الشيخ عبدالمحسن العبيكان: أتفاءل كثيراً بالاجتماع مع الشيخ حسن الصفار
وقد احتضن اللقاء صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز في قصره بالرياض مساء يوم السبت ليلة الأحد 25 محرم 1426هـ، واستمر اللقاء حوالي ثلاث ساعات دار خلالها حوار صريح بناء، اقترح على أثره سماحة الشيخ حسن الصفار على فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان الاطلاع على بعض المصادر الشيعية المعتمدة في التفسير والعقيدة والفقه، والتزم سماحته بتوفيرها لفضيلته، وقد بعثها إليه فيما بعد. وقد حضر اللقاء فضيلة الشيخ يوسف سلمان المهدي والأستاذ جعفر الشايب.
وهذا هو نص حديث فضيلة الشيخ العبيكان حول الموضوع كما نشرته جريدة المدينة – ملحق الرسالة، في الحلقة الثانية من المكاشفات التي أجراها الصحفي الأستاذ عبدالعزيز قاسم:
· سأنتقل إلى محور جديد يا شيخ عبد المحسن وأسألك عن موقف التيار السلفي من طائفة الشيعة.. وبلا مواربة واختصاراً للطريق أقول: في المشهد السعودي المحلي؟
أولاً تطلق لفظة (الشيعة) على شيعة علي رضي الله عنه الذين شايعوه من الصحابة وقاتلوا معه، ثم افترقت الشيعة إلى فرق منهم من خرج عن المنهج الصحيح الذي عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والسبب أنهم نسبوا أقوالاً إلى الأئمة الذين يرونهم معصومين، والعصمة للأنبياء والرسل فقط أما الأئمة فنحن نحبهم ونقدرهم، وربما أننا نقدرهم أكثر من غيرنا لأنهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن مأمورون على لسانه صلى الله عليه وسلم أن نجلّ أهل بيته ونكرمهم ونتقرب إلى الله بمحبتهم وإجلالهم.. أهل السنة عندهم إنصاف، وهم يأخذون الحديث ولو كان في سنده رجال من الشيعة، إذا عرفوا بالصدق، فالشيعة يعتمدون على أقوال عن الأئمة الاثني عشر بدون أن يكون هناك إسناد صحيح عنهم، ولو ثبت لدينا ما يقول هؤلاء الأئمة فنحن أول من يتبعهم ويقتدي بهم، لكن أين الثابت عنهم، فقد قال عدد من علماء الشيعة منهم الشيخ حسن الصفار إن في كتاب (الكافي) الذي يعتبرونه مثل صحيح البخاري، قالوا فيه أحاديث غير صحيحة، نحن وإياهم نجتمع على رب واحد ونبي واحد فلماذا الاختلاف إذاً؟ لماذا القدح في الصحابة وشتمهم، وقد زكاهم الله ومدحهم رسوله صلى الله عليه وسلم؟ كيف نحب الرسول صلى الله عليه وسلم ونقدح في أصحابه؟.
هناك خلاف بين الشيعة أنفسهم، فقد حدثني أحد أئمة الشيعة في لبنان بأنهم يخالفون شيعة الأحساء ويخالفون شيعة إيران.. فلماذا لا يجتمع المسلمون على تحكيم الكتاب والسنة والرجوع إلى تصحيح الأحاديث والأقوال والبحث عن الأسانيد، أنا أعتقد أننا لو اجتمعنا نحن وإياهم في أن نصحح هذا التراث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة وما ينقل عن الصحابة لما حصل نزاع ولاتحدت الأمة.
هم داخلون في عموم المسلمين، والتكفير أو التفسيق ليس بالتعيين لأنه يحتاج إلى تحقق الشروط وانتفاء الموانع..
· إذاً أنت ياشيخ عبدالمحسن تدخل طائفة الشيعة في عموم المسلمين، غير ان اخواننا هؤلاء يشتكون بأنكم تكفرونهم..
ليس بصحيح.. هم يدخلون في عموم المسلمين، ولكن قد يرتكب بعضهم بعض المكفرات، فنقول هذا العمل أو القول كفري ولكن لا نكفر العامل به أو قائله إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع، كما نطبق هذا في أهل السنة الذين نرى أنهم ارتدوا، هذا قول محققي العلماء.
· كيف ترى انتشار الأحكام على هذه الطائفة في الكتب السلفية بالاستتابة والقتل إن لم يتوبوا، فكثير من المصادر العقدية السلفية تقول بهذا.
هذا الكلام فيه إجمال وليس بدقيق، القول بالتكفير والاستتابة بشكل عام خطأ، لهذا يقول جمع من المحققين: إن تكفير المعيّن لا يجوز إلا بعد أن تقام عليه الحجة ويعاند ويكابر.
كما نرى أن بعض أهل السنة والجماعة يطوفون على القبور ويسألون أصحابها تفريج الكربات وقضاء الحاجات، هؤلاء عملهم كفري لكن لا نكفر من كان منهم جاهلاً، لوجود مانع الجهل وهذا يطبق على الجميع.
· قلت ياشيخ عبدالمحسن للتو بأنه ينبغي أن يجلس علماء من أهل السنة ومن طائفة الشيعة مع بعضهم كي يصححوا كثيراً من الأحاديث وأسانيدها.. الشيخ حسن الصفار في مكاشفاته معي في ملحق (الرسالة) طرح مشروعا للتفاهم بين الطائفتين ملخصه: بأننا طيلة 1400 عام، لم يستطع أهل السنة تسنين الشيعة ولم يستطع الشيعة تشييع أهل السنة، ولم يك بينهم إلا الدماء والحروب والخلافات، وطلب الصفار بأن يقوم عقلاء الطائفتين بعقد اتفاق يعلن للأمة، تحترم الخصوصيات للطائفتين بحيث لا يكون هناك تعدّ مثل سبّ الصحابة أو النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من قبل الشيعة، وكذلك في المقابل لا يكفر السنة طائفة الشيعة، بحيث يقوم عقلاء السنة بردع الذين يكفرون تلك الطائفة، ولتجتمع الطائفتان على ما سماه التفاهم في قضايا منهجية ومصيرية عامة ومشتركة، كي تتوحد الأمة وتتجه إلى عدوها المتربص بها سواء كانت إسرائيل أم الامريكي الجاثم بالعراق، كيف تقيّم مثالية هذه الدعوة ياشيخ عبدالمحسن من واقعيتها؟
قبل عدة أشهر حصل اجتماع بيني وبين الشيخ حسن الصفار وبعض الشيعة في منزل سمو الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز جزاه الله خيراً، وهو من بادر في حصول هذا الاجتماع، واتفقنا أن نرجع إلى الأصول، ونبدأ في مناقشة الكتب التي يعتمد عليها الشيعة في بعض ما يعتقدونه، واتفقنا أننا نحكم الكتاب والسنة الصحيحة وأن ننبذ ما يعتقده بعض الشيعة في الصحابة من ذم وقدح وسبّ. وقد أرسل لي الشيخ الصفار بعض الكتب، ولم تسنح لنا الظروف أن نلتقي، ولعل اللقاء يتجدد للتفاهم لأنه ضروري وقد اقترحت بأننا إذا انتهينا من صياغة الوثيقة فيوقع عليها علماء من أهل السنة وعلماء من أهل الشيعة بحيث تكون ملزمة للجميع وتنشر بين الناس وتتحد الكلمة ان شاء الله.
· يبقى السؤال هنا: هل هذه مبادرة فردية منك؟ أم أن هناك جمعاً من العلماء في هيئة كبار العلماء وغيرهم يؤيدون مثل هذا المسعى الذي تقومون به؟
ما اقترحته هو باجتهاد مني وعرضته على بعض المشايخ الفضلاء فأيدوه.
· لكن الذي نعرفه أن جمعا ًمن علمائنا في السعودية لا يرون تقاربا مع هذه الطائفة؟
لا أعتقد ذلك.. إلا ان هناك من يقول إننا لا نقتنع بمصداقية الشيعة لأنهم يلجأون إلى التقية، هذا عذرهم، ولكنني أرى أن هذا من الخطأ، فغير صحيح أن نكون في منأى عنهم أو هم في منأى عنا هم من مجتمعنا ويعيشون بيننا ولا بد أن نصل نحن وإياهم إلى نتيجة، ومع التفاهم والنقاش والحوار إن شاء الله نصل إلى نتيجة مرضية، لأن كثيرا من الشيعة هم من العامة الذين لا يعرفون أصول الشيعة، وربما لو عرف الأصول غير المرضية، والتي ينكرها علماء الشيعة كالشيخ حسن الصفار ربما يعدل عن معتقده.
· أنا أحيي فيك شجاعتك الأدبية ياشيخ عبدالمحسن على هذه الخطوة التقاربية، وخصوصا أن رجلاً مثل الشيخ حسن الصفار يعتبر من عقلاء تلك الطائفة فهو يحرّم ويجرّم من يسبّ الشيخين وأم المؤمنين رضي الله عنهم، ولا يرى إلا مصحفنا، بل قرأ وتربى الرجل على كتب القرضاوي والغزالي وجملة من علماء السنة، ومن الحكمة إشهار مثل رؤيته ومساندته على الغلاة في طائفته؟
الحقيقة أنا أتفاءل كثيراً بالاجتماع مع الشيخ حسن الصفار، ولعل هذه بادرة أرجو أن تكون تحت مظلة الدولة، لتهيئة الأجواء..
· اسمح لي بمخالفتك الرأي بإقحام الرسمي في مثل هذه الحوارات، فقد تضعف نتائجها ويصرفها المعارضون إلى أنها نوع من الضغط والجبر اللذين مورسا عليكم كي تتجهوا بنتائجها إلى وجهة هو يريدها، ما زالت عقلية الستينيات هي السائدة، أتصور أن المبادرات الأهلية والفردية بعيدا عن المظلة الرسمية ستكون لها مصداقية كبيرة لدى المفكرين والعامة أيضا؟
أنا لا أقصد المظلة الرسمية التي فيها نوع من التعقيد أو الإلزام، إنما فقط تهيئة الأجواء والظروف وتشجيعها وجمع العلماء، فمثلاً لو طلبت أن يجتمع العلماء ربما لا يستجيب لي كل من أريد، ولكن لو كان تحت مظلة الدولة ودعي الجميع مثلاً للاجتماع في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فهذا جيد ويعطى الجميع الحرية في النقاش، وليس المقصود هو سل السيف والإجبار (لا إكراه في الدين) حتى غير المسلم لا تستطيع إكراهه للدخول في الإسلام. الحوار بين الطائفتين مطلوب، وأنا أرجو الوصول إلى نتيجة لعلها إن شاء الله تكون مقنعة وتتحد بها الكلمة.