التميز في التعليم رهان المستقبل

 

ورد عن الإمام علي أنَّه قال: «عَلى الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَدْأَبَ نَفْسَهُ في طَلَبِ الْعِلمِ وَلا يَملَّ مِنْ تَعَلُّمِه وَلا يَسْتَكْثِرَ ما عَلِمَ»[1] .

وعنه : «لا يُحْرِزُ الْعِلْمَ اِلاَّ مَنْ يُطيلُ دَرْسَهُ»[2] .

طلب العلم وكسب المعرفة يحتاج إلى بذل جهدٍ ذهني كبير، أشقّ على الإنسان من بذل الجهد البدني، لذلك نجد أنّ المتخصصين في العلم والمعرفة هم النخبة في كلّ المجتمعات البشرية، وإلى جانب الجهد الذِّهني يبذل طالب العلم مجهوداً بدنياً أيضاً، يتمثل في السهر وربما السفر والغربة، كما أنّ القيام بالتَّجارب العلمية العملية يحتاج إلى بذل جهد، وفي بعض الأحيان قد يستلزم خوض مغامرات وتحمل أخطار، وكم من الباحثين والمكتشفين والمخترعين ضحوا بحياتهم وهم يقومون بتجاربهم العلمية في المجالات المختلفة، لكنَّ العلم يستحق ما يُبذل من أجله، وكلّ ما يُقدّم في نيل العلم من تضحيات فذلك أمر مطلوب ومحبّذ عقلاً وشرعاً.

ورد عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: «لو يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ، وَخَوْضِ اللُّجَجِ»[3] .

والمراد بـ (سفك المهج) بذل النفوس، و(خوض اللجج) أي لجج البحار، تعبيرًا عن الصعوبات والمخاطر التي يخوضها الإنسان من أجل طلب العلم.

لماذا يستحق طلب العلم كلّ هذا العناء؟! 

إنّ قيمة الإنسان الحقيقية تكمن في العلم، وحينما أراد الله تعالى أن يبرز للملائكة قيمة المخلوق الجديد، أبرزها عن طريق العلم، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، فالعلم هو الذي يرفع مكانة الإنسان في الدُّنيا والآخرة، لهذا ورد عن أمير المؤمنين علي : «العِلمُ يَرفَعُ الوَضيعَ، وتَركُهُ يَضَعُ الرَّفيعَ»[4] .

وفي كلمة أخرى عنه أنه قال: «اكْتَسِبوا العِلْمَ يُكْسِبْكُمُ الحياةَ»[5] ،كلما اكتسب الإنسان علماً ومعرفةً أمكنه أن يطور حياته، كما أنّ كسب العلوم والمعارف الطبيعية تقرِّب الإنسان إلى الله، وتعزِّز الإيمان في نفسه، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وقد جاءت الآية في سياق الحديث عن آيات الكون ومظاهر الطبيعة والحياة.

لقد أصبح مقياس تقدم الأمم والشعوب في هذا العصر هو المستوى التعليمي والتقدم العلمي.

اختبارات نهاية العام

يستعدّ أبناؤنا وبناتنا لدخول اختبارات نهاية العام الدراسي، ونأمل أن يبذلوا قصارى جهدهم وغاية وسعهم، حتى يحققوا الأداء الأفضل ويحرزوا أعلى الدرجات.

توصيات

ضرورة التوكل على الله سبحانه وتعالى، فالجانب الروحي مهم جداً.

حينما يستعدّ الطلاب والطالبات ويدخلون قاعة الامتحان وهم في اتصال روحي مع الله تعالى، فإنّ ذلك يمنحهم التوفيق ويجعلهم أقرب للنجاح. 

تعزيز الثقة بالنفس والاطمئنان والثبات.

إنّ حالة الاضطراب والقلق عند الطالب أو الطالبة، في أيَّام المذاكرة والمراجعة، أو في وقت أداء الامتحانات، تؤدي إلى نتائج سلبية، بينما إذا كان الطالب واثقاً من نفسه، فإنه يكون أقدر على النجاح والأداء المطلوب. 

للعائلة دور كبير في تهيئة الأجواء المناسبة، من أجل أبنائها وبناتها للاستعداد للامتحانات، ورفع معنوياتهم حتى يجتازوا هذه المرحلة بنجاح. 

