الدكتور الجزائري يُشيد كتاب سماحة الشيخ الصفار (علماء الدين قراءة في الأدوار والمهام) في مقاله: منابر طائفية ومنابر إسلامية
أشاد الدكتور جواد حيدر الجزائري بكتاب سماحة الشيخ حسن الصفار (علماء الدين قراءة في الأدوار والمهام) في مقالٍ له نشره مركز العهد الثقافي في موقعه على الإنترنت تحت عنوان: (منابر طائفية ومنابر إسلامية).ويتحدث الدكتور الجزائري في هذا المقال عن الخطاب الإسلامي الراهن وما يكتسبه من معوقات فنية وحركية جعلته مرتعا لكل العاشقين لإثبات ذواتهم و كل المنافقين المناشدين للقول دون الفعل و لوعاظ السلاطين.
وهذا نص المقال:
هناك عدة مسائل تحتاج لمطارحات و مناقشات علمية جدية و فاعلة على مستوى الاجتماع الإسلامي، لكننا في حراكاتنا الثقافية و السياسية اليومية نتغاضى الالتقاء بها و الحديث عنها، و لو تحدثنا عنها يكون حديثا يخدر الألم في وجداننا كي لا نثور على أنفسنا و مجتمعاتنا التي تزداد تخلفا، إذ في كل خلجات مجتمعاتنا أصبحنا ننتج الفساد بكل أشكاله من خلال تكريس اللامبالاة أو النقاش البليد أو التعصب المقيت، و هذه المسائل نخشى تداولها بصراحة كونها تثير فينا دفائن العقول و تكدر اللذات و تمحص التاريخ و تدعو إلى نكران الذات أمام الطهر و العظمة و التقوى الأصيلة في التدين الإسلامي، و يأتي في مقدمة هذه المسائل الخطاب الإسلامي الراهن و ما يكتسيه من معوقات فنية و حركية جعلته مرتعا لكل العاشقين لإثبات ذواتهم و كل المنافقين المناشدين للقول دون الفعل و لوعاظ السلاطين و ما إلى ذلك من نفوس خبثت و قلوب قست و عقول بيعت في سوق عكاظ للشعر و النثر...
للأسف لا نزال نعيش بثقافة الطائفية أكثر من عيشنا بثقافة الإسلام، قد يتبادر لأذهاننا سؤال لماذا؟ هذا السؤال الذي أصلا يوحي بالغرور الذاتي الذي يحركنا كل يوم في البيت و الحي و الشارع و السوق و العمل و في المساجد و في الحكومات و في الملتقيات و في الفضائيات، لا نستنطق كل هذه الأماكن و لكن نطل على الأقدس فيها و الأعرق بينها المساجد و بالتحديد المنبر ذلك المكان العظيم شأنه الخطير أمره إذا ما ارتبط بعنوان الطائفية و الذاتية و العصية بدلا عن الإسلام دين الحياة... !؟
الجواب بسيط: أغلب القائمين على مساجد الله في الزمن الإسلامي المعاصر يروون ضمأ المسلمين بمياه الطائفية المقيتة المعالجة في مخابر الإستكبار بأملاح الإستحمار والقابلية للاستعمار بدلا عن ماء الإسلام العذب الصافي، مما أوهن الأنفس و جعل الأجيال الإسلامية المتأخرة تعيش علل الإسهال الطائفي الذي يفجر العنف و التخلف و التعصب و ما إلى ذلك من عناوين الجاهلية الأولى.
إن من بين الأسباب التي فتحت المجال واسعا أمام المستكبر و الظالم و الصهيوني لان يتجرأ على المساس بالقرآن و بشخص النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و مراقد الأئمة الأطهار عليهم السلام ، هي المنابر الطائفية ، التي لا يسعها العجب و التعصب الغالب عليها أن تحرك خطابها الإسلامي إلا من خلال ثقافة الغرفة المذهبية لا ثقافة البيت الإسلامي، كل يتقوقع في محله و يعمل جاهدا للحفاظ على جمهوره ، بينما التاريخ و الحقيقة الإسلامية غير ذلك و بريئة من أهل هذه المنابر الأموية و العباسية و العثمانية الحديثة...
قد يتحرج بعض هؤولاء و يقول هذه عقيدتي و مذهبي و فهمي و تاريخي و ما هنالك من مفاهيم لم يفكر أبدا في أن يفتح نوافذها على الهواء الطلق و على أشعة شمس الوجود و التاريخ و القرآن ليرى ، هل بالفعل هذا هو الإسلام...
هذا المنطق لا يعني أن يصبح السني شيعي أو الشيعي سني و لكن ليفكر كلاهما ماذا يعني الإسلام الحقيقي ؟ و هل عندما يتشيع أو يتسنن يراعي الأصل الإسلامي الذي يجمع السني و الشيعي على مرتكز واحد هو: "لا إله إلا الله محمد رسول الله " الحياة لا الكلام؟ و هل يمكن مناقشة المختلف عنه ام لا ؟ إنها أسئلة متراكمة عبر التاريخ تحتاج لقطيعة مع الغرور الذاتي الذي أدامها و جذرها في عقول العامة من خلال بلادة أشباه العلماء و سيعهم الآثم في إنزال الخلافات العلمية إلى الشارع فأصبح من هب دب يتحدث عن الدين و عن الآخر بعيدا عن أدنى آداب و أصول البحث و النقاش ...
إنها الوقفة المصيرية مع الذات وطرح الأسئلة عليها وهي من درجات النقد الراقية حتى يخرج أهل المنابر من حالة ﴿وإذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة بالإثم ﴾ (البقرة /206) إلى حالة ﴿إنّ الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون﴾ (الأعراف/201) .
و في هذا الصدد أقول للمسلمين جميعا:راكتنا الثقافية و السياسية اليومية نتغاضى الإلتقاء الغجتماع الغسلامي كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو خليفة المسلمين ، يخاطب رعاياه ويقول لهم : ««لا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فإنّه مَنْ استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفّوا عن مقالة بحق ولا مشورة بعدل».»
و ما أدراك ما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي قال أيضا: "عجب المرء بنفسه دليل حماقة عقله".
لكن أين هم اهل المنابر الطائفية من هذا كله، أم أنهم لا يعرفون أمير المؤمنين عليه السلام، أو لعلهم فوق النقد...أيها المسلمون بكل أطيافكم و مشاربكم و مناهلكم و مقاصدكم ، المنبر رمز من رموز هذا الدين و لابد أن يقف فيه من هو أهله، يقف فيه الفقيه المسلم المثقف،العارف بزمانه الذي يحمل الإسلام الصحيح لا الطائفي المقيت، الفقيه الذي يراعي الإسلام الذي أوصى به ذات يوم أمير المؤمنين عليه السلام واليه على مصر مالك الأشتر رضوان الله عليه "أخ لك في الدين و نظير لك في الخلق"...
وليس المنبر عنوان لإطلاق الخطاب بإسم الدين الذاتي الاصطناعي الذي يروج للجزء بدل الكل و بالتالي ينتهي الكل بعد انتهاء أجزائه المتناحرة، و الحال أيضا بالنسبة لعنوان إمامة المسلمين، هذا كله من بين الأسباب الرئيسية التي شوهت مفاهيم الدين الإسلامي الحنيف و عطلت مقاصد الوحدة الإسلامية و إنحرفت بخير أمة إلى مقاصد مموهة و مشبوهة، هذا العنوان أصبحنا نطلقه على عواهنه لكل رجل يرتدي عباءة و يضع عمامة ويحمل سبحة ويجيد فن الخطابة دون أن نراعي أصول العنوان و أدبياته و أبعاده في الحراك الإسلامي العام...
إن المستجدات الإسلامية في الفترة الأخيرة بالعراق و إيران و لبنان و سوريا و مصر والمغرب العربي و إفريقيا الوسطى(نيجيريا)، فتحت باب التمحيص و المناقشة على مصراعيه ليفكر المسلم النبيه بأن الوقت قد حان للحاق بركب الحق الذي لا زيغ فيه و لا شبهة بين ثناياه، حيث بدا الإصلاح الإسلامي المنطلق الوحيد من خلال القسطاس المستقيم و أساسه يتحدد على مستوى مواقع الخطاب الإسلامي و يأتي في مقدمتها المنبر الإسلامي الذي فقد حريته و انفتاحه و روحانيته و رزانته و حكمته البالغة فأصبح ضيقا حرجا متعصبا طائفيا يغذي العقول بمفاهيم النزاع و الخلاف و السباب و الجهل و التعصب و القتل و التكفير و النفاق ...
إن غرف بيتنا الإسلامي أصبحت نتنة بأخلاقنا السيئة و فقهنا المادي للإسلام و أصبح مستقبلنا قاب قوسين أو أدنى من أمراض بني إسرائيل و النصارى... !؟ و النظافة هي العنوان الحيوي في البناء الإسلامي سواءا للفرد أو المجتمع و ما يتعلق بالتدين عموما...لابد أن ننطلق به من هنا ، لننظف عقولنا من خلال تنظيف منابرنا من عباد الطاغوت و النفس و المذهب و الطائفة و السلطان، لأنه السبيل الأسهل و الأتقى و الأرقى في التطلع الإسلامي المنشود...
لقد كتب الأخ العزيز المؤمن الفاضل الشيخ حسن بن موسى الصفار حفظه الله، كتابا منذ بضع سنين، قرأته في ليلة واحدة لأنه شدتني أفكاره بقوة حيث اعتمد الأخ الكريم على منهج الوحدة في الطرح هدفا و وسائلا و تنظيما، حيث أن معظم كتبه أخي الشيخ الفاضل حسن ذات طابع إسلامي رصين واع بالتدين الأصيل و القلم الحر كما التطلع الإسلامي، إنه كتاب "علماء الدين قراءة في الأدوار و المهام" تعمدت ذكره في ثنايا هذا التأمل لأنه قد يسهم أكثر في رفع الملابسات و تركيز الفكرة المحورية لدى القارئ المسلم الباحث و المهتم بأمور المسلمين...
خاتمة المطاف:
جاء هذا المقال كإرهاصة إسلامية، في الرد على أئمة الطائفية المقيتة في عالمنا الإسلامي المريض بسمومهم الفتاكة في كل يوم جمعة...
وبالأخص قصة هذا كله، أنني منذ أيام عند تواجدي بالجزائر، لزيارة الأهل، قصدت بعفوية أحد المساجد بالضاحية التي أسكن فيها لأداء صلاة الجمعة، فإذا بإمام (مع التحفظ بالنسبة لعنوان الإمام) المسجد يتلفظ بكلمات فحش و شتم و سب و تكفير لشيعة المسلمين أولا ثم للسنة المعتدلين ثانيا بأنهم منافقين و قد شوهوا السنة النبوية، خرجت متأسفا أسفا شديدا لا لهذا الكلام، لأنه طبيعي جدا بالنسبة للخوارج الجدد، و لكن أسفي الكبير لعدم مقدرة أي إمام على مستوى القطر الجزائري بان يشجب الجريمة النكراء التي تعرض لها مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام بسامراء ، و كأن هاذين الإمامين عليهما السلام يدخلان في زمرة الشيعة المسلمين و لا قداسة لهم عند السنة ، فلا داعي للشجب بمنابر الجزائر لأن الجزائر تاريخيا مسلمة سنية و نقطة إلى السطر.
سبحان الله، حكومة الجزائر بوزنها الثقيل في المنطقة المغاربية و العربية والإسلامية، لا تنتبه لهذا الجرم في حق النبي الأكرم بمساجدها، و حتى جريمة الكاريكاتير مرت على أهل بني مزغن بأسلوب"سيرة و انغلقت"...!؟
آه، عفوا نسيت أن الديموقراطية في بلاد النبلاء طائفية أيضا، فلا عجب إنها العلمانية المتسننة بالجزائر، السلام عليكم يا ابن محي الدين و يا بن باديس و سلاما يا مالك بن نبي فشروط النهضة عندنا قد صودرت ذات يوم لكنني لازلت أحفظها في ثلاجة قلمي، فلا تحزن...
في المحصّلة فكيفما كانت الديموقراطية التي هجرتني إلى الغرب الليبرالي، أقول شعب الجزائري مسلم و إلى الإنسانية ينتسب فمن قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب ...
أيها المسلم، أيها الجزائري، خذ للطائفية سلاحها و ابتر للفتنة لسانها و لا تهب...أدرك المواطنة فإنها قد سجنت و حكم عليها بالسجن المؤبد...
و اعلم انه"لاتزر وازرة وزر أخرى" فحركتك الإسلامية فيها الصالح و الطالح، فيها المنافق و التقي ، فيها التائب و النقي، فيها المسلم و الطائفي، فيها العميل و المخلص...
أيها الطفل في بطن أمك، تغذى بثقافة التقريب بدلا عن ثقافة الزوايا و الديوانيات و الأحزاب و الحركات و المستنقعات الطائفية، أروي عطشك بالفقه المقارن، بالتسامح و التعايش و الحوارالبناء، أنصت للمنابر الإسلامية الساهرة على رفع الظلم عن الناس و إصلاح أمة المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم و لم شملها بدلا عن المنابر الطائفية التي قتلت في التسعينات مستقبلا برمته و احتضنت إستعمارا جميلا في فجر الألفية الثالثة...عندما تولد ستولد شابا يافعا مؤمنا تقيا ورعا عالما عارفا بتكليفه، سوف تترك أمك تصلي خلفك و تبتهل لأن يوفقك الله لتحرير و بناء الجزائر أم النبلاء...قد أكون قد رحلت من الدنيا لكن سوف تجد أرواح الأمير عبد القادر و البشير الإبراهيمي ومالك بن نبي وغيرهم من المخلصين ليسموك مسلم الجزائري...
حديثُ المنابرِ هذا،هو حديث النقد والنصيحة والتسديد والوفاء و الوحدة و الإسلام...