الرؤية المشتركة
وصل إلى إدارة تحرير الموقع المقال التالي للأستاذ حسين علي حسين، كان قد كتبه تعقيباً على حلقات مكاشفات التي نشرتها جريدة المدينة – ملحق الرسالة مع سماحة الشيخ حسن الصفار، لينشر هذا المقال ضمن عمود الكاتب الأسبوعي في جريدة الجزيرة لكنه لم ينشر في وقته.ويسعدنا نشره تقديراً لكاتبه الفاضل:
الرؤية المشتركة
أجرت جريدة المدينة (ملحق الرسالة) حواراً مطولاً أداره الأستاذ عبدالعزيز قاسم، ونشر على عدة حلقات مع الشيخ حسن الصفار، ولعل أبرز ما لفت نظري في الحوار غير صراحة الشيخ حسن، هو فدائية المحاور، الذي اقتحم حقلاً مليئاً بالألغام نرجو الله أن يخرج منه سالما، فقد كان مبدأ الحوار مجازفة، بغض النظر عن مضمونه والذي هو أيضاً مجازفة أخرى، فلماذا هذه المجازفة طالما السلامة هدف بات مطلوباً، وهي سلامة أو سلام أشبه بما يقوله نجيب محفوظ: (هناك هدوء شامل على سطح الأرض لكن ما تحت قشرتها يفور كالمرجل)، ومع ذلك فالناس سائرون وكأن لا شيء فوقهم أو تحتهم، وحالنا في العالم الإسلامي كان سابقاً هكذا، تنطبق عليه مقولة نجيب محفوظ، لكن حالنا الآن انقلب رأساً على عقب، فبدأت بعض الثقوب في الأرض، وكل ثقب باتت تنطلق منه الحمم، بعضه في باكستان والآخر في العراق والله أعلم أين ستكون الثقوب الأخرى.. وهنيئاً لأمة ردمت كافة الفجوات التي تعتور مسيرتها، ردمتها بلطف وحرص وإتقان، فبدون ذلك سوف يكبر ويكبر الثقب الصغير ليتحول بعد ذلك إلى بركان قد يأخذ وقتاً ليخمد مخلفاً العديد من الخسائر في الأبدان والنفوس والثروات وهي خسائر قد لا يمكن تعويضها بسهولة!
لقد التقيت الشيخ حسن الصفار كثيراً، فوجدت أمامي عالماً عاملاً من الصباح حتى المساء، ولو وزعت ما يقوم به من أعمال على عدة رجال لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وقد رزقه الله بسطة في القول والعمل، وهو محاور جيد وعف اللسان وحاضر الحجة، ولا يرده عن بغيته في التحاور مع الآخر حاجز أو ظرف..
كل هذه الخصال جعلت منه هدفاً لمحبيه وأعدائه معاً، فقد حرك الرجل الجراح، جرحاً جرحا، ساعده الوقت والظرف على ذلك، وساعدته الصحف أو حرشته على ذلك وكان هو حاضراً، ليس لأنه محب للجدل ولكن لأنه مواطن أولاً، محب لأهله وأرضه، وبلاده أولاً وأخيراً، هذه البلاد التي أصبحت هدفاً بفضل بعض أبناءها الضالين أو الاقصائيين الذين اعتقدوا أن الحقيقة لديهم وحدهم وأن بإمكانهم إصلاح البلاد والعباد وفق رؤية ثبت خطئها بل أن دلائل فشلها تزداد يوماً بعد يوم، لقد أعطيت لهم الراية فلم يحسنوا توجيهها لخير الناس والعباد، فكان ما كان من أمرنا، حتى أصبح المواطن السعودي محاطاً بالشبهة في كل أرض يحط بها، بعد ما كان يحل على الرحب والسعة في كافة المطارات والفنادق، إنه الآن يتحاشى على سبيل المثال، السفر إلى الدول الأوربية والأمريكية، بل إن بعض الدول الإسلامية باتت تتعقبه حالما يحل على أرضها، وهذا المواطن أصبح اسمه حاضراً في ساحات القتال في أفغانستان والشيشان والعراق، كل هذه التطورات في الشخصية السعودية جرت على بلادنا العديد من المشاكل كنا في غنى عنها، بل أن بعض التيارات أغفلت اسم الوطن في خطبها ومقالاتها، حتى المدارس سادت في العديد منها رؤية أحادية الجانب اقصائية لكل ما يخالفها، وهو إقصاء شرس تجاه الآخر المختلف معها حتى ولو كان مسلماً!
لقد رأينا في السنوات الأخيرة أن المسلمين تحولوا شيعاً وأحزاباً، ومن لم يكن معنا فهو ضدنا.. إننا بحاجة ماسة لأن يعرف بعضنا بعضاً، وهذا لن يكون إذا لم تتوفر أرضية صلبة للحوار الحضاري الذي يخدم متطلبات وثوابت الآخر، وهي أرضية موجودة الآن عبر (الحوار الوطني) الذي أرساه سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وأعطاه كافة أوجه الدعم والمساندة التي تمكنه بإذن الله من أداء دوره في تقريب وجهات النظر بين كافة الأطياف، لما فيه مصلحة ونماء هذا الكيان الكبير. إن الحوار سوف يقودنا لمعرفة كل مواطن لدوره تجاه أهله وبلاده، بغض النظر عن أصله أو عرقه أو معتقده، فالدين لخلاص الإنسان وراحته ولم يكن أبداً مصدراً من مصادر التضييق والإقصاء ولا ينبغي أن يكون.. إنه دين الرحمة والهدى والتسامح والمودة، دين انضوى تحت لوائه عندما كانت الدولة الإسلامية قوية كافة الملل والطوائف، فأخذوا مالهم وأعطوا ما هو عليهم، عندما لم تكن هناك وسائل اتصالات جيدة، ونحن الآن في عصر توفر فيه كل شيء وانتقل فيه العلم والمعرفة إلى كل بيت بسرعة مذهلة، ومع ذلك فإننا ما زلنا بحاجة لتوجيه الدعوة ليفهم بعضنا بعضاً.. هذا الفهم هو سبيلنا وخيارنا في عصر التكتلات الكبرى، وهذا ما هدف إليه عبدالعزيز قاسم في حواره، وما سعى لإيصاله إلى الناس الشيخ حسن الصفار.. إن طول الطريق ووعورته ليس مبرراً لعدم عبوره أو قطعه، فعلى الطرف الآخر دائماً ضوء يهم الجميع، إنه ضوء المودة والرحمة والوحدة في القول والعمل.
حسين علي حسين