى أنه من واقع الاحتكاك والتجربة تعرف على أطياف كثيرة تعمل في المجال الدعوي لا يملكون النضج الفكري، أو على الأقل في كثير من الأحيان قد يدعون إلى فكرة من دون أن يستوعبوها تفكيرًا وتحقيقًا علميًّا. وفي مسألة الاعتداء على الإنسان المسلم أو كرامته يجب أن يكون الداعي متحققًا ومتثبتًا فيما يدعو إليه، لأنه بهذه الدعوة ينقض ما صحّ عن رسول اللّه من تحريم المسلم على المسلم في دمه وعرضه وماله.
خصوصًا إذا أدركنا أن حركة الدعوة تجربة يعيشها جيل معين سينقلها للأجيال اللاحقة، وعلينا أن نترك لأجيالنا القادمة تراثًا صحيحًا ومُتأكَّدًا منه ومثبتًا بالأدلة والبراهين الشرعية الصحيحة.
3. الأولويات المنكوسة
وفي هذه النقطة يركّز على أن من أسباب تفرقتنا أننا نهتم دائمًا بما يفرقنا، ولا نبحث عمّا يجمعنا، وهذا بسبب ترتيبنا الخاطئ للأولويات، فمن المفترض أن تكون الأخوة الإيمانية في قمة أولوياتنا، وفي هذه الثقافة الإقصائية دائمًا ما تكون آخر ما نذكره ونتحدث حوله.
ويشير إلى أن بعضهم يتعامل مع المسلمين من خلال حديث الفرقة الناجية، وهو حديث لو رجعنا إليه من حيث الإسناد لوجدناه يفتقد للصحة وفقًا لقواعد الإسناد، ويمكن الجزم بعدم صحته.
ومع ذلك ينتشر هذا الحديث، وتغيب تلك الأحاديث المعتمدة والصحيحة التي تتحدث عن أهمية الوحدة والإخوة بين المسملين.
ومن المفترض أن لا ننساق وراء أي دعوة تدعو لنبذ بعضنا البعض، بل نطالب كل من يتبنى هذه الدعوات بالدليل والبرهان على ما يدعي.
وفي معرض الحديث عن أسباب الفرقة بين المسلمين ذكر الشيخ الزهراني أن من الأسباب أن بعضهم يعيش ضِيقًا في الفكر والأفق، فعندما يواجه موقفًا فكريًّا أو اجتماعيًّا أو شرعيًّا إما أن يكون اتجاهه إيجابيًّا أو سلبيًا، فيضع نفسه بين الإيجاب والسلب من دون أن يتصوّر أن هناك برزخًا بينهما، وهو التوقف والتروّي.
بينما أساس الموقف المسؤول أن لا يتخذ الإنسان موقفًا سلبيًّا أو إيجبابيًّا إلا على أساس البينة والدليل والبرهان، وإذا لم يحصل له الدليل عليه أن يتوقف دون أن يعطي رأيا. كما قال في ذلك الأديب المصري مصطفى الرافعي: «قل ما يجب كما يجب لا ما يمكن كما يمكن»، وفي هذه النقطة بالذات يرشدنا الرسول بقوله: «بئس مطية الرجل: زعموا».
وبعد ذلك تحدث الدكتور السيد زيد الفضيل[1] معقبًا على أهمية التواصل والوحدة بين المسملين، وذكر أن سبب التباعد والقطيعة أمران:
الجهل، لأن الناس أعداء ما جهلوا، فلأننا نجهل مقالة بعضنا البعض ينبذ بعضنا الآخر.
عدم التواصل المثمر، حيث إن للتواصل المثمر شروط، منها:
♦ مراعاة آداب وأخلاق التعامل مع الآخرين. وهذا كان حال الرسول في تواصله مع الجميع، وحال أهل بيته وأصحابه.
♦ الصدق في الحديث.
♦ الوعي، بأن نعي مقالة بعضنا البعض، ولا يتأتى ذلك إلا بأن يصغي بعضنا للآخر.
وهذه هي النقاط التي تأسس عليها منتدى الروضة الثقافي الاجتماعي بجدة.
وبعد كلمة السيد الفضيل أجاب الشيخ الزهراني عن أسئلة ومداخلات الحضور، ويمكن إيجاز هذه الإجابات في نقاط:
أن هناك توجهًا لتغيير المناهج التعليمية وحذف ما قد يكون عقبة أمام الوحدة والتواصل بين جميع أطياف هذا البلد. كما أن هناك كثيرًا ممن دخل سلك التعليم يحمل عقلية متفتحة ولديه مثل هذه الهموم.
أن فكرة إقصاء الآخر ليست منحصرة في الاتجاه السلفي المتشدد، بقدر ما هي تربية تربينا عليها داخل أجواء الأسرة، فما يقوله الأب يقصي رأي الأم وجميع الأبناء، وهكذا تعاملنا مع بعضنا البعض.
للقضاء على الفكر الإقصائي التكفيري يجب ألاّ نكون إقصائيين في تعاملنا معه، بل يجب علينا أن نوفر له الفرصة لطرح أفكاره ونشر كتبه الإقصائية التكفيرية، ونسمح للآخرين بنفس القدر بطرح أفكارهم وطبع كتبهم، فنوفر قدرًا كبيرًا من تكافؤ الفرص للجميع.
بما أن الفرصة مواتية الآن للتواصل مع بعضنا البعض يجب أن نشجع جميع المبادرات التي تصب في عنوان التواصل، لنكون وطنًا متماسكًا بوجود انتماء حقيقي وأخوة حقيقية تجمعنا وليست مصطنعة أو تابعة لوجود قوة سلطوية جامعة لها، بحيث لو ضعفت سلطة الدولة ـ لا سمح اللّه ـ أقدم بعضنا على محاربة الآخر.
أن القرآن الكريم ذكر اليهود والنصارى من أهل الكتاب كديانتين لا يمانع الإسلام من التعامل معهما، وذلك لعدم وجود ديانات أخرى يتعامل معها المسلمون في ذلك الوقت، وإلا فلا يوجد نص شرعي يحرم التعامل مع بقية الديانات الأخرى.
وفي النهاية تحدث الشيخ حسن الصفّار بكلمة شكر فيها الضيوف من منتدى الروضة، وأشاد بمشروعهم، وذكّر بأهمية نقطتين أشار إليهما الشيخ عدنان، هما:
1. أهمية التركيز على رابطة الوحدة بين المسلمين جميعًا.
2. عدم إغفال مسألة تكافؤ الفرص في طرح الآراء والأفكار لجميع الأطياف والتيارات. وذكر أن هذه اللقاءات يجب أن تعمّر في النفس الأمل، وهذه فرصة لنعرف أن هناك أصواتًا كثيرة من المعتدلين والعقلاء في هذا الوطن، كما أن هناك حالات تشدد في جميع المذاهب، ولكن على العقلاء دائمًا أن يتعاونوا حتى تتسع هذه الرقعة.
هذا وقد حضر هذا اللقاء عدد كبير من المواطنين من السنة والشيعة من علماء الدين والمثقفين والأكاديميين ورجال الأعمال واستمر اللقاء أكثر من ساعتين في أجواء تفاعل وارتياح من جميع الحضور.