كما أنّ دعاء الوالدين لأبنائهم مهم جدًّا، وله أثر في حصول التوفيق، بل على كلّ المؤمنين أن يدعوا لأبناء المجتمع، فكلهم أبناؤنا، ونجاح أيّ واحد منهم يهمّنا جميعاً، لذلك دعواتنا في الصلاة وفي التعقيبات ينبغي أن تشتمل على هذا الجانب.

تحذير

أحذّر أبنائي وبناتي الطلاب والطالبات من بعض الجهات السيئة الشريرة، التي تحاول أن تستغل قلق الطلاب بترويج المخدرات والحبوب المنشطة، وقد سبق أن حذرت الَّلجنة الوطنية لمكافحة المخدرات من هذا الأمر، بعدما لوحظ في السنة الماضية وجود حملات لترويج الحبوب المخدرة والمنشطة!

وإذا انزلق الطالب أو الطالبة إلى هذا الطريق، فهناك مخاطر كبيرة لا تقف عند حدٍّ؛ لأنّ هذه هي الشرارة التي قد تقود إلى الإدمان والانحراف. 

على أبنائنا وبناتنا أن يعو هذا الأمر جيِّداً، ويتوكلوا على الله ويعتمدوا على اجتهادهم، وهم ليسوا بحاجة أبداً إلى مثل هذه الأساليب الخادعة.

إنّ نشاطهم يكون باندفاعهم الذاتي ورغبتهم وإرادتهم وإصرارهم على النَّجاح والتفوق.

دلائل التفوق

بحمد الله تعالى فإنّ نسبة التميّز والتفوق في صفوف أبنائنا وبناتنا تبشّر بخير وتعزِّز الأمل بالمستقبل، فخلال الأسبوع المنصرم شهدنا تتويج خمسة عشر فائزاً في جائزة القطيف للإنجاز في نسختها السَّابعة.

كما شهدنا حفل (أولمبياد البحث العلمي والابتكار) لمدارس محافظة القطيف في نسخته الثانية، الذي أقامه نادي الخليج بسيهات، ضمن الشراكة التي عقدها النادي ممثلًا بلجنة الموهوبين، مع وحدة برامج الموهوبين بتعليم القطيف.

لقد كان الحفل رائعاً وجميلاً، يعزِّز أملنا بالمستقبل وثقتنا بأبنائنا، وقد تم هذا العام اختيار (60) مشروعًا بحثيًّا وابتكارًا من أصل (400) مشروع قدمتها ( 10) مدارس تحتضن فصول الموهوبين، وخضعت هذه المشاريع الستون لجولة تحكيمية من قبل معلمي الموهوبين بتعليم القطيف، وتم اختيار أفضل عشرة مشاريع، تم تكريمها في نهاية الحفل الذي أقيم مساء يوم الثلاثاء في سيهات بجوائز قيمة وشهادات تقديرية.

لقد سعدت جدًّا وغمرتني البهجة وأنا أرى شبابًا يافعين من المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وهم يعرضون ابتكاراتهم العلمية ومشاريعهم البحثية بكلّ ثقة وتطلّع.

مشاركات مميزة

عبد الله بن مراد آل يوسف في مدرسة السلام الابتدائية بسيهات عرض مشروع سيارة الإنقاذ في الخطوط الرئيسة، حيث يكون الاتصال بها عبر الأقمار الصناعية، في حالة تعطل السيارة أو وجود حادث، وذلك عبر الاتصال بالجوال.

يافع في المرحلة الابتدائية وهو يحمل هذا الهم، ويصمم مشروعاً بحثياً ابتكارياً، نرجو له التوفيق وأن يكون له مستقبل مشرق إن شاء الله. 

أحمد بن عادل العراجنة من مدرسة سعد بن عبادة المتوسطة بتاروت، قدّم مشروع إنتاج الطاقة من الملح الصخري، والملح الصخري موجود بكثرة في البحار.

طالب في هذه المرحلة يفكر بهذا المستوى، ويحمل هذا الهم ويضع مشروعاً، وعلى ضوئه يوجد بعض الأدوات التي يبتكرها لتنفيذ وتطبيق هذا المشروع.

محسن بن عبدالله زمزم من مدرسة دار الحكمة الثانوية بالقطيف، شرح لنا عن مشروعه لإنتاج صمام أمان ينذر الساكنين في حالة نسيان الغاز يشتعل.

محمد بن جعفر الشبيب، من مدرسة الجش الثانوية، ومشروعه عبارة عن استخدام الموجات الكهرومغناطيسية والفراغية في تحفيز نمو النباتات بصورة أسرع.

إنّ هذه المشاريع البحثية الابتكارية تعني أنّ عندنا والحمد لله كنوزاً من الطاقات والثروات، وما علينا إلّا أن نتوجه إلى هؤلاء الأبناء ونهتم بهم ونشجعهم، حتى يصبحوا في المستقبل علماء ورواداً مخترعين.

ما الفرق بين أبنائنا وأبناء المجتمعات الأخرى؟!

لماذا يكون في اليابانيين والأمريكيين والأوروبيين مخترعون ومكتشفون، ولا يكون في مجتمعاتنا كذلك؟! هل لنقصٍ في الذكاء والطاقة والكفاءة عند أبنائنا وبناتنا؟!

كلَّا وإنَّما هي الأجواء التي تتوفر هناك أكثر ممَّا تتوفر في مجتمعاتنا، فلنتلاف هذا التقصير، ونوفر الأجواء المناسبة لمجتمعاتنا.

إذا حصل الاهتمام من قبل الحكومات والمجتمعات والعوائل لتوفير أجواء التحفيز والتشجيع، فإنَّ أبناءنا يتمكنون من الارتقاء بمستوى أوطانهم على الصعيد العلمي.

نموذج مشرق

معلمة الفيزياء بالمدرسة الثانوية الأولى بالعواميَّة الأستاذة وجدان بنت محمد الفرج، مهتمة بتقنيات التعليم، حاصلة على عدد هائل يفوق الـ (50) دورة من دورات التقنية.

حققت الفوز ضمن مجموعة الابتكار وتوظيف التقنية في التعليم، وكسبت جائزة المجموعة الكبرى في منتدى تبادل الخبرات التعليمية العالي المنعقد في العاصمة الفرنسية باريس.

واختارت شركة مايكروسوفت المعلمة وجدان الفرج؛ لتمثيل المملكة قائدة ومحكمة في هذا المنتدى، في إطار الشراكة بين وزارة التعليم ومايكروسوفت السعودية.

وكانت وجدان الفرج قد ظفرت بالجائزة الكبرى في فئة المجموعات المطبقة لمهارات التفكير الحاسوبي، خلال فعاليات المنتدى العالمي الثاني لتبادل الخبرات التعليمية، الذي استضافته سنغافورة واختتم أعماله يوم الخميس ٢٧/٦ /١٤٣٩هـ

عوامل التميّز

التميّز في التعليم هو رهان المستقبل، وما هذا التميز والتفوق في صفوف أبنائنا وبناتنا إلّا دلالة على الجهد والاهتمام الذي تبذله الأسر والعوائل، والجهود التي تبذلها الدولة للارتقاء بالتعليم في الوطن، وكذلك بسبب الأجواء المحفزة في مجتمعنا، فالناس حين يستمعون إلى سيرة أئمة أهل البيت وتوجيهاتهم وتميزهم وتفوقهم، فإنهم يندفعون ويتأثرون بسيرتهم المميزة.

كان أهل البيت متميزين متفوقين، كانوا هم الأرقى وهم المثل الأعلى في عصورهم، بل وعلى مدى التاريخ وعلى من ينتسب إلى أهل البيت أن يسير على طريق التميّز والتفوق الذي ساروا عليه.

شكر وتقدير

ونحن في نهاية العام الدراسي لا بُدّ أن نتوجه بالشكر والتقدير للمعلمين والمعلمات، الذين بذلوا جهدهم في القيام بواجبهم ووظيفتهم التعليمية تجاه أبنائنا وبناتنا.

وقد أقيم بالأمس حفلٌ من قبل لجنة المناسبات التعليمية بمحافظة القطيف لتكريم أكثر من ثلاث مئة معلم ومعلمة متميزين ومتميزات في أدائهم التعليمي.

المعلم والمعلمة محور التعليم، وإذا أخلصا وقاما بوظيفتيهما وحملا هم الارتقاء بأبناء المجتمع فإنه ينتج النسب العالية من المتميزين والمتفوقين.

* خطبة الجمعة بتاريخ 7 شعبان 1440هـ الموافق 12 ابريل 2019م.
[1]  عيون الحكم والمواعظ، ص 328.
[2]  المصدر نفسه، ص٥٤٠.
[3]  بحار الأنوار، ج١، ص١٧٧.
[4] المصدر نفسه، ج٧٥، ص٦.
[5]  غرر الحكم ودرر الكلم، ٢٤٨٦.