رعاية المسنين وتوقيرهم

 

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾[سورة الإسراء، الآيتان: 23-24]

حين يتقدم العمر بالإنسان غالبًا ما تكون قواه معرضة للضعف والعجز، وكذلك قدراته الذهنية قد تتأثر بكبر سنه، فيفقد الكثير من ذاكرته، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ.

كما أنّ أحاسيسه ومشاعره النفسية تصبح مرهفة، تتأثر بأدنى الأسباب، وهنا يكون في حاجة ماسّة إلى العناية والرعاية في البعدين: الجسمي والنفسي. 

بالطبع إنّ العناية بالإنسان في مرحلة كبره وعجزه يكتنفها شيء من التعب والمشقة، فهي تختلف عن رعاية الطفل الصغير، فالأم والأسرة ترعى طفلها في أجواء من البهجة والسرور؛ لأنّها تتطلع إلى مستقبله وتعقد عليه الآمال، والأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الكبير في السن، ففي النظرة الأولية يصبح عبئاً على من حوله والمحيطين به، لذلك فإنّ من يقوم برعاية المسن يحتاج إلى حافز ذاتي كبير، وفي الحياة المعاصرة تبدو المهمة أكثر إلحاحاً، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: زيادة عدد المسنين 

مع تقدم وسائل الرعاية الصحية وتطور الحياة، ارتفع معدل عمر الإنسان، وخاصة في المجتمعات المتقدمة، التي يتمتع أبناؤها برعاية صحية.

وقديماً كان الشخص الذي يتخطّى الأربعين من عمره، يصُنَّف في الجيل الثالث، جيل الشيوخ الذين قد يُستفاد في أحسن الأحوال من حكمتهم وحلمهم، لكن الاستفادة من نشاطهم المهني وخبرتهم العملية يكون ضئيلاً. 

وفي أواسط القرن العشرين، اتُّفِق في كثير من دول العالم على تحديد سنّ التقاعد عند الستّين. 

أما اليوم فقد رفعت كثير من الدول سن التقاعد إلى الخامسة والستين، فيما أُعفيت بعض المهن، كالفنون والبحث العلمي والتعليم الجامعي، من هذا الحدّ العمري. 

كما أنّ بلوغ سنّ الثمانين وأصبح أمراً لا يثير الدهشة والاستغراب، بل في بعض البلدان المتقدمة هناك أعداد متزايدة ممن قاربوا المئة عام.

ثانياً: كثرة انشغالات أفراد الأسرة

فقد تشعبت اهتمامات الانسان من عمل وظيفي، والتزامات اجتماعية، وبرامج رياضية، وتوجه ترفيهي، ومتابعة لدراسة الأبناء، وتوفير مستلزمات المنزل. بعكس ما كانت عليه الحياة في الماضي من بساطة ومحدودية في الاهتمامات والانشغالات. فكانت الفرصة متاحة أكثر لرعاية المسنين من قبل أبنائهم وأسرهم. أما في الزمن الحاضر فغن الانشغالات المتعددة صارت على حساب التفرغ لرعاية المسنين والاهتمام بهم.

ثالثاً: ضعف الدوافع الإنسانية والأخلاقية لسيطرة النزعة المادية المصلحية

في الماضي كانت العائلة الكبيرة تعيش في منزل واحد، أما اليوم فقد أصبح لكلّ فرد منزله الخاص مع زوجته وأسرته الصغيرة، وأصبح المسنون يعانون من الإهمال وقلة العناية اللازمة في مختلف المجتمعات الإنسانية.

«إنّ إساءة معاملة كبار السنّ تُعدّ إحدى المشكلات العالمية الموجودة بالبلدان النامية والمتقدمة على حدٍّ سواء، حيث إنه خلال عام 2017م، تعرض 15.7 % من كبار السنّ في العالم لأحد أشكال سوء المعاملة، حسبما تشير دراسة شملت 28 دولة من مناطق مختلفة بالعالم.

مما دفع الأمم المتحدة إلى إعلان اليوم العالمي للمسنين وذلك يوم (1/ أكتوبر) من كلّ عام.

أوضاع المسنين في المجتمعات الإسلامية

مع اهتمام مجتمعاتنا الإسلامية بالتعاليم الدينية، والأعراف والتقاليد الاجتماعية، إلّا أنّ هناك مؤشرات خطيرة لحالات من الإهمال للمسنين.

فقد أظهرت دراسة نفذها المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام، التابع لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، أن الكبار في السنّ يتعرضون إلى إساءات مختلفة، خصوصاً داخل المحيط الأسري، على رغم ما يحظى به كبار السنّ من مكانة خاصة في المملكة.

وحملت نتائج الاستطلاع الذي جرى بالتعاون مع برنامج الأمان الأسري الوطني، بعض المعلومات التي شكلت صدمة للكثيرين، إذ أشار (19%) من عينة الاستطلاع إلى أنّ كبار السنّ في المجتمع السعودي يتعرضون إلى الإيذاء الجسدي، وذهب (44%) لتأكيد تعرض الكبار للإيذاء النفسي.

وعلى صعيد الإساءة التي يتعرض لها كبار السنّ من جانب بعض الأسر، قال (48%) من عينة الدراسة إنّ المحيطين بكبير السنّ يستاؤون من كثرة شكواه وتذمّره، فيما أكد (43%) منهم أن من يحيط بكبار السنّ لا يلتزم مواعيدهم الطبية، ولا إعطائهم الأدوية في أوقاتها المحددة.

وعلى غير المتوقع، اتّفق (61%) من عينة الاستطلاع على أنّ كبار السنّ يعانون عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والغذاء الصحي، وهي مشكلة كبرى يتحمل عبئها المحيطون بكبار السنّ. 

وقالت نسبة عالية من أفراد العينة بلغت (81%) إنّ خدمة كبار السنّ في المجتمع السعودي تتم من خلال الاعتماد على العمالة المنزلية فقط.

في تعليقه على نتائج الاستطلاع، قال المدير التنفيذي للجمعية السعودية لمساندة كبار السن (وقار) عبدالعزيز الهدلق: «إنّ الإساءات التي يتعرض لها بعض كبار السنّ، خصوصاً من بعض المحيطين بهم، تبرز الحاجة الماسة للحملات التوعوية التي تنظمها الجمعية، والمحاضرات التي تُقام بين فترة وأخرى، لإرشاد الأسر لكيفية التعامل الصحيح مع كبار السنّ؛ لأنّ تقدم السنّ يرتبط في بعض التصرفات التي قد يراها البعض مزعجة، لكنها في حال كبار السنّ تبدو طبيعية، فقط تحتاج لكثير من التفهم، كي تمضي الأمور بصورة عادية»[1] . 

التغيرات المصاحبة لتقدم عمر الإنسان

التغيرات الفسيولوجية: ومنها، ضعف وظائف القلب والأوعية الدموية، وضعف الجهاز التنفسي، ووظائف الرئة، وكذلك ضعف الخواص الحسية لديهم، وزيادة مشاكل ضعف السمع والبصر، وكذلك يصاب بضعف الذاكرة بالنسبة للأحداث الحاليّة وتذكّر أحداث الماضي بشدّة.

التغيرات النفسية: التي تصيب المسن بسبب عدم قدرته على التكيف مع وضعه الجديد، فعادة ما يشعرون باليأس من الحياة، وبالوحدة والانعزال، وقد تتطوّر حالته إلى الاكتئاب، وأحياناً يحدث انفصام عقلي يصعب على المسنّ فيه الاندماج بالواقع.

ضعف وظائف الجسم الحيوية: بفقدان الكثير من أجهزة الجسم خصائصها الطبيعة، يصبح كبار السنّ أكثر عرضة للأمراض من غيرهم من الفئات العمرية، ومنها مرض الزهايمر، ويعتبر نموذجاً من الخرف الأكثر شيوعاً بين كبار السنّ.

دور الأسرة 

ينبغي لكلّ أسرة أن توصي أفرادها بالاهتمام بالمسنين، وأن يتنافسوا على خدمتهم وتوقيرهم، وتوفير احتياجاتهم المادية، وإحاطتهم بالاحترام والرعاية العاطفية، إنّ الأولاد بنين وبنات، وجميع أفراد الأسرة، يجب أن يتحملوا المسؤولية تجاه الوالدين والمسنين في العائلة، لا أن يتواكل بعضهم على بعض، فالله سبحانه وتعالى يؤكد على هذا الواجب إلى جانب عبادته وتوحيده، يقول تعالى:﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[سورة الإسراء، الآيتان: 23-24].

وعن الإمام الصادق : «لو علم الله شيئًا هو أدنى من أفٍّ لنهى عنه وهو من أدنى العقوق»[2] .

عن أبي ولاد الحناط قال: سألت أبا عبد الله الصادق عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ما هذا الإحسان؟ 

فقال: الإحسان أن تحسن صحبتهما، وألّا تكلّفهما أن يسألاك شيئًا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين[3] .

وورد عن رسول الله : «من عرف فضل شيخ كبير فوقره لسنه آمنه الله من فزع يوم القيامة»[4] .

عن أنس قال: أوصاني : «ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة»[5] .

وعنه : «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا»[6] .

الدور الاجتماعي

على المستوى الاجتماعي ينبغي السعي لقيام مؤسسات تُعنى بهذه الشريحة من المجتمع، ومن التجارب الرائدة (الجمعية السعودية لمساندة كبار السنّ «وقار»).

وهي جمعية خيرية مسجلة في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، تأسست عام 1437هـ، وتهدف لمساندة كبار السنّ ودعم حقوقهم، ورفع مستوى الاهتمام بمكانتهم ودورهم في المجتمع.

ومن الممكن تأسيس لجان في الجمعيات الخيرية والأندية الرياضية تهتم بأوضاع كبار السنّ.

هناك مبادرات تحتاج الى دعم وتشجيع، منها:

مبادرة نادي المسنين في التوبي بتأسيس مجلس يجتمعون فيه ويقضون وقت فراغهم، ويتم تفقد أوضاعهم وحاجاتهم

مبادرة (طيور السلام) وهي مجموعة معظمها من السيدات من مدينة سيهات، بمبادرة سيدة قالت: إنّ والدها توفي في المستشفى ولم يكن أحد من العائلة بقربه فخلّف ذلك غصّة في نفسها؛ مما دفعها لتشكيل المجموعة من أجل رعاية المسنين والتواصل معهم.

* خطبة الجمعة بتاريخ 18 شوال 1440هـ الموافق 21 يونيو 2019م.
[1]  جريدة الحياة 15 يونيو 2019م.
[2]  الكافي، ج٢، ص٣٤٩.
[3]  الكافي، ج٢، ص١٥٧.
[4]  بحار الأنوار، ج٧٢، ص١٣٧.
[5]  المصدر نفسه، ج٧٢، ص١٣٧.
[6]  المصدر نفسه، ج٧٢، ص١٣٨